مقالات

تأمُّلات في موضوع (ذِكر الله تعالى)

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم: زكريَّا بركات
7 مايو 2022


رُوي عن الإمام عليٍّ عليه السلام، أنَّه قال: “من أحبَّ شيئاً لَهِجَ بذكره”.

وفي ضوء ذلك يستطيع الإنسانُ أن يعرف نفسه، ويُقيِّم توجُّهَ قلبه، من خلال معرفة ما ينشغل بذكره.. فمُتعلَّق الذِّكر هو المحبوب، والمحبوب هو الذي يحدِّد قيمة المُحِبِّ..

هذا الموضوع ذو ارتباط وثيق بالغناء والاستماع إليه.. فالانشغال بالغناء هو انشغالٌ بنوع من الذكر، يُلهي عن نوع وأنواع أخرى من الذكر..

في المقطع الـ (48) من دعاء الجوشن الكبير نقرأ هذه العبارة: “يا مَنْ ذِكْرُهُ حُلْوٌ”، فالمُحب لله تعالى يشعر بحلاوة ذكر الله، ويستمتع بذلك، ويجد له لذَّة في نفسه، كما يستمتع أهل الطرب والغناء باللهو الملهي عن ذكر الله.. وقد يكون هذا هو السر في قُبح الغناء وحُرمته، لأنَّه يجعل الإنسان يلتذُّ بذكر آخر غير ذكر الله تعالى.. وإذا حُرم الإنسان لذَّة ذكر الله فهذا يعني أنَّ روحه لا تشعر بحلاوة كل ما يندرج تحت ذكر الله، كالصلاة وتلاوة القرآن والتسبيح.. فهذه كلها تندرج تحت عنوان ذكر الله.

وفي الكافي 2 : 499 عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: “من أكثر ذكر الله أحبَّه اللهُ”.

فكما أنَّ ذكر الله تعالى ينبثق من حبِّ العبد لربِّه، فهو ـ أيضاً ـ يوجب له حبَّ الله تعالى.

وفي المقطع الـ (75) من دعاء الجوشن الكبير: “يا مَنْ ذِكْرُهُ شَرَفٌ لِلذّاكِرينَ يا مَنْ شُكْرُهُ فَوْزٌ لِلشّاكِرينَ يا مَنْ حَمْدُهُ عِزٌّ لِلْحامِدينَ”. وهذا يعني أن المحبة لله تعالى حين تدفع الإنسان إلى الذكر، ومنه الشكر والحمد، فالمُحبُّ لله تعالى يحظى بالشرف (الرفعة) والفوز والعِزِّ.. بينما اللاهي المشغول عن الذكر يُحرم من الشرف والفوز والعزِّ..

كما إنَّ لهذا الموضوع ارتباطاً بالثناء على الذات؛ فإنه نوع من الذكر يكشف عن طبيعة تعلُّق الإنسان بذاته ورضاه عن نفسه.

كما إنَّ له ارتباطاً بذكر (الصلاة على النبي وآله) صلى الله عليه وآله وسلَّم، فإنَّه ذكرٌ يعبِّر عن المودَّة في القربى.. ولذلك قال بعض العلماء أنَّ الصلاة على محمد وآل محمد إذا كانت عن حبٍّ عميق، فإنه تكون مفتاحاً للكثير من السمو الروحي للإنسان.. وهو ممًّا يغفل عنه كثير من المؤمنين.

وفي المقطع الـ (59) من دعاء الجوشن الكبير نقرأ هذه العبارة: “يا حَبيبَ مَنْ لا حَبيبَ لَهُ”، والذي يتبادر للذهن عند معظم الناس أنَّ الله حبيب من يفقد الأحبة ولا يكون له أحبَّة.. ولكن من المحتمل أيضاً لهذه العبارة عُمقاً غامضاً من المعنى بأن يكون المقصود أنَّ المنقطع إلى الله تعالى لا يرى محبوباً ـ بالأصالة ـ غيره، فتنتفي علاقة المحبة مع غير الله، ولا يكون للعارف بالله محبوب غير الله، وكل محبوب عنده ما عدا الله فهو يستمد محبته من مدى ارتباطه بالله ومقدار ما يعكسه من جمال الله، فيرجع الحب كله إلى الله في الحقيقة وبالاستقلال، ويكون كل حب لغيره باطلاً لا قيمته له إلا بقدر ارتباطه بحب الله تعالى.

وفي المقطع الـ (91) من دعاء الجوشن الكبير نقرأ هذه العبارة: “يا حَبيبَ الْاَتْقِياءِ”، وهي تعني أن حبَّ الله دعوى، ودليلها التقوى، فالمُحب لله تعالى يتَّصف بالتقوى، والتقوى دليلُ صِدق دعواه حُبَّ الله. وهذا يعني أنَّ التقوى لا تنشأ فقط من الخوف، بل تنشأ من المحبَّة أيضاً، (إنَّ المحبَّ لمن أحبَّ مطيعُ) .

وفي كتاب معاني الأخبار (ص399) عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: “من أطاع الله فقد ذكر الله، وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته، ومن عصى الله فقد نسي الله، وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن”. فهذا تعميق لمعنى الذِّكر الحقيقي، فالذكر اللساني والشكلي ليس له قيمة إذا كان القلب ناسياً، ولذلك فإنَّ الطاعة والتقوى هي التجسيد الحقيقي لذكر الله تعالى.

وفي الكافي 2 : 170 عن الإمام الصادق عليه السلام، في ذكر أشدِّ ما افترضه الله على خلقه، قال: “وذكر الله على كلِّ حال، ليس سبحان الله والحمد لله، ولكن عند ما حرَّم اللهُ عليه فيدعه”.

ولمَّا كان أهلُ البيت (عليهم السلام) خلفاء الله في أرضه، وأولياءه وأحبابه، ومرآة جماله وكماله، كان حبهم من حب الله، وذكرهم من ذكر الله، فقال الإمام الباقر (عليه السلام) كما في الكافي 2 : 496 : :إنَّ ذكرنا من ذكر الله، وذكر عدوِّنا من ذكر الشيطان”.

نسأل الله تعالى أن يرزقنا ذكره حقيقةً، قلباً وقالباً، واللهُ وليُّ التوفيق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى