بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين سيدِنا محمد وعلى آله، وعلى التابعين لهم بإحسان من أصحابه وسائر أمته.<img alt="
تمهيد
منذ أن عصى إبليس ربه بسبب آدم (علیه السلام)، انطلق الصراع بين الخير والشر، فكان عنوان الخير في إقرار الإنسان بنقصه وضعفه واستغفاره وحاجته إلى الله، وحرصه على عباده﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ 1﴿ … قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴾ 2﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ 3وكان عنوان الشر في الأنانية والكبر﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ … ﴾ 4﴿فَحَشَرَ فَنَادَىٰ * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ ﴾ 5 “الأَرْضُ للَّهِ وَأَنَا خَلِيفَةُ اللَّهِ فَمَا أَخَذْتُ فَلِي، وَمَا تَرَكْتُهُ لِلنَّاسِ فَبِالْفَضْلِ مِنِّي”6.
والثورة الحسينية هي جزء من هذا الصراع، وربما شكلت المحطة العظمى فيه، وهي في الحقيقة صراع الآدمية ضد الإبليسية، صراع العدل والحق والخير والإيمان ضد الظلم والباطل والشر والكفر، وهي نبع فياض لا يحجب عطاءه عن شارب أتاه بصدق وظمأ، ولا يُفرِّق في عطائه بين الأجناس أو الأديان أو المذاهب، والمحروم من حرم نفسه.
وإنني في هذا البحث إذ اقتصرت _خلافاً لعادتي_ على مصادر ومراجع أهل السنة والجماعة، فإنما ذلك محاولةُ فتحِ كوة في جدارٍ صلب أقامه النواصب لحجب عطاء الثورة الحسينية، ولبيان أن في تراث أهل السنة والجماعة الكثيرَ من الحقائق النورانية الحسينية، التي استطاعت أن تبقى رغم سلطة الطاغوت وماله وكهنة معبده.
والمتأمل في الوقائع والنصوص والروايات يرى جليّاً أنّ الصراع بين آل البيت عليهم السلام وبين بني أمية7 ومن ورثهم، لم يكن في حقيقته مجرد صراع بين قبيلتين، ولا تنازع على السلطة بين مُحِقٍّ وغاصب، بل كان في جوهره صراعاً بين إسلام محمديٍّ ربانيٍّ جاء لرعاية الناس وحماية المستضعفين، وبين جاهلية لبست قناع الدين لتتسلط على العباد باسم رب العباد، كما فعلوا في مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عقب مجزرة الحرة، حيث ذبح جيش يزيد من وجوه المهاجرين والأنصار سبعمئة، وعشرة آلاف من غيرهم، قال المدائني عن أبي قرة قال: قال هشام بن حسان: “ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد وقعة الحرة من غير زوج”8وأَرغم مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ النَّاسَ على الْبَيْعَةِ عَلَى أَنَّهُمْ خَوَلٌ (أي عبيد) لِيَزِيدَ، يَحْكُمُ فِي أَهْلِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ مَا شَاءَ9 وفيهم يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد الله خولاً، ومال الله نحلاً، وكتاب دغلاً»10.
من هم أهل البيت؟
أخرج الحاكم في مستدركه على الصحيحين عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: في بيتي نزلت هذه الآية﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ … ﴾ 11. قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين (رضوان الله عليهم أجمعين) فقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي». قالت أم سلمة: يا رسول الله ما أنا من أهل البيت؟ قال: «إنك على خير، وهؤلاء أهل بيتي. اللهم أهلي أحقُّ»12.
الطهارة مقابل الرجس
إذاً قوله تعالى:﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 11. إنما هي في حقّ علي وفاطمة والحسن والحسين وأبنائهم حصراً، وهذا لا ينقص من قدر أم سلمة وغيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه «إنك على خير، وهؤلاء أهل بيتي، اللهم أهلي أحقُّ»، فلهؤلاء خصوصية ليست لغيرهم كما سنرى إن شاء الله.
ولنبدأ من آية التطهير المباركة: الآية جعلت طهر أهل البيت مقابلاً للرجس، وهذا يعني أنّ خطّكم هو خطّ الطهر، وخطّ عدوّكم هو خطّ الرجس، فلا تنتظروا من أهل الرجس أن يتقبلوا طهركم﴿ … أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾ 13.
نعم.. أهل البيت هم الطهر، وأعداؤهم رجس.. ولنبدأ بعرض ملامح رجسهم قرآنياً، من خلال أربع آيات وردت فيها مفردة “الرجس”:
1_ قال تعالى:﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ 14ولطالما أظهر الأمويون ضيق صدرهم بأحكام الإسلام، بل إنهم لم يدخلوا فيه إلا كارهين. ولطالما أظهر معاوية تبرمه وضيق صدره بأحكام الله. يروي البلاذري أنَّ هانئ بن الخطاب الْهَمْدَانِيَّ جاء إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى كِتَابِ الله وسنة نبيه. فقال معاوية: لا شَرْطَ لَكَ! قَالَ: وَأَنْتَ أَيْضًا فَلا بيعة لك. ثم قال معاوية: أُدنُ فَبَايِعْ فَمَا خَيْرُ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ كِتَابُ الله وسنة نبيه؟!15
2_ وقال تعالى:﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ 16ولم يعقل بنو أمية ذلك، فنجدهم وهم المتلبسون برجسهم يشمتون بقتلى أهل البيت، ويقابلهم طهر أهل البيت الراضين بأمر الله. فعندما أُدخلت زينب عليها السلام إلى مجلس الخسيس عبيد الله بن زياد قَالَ لها: الحمد لِلَّهِ الَّذِي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم! فَقَالَت: »الحمد لله الذى أكرمنا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وطهرنا تطهيراً، لا كما تقول أنت، إنما يفتضح الفاسق، ويكذب الفاجر. قَالَ: فكيف رأيت صنع اللَّه بأهل بيتك؟ قالت: «كتب عَلَيْهِم القتل، فبرزوا إِلَى مضاجعهم، وسيجمع اللَّه بينك وبينهم، فتحاجون إِلَيْهِ، وتخاصمون عنده». وبمثلها واجه الإمام السجاد (علیه السلام) شماتة ابن زياد عندما قرأ في وجهه قوله تعالى:﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ … ﴾ 1617
3_ وقال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ 18ومعاقرة الخمرة رجس توارثه بنو أمية: يزيد عن أبيه عن جده. فمن شعر أبي سفيان في الخمرة:
