ماذا يسمي المجتمع الدولي ما يجري في غزة اليوم بالمسمى القانوني، وحسب مسميات القانون الدولي؟
أليس ما تقوم به إسرائيل من حرب شاملة جوية وبحرية وبرية، ومن قتل وبطش للأطفال والنساء والشيوخ، ومن تدمير وتفجير للمنازل والمدارس ودور العبادة، ومن استعمال القوة المفرطة، والأسلحة المحرمة دولياً كالقنابل العنقودية والبوسفورية وغيرهما، ومن حصار وتجويع وتضييق على كل شيء، ومن منع لدخول المساعدات وتأمين الاحتياجات الإنسانية اللازمة والضرورية، ومن رفض صريح لوقف العدوان والأعمال الحربية والقتالية، ومن….
أليس هذه جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وإرهاب دولة! أليس هذه حرب إبادة حين يسقط العشرات والمئات من الجرحى والقتلى في بضع ساعات، وحين تستخدم ستون طائرة حربية في وقت واحد على شريط ضيق من الأرض، يبلغ طوله 40 كيلومتراً، وعرضه عشرة كيلومترات، ويضم ما يقرب من المليون ونصف المليون نسمة.
أليس هذه محرقة ومجزرة ومذبحة! أم أن هناك مسمى آخر يفضله المجتمع الدولي الأصم والأبكم والأعمى!
وما هذا الكيان الغريب الذي أقام وجوده الظالم على تاريخ متلاحق من الجرائم والحروب والمجازر المروعة والبشعة والوحشية، التي لم تنته أو تتوقف منذ قيام هذا الكيان إلى اليوم، فأي كيان هذا؟ وكيف ينظر هؤلاء لأنفسهم؟ وكيف ينبغي أن ينظر إليهم العالم؟
كيف لشعب تعرض لمحرقة مؤلمة، ونعترف لهم بهذه المحرقة المؤلمة، على يد النازيين الألمان قبيل الحرب العالمية الثانية، وصنعوا من هذه المحرقة ذاكرة جماعية لا تنسى عندهم، ويلاحقون بالويل والثبور كل من يشكك في هذه المحرقة، أو يتبنى رواية مختلفة عن روايتهم، وبنوا لأنفسهم هوية تتمحور حول هذه المحرقة لحفظ وحدتهم، ولكسب استعطاف العالم، وللتعبير عن حقهم في الوجود والبقاء، كيف لشعب تعرض لهذه المحرقة وهي في صميم وعيه وذاكرته ولا تفارقه، يقوم ليس بمحرقة واحدة فحسب، بل بمحارق مثلها بحق شعب لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بتلك المحرقة وهو الشعب الفلسطيني، بدل أن تكون هذه المحرقة مانعاً ومانعاً قوياً لهذا الشعب بالذات تردعه من القيام بمثل هذه المحرقة، أو حتى مجرد التفكير فيها، بل ومساندة أي شعب يتعرض لمثل هذه المحرقة، لكن الذي حصل هو خلاف ذلك على الإطلاق!
وهذا ما أشار إليه من قبل المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي حين قال (واجه اليهود بطشاً على طول تاريخهم، وصل قمته لدى النازيين، وعندما أقاموا كياناً سياسياً طبقوا على أهل فلسطين كل ما طبقه عليهم النازيون).
الأمر الذي يستدعي من الباحثين في العلوم الاجتماعية والإنسانية البحث في هذه الظاهرة، والعمل على تحليلها وتفسيرها في جوانبها النفسية والتربوية والاجتماعية والسياسية والتاريخية.
وبهذه الجرائم والحروب والمجازر أقامت إسرائيل كياناً هو الأسوأ من نوعه أخلاقيا في العالم المعاصر، ومن هذه الناحية الأخلاقية هو كيان فاشل، ولن يظل العالم يحتمله طويلاً، وسوف يضيق منه يوماً، ومن عبئه الذي لا يحتمل، وبدأت المؤشرات تتزايد وتتصاعد في الغرب والعالم على ذلك، ومنها الاستطلاع الأوروبي سنة 2005م الذي اعتبر إسرائيل هي الخطر الأول على السلام العالمي.
وفي الوقت الذي بدأت فيه العديد من الدول والمجتمعات تتنبه إلى ذاتها، وتتصالح مع نفسها، وتتخلص من ذاكرة الانقسامات التي مرت بها، وتصحح مساراتها ووجهتها، مثل جنوب إفريقيا التي كانت من قبل واحدة من أبشع الدول في ممارسة التمييز العنصري على أساس اللون، تخلت عن هذا النهج، وحكمها فيما بعد رجل ظل يوصف بأنه من أكثر رجالات السياسة أخلاقاً في مسلكه السياسي هو نيلسون مانديلا.
ومثل استراليا التي اعتذرت مؤخراً للشعب الأصلي فيها مما لحقه من حيف وظلم وتمييز، إلى دول ومجتمعات أخرى، وتظل إسرائيل على نهجها في ممارسة الجرائم والحروب والمجازر، وسوف يكشف العدوان على غزة أنها أسوء كيان في العالم من الناحية الأخلاقية1.
- 1. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الخميس/ 15 يناير 2009م، العدد 15482.