«ماذا أصنع؟ وما هو الموقف؟ أنا في حيرة من أمري، فزوجي ضرب ابني ضربا مبرحا، والولد يعيش حالة من الانكسار والضعف، فلم يذهب لمدرسته ليومين وحالته النفسية محرجة وسيئة، ورجائي أن تساعدني في الحل».
كان هذا آخر النص في الرسالة التي تلقيتها عبر البريد الالكتروني، من إحدى السيدات الكريمات، أما موضوع الرسالة، فولد في الرابعة عشرة من عمره، دخل عليه والده على حين غرة، فصدم حين وجده منهمكا في ممارسة العادة السرية في غرفته، الأب والابن وجها لوجه، ليس عند أحدهما مجال للتجاهل أو محاولة التعامي، وكما تقول المحاكم فقد تم القبض عليه متلبسا بالجرم المشهود.
الابن في حالة من الذهول كادت تفقده قدرته على الكلام، والأب ينسى عقله تماما، ويتعامل بوحشية منقطعة النظير، وسط صراخ عال، وسباب فاحش جمع بقية الأسرة في رعب وهلع، ولم ينته المشهد إلا بكلمات الوعيد والتهديد من الأب لابنه الحدث.
أذكر هنا أن رسالة السيدة انتهت بتأكيدها أن ابنها تعلم ممارسة هذه العادة من ابن الجيران.
يبقى السؤال في نفسي متوثبا هل تحدثنا مع أبنائنا قبيل وصولهم لهذه المرحلة العمرية عن بعض سمات هذه المرحلة؟ وعن التغيرات التي ستطرأ على حياتهم؟ وعن بعض المنغصات التي سيتعرضون لها؟ وعن وعن وعن فالقارئ يعلم أن الأسئلة والمواضيع المرتبطة بهذه المرحلة كثيرة جدا.
أغلب الظن أننا لا نتحدث مع أولادنا في شيء من ذلك، ولا نرغب الحديث، بل نقولها ضاحكين يكبر ويفهم، وننسى أن مصيبتنا هي في المرحلة الممتدة منذ البلوغ حتى الفهم، لأنها تحدد الكثير من ملامح مرحلة ما بعد الفهم.
قبل فترة من الزمن سألت أحد الآباء أين ابنك 12 سنة الذي يرافقك دائما؟ فأجابني تركته في المنزل، فأنا ذاهب للديوانية مع أصحابي، وهناك يتحدث الرجال فيما بينهم أحيانا بنكات وتعليقات لا أحب أن يسمعها ولدي.
لا شك أن القارئ فهم المقصود بالنكات والتعليقات التي تألفها مجالس الرجال، فهي في مجالس الرجال كما في جلسات النساء مع بعضهن إنها نكات عفوية وتعليقات مارة، ولكن لها علاقتها بالأمور الجنسية.
لقد فعل حسنا إذ لم يرافق ابنه إلى حيث يسمع ما لا يليق بمرحلته العمرية، لكن هذا يسلط الضوء على مرحلة عمرية تمر على أولادنا ونحن نحوطها بالتساكت والصمت، ففي صغره لا نخشى سماعه أي شيء، لأنه لا يفهم ولا يعي مقاصد الكلمات ولا دلالاتها، وحين يتزوج لا نخشى عليه سماع أي أمر، لكننا في مرحلة حاجته لوعي أخطر وأهم المراحل العمرية التي يمر بها نبخل عليه بالحديث معه فيما يهمه ويعنيه.
الحديث مع الولد أو الفتاة قبيل البلوغ وحينه، عن مرحلة البلوغ، بما تحويه من غرائز طبيعية متيقظة، وما تتضمنه من أحاسيس جنسية متحركة، وأخطار ومشاكل وطرق إشباع خاطئة، كل ذلك ممنوع وفي دائرة الحظر.
خذ مثلا: كل أولادنا يتعلمون في مدارسهم عن عمليات التكاثر في الحيوان والنبات، ويشرح لهم التلاقي بين تلك الأصناف بشيء موجز من العلمية الدقيقة، ولكن حين يسأل أحدهم والده أو والدته وهو في سن معقولة، كيف تحصل الولادة؟ أو كيف أتينا للدنيا؟ فإننا نلوذ لقصص الخيال، أو نطالبه بالكف عن هذه الأسئلة، وقسمات وجوهنا معبأة بالعنف والاشمئزاز.
ثقافة العيب هذه تتغلغل في نفس هذا الحدث، فيتعامل معها بطريقة والديه، فلا يصارحهما بما يتعرض له من قضايا تتعلق بهذه القضية، ولا يجرؤ على السؤال عن الصحيح والخطأ في هذا الموضوع، بل يتحرج من والديه في الحديث عن أي عارض صحي يصيب مناطقه الحساسة، لأنه يخشى ردة الفعل، وسلطة ثقافة العيب.
وسؤالي في مثل هذه الأجواء هل علمه ابن الجيران أم دفعه الفراغ الذي تركناه فيه؟ سنكمل في الأسبوع المقبل إن شاء الله. 1
- 1. صحيفة اليوم 30 / 1 / 2010م – العدد 13378.