سَقَانِي فَرَوَّانِي كُمَيْتًا مُدَامَةً *** عَلَى عَجَلٍ مِنِّي سَلَامُ بْنُ مِشْكَمِ19
وفي مسند أحمد عن عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى مُعَاوِيَةَ فَأَجْلَسَنَا عَلَى الْفُرُشِ، ثُمَّ أُتِينَا بِالطَّعَامِ فَأَكَلْنَا، ثُمَّ أُتِينَا بِالشَّرَابِ فَشَرِبَ مُعَاوِيَةُ، ثُمَّ نَاوَلَ أَبِي، ثُمَّ قَالَ: مَا شَرِبْتُهُ مُنْذُ حَرَّمَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ قَالَ مُعَاوِيَةُ: كُنْتُ أَجْمَلَ شَبَابِ قُرَيْشٍ وَأَجْوَدَهُ ثَغْرًا، وَمَا شَيْءٌ كُنْتُ أَجِدُ لَهُ لَذَّةً كَمَا كُنْتُ أَجِدُهُ وَأَنَا شَابٌّ غَيْرُ اللَّبَنِ، أَوْ إِنْسَانٍ حَسَنِ الْحَدِيثِ يُحَدِّثُنِي20. ويروي أبو هلال العسكري عن بريك الاسلمي قال: مر بعبادة بن الصامت عير تحمل الخمر من الشام، فقال: أزيت هذا؟ قالوا: لا بل خمر تباع لمعاوية. فأخذ شفرة فشق الروايا، فشكاه معاوية الى أبي هريرة، فقال له: أبو هريرة مالك ولمعاوية؟ له ما تحمل، إن الله يقول:﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ … ﴾ 21فقال: يا أبا هريرة إنك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعناه على السمع والطاعة، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، نمنعه مما نمنع منه نساءنا وأبناءنا ولنا الجنة، فمن وفّى بها الله وفّى الله له أجره، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ. فكتب معاوية الى عثمان يشكوه، فحمله الى المدينة، فلما دخل عليه قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيلي أموركم رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله» وعبادة يشهد أن معاوية منهم” فلم يراجعه عثمان22. وأما يزيد فقد نعته العلماء بالسكير الخمير، فقال عنه الشوكاني: “الْخِمِّير السِّكِّير الْهَاتِك لِحُرُمِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ يَزِيد بْن مُعَاوِيَةَ”23وحتى الذهبي ذو الميل الأموي لم يستطع أن ينكر سكر يزيد ومجونه وجرائمه، فقال عنه في السير: “وَكَانَ نَاصِبِيّاً فَظّاً غَلِيْظاً جَلْفاً يَتَنَاوَلُ المسْكِرَ وَيَفْعَلُ المنْكَرَ. افْتَتَحَ دَوْلَتَهُ بِمَقْتَلِ الشَّهِيْدِ الحُسَيْنِ، وَاخْتَتَمَهَا بِوَاقِعَةِ الحَرَّةِ، فَمَقَتَهُ النَّاسُ، وَلَمْ يُبَارَكْ فِي عُمُرِه”24 وأشعاره في الخمرة معروفة، ومنها:
ولقد طعنْتُ الليلَ في أَعجازه *** بالكاس بين غطارف كالأنجمِ
يتمايلون على النعيم كأنّهم *** قضب من الهنديِّ لم تتثلّمِ
ولقد شربناها بخاتم ربّها *** بِكراً وليس البكر مثلَ الأيمِّ
ولها سكون في الإناء ودونه *** شغب يُطَوِّح بالكميِّ المعلمِ25
وقد نصحه والده ألا يجاهر بشرب الخمرة، وأن يشربها ليلاً، فلم يبالِ بنصيحة والده، وردّ عليه شعراً:
أَمِن شربةٍ من ماءِ كرْمٍ شربْتُها *** غضبْتَ عليَّ؟! الآن طابَ لِيَ السُّكْرُ
سأشربُ فاغضبْ، لا رضيتَ، كلاهما *** حبيبٌ إلى قلبي: عقوقُك والخمرُ26
بل إنه لم يفارق الخمرة أبداً حتى إنه مات سكرانَ كما ينقل ابنُ حبّان في ثقاته أنه سكر ليلةً وقام يرقص فسقط وتناثر دماغه فمات وهو سكران27
4_﴿ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾ 28.
المنافقون رجس بنص الآية، وبنو أمية قادة النفاق، فبغضهم لعليّ (علیه السلام) مما تواتر، وبغض عليّ نفاق بلا شك كما أكدته الأحاديث النبوية الصحيحة إن لم نقل المتواترة:
_ في صحيح مسلم قال علي(علیه السلام): «والذي فلق الحبة وبرأَ النسمةَ إنه لَعهدُ النبيّ الأمي صلى الله عليه وسلم إليَّ أن لا يحبَّني إلا مؤمنٌ ولا يبغضَني إلا منافقٌ»29
_ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهلَ البيت أحدٌ إلا أدخله الله النار» قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه.30
_ وعن أبي سعيد الخدري قال: “إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الانصار ببغضهم عليَّ بن أبي طالب”31
وبغضُ بني أمية لِعليٍّ ولأهلِ البيت امتلأت به الكتب، نذكر على سبيل المثال:
_ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ الْجَدَلِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ لِي: أَيُسَبُّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيكُمْ؟ قُلْتُ: مَعَاذَ اللهِ، أَوْ سُبْحَانَ اللهِ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ سَبَّ عَلِيًّا، فَقَدْ سَبَّنِي»32وفي رواية في صحيح الحاكم: قَالَ: وَأَنَّى ذَلِكَ؟ قَالَتْ: فَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. قَالَ: إِنَّا لَنَقُولُ أَشْيَاءَ نُرِيدُ عَرَضَ الدُّنْيَا. قَالَتْ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ سَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ سَبَّنِي، وَمَنْ سَبَّنِي فَقَدْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى»33
_ في مستدرك الحاكم أن المغيرة بن شعبة سبَّ عليَّ بن أبي طالب (علیه السلام) فقام إليه زيد بن أرقم فقال: يا مغيرة ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن سب الأموات؟ فلم تسب عليّاً وقد مات؟34
_ أخرج البزار عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها غرق، ومن قاتلنا في آخر الزمان كان كمن قاتل مع الدجال» وفي معجم الطبراني زيادة «إنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخل غفر له»35
_ قال الإمام القرطبي: “وغير خاف ما صدر عن بني أمية وحجّاجهم من سفك الدماء وإتلاف الأموال وإهلاك الناس بالحجاز والعراق وغيرهما”، قال: “وبالجملة فبنو أميّة قابلوا وصيّة المصطفى صلى الله عليه وسلم في أهل بيته وأمته بالمخالفة والعقوق، فسفكوا دماءهم وسبَوْا نساءهم، وأسروا صغارهم، وخرّبوا ديارهم، وجحدوا شرفهم وفضلهم، واستباحوا نسلهم وسَبْيَهم وسبّهم، فخالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصيّته، وقابلوه بنقيض قصده وأمنيّته، فيا خجلهم إذا التقَوْا بين يديه، ويا فضيحتهم يوم يُعرَضون عليه”36.
_ يقول العلامة المقريزي عن بني أمية: “حاربوا علياً وسمُّوا الحسن وقتلوا الحسين، وحملوا النساء على الأقتاب حواسر، وأرادوا الكشف عن عورة علي بن الحسين حين أشكل عليهم بلوغه”37
_ أنكر عمرو بن شعيب على عمر بن عبد العزيز لما ترك سبَّ عليٍّ (علیه السلام) في خطبته، وقال له: “يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ السُّنَّةَ السُّنَّةَ” يُحَرِّضُهُ عَلَى لَعْنِ عَلِيٍّ، فَقَالَ عُمَرُ: “اسْكُتْ قَبَّحَكَ اللَّهُ، تِلْكَ الْبِدْعَةُ، تِلْكَ الْبِدْعَةُ لا السُّنَّةُ” وَتَمَّمَ خُطْبَتَهُ38.
_ يذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان من فضائل سجستان أنّ أهلها عصَوْا بني أمية وأبَوْا أن يسبُّوا عليّاً. يقول: “وأي شرف أعظم من امتناعهم من لعن أخي رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبرهم وهو يلعن على منابر الحرمين مكة والمدينة؟”39
لا إسلام بدون أهل البيت
نأتي الآن إلى دعوة الإسلام إلى التمسك بأهل البيت؛ وقبل أن نقارب سرَّ هذه الدعوة وهدفَها، نُبيِّن بعض النصوص التي أكّدت على وجوب التمسك بأهل البيت والولاء لهم:
_ في صحيح مسلم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: «أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: «وأهل بيتي.. أُذَكِّرُكم اللهَ في أهلِ بيتي.. أذكركم الله في أهل بيتي.. أذكركم الله في أهل بيتي»40
_ في سنن التِّرمِذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرّقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما»41
_ في سنن النسائي عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن، ثم قال: «كأني قد دُعيتُ فأجبْت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» ثم قال: «إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن» ثم أخذ بيد علي فقال: «من كنت وليه فهذا وليه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» فقلت لزيد: سمعْتَهُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما كان في الدوحات رجل إلا رآه بعينه وسمع بأذنه.42
_ أخرج الحاكم وصححه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت أتاها ما يوعَدون. وأنا أمان لأصحابي ما كنت، فإذا ذهبتُ أتاهم ما يوعدون. وأهل بيتي أمان لأمتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون»43وفي رواية أخرى صححها الحاكم: «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق و أهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف فإذا خالفَتْها قبيلةٌ من العرب اختلفوا فصاروا حزبَ إبليس»44
النصوص مستفيضة في هذا المجال، ومساحة البحث هنا لا تتحملها، ولكن نبدأ بصحيح مسلم: ما معنى تسمية الكتاب والعترة بالثَقَلَيْن؟ قال برهان الدين البقاعي عند تفسيره لقوله تعالى﴿ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ ﴾ 45: “والثَقَل هو ما يكون به قُوام صاحبه، فكأنّهما سُمِّيا بذلك تمثيلاً لهما بذلك إشارة إلى أنهما المقصودان بالذات من الخلائق، وقال الرازي في اللوامع: وصفاً بذلك يعظم ذلك شأنهما، كأن ما عداهما لا وزن له بالإضافة إليهما”46. ثَقَلا الأمة إذاً هما القرآن وأهل البيت، وأيُّ خلل في التمسك بأحدهما يُفقد الأمة توازنها، ويجعلها خفيفةً بلا وزن، تارة يعبث بها معاويةُ وأشياعه، وتارة المتوكلُ وأضرابه، يستطيع أي طاغية أو مستعمر أن يستخفها، ويجعلها تؤمن بالشيء ونقيضه. ولذلك فإن عبارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم «أذكركم الله في أهل بيتي» أو عبارته «فانظروا كيف تخلفوني فيهما» لا يتوجه معناها إلى محبة أهل بيته والإحسانِ إليهم، وإن كان المعنى يتضمنُّه، ولكنَّ المقام مقام تَمسُّكٍ بحبل العصمة عن الضلال، فالأحاديثُ تأمر بالتمسكِ بأهل البيت كما التمسُّك بالقرآن، وذلك لا يتحقق إلا بالانصياع إلى مرجعيتهم كما مرجعية القرآن. فمن خالفهم صار من «حزب إبليس».
فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما يدعونا إلى حب أهل بيته والولاء لهم، لا يفعل ذلك لأنه يحبُّ أهل بيته ويحرص عليهم، فهو كان يعرف أنهم سيلقَوْن من بعده قتلاً وتشريداً: أخرج الحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلاً وتشريداً، وإنّ أشدَّ قومِنا لنا بُغضاً بنو أمية وبنو المغيرة وبنو مخزوم»47وقد أخبر بوضوح عن استشهاد الحسين (علیه السلام) (كما سيأتي) بل وبكى عليه قبل موته! وما دام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعرف أنهم مقتولون ومشردون فلا تكون وصيتُه بالتمسك بهم من أجلهم، بل أجل الأمة، من أجل أن يتمّ حُجته على الناس لِيُبيِّنَ لهم أن سبيل أهل بيته هو سبيل الهدى، وهو سفينة نوح، وأن سبيل أخصامهم هو طوفان الهلاك، ومعسكرَهم هو معسكرُ الدجال «مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها غرق، ومن قاتلنا في آخر الزمان كان كمن قاتل مع الدجال».
لذلك كان حبُّ عليٍّ إيماناً وبغضه نفاقاً، كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يَعلم أن معركة الإسلام القادمة معركة بين إسلامِ محمدٍ وعليٍّ وفاطمةَ والحسنِ والحسينِ، وبين إسلامِ أبي سفيان ومعاويةَ والمغيرةِ وعمرٍو، ولذلك أعلن بوضوح في وجه كل من جاؤوا بعده ليقولوا:﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ 21أو ليقولوا: “تِلْكَ دِمَاءٌ طَهَّرَ اللَّهُ مِنْهَا يَدَيَّ، فَلَا أُحِبُّ أَنْ أُخَضِّبَ بِهَا لِسَانِي”48، أعلن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وجوههم أنه جزء من هذه المعركة، مشاركٌ فيها غيرُ منزِّهٍ يدَهُ ولسانَهُ عن جهاد أهل التحريف والرجس: في صحيح الحاكم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: نَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلى عليّ فَقَالَ: «يَا عَلِيُّ، أَنْتَ سَيِّدٌ فِي الدُّنْيَا، سَيِّدٌ فِي الْآخِرَةِ، حَبِيبُكَ حَبِيبِي، وَحَبِيبِي حَبِيبُ اللَّهِ، وَعَدُوُّكَ عَدُوِّي، وَعَدُوّي عَدُوُّ اللَّهِ، وَالْوَيْلُ لِمَنْ أَبْغَضَكَ بَعْدِي»49وعن أبي هريرة قال: نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: «أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم»50.
