بسم الله الرحمن الرحيم
قرأتُ مقالاً يتحدَّث فيه كاتبُه عن أنَّ أمَّ الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، حيث يقول الكاتب إنها كانت من أصل فارسي، ويزعم الكاتب أنَّ هذا هو سر تقديس الشيعة للإمام الحسين عليه السلام، فهم يحبون كسرى ملك فارس؛ ولذلك يحبون الإمام الحسين ويحبون ذريته لأنهم نسل كسرى، بينما لا يقدسون الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، ولا يقدسون بقية أولاد الإمام علي عليه السلام..! ويوجِّه الكاتبُ خِطابَهُ إلى الشيعة العرب لكي ينتبهوا إلى هذه النقطة لأنها صادمة للشيعة العرب..!
وتعليقاً على هذا الكلام؛ أقول:
أولاً: الحب ودوافع الحب ودوافع التقديس أمرٌ يكمن في القلب، والذي يكمن في قلبه الحب والتقديس فهو يعلم جيداً بالذي يجعله يحب ويقدس، وبناء عليه: فالشيعة العرب يعرفون لماذا يحبون الإمام الحسين عليه السلام ويقدسونه، فمن المضحك قول صاحب المقال إنَّ المعلومة سوف تصدمهم..! فلو كانت المعلومة صحيحةً حقاً لعلم بها الشيعة العرب قبل أن يعلم بها صاحب هذا المقال.. فإن كان الشيعة العرب يعلمون بها فلماذا سينصدمون بإخبار هذا الكاتب الحاذق؟ وإن كانوا لا يعلمون بها فكيف يحبون ويقدسون وهم لا يعلمون السبب في التقديس؟ وكيف الشيعة أنفسهم لا يعلمون بها بينما هذا الكاتب قد اطلع عليها؟؟؟ أسئلة تبيِّن لنا مدى السُّخف الذي يتمتَّع به كاتب المقال..
ثانياً: لم يذكر لنا صاحب المقال دليله على صحة دعواه؛ فصحيح أن الشيعة يحبون الإمام الحسين (عليه السلام) ويقدسونه، ولكن كيف عرف كاتب المقال أن سبب هذا الحب والتقديس هي زوجة الإمام الحسين الفارسية؟؟؟ ولماذا لا يكون السبب هو حبهم لعمر بن الخطاب لأنها هدية منه للإمام الحسين عليه السلام كما يزعم الكاتب؟؟ فإن قال: لا يمكن ذلك لأنَّ الشيعة لا يحبون عمر بن الخطاب بل يبغضونه، فنقول: فكذلك بالنسبة للفُرس الكفّار؛ فإن الشيعة لا يحبون الفُرس الكفار بل يبغضونهم..
ثالثاً: لو اعتمدنا أسلوب صاحب المقال في التكلم بغير علم وإلقاء الدعاوي بلا دليل؛ لصح لقائل أن يقول: إن سبب حب أهل السنة للبخاري ومسلم هو أنهما من أصول غير عربية.. فالبخاري أعجمي، وكذلك مسلم من نيسابور.. بل كثير من علماء أهل السنة وسلفهم هم من أصول إيرانية.. فبناء على منطق صاحب المقال سنقول: سبب حب أهل السنة لعلمائهم هو أنهم ينتمون إلى أصول إيرانية وفارسية وعجمية.. يا له من منطق سخيف وأسلوب رخيص لا يصدر إلاّ من مرتزقة آل سعود..!
رابعاً: التقديس الشيعي للإمام الحسين يتجلى في اعتقادهم بعصمته وأنه إمام منصوب من الله تعالى، وهذا الاعتقاد والتقديس يشمل الإمام الحسن المجتبى عليه السلام كما هو معلوم.. فإذا كان سبب تقديس الشيعة للإمام الحسين هو أنه تزوج من امرأة فارسية، فما هو السبب في تقديسهم للإمام الحسن المجتبى عليه السلام مع أن أمَّه ليست فارسية؟؟؟ علماً أنَّ صاحب المقال كذب بكل وقاحة وقال إنَّ الشيعة لا يقدِّسون الإمام الحسن المجتبى عليه السلام؟؟؟ ولا ندري إلى متى سيستمر السلفية ومرتزقة آل سعود في العالم في اختلاق الأكاذيب على شيعة أهل البيت عليه السلام؟؟؟ مع أن هذه الأكاذيب تسببت في تشيع الناس؛ لأنهم سرعان ما يكتشفون الكذب ويدركون أن السلفية يتعمدون الكذب وأن الشيعة مظلومون، فيحصل التعاطف مع الشيعة ويتشيع الناس بالتدريج.. والحمدُ لِله الذي ينصر المظلوم ويخذل الظالمين والكاذبين..
خامساً: لو كان تقديس الشيعة للإمام الحسين عليه السلام نابعاً من حبهم للفرس وكسرى كما يدعي هذا الكاتب الكاذب؛ لظهر هذا الحب في شيء من مرويَّاتهم وثقافتهم المُدوَّنة في كتبهم.. في حين أننا لا نجد من ذلك عيناً ولا أثراً في كتبهم وتراثهم الديني.. بل نجد ما يناقض ذلك تماماً.. وكمثال على ذلك: في الكافي 3 : 299 : “وَلَا تُكَفِّرْ فَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمَجُوس”، وفي من لا يحضره الفقيه 1 : 130 : “إِنَّ الْمَجُوسَ جَزُّوا لِحَاهُمْ وَوَفَّرُوا شَوَارِبَهُمْ وَإِنَّا نَجُزُّ الشَّوَارِبَ وَنُعْفِي اللِّحَى وَهِيَ الْفِطْرَةُ”… إلخ.