لمّا عزم على الخروج إلى العراق، حين كاتبه أهل الكوفة و راسلوه، أتاه عبد اللّه بن عمر (رضما) فقال له: يا ابن بنت رسول اللّه أين تريد؟ قال: أريد العراق قال: إنّ رسول اللّه خيّر بين الدنيا و الآخرة فاختار الآخرة، و إنّه لن ينالها أحد منكم، فارجع ، فأبى، فاعتنقه و قال له: أستودعك اللّه من مقتول، و السّلام .
[إخبار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بمقتله]
و قد كان (صلّى اللّه عليه [و آله] و سلّم) علم ما يصيب الحسين من بعده، أخبره به جبريل عن اللّه عزّ و جلّ، روت أم سلمة (عليه السلام) قالت: دخل النبيّ (صلّى اللّه عليه [و آله] و سلّم) فقال: احفظي الباب لا يدخل عليّ أحد، فسمعت نحيبه، فدخلت فاذا الحسين بين يديه، فقلت: و اللّه يا رسول اللّه ما رأيته حين دخل.
فقال: إنّ جبريل كان عندي آنفا فقال: إنّ أمّتك ستقتله بعدك بأرض يقال لها كربلاء، تريد أن أريك تربته يا محمّد؟، فتناول جبريل من ترابها فأراه النبيّ (صلّى اللّه عليه [و آله] و سلّم) و دفعه إليه.
قالت أمّ سلمة: فأخذته فجعلته في قارورة، فأصبته يوم قتل الحسين و قد صار دما .
[بيان الحسين عليه السّلام لأهدافه السامية من نهضته]
و يروى أنّ الحسين (عليه السلام) خطب حين أزمع على الخروج فقال: الحمد للّه، ما شاء اللّه، و لا قوّة إلّا باللّه، و صلّى اللّه على رسوله (صلّى اللّه عليه [و آله] و سلّم).
خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، و ما أولهني إلى أسلافي شوق يعقوب إلى يوسف و أخيه.
و [خير] لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي أنظر إلى أوصالي غبراء عفراء، تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس و كربلاء، فيملأن مني أجوافا جوفا، و أكراشا سغبا، لا محيص عن يوم خطّ بالقلم، رضا اللّه رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ليوفّينا أجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه [و آله] و سلّم) لحمته، هي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّبهم عينه، و ينجز لهم وعده.
من كان باذلا فينا مهجته، و موطنا على لقائنا نفسه، فليرحل، فإنّي راحل مصبحا إن شاء اللّه .
[إخبار النبيّ (صلّى اللّه عليه [و آله] و سلّم)عن مكان شهادته]
فرحل إلى الكوفة، فلمّا أن وصل إلى المكان الذي أصيب فيه و أحيط به قال: ما اسم هذا المكان؟/ 25/ قالوا: أرض كربلاء، فقال: صدق رسول اللّه (صلّى اللّه عليه [و آله] و سلّم) أرض كرب و بلاء ، و قال لأصحابه: ضعوا رحالكم، مناخ القوم مهراق دمائهم .
فلم يساعده أهل الكوفة، و لم يفوا بما شرطوا و ضمنوا له، و أسلموه و خذلوه حتّى قتل (عليه السلام) يوم الجمعة يوم عاشوراء بكربلا سنة إحدى و ستّين.
و يعرف ذلك المكان أيضا بالطفّ .
[قاتله]
قال أبو جعفر محمّد بن عليّ: قتله رجل من مذحج .
و قال مصعب [بن عبد اللّه] الزبير [ي]: قتله سنان بن أنس النخعي .
و قيل: قتله شمر بن ذي الجوشن، و كان أبرص، و أجهز عليه خولّى بن يزيد الأصبحي من حمير و أتى برأسه إلى عبيد اللّه بن زياد و قال له:
أوقر ركابي فضّة و ذهبا أنا قتلت الملك المحبّبا
قتلت خير النّاس أمّا و أبا
[مبلغ سنّه]
و كان عمره يوم قتل (عليه السلام) ستّا أو سبعا و خمسين، و قيل: أربعا و خمسين و الأوّل أصحّ .
[رجزه في ساحة القتال]
و كان (عليه السلام) يرتجز في اليوم الذي قتل فيه و يقول:
الموت خير من ركوب العار و العار خير من ركوب النار
و اللّه من هذا و هذا جاري
[نقش خاتمه]
و كان نقش خاتمه (رض): طالب الدنيا في تعب.
و قيل كان نقشه: علمت فاعمل .
[أولاده]
و كان له أربعة بنين: عليّ الأكبر و عليّ الأصغر [زين العابدين] و أبو بكر و عبد اللّه، و ابنتان.
و لم يعقب من الذكور من أولاده إلّا أبو محمّد- و قيل أبو الحسن- عليّ بن الحسين زين العابدين، فجميع الحسينية على وجه الأرض من عليّ بن الحسين .
[تسمية المستشهدين من بني هاشم]
و قتل مع الحسين من إخوته ستة نفر: عبّاس و عبد اللّه و جعفر و عثمان، و أمّهم أخت الشمر قاتله [ابن] ذي الجوشن أخزاه اللّه، و عبد اللّه و أبو بكر.
و قتل معه من ولده اثنان: عليّ الأكبر و عبد اللّه.
فأمّا عبد اللّه فإنّه مات صغيرا يرضع، أصابه سهم و هو في حجر أبيه فاضطرب و مات .
و أمّا عليّ الأكبر فقتل في المعركة، كان يحمل عليهم و يقول:
أنا عليّ بن الحسين بن عليّ إنّا- و بيت اللّه- أولى بالنبيّ
أضربكم بالسيف أحمي عن أبي
فحمل عليه مرة بن منقذ رجل من عبد القيس فطعنه، فضمّه الحسين عليه السّلام إليه حتّى مات ، و لم يعقب بإجماع .
و أبو بكر بن الحسين مات صغيرا قبل أبيه .
و كان عليّ بن الحسين زين العابدين مريضا في ذلك اليوم من لطف اللّه فبقي و لم يقتل، فأعقب، فجميع الأئمّة و الحسينيّة من نسله عليه السّلام.
و قتل مع الحسين عليه السّلام من أولاد أخيه الحسن ثلاثة: القاسم و عبد اللّه و أبو بكر .
و قتل معه من أولاد [عبد اللّه بن] جعفر بن أبي طالب اثنان: محمّد و عون .
و من أولاد عقيل بن أبي طالب أربعة: عبد اللّه و جعفر و عقيل و عبد الرحمان .
قال الحسن البصري رحمه اللّه: ما كان لهم يومئذ على وجه الأرض شبيه .
[بعض ما ظهر من الآثار عند قتله]
و روى ابن الجوزي في كتاب التبصرة عن محمّد بن سيرين (رحمه الله) قال: لمّا قتل الحسين اظلمّت الدنيا ثلاثة أيّام ثمّ ظهرت هذه/ 26/ الحمرة في السماء .
و قال ابن سعد: ما رفع حجر في الدنيا لمّا قتل الحسين عليه السّلام إلّا و تحته دم عبيط، و لقد مطرت السماء دما بقي أثره في الثياب حتّى تقطعت .
و قال السدي (رحمه الله): لمّا قتل الحسين (عليه السلام) بكت السماء و بكاؤها حمرتها .
قال الإمام أبو الفرج ابن الجوزي : لمّا كان الغضبان يحمرّ وجهه عند الغضب، فيستدلّ بذلك على غضبه، و أنّه أمارة الشخص، و الحقّ سبحانه ليس بجسم، فأظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين عليه السّلام بحمرة الأفق، و ذلك دليل على عظم الجناية.
و ناحت الجنّ عليه فسمعوا من قولهم:
مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود
أبواه من عليا قريش جدّه خير الجدود
قالت أمّ سلمة (رض): لما كان ليلة قتل الحسين سمعت قائلا يقول:
أيّها القاتلون [جهلا] حسينا أبشروا بالعذاب و التنكيل
قد لعنتم على لسان ابن داوود و موسى و حامل الإنجيل
قالت: فبكيت و فتحت القارورة فإذا الحصيات قد جرت دما .
[موقف الربيع بن خثيم]
و لمّا أخبر الربيع بن خثيم بقتل الحسين عليه السّلام قال : {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [الزمر: 46] .
[نياحة زينب بنت عقيل عليه]
قال الطبراني (رحمه الله): خرجت زينب الصغرى بنت عقيل بن أبي طالب إلى البقيع حين سمعت بقتل الحسين و أهل بيته تبكي على قتلاها بالطف و تقول :
ماذا تقولون إن قال النبيّ لكم: ماذا فعلتم و كنتم آخر الأمم
بأهل بيتي و أنصاري و خالصتي منهم اسارى و قتلى ضرّجوا بدم
ما كان ذاك جزائي إذ نصحت لكم أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي
[ما وجد منحوتا على حجر قبل شهادته بمئات الأعوام]
قال محمّد بن سيرين (رحمه الله): وجد حجر قبل مبعث النبيّ (صلّى اللّه عليه [و آله] و سلّم) بثلاثمئة سنة، و قيل: بخمسمئة سنة، عليه كتاب بالسريانية فنقلوها بالعربية فإذا هي:
أترجو أمّة قتلت حسينا شفاعة جدّه يوم الحساب
[رثاء الشافعي له]
و نقل أبو القاسم الفضل بن محمد المستملي أنّ القاضي أبا بكر سهل بن محمّد حدّثه قال: قال أبو القاسم بكران بن الطيب: بلغني أنّ الشافعي (رحمه الله) أنشد:
تأوّب همّي و الفؤاد كئيب و أرّق عيني و الرقاد غريب
و ممّا نفى نومي و شيّب لمّتي تصاريف أيّام لهنّ خطوب
تزلزلت الدنيا لآل محمّد و كادت لهم صمّ الجبال تذوب
و غارت نجوم و اقشعرّت ذوائب و هتّك أستار و شقّ جيوب
فللنبل إعوال و للرمح رنّة و للخيل من بعد الصهيل نحيب
فمن مبلغ عنّي الحسين رسالة و إن كرهتها أنفس و قلوب
قتيل بلا جرم كأنّ قميصه صبيغ بماء الارجوان خضيب
يصلّى على المختار من آل هاشم و يغزى بنوه!! إنّ ذا لعجيب
لئن كان ذنبي حبّ آل محمّد فذلك ذنب لست عنه أتوب
فهم شفعائي يوم حشري و موقفي و حبّهم للشافعي ذنوب؟
[رثاء بعض الأمراء له]
رثى الأمير عضد الدين محمّد بن عليّ بن أحمد بن عليّ بن عبد اللّه الوزير (رحمه الله) الحسين بن عليّ عليه السّلام و أهل بيته بأبيات كالماء الزلال بل أرق، أو السحر الحلال بل أدق:
بدت كربلا ملأى من الكرب و البلا فقوما معي في أرضها و قفا نبكي
بها قتلوا سبط النبيّ محمّد و باعوا هناك الرشد بالمال و الملك
و ضاعت دماء بالعراء عزيزة مكرّمة أذكى رياحا من المسك
فياويل أقوام طغاة تعرّضوا لتلك الدماء الفاطميّات بالسفك
إذا ما ذكرنا ذلك الخطب نابنا ضروب من الأحزان و الضرّو الضنك
و حلّ بأهل الأرض حرب لهذه المصيبة حتّى الروم و الهند و الترك
فتى أمّه بنت الرسول و صنوه غدا سيّدا في العالمين بلا شك
أبوه ابن عمّ المصطفى في الصبا اهتدى و لم يتلوّث ساعة قط بالشرك
و ليس يني في حبّ آل محمّد و نصرتهم إلّا أولو الجهل و الإفك
محبّوهم بالصدق يعطون كلّما يريدون للدنيا و للدين في و شك
و إن نكبوا يوما فذاك ليخلصوا كما يخلص الا بريز بالذوب و السبك
و من لم يكن مستمسكا بودادهم يقع في متاهات الضلالة و الهلك
إذا جاء طوفان البلاء فخاب من تخلّف من فرط الشقاء عن الفلك
و لاؤهم ماء فرات بلا قذى و ودّهم ورد طرىّ بلا شوك
أحبّ مع الآل الصحابة راشدا و عمّ بلا استثناء بعض و لا ترك
و كن لوداد الآل و الصحب كلّهم وجدنا: أولي الألباب و العلم و النسك .
المصدر: http://h-najaf.iq