ترى لماذا يقول لهم رسول الله ذلك ولم يكن بينهم وبين أَحدٍ حرب؟ هل يلقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلامه على عواهنه؟ حاشاه. روى الطبراني عن عمرو بن الحمق رضي الله عنه قال: ” ثم هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أنا عنده ذات يوم فقال لي: «يا عمرو هل لك أن أُرِيَكَ آية الجنة يأكل الطعام ويشرب الشراب ويمشي في الأسواق؟». قلت: بلى بأبي أنت. قال: «هذا وقومه». وأشار بيده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال لي: «يا عمرو هل لك أن أريك آية النار يأكل الطعام ويشرب الشراب ويمشي في الأسواق؟» قلت: بلى بأبي أنت. قال: «هذا وقومه آية النار» وأشار إلى رجل51. فلما وقعت الفتنة ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ففررت من آية النار إلى آية الجنة، وترى بني أمية قاتليَّ بعد هذا؟” قلت: الله ورسوله أعلم. قال: “والله إن كنت في جحر في جوف جحر لاستخرجني بنو أمية حتى يقتلوني. حدثني به حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن رأسي أول رأس يحتز في الإسلام وينقل من بلد إلى بلد52.
إذاً كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحذر أصحابه، ويبيِّن لهم آيةَ النار وآية الجنة، ويقول لهم بوضوح: «إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه»53وقال الحسن البصري راوي الحديث: “فَتَرَكُوا أَمْرَهُ فَلَمْ يُفْلِحُوا ولم ينجحوا”54وكذلك قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: “فلم نفعل ولم نفلح”55. وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنه قال سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت رجلين يغَنِّيان (…) فسأل عنهما فقيل: معاوية وعمرو بن العاص. فقال: «اللهم اركسهما في الفتنة ركساً ودُعَّهُما إلى النار دَعّاً»56. ولكن أحمد بن حنبل في مسنده أخفى اسميهما: قال: “انْظُرُوا مَنْ هُمَا؟” قَالَ: فَقَالُوا: فُلَانٌ وَفُلَانٌ57. كما روى البلاذري بإسناده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ رَجُلٌ يَمُوت عَلَى غَيْرِ مِلَّتِي» قَالَ: وَكُنْتُ تَرَكْتُ أَبِي قَدْ وُضِعَ لَهُ وَضُوءٌ، فَكُنْتُ كَحَابِسِ الْبَوْلِ مَخَافَةَ أَنْ يَجِيءَ، قَالَ: فَطَلَعَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هُوَ هَذَا58. ولكننا نجد الطبراني لا يصرح في روايته باسم معاوية، بل يقول عبد الله: فطلع غيره59. إذاً حذّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأوضح معسكر الرجس والنفاق، ولكن الصحابة لم يجرؤوا جميعاً على الكلام، عن عتيِّ بْنِ ضَمْرَةَ قَالَ: قُلْتُ لأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: مَا لَكُمْ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَأْتِيكُمْ مِنَ الْبُعْدِ نَرْجُو عِنْدَكُمُ الْخَبَرَ أَنْ تُعَلِّمُونَا فَإِذَا أَتَيْنَاكُمُ اسْتَخْفَفْتُمْ أَمْرَنَا كَأَنَّا نَهُونُ عَلَيْكُمْ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَئِنْ عِشْتُ إِلَى هَذِهِ الْجُمُعَةِ لأَقُولَنَّ فِيهَا قَوْلاً لا أُبَالِي اسْتَحْيَيْتُمُونِي عَلَيْهِ أَوْ قَتَلْتُمُونِي. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ مِنْ بَيْنِ الأَيَّامِ أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَإِذَا أَهْلُهَا يَمُوجُونَ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ فِي سِكَكِهِمْ. فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ هَؤُلاءِ النَّاسِ؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَمَا أَنْتَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ؟ قُلْتُ: لا. قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ. قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فِي السِّتْرِ أَشَدَّ مِمَّا سَتَرَ هَذَا الرَّجُل60.
ترى هل علم أُبَيّ أنّه مقتولٌ حتى قال: “لئن عشتُ إلى هذه الجمعة”؟ وما الذي كان يريد قوله أُبَيّ رضي الله عنه والذي سكت عنه قبلاً خوفاً من القتل؟ لا شك أنها حقائق تكشف شيئاً من تزييف السلطات، ولعله رضي الله عنه أشار إلى ذلك من قبل: عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا فِى الْمَسْجِدِ فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ فَجَبَذَنِي رَجُلٌ مِنْ خَلْفِى جَبْذَةً فَنَحَّانِي وَقَامَ مَقَامِي، فَوَاللَّهِ مَا عَقَلْتُ صَلاَتِي. فَلَمَّا انْصَرَفَ فَإِذَا هُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فَقَالَ: يَا فَتَى لاَ يَسُؤْكَ اللَّهُ، إِنَّ هَذَا عَهْدٌ مِنَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم إِلَيْنَا أَنْ نَلِيَهُ. ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَقَالَ: هَلَكَ أَهْلُ الْعُقَدِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ ثَلاَثاً. ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَا عَلَيْهِمْ آسَى، وَلَكِنْ آسَى عَلَى مَنْ أَضَلُّوا. قُلْتُ: يَا أَبَا يَعْقُوبَ مَا يَعْنِي بِأَهْلِ الْعُقَدِ؟ قَالَ: الأُمَرَاءُ61.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: “حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وِعَاءَيْنِ: فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ”62. قال ابن حجر العسقلاني في شرح الحديث: “حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء وأحوالهم وزمنهم، وقد كان أبو هريرة يكني عن بعضه ولا يصرح به خوفاً على نفسه منهم كقوله: أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية”63. ولعل ابن حجر لم يدرك أن المسألة ليست مجرد توزيع شهادات على سلوك الأمراء، فهذا لا يستدعي معجزةَ الإخبارِ بالغيب، وكل مجتمع لا بد أن يوجد فيه مسؤولون أو إداريون فاسدون، ولكنْ أنْ ينبِّئَ اللهُ رسولَه بغيبٍ يتعلق بقادة وأمراء، فهذا يعني أن هؤلاء هم رؤوس الحرب على الإسلام، وهم سيكونون العناصر الأكثر تأثيراً ونشاطاً وفاعلية في تحريف الدين وحرف مساره. ولا يُعذَر أحد في كتم معارف خطيرة بهذا المستوى.
ولم يقتصر تبيين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على تبيين مرجعية عليّ(علیه السلام) وأهل البيت السياسية والاجتماعية، بل أكد مرجعيتهم الدينية والعلمية، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «أنا مدينة العلم وعلي بابُها، فمن أراد العلم فليأته من بابه»64«رحم الله علياً اللهم أدر الحق معه حيث دار»65. وقد تنبّه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ونبّه إلى وجود تيّار معادٍ لأهل البيت. وكان في هذا التيار من يعادي أهل البيت ضمن استراتيجية واضحة عنده، يعرف أن هؤلاء هم جهاز المناعة للإسلام المحمدي الذي يراه يُقَوِّض مصالحه ومصالح أسرته، ومنهم من يعاديهم لمجرد الغيرة أو تأثراً بقادة الرجس والنفاق. عَن مساور بن السَّائِب أَن ابْن الزبير خطب أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَا يُصَلِّي على النَّبِي صلى الله عليه وآله وسلم. وَقَالَ: مَا يَمْنعنِي أَن أُصَلِّي إِلَّا شمخ رجال بآنافها. وَدخل عبد الله بن عَبَّاس على ابْن الزبير، فَقَالَ لَهُ ابْن الزبير: أَنْت الَّذِي تؤنبني وتبخلني؟ قَالَ ابْن عَبَّاس: نعم. سَمِعت رَسُول الله يَقُول: «لَيْسَ الْمُسلم الَّذِي يشبعُ ويَجُوعُ جَاره» قَالَ ابْن الزبير: إِنِّي أكتُمُ بغضَكم أهلَ هَذَا الْبَيْت مُنْذُ أَرْبَعِينَ سنة66. وفي سنن ابن ماجه قال صلى الله عليه وآله وسلم: «ما بال أقوام إذا جلس إليهم أحدٌ من أهل بيتي قطعوا حديثهم؟ والذي نفسي بيده لا يدخل قلبَ امرئٍ الإيمانُ حتى يحبَّهم لله ولقرابتي»67. وفي مجمع الزوائد أن أم هانئ بنت أبي طالب خرجت متبرِّجة قد بدا قرطاها، فقال لها عمر بن الخطاب: “اعملي فإن محمداً لا يغني عنك شيئاً”. فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته به، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي وإن شفاعتي تنال حاء وحكم» (قبيلتان)68.
وتبقى المواقف الأموية هي المواقف الأكثر خطورة، خاصة وأن فلتات اللسان تكشف الإنسان، وأكثر ما تظهر جليّة في نشوة الانتصار: يروي ابن عساكر عن أنس أنّ أبا سفيان بن حرب دخل على عثمان بعدما عمي فقال: “ها هنا أحد؟” قالوا: لا. قال: “اللهم اجعل الأمرَ أمرَ جاهلية، والملك ملك غاصبية، واجعل أوتاد الأرض لبني أمية”69. وفي موقف أكثر وضوحاً نجده (أبو سفيان) يقول لعثمان: “قد صارت إليك بعد تيم وعدي فأدرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أمية، فإنما هو الملك، ولا أدري ما جنة ولا نار”. فصاح به عثمان: قم عني فعل الله بك70.
ومثله حفيده يزيد، لا يبدو أنه كان مؤمناً بالحياة بعد الموت، نجده يقول لرفاقه يحضهم على شرب الخمر:
أقول لصحبٍ ضَمَّتِ الكاسُ شملَهمْ *** وداعي صباباتِ الهوى يترنَّمُ
خذوا بنصيبٍ من نعيمٍ ولذّة *** فكلٌّ وإن طال المدى يتصرّمُ
ولا تتركوا يومَ السرور إلى غدٍ *** فرُبَّ غدٍ يأتي بما ليس يُعلَمُ
ألا إنَّ أهنا العيش ما سمحَتْ به *** صروفُ الليالي والحوادثُ نُوَّمُ
لقد كادت الدنيا تقول لأهلها *** خذوا لذةً، لو أنها تتكلمُ71
هذه الأبيات تكشف جوانب مهمة في شخصية يزيد: يبني علاقاته مع أصحابه على أساس كأس الخمر، ولأن العمر في نظره يذهب إلى غير رجعة، فعلى الإنسان أن يقتنص ما يستطيع من الملذات، وأما الآخرة فليس هناك شيء مؤكد بنظره “فرب غد يأتي بما ليس يعلم”.
ومما نقل عنه مما يدل على إلحاده واستهتاره:
ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسلْ
لعبت هاشم بالملك بلا *** مَلَكٍ جاء ولا وحيٍ نزلْ72
وفي تاريخ ابن الوردي وكتاب الوافي بالوفيات أن السبي لما ورد من العراق على يزيد خرج فلقي الأطفال والنساء من ذرية علي والحسين رضي الله عنهما والرؤوس على أطراف الرماح وقد أشرفوا على ثنية جيرون فلما رآهم نعب غراب فأنشأ يقول:
لما بَدَتْ تلك الحمولُ وأشرفتْ *** تلك الرؤوسُ على شفا جيرونِ
نعب الغرابُ فقلتُ قل أو لا تقل *** فقد اقتضيْتُ من الرسول ديوني73
إذاً هناك ديون ماضية مع الرسول، وهناك صراع متأصل بين إسلام محمد وإسلام بني أمية.
الصراع إذاً صراع كفر وإيمان، وهو أخطر من حرب الإسلام مع الوثنية، لأن الكفر هنا يحارب داخل دائرة الإسلام، ولذلك نبّه القرآن إلى أنّ عداوة المنافقين هي العداوة الحقيقية﴿ … الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ … ﴾ 74هم العدوّ فاحذرهم75 لأن عداوة الوثنية سقطت بهزيمتها في الجزيرة العربية، أما عداوة النفاق فلا تزال إلى اليوم فاعلة جداً، ولها تأثير كبير في تاريخ الأمة وحاضرها وعقائدها وفقهها وثقافتها. ولعلّ إمام الحديث الحاكم صاحب المستدرك على الصحيحين قد أدرك أن صراع بني أمية هو مع الإسلام قبل أن يكون مع الأسرة الهاشمية. يقول في شعره عن مقتل الحسين (علیه السلام):
جَاءُوا بِرَأْسِكَ يَابْنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ *** مُتَزَمِّلًا بِدِمَائِهِ تَزْمِيلَا
وَكَأَنَّمَا بِكَ يَابْنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ *** قَتَلُوا جَهَارًا عَامِدِينَ رَسُولَا
قَتَلُوكَ عَطْشَانًا وَلَمْ يَتَرَقَّبُوا *** فِي قَتْلِكَ التَّنْزِيلَ وَالتَّأْوِيلَا
وَيُكَبِّرُونَ بِأَنْ قُتِلْتَ وَإِنَّمَا *** قَتَلُوا بِكَ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَا76تكشف هذه الأبيات عن وعي الإمام الحاكم أنّ قتل الإمام الحسين (علیه السلام) هو قتل لرسولٍ، لأنهم يريدون به قتل الرسالة. ويكشف جانباً خطيراً من جوانب الدين الأموي، وهو أنه باسم التكبير والتهليل يقتل التكبير والتهليل.
ولذلك لم يكن لعن عليّ (علیه السلام) على المنابر مجردَ تشفٍّ وانتقام من عدوّ منافس على إمارة أو رئاسة، وإلا لكان تَوقَّفَ بموت علي (علیه السلام). ولكن استمرار لعنه بعد موته، وتقتيل ذريته ومحاصرتهم وتشريدهم، يؤكد أنّ الهدف من ذلك إسقاطُ المرجعية الحقّة للإسلام المحمدي، ليسهل بعد ذلك على بني أمية أن يُفَصِّلوا للناس ديناً على مقاس مصالحهم (مصالح بني أمية لا مصالح الناس)، ولذلك أيضاً زَخرت السنةُ بالنصوص التي تؤكد مرجعيةَ أهل البيت، وعداوةَ بني أمية ومن في مدرستهم من المنافقين لأهل البيت ولإسلام محمد.
أحاديث الحوض الكاشفة
ولعل أحاديث الحوض ميزانٌ من الموازين التي يستطيع المرء بها أن يطهّرَ نفسه من الرجس، ليرى الحقائق بعيدة عن التحريف والكتمان. وإذا تتبعْنا رواياتِ الحوض نجدها تتمحور حول الموقف في الصراع بين الإسلام المحمدي وبين الإسلام الأموي:
_ الأحاديث التي مرَّ ذكرها «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض، وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرّقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما»
_ عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أول من يرد على حوضي أهل بيتي ومن أحبني من أمتي»77
_ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «قد أعطيت الكوثر». قلت: يا رسول الله وما الكوثر؟ قال: «نهر في الجنة عرضه وطوله ما بين المشرق والمغرب، ولا يشرب منه أحد فيظمأ، ولا يتوضأ منه أحد فيشعث: لا يشربه إنسان خفر ذمتي ولا قتل أهل بيتي»78
من هذه الروايات وغيرها يتبين أن الحوض لأهل البيت ولأوليائهم، وأن المردودون عن الحوض هم من تحاملوا على أهل البيت بالقتل والتشريد، أو من أخفر ذمة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالرضا بقتل أهل بيته، أو بالتخلي عن نصرتهم، أو بالدفاع عن أعدائهم، فيا ويل ابن العربي وأضرابه ممن سبقوه أو لحقوه وحاولوا التخفيف من جرائم قتلة آل الرسول! أين يذهب ابن العربي بمقولته إن الحسين (علیه السلام) قُتِل بسيف جده؟! سيرى وهو يذاد عن حوض النبي أن “عواصمه” هي “القواصم”79. ولنتابع بعض أحاديث الحوض:
_ أخرج النسائي وصححه الألباني عن كعب بن عجرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن تسعة فقال: «إنه سيكون بعدي أمراء، من صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس بوارد علي الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنه على ظلمهم فهو مني وأنا منه ويرد علي الحوض»80
_ في صحيح مسلم عن عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أنه سمع عائشة تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو بين ظهراني أصحابه: «إني على الحوض أنتظر من يرد علي منكم، والله ليقتطعن دوني رجال فلأقولن: أي رب مني ومن أمتي؟ فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم»81
_ ويقول أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم: «أَلاَ ليذادَنَّ رجالٌ عن حوضي كما يُذاد البَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ: أَلاَ هَلُمَّ أَلاَ هَلُمَّ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فأَقُولُ: سُحقاً فسحقاً فسحقاً»82
نلاحظ في روايتي النسائي ومسلم عبارةَ “سيكون بعدي أمراء” وعبارة “ما زالوا يرجعون بعدك”، فإنهما وإن شملتا أمراء الظلم والفتنة والعمالة المعاصرين، لكنهما تتوجهان في الأصل إلى الأمراء بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وتؤكدان أن الانحراف يبدأ من هناك ويستمر.
وما يؤكد أن انحراف الأمراء الممنوعين من الحوض، والذين رجعوا على أعقابهم، وبدّلوا الإسلام المحمدي، ما يؤكّد أن هذا الانحراف يبدأ من القرن الأول، ويكون قادته ناسٌ من الصحابة، هو الحديث الوارد في الصحيحين: عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي الْحَوْضَ، حَتَّى عَرَفْتُهُمْ اخْتُلِجُوا دُونِي، فَأَقُولُ: أَصْحَابِي؟ فَيَقُولُ: لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ»83
وقد أدرك حكام بني أمية أن أحاديث الحوض تقصدهم، وتفضح دينهم، ولذلك حاولوا تكذيبها: في سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد عن عبد السّلام بن أبي حازم أبو طالوتَ، قال: شَهدْتُ أبا برزةَ دخلَ على عُبيد الله بن زياد فلما رآه عُبيدُ الله قال: إن محمَّديَّكم هذا الدَّحداحَ84ففهمها الشَّيخ، فقال: ما كنتُ أحسِبُ أني أبقى في قوم يعيِّروني بصحبة محمَّد صلى الله عليه وسلم فقال له عُبيد الله: إن صحبةَ محمَّد صلى الله عليه وسلم لك زَينٌ غيرُ شَيْن. ثم قال: إنما بَعثْتُ إليكَ لأسالك عن الحوض، سمعتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يذكُرُ فيه شيئاً؟ قال أبو برزة: نعم، لا مرَّةً ولا ثنتين ولا ثلاثاً ولا أربعاً ولا خمساً، فمن كَذَّبَ به فلا سقاه الله منه ثم خَرَجَ مُغضباً85.
في هذه الرواية نجد أن الصحابيّ أبا برزة يستدعى للتحقيق في روايته حديث الحوض، وهو ليس مجرد استدعاء للسؤال والاستفهام، ولو كان مجرد سؤال لما كانت ردة فعل أبي برزة بهذا الانفعال والغضب. وكذلك الصحابي أنس بن مالك كان يقول للأمويين: “ما حسبْتُ أن أعيش حتى أرى مثلَكم ينكر الحوض”86.
معالم الانحراف الأموي
تبين مما سبق أن الصراع بعد سقوط الوثنية صار أخطر مما قبل، وأن بني أمية استطاعوا أن يغيروا المزاج العام للأمة، وأن ينشروا باسم الإسلام ثقافة كاملة بأصولها وقواعدها وعقائدها وفقهها تُكرِّس الواقع المنحرف، وتبدّل في دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم كل ما يعرقل مشروعهم في تحويل الدين من دين مقاوم للمستبدين ومناصر للمستضعفين إلى دين يطالب الفرد بالتخلي عن الشأن العام، وبلزوم الجماعة وطاعة الإمام مهما كان فاسقاً ومجرماً ومنحرفاً ومضلِّلاً. وقد وصل الانحراف في عهد الإمام الحسين (علیه السلام) مداه، فكان لا بد أن يُقدَّمَ لنهضة الإسلام قربانٌ يبلغ من العظمة والجلال ما يصدِّعُ بنيان ذلك التراكم الهائل من الخداع والانحراف، وليس أعظم ولا أجل من كربلاء الشهادة. ولنحاول الآن اختصار بعض مظاهر الانهيار والانحطاط، والتي تعتبر بعض الأسباب لحتمية الثورة الحسينية.
أولاً النصوص التي تؤكد ضياع الإسلام
حاول البعض أن يصوِّرَ أن فساد الأمويين وغيرهم اقتصر على الناحية الإدارية وبعض المظالم، وأن كل شيء كان على ما يرام لولا بعض المفاسد والجرائم، وأن هذه الجرائم أوبقت مرتكبيها، ولكنها لم تؤثر على الدين. والحقيقة خلاف ذلك، وأن معالم الدين قد بدأت تتغير وتَضِيع حتى من قَبْلِ الأمويين. ولنقرأ الروايات التالية:
_ عن مسروق بن الأجدع قال: سمعت عائشة أم المؤمنين تقول: “أما والله لو عَلمَ معاويةُ أنَّ عند أهل الكوفة منعةً ما اجترأَ على أن يأخذَ حِجراً وأصحابه من بينهم حتى يقتلهم بالشام. ولكن ابن آكلة الأكباد علم أنه قد ذهب الناس. أما والله إن كانوا لجمجمة العرب عزاً ومنعةً وفقهاً، ولله در لبيد حيث يقول:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم *** وبقيت في خَلْفٍ كجلد الأجربِ”87
انتهى كلام أم المؤمنين
وفي إتحاف الخيرة عن هشام بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: “رَحِمَ اللَّهُ لَبِيدًا قَالَ:
ذَهَبَ الَّذِينَ يُعَاشُ فِي أَكْنَافِهِم *** وَبَقِيتُ فِي خلف كجلد الأجرب
قال: فكان أبي يقول: رَحِمَ اللَّهُ عَائِشَةَ، فَكَيْفَ لَوْ رَأَتْ زَمَانَنَا هَذَا؟!”88
_ روى البخاري عن الزهري قال: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: “لا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلَّا هَذِهِ الصَّلاَةَ، وَهَذِهِ الصَّلاَةُ قَدْ ضُيِّعَتْ»89
عائشة تقول ذهب الناس وبقينا في خلف كجلد الأجرب، أي بلا شأن ولا علم، وعروة بعدها يقول فكيف لو رأت زماننا؟ وزمانهم قريب جداً من زمن عائشة. وأنس يقول لقد ضيعوا الإسلام كله، ولم يبق منه شيء غير الصلاة، ولكنهم أيضاً ضيعوها. ولذلك فمن يرى أنه لم يحصل شيء وأن كل شيء كان على ما يرام فإنه مكذب لعروة ولعائشة ولأنس.
_ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَا وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ وَإِذَا نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ أَخَذَ بِيَدِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، فَقَالَ: قَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ90
_ وفي مسند أحمد: أن عِمْرَانَ قال: “مَا صَلَّيْتُ مُنْذُ حِينٍ. أَوْ قَالَ: مُنْذُ كَذَا وَكَذَا أَشْبَهَ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ ” يَعْنِي: صَلَاةَ عَلِيّ91.
_ في مختصر تاريخ دمشق: عن أبي هريرة: أنه حدث خلاد بن رافع عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوصفها له، يكبر إذا سجد، وإذا رفع رأسه كصلاة الهاشميين. قال له خلاد: فمن أول من ترك ذلك؟ قال: معاوية92.
يظهر جلياً أن معاوية وأضرابه قد ضيعوا حتى الصلاة، ولم يعد من هادٍ يُذَكِّر الأمة بصلاة محمد صلى الله عليه وآله وسلم غير الثَقَل العاصم من الضلال عليٍّ (علیه السلام) وآلِه الهاشميين.
ثانياً عقيدة الجبر
سعى الأمويون لتأكيد فكرة أن الإنسان مسيّرٌ وليس مخيّراً، وأن تغيير الواقع بيد الله وحده، وليس للعباد خيار في ذلك، وبالتالي فإن إرادة الله هي التي قضت بجعل بني أمية في السلطة، وأن كل ما يُرتكَب إنما هو بترتيب الله ولا ينبغي الاعتراض:
_ قال معاوية لعائشة رضي الله عنها لما اعترضت على بيعة يزيد: “وقد كان أمرُ يزيد قضاءً من القضاء، وليس للعباد الخِيرَة في أمرهم”93.
_ جاء عطاء بن يسار ومعبد الجهنيّ إلى الحسن البصريّ يقولان له: “إنّ هؤلاء [أي حكام بني أمية] يسفكون الدماء ويقولون: إنما تجري أعمالنا على قدر الله” فقال: “كذب أعداء الله”94.
_ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: “الأَرْضُ للَّهِ وَأَنَا خَلِيفَةُ اللَّهِ فَمَا أَخَذْتُ فَلِي، وَمَا تَرَكْتُهُ لِلنَّاسِ فَبِالْفَضْلِ مِنِّي”95.
هذه الروايات وغيرها تظهر فظاعة ما ارتكبه معاوية، حين اعتبر توليةَ يزيد قضاءً قضاه الله لا يجوز الاعتراض عليه، وأنه يحكم الناس باسم الله، وهذا ديدن كل طغاة التاريخ، ولطالما استغلت السلاطين وأحبارهم ما جاء في رسالة بولس إلى أهل رومية من أجل قمع كل مطالب بحقّ: «لتخضعْ كلّ نفس للسلاطين الفائقة، لأنّه ليس سلطان إلا منَ الله. والسلاطين الكائنة هي مُرَتَّبة من الله، حتّى إنّ من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون يأخذون لأنفسهم دينونة»96. وكمعاوية كان لويس الرابع عشر يردِّد أنه يستمدُّ قوته من الله، وأنه غير مسؤول أمام أحد غير الله97.
