إن جزءً كبيراً من مشكلتنا ــ على الصعيد الفردي و الأُسري و الإجتماعي ــ هو إفتقارنا الى التقييم الصحيح المطابق للواقع بالنسبة لسيرتنا و سلوكنا في حياتنا الفردية و حياتنا الخاصة، و كذلك في حياتنا الأسرية و الاجتماعية العامة.
تقييم النفس و تصحيح الاخطاء
و من الواضح أن الإنسان إذا أخطأ في تقييمه لنفسه فسوف تكون خسارته عظيمة جداً، و قد لا يتمكن أبداً من تصحيح الخطأ و جبر الخسران لأنه قد لا يتصور تارة أنه على خطأ و قد لا يقدر على ذلك لفوات الآوان، و لعله يضاعف الجهد للوصول إلى الهدف الصحيح ــ حسب حساباته الخاطئة ــ لكنه سيكتشف بعد فوات الآوان أنه قد أخطأ الطريق و خانته التقييمات و الحسابات فهو من الخاسرين.
قال الله عَزَّ و جَلَّ: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ 1 .
فكم من إنسان قد أخطأ الطريق فسلك طريقاً لم يوصله إلا الى الخسران، فلابد لنا من أن نقف قليلاً فنتفكر و نحاسب أنفسنا ثم نسلك الطريق المراد سلوكه بعد التأكد من صحته و سلامته.
البصيرة و المحاسبة
إن من أهم الآليات التي تضمن النجاح في إختيار الطريق الصحيح و الوسيلة الناجحة للوصول إلى الهدف و تجنب الخسارة هي المعرفة الدقيقة و الشاملة التي تكون من نتائج البصيرة و المحاسبة الدقيقة قبل العمل و حين العمل و بصورة مستمرة.
قَالَ الإمامُ جَعْفَر بن محمد الصَّادق عليه السلام: ” الْعَامِلُ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ لَا تَزِيدُهُ سُرْعَةُ السَّيْرِ إِلَّا بُعْدا ” 2.
و قال عليه السلام أيضاً: “مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ وَقَفَ عَلَى عُيُوبِهِ وَ أَحَاطَ بِذُنُوبِهِ وَ اسْتَقَالَ مِنَ الذُّنُوبِ وَ أَصْلَحَ الْعُيُوبَ” 3.
ذلك لوجود الرؤية الواضحة المطابقة للواقع، و لإمكانية تلافي الأمور قبل فوات أوانها ببصيرة، ذلك لأن التقييم غير الواقعي قد يوجب الخسران، و يُفوِّت علينا فرصة معالجة الامور قبل فوات الوقت.
كما و أن ترك المحاسبة يسبب عدم معرفتنا لرصيدنا و منزلتنا الحقيقية عند الله، فلو كان تقييمنا واقعياً لكان الأمر أقل صعوبة و كنا أكثر توفيقاً في معالجة المشاكل و الأزمات و تصحيح الأخطاء.
قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: “مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يَعْلَمَ كَيْفَ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ مَنْزِلَةُ اللَّهِ مِنْهُ عِنْدَ الذُّنُوبِ” 4.
فلابد لنا من أن نحاسب أنفسنا حتى نقف على العيوب فنصلحها و لا ندعها تزداد و تتراكم.
- 1. القران الكريم: سورة الكهف (18)، الآية: 103 و 104، الصفحة: 304.
- 2. تحف العقول: لأبي محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني من فقهاء القرن الرابع الهجري/باب ما روي عن الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام).
- 3. عيون الحكم و المواعظ: 435، لعلي بن محمد الليثي الواسطي، المتوفى في القرن السادس الهجري، الطبعة الأولى، سنة 1418 هجرية، قم/إيران.
- 4. تحف العقول: 107 / باب ما روي عن الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام).