هو عام هجري جديد نصله بعد يومين إن شاء الله تعالى، ومن مسماه نستذكر هجرة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقد هاجر من مكة بلاد الشرك بالله والعداء للدعوة المحمدية، إلى المدينة المنورة، مجتمع البيعة والنصرة والصدق والإخلاص.
في قرار الهجرة الذي قرره رسول الإسلام وتوافق عليه المسلمون ضاع الكثير من مصالح المسلمين التي كان من حقهم أن يتشبثوا بها في أوضاعهم الطبيعية، فصودرت بيوتهم وأموالهم وكل ما يملكون في مكة، وخرجوا منها مهاجرين لا ثقة لهم بشيء إلا الله سبحانه وتعالى والتصديق برسوله.
وحين وصلوا إلى بلاد طيبة الطيبة تغيرت حياتهم، وتبدلت أحوالهم، وانكشفت عنهم كرب التهديد والتعذيب والإهانة، لقد أصبحوا مجتمعا فتيا له كل مقومات النهوض والتقدم، وجميع عناصر القوة والغلبة، وفيه ما هو أهم من ذلك وهو الكرامة والعزة التي استشعرها المسلمون من القائد والحاكم والرسول إلى كل المجتمع الذي آخاهم وناصرهم وتقاسم معهم كل شيء، فعوضهم ذلك عن مصالحهم التي خسروها في مكة.
فالهجرة كانت انقلابا خلاقا في حياة المجتمع الإسلامي حوله من مجتمع خائف بائس مسكين مستكين إلى مجتمع قوي غالب عزيز كريم.
وإذا كانت المشيئة الإلهية لم توفقنا لنعيش حالة الهجرة ومداليل ما أوجدته من انقلاب ومن ثم شعور بالعزة والفرح والسعادة الغامرين، فإن بإمكاننا مع بداية كل عام أن نقوم بهجرة لا تقل سعادتها عن تلك الهجرة، وأن نحدث انقلابا لا يقل تأثيره عن ذلك الانقلاب.
1. هناك كم هائل من الأفكار والتصورات التي تشدنا إلى الضعف في حياتنا الشخصية والاجتماعية، وهناك الكثير من الأوهام التي تعزز التمزق في صفوفنا كأسر ومجتمعات وأهل وأحبة، وهناك العديد من المقولات الخاطئة التي أخذت موقعها في وعينا ولا وعينا وأصبحت عوامل مهمة في تشكيل قراراتنا واندفاعاتنا وتحركاتنا، ومع كل عام هجري جديد علينا أن نفكر في هجرها إلى ما هو خير من الرؤى المنفتحة والأفكار المحفزة، والتصورات الصالحة التي تغير من حالنا إلى الأفضل والأحسن.
2. لدينا العديد من التصرفات والسلوكيات التي تنطوي على قدر كبير من الجور والظلم، والانهزامية واليأس، والضعف والضعة، والشراسة والعنف، والتشدد والتطرف، والخصام والمقاطعة إلى آخر القائمة التي لا تنتهي، وبإمكاننا التفكير الجاد في هجرها إلى غير رجعة ونحن على أبواب عام هجري جديد.
لقد دمرت سلوكياتنا الملتوية نفسياتنا، ومزقت أسرنا، وشردت أولادنا، وتركتنا في بؤس ويأس شديدين، ودون أن نهجرها فلا أفق ولا مستقبل، ولا ضياء، بل هو طريق نهايته ليست إلا الضياع والانفلات والسقوط.
3. لو تمعنا في أعماقنا لوجدنا ترسبات كثيرة استقرت في نفوسنا، وعششت في دواخلنا، تلك الترسبات هي حصاد السنة التي غادرتنا بحلوها ومرها ومشاكلها وآلامها، وقد تكون حصادا لسنوات من الحياة التي يعمل فيها كل واحد منا وتعمل هي فيه فتؤثر وتحفر ذكريات غائرة في وجدانه وأعماقه.
ومع العام الهجري الجديد نحن بحاجة إلى هجرة السيئ من تلك الذكريات، ومغادرة العليل من تلك الترسبات، والابتعاد عن خطرها الذي ينعكس في تصرفاتنا ويوميات حياتنا، وكأن قدرنا هو أن نرضع من تلك المشاكل والمآسي التي حلت بنا، ونتصرف على ضوء ما تمليه علينا.
إذا لم نفكر في هجرة داخلية نحدثها في نفوسنا وأوضاعنا الشخصية والأسرية والاجتماعية، فإن دخولنا في عام هجري جديد لن يعني سوى رسائل الجوال، التي لا طعم لها ولا نكهة إلا تذكيرنا بأعزتنا الذين يذكروننا بانقضاء عام وبدء عام جديد. 1