ثالثاً لزوم الجماعة
وهذه كانت من أخبث المفاهيم الأموية، والتي تعني أن يبقى كل شيء على ما هو عليه ما دام يريح السلاطين ويوافق هواهم، وهذا يناقض القرآن والسنة المتواترة التي تأمر بوجوب التغيير على السلطة المنحرفة، وبالتالي فكل حديث دسّه الأمويون في الرضا بالظلم مردود درايةً كما في أصول الفقه ولو صح إسناده. ومن الأحاديث الأموية السلطانية ما جاء في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس» قال: قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: «تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع» (قال الدارقطني هذا عندي مرسل لأن أبا سلام لم يسمع حذيفة)98. فهذا الخبر مدسوس قطعاً، وهو يناقض كل ما أمر به القرآن من مواجهة الحكام الذين يخرجون عن شرع الله﴿ … فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ 99فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وأين هذا مما جاء في سنن أبي داود وصححه الألباني «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، أَوْ أَمِيرٍ جَائِرٍ»100؟ كيف يمكن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأمر الأمة أن تطيع من يعطل الإسلام ومن قلوبهم شياطين؟ إنه الدين الأموي الذي أراد إقصاء دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وأكثر منه تهافتاً ما جاء في مسند أحمد ومسند أبي يعلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأل أبا ذر كيف يصنع عند ظلم الحكام فقال أضرب بسيفي. قال: «أدلك على ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشداً؟ تسمع وتطيع وتنساق لهم حيث ساقوك»101. فلماذا لم يفعل أبو ذر رضي الله عنه ذلك؟ “تنساق حيث ساقوك”!! كيف يمكن لهذا الكذب الواضح أن ينطليَ على علماء وفقهاء؟؟ إنها مدرسةُ فرعونَ الذي قال الله فيه:﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ … ﴾ 102 ومعاويةَ الذي قال النبي فيه: «لكل أمة فرعون، وفرعون هذه الأمة معاوية بن أبي سفيان»103
وقد استفاد الأمويون من نظرية لزوم الجماعة وأحاديث السمع والطاعة في تكريس استبدادهم وتلاعبهم بدين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فمثلاً مما قاله قاله معاوية لعبد الله بن عمر عندما أراد تولية يزيد: “وإني أحذرك أن تشق عصا المسلمين، أو تسعى في فساد ذات بينهم”104. وبعده حاول أحد قادة يزيد في ملحمة كربلاء أن يستفيد من ذلك: قَالَ الزبيدي إنه سمع عَمْرو بن الحجاج حين دنا من أَصْحَاب الْحُسَيْن يقول: “يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، الزموا طاعتكم وجماعتكم، وَلا ترتابوا فِي قتل من مرق من الدين، وخالف الإمام”. فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن (علیه السلام): «يَا عَمْرو بن الحجاج، أعلي تحرض الناس؟ أنحن مرقنا وَأَنْتُمْ ثبتم عَلَيْهِ؟ أما وَاللَّهِ لتعلمُنَّ لو قَدْ قُبضتْ أرواحكم ومتُّم عَلَى أعمالكم أينا مرق من الدين، ومن هُوَ أولى بصليِّ النار»105
وبكل أسف أصبحت هذه النظرية الإبليسية الأموية مقياساً لصحة دين الناس. قال الطبري عن أهل أفريقيا: “فَمَا زَالُوا مِنْ أَسْمَعِ أَهْلِ الْبُلْدَانِ وَأَطْوَعِهِمْ إِلَى زَمَانِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، أَحْسَنَ أُمَّة سَلامًا وَطَاعَةً، حَتَّى دَبَّ اليهم أَهْلُ الْعِرَاقِ، فَلَمَّا دَبَّ إِلَيْهِمْ دُعَاةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَاسْتَثَارُوهُمْ، شَقُّوا عَصَاهُمْ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمْ إِلَى الْيَوْمِ”106.
رابعاً الاغتيال
الاغتيال كان من أهم الأساليب التي اعتمدتها المدرسة الأموية في مواجهة القائلين بدين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وما اغتيال سعد بن عبادة رضي الله عنه ببعيد عن ذلك. يقول ابن سعد في طبقاته: “فلما ولي عمر لقيه ذات يوم في طريق المدينة فقال: إيه يا سعد. فقال سعد: إيه يا عمر. فقال عمر أنت صاحب ما أنت صاحبه؟ فقال سعد: نعم أنا ذاك، وقد أفضى إليك هذا الأمر، كان والله صاحبك أحب إلينا منك، وقد والله أصبحْتُ كارهاً لجوارك. فقال عمر: إنه مَنْ كَره جوار جاره تَحَوَّل عنه. فقال سعد: أما أني غير مستنسئٍ بذلك، وأنا متحوِّل إلى جوار من هو خير منك. قال فلم يلبث إلا قليلاً حتى خرج مهاجراً إلى الشام في أول خلافة عمر بن الخطاب فمات بحوران”107.
للأسف كان اختيار سعد بن عبادة رضي الله عنه بلاد الشام، حيث كانت تحت إمرة الأمويين (معاوية بن أبي سفيان وأخيه يزيد) فوُجدَ مقتولاً في ظروف غامضة وتمّ إلصاق التهمة بالجِنّ108. والمضحك ما ذكره الذهبي أنه “بال في بخش فمات لوقته، فيقال إن الجن أصابته”109﴿ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ … ﴾ 102.
وقتلوا أيضاً الأشتر مالك بن الحارث رضي الله عنه بالسمّ، وقال معاوية وقتها: “إن لله جنودًا من عَسَل”110 وقيل إنه قالها يوم قتل الحسن بن علي (علیه السلام) بالسمّ. قال ابن عبد البر: “وقد كانت أباحت له عائشة أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها، وكان سألها ذلك في مرضه، فلما مات مَنع من ذلك مروانُ وبنو أمية في خبر يطول ذكره. وقال قتادة وأبو بكر بن حفص: سُمَّ الحسنُ بن عليّ، سَمَّتْه امرأتُه جعدةُ بنتُ الأشعث بن قيس الكندي. وقالت طائفة: كان ذلك منها بتدسيس معاوية إليها وما بذل لها في ذلك”111. وحتى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد الذي ناصر معاوية، وقاتله معه ضد أمير المؤمنين (علیه السلام) في صفين، لم يسلم من سمّ معاوية عندما وجد أن الناس تميل إلى أن يعهد معاوية لعبد الرحمن بالخلافة من بعده. يقول ابن عبد البر: “ثم إن عبد الرحمن مرض فأمر معاويةُ طبيباً عنده يهودياً، وكان عنده مكيناً أن يأتيَهُ فيسقيه سقية يقتله بها، فأتاه فسقاه فانحرق بطنه فمات”112.
وقائمة