أن يحمل الانسان اهدافا كبيرة، او يمتلك مستوى علميا متقدما، فذلك لا يؤثر شيئا في حركة الواقع والحياة، مالم يصاحبه حضور اجتماعي، يشق الطريق امام تلك الاهداف الكبرى، ويترجم العلم الى فعل ملموس.
لذلك كان الانبياء والائمة يعيشون في وسط الناس، ويتفاعلون معهم، ولم يكونوا منعزلين على قمم الجبال، ولا كانوا يتعالون ويترفعون عن الناس في ابراج عاجية.
ومهما كان مستوى المجتمع من حيث التخلف والجهل، او من حيث طغيان اجواء الفساد والانحراف فان ذلك لا يبرر العزوف عن الناس لدى المصلحين الإلهيين.
صحيح ان مخالطة الناس وهم يعيشون حالة الجهل والتخلف او يخضعون لاجواء الفساد والانحراف، قد تسبب الكثير من الاذى والمعاناة للرجال الالهيين، لكن ذلك هو طريق التغيير والاصلاح، كما انه وسيلة لنيل ثواب الله ورضوانه.
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: «المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على اذاهم، افضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على اذاهم».
والامام الحسين نشأ من بداية حياته في عمق الشأن الاجتماعي وفي صميم الاحداث، فجده رسول الله كان قطب رحى المجتمع وقائده الأعلى، وابوه علي كان وزير الرسول ، وساعده الأيمن، بل كان نفسه بنص آية المباهلة.
فكان حضوره في ساحة الشأن العام أمرا طبيعيا، لالتصاقه بجده الرسول ، والذي كان يحتضن حفيده حتى وهو في الصلاة، ويأخذه معه على المنبر.
ويروي ان حجر العسقلاني في كتابه «الاصابة» رواية عن الحسين – هو إذ ذاك حدث السن – عن يحيى ابن سعيد الانصاري عن عبيد بن حنين: حدثني الحسين ابن علي قال: اتيت عمر وهو يخطب على المنبر فصعدت اليه فقلت: انزل عن منبر ابي، واذهب الى منبر ابيك، فقال عمر: لم يكن لابي منبر، واخذني فاجلسني معه اقلب حصى بيدي، فلما نزل انطلق بي الى منزله، فقال لي: من علمك؟ قلت: والله ما علمني احد قال: بأبي لو جعلت تغشانا، قال: فاتيته يوما وهو خال بمعاوية وابن عمر بالباب، فرجع ابن عمر فرجعت معه، فلقيني بعد فقال لي: لم ارك قلت: ياأمير المؤمنين اني جئت وانت خال بمعاوية، فرجعت مع ابن عمر، فقال: انت احق بالإذن من ابن عمر، فانما انبت ما ترى في رؤوسنا الله ثم انتم.
وفي القصة دلالات مؤثرة واضحة، فهو على صغر سنه يأتي المسجد ويعرب عما في نفسه للخلفية، وامام الناس، ويقرر ان ذلك التصرف نابع من قرارة نفسه، لم يمله احد عليه، ثم يذهب لزيارة الخليفة في داره.
ونرى الامام الحسين في عهد الخليفة عثمان قد التحق بالجيش الاسلامي، للفتح في افريقيا، وكان الجيش بقيادة عقبة بن نافع بن عبد القيس، وعبد الله بن نافع ابن الحرث، وفيه جماعة من الصحابة، كعبد الله بن عباس، وابن عمر، وابن جعفر والحسن والحسين.
كما شارك الحسين في حروب المسلمين مع الفرس في طبرستان وجهاتها والجيش بامرة سعيد بن العاص.
وتأكيدا لحضوره الاجتماعي كان مجلسه في المسجد النووي، حيث تلتف حوله حلقة واسعة من طلاب المعرفة، ورواد العلم، واصحاب الحاجات وقد سأل رجل من قريش معاوية اين يجد الحسين؟ فقال له معاوية: «اذا دخلت مسجد رسول الله فرأيت حلقة فيه قوم كأن على رؤوسهم الطير فتلك حلقة ابي عبد الله»1.
- 1. الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حسن الصفار نقلا عن جريدة الدار الكويتية 24 / 12 / 2010م. العدد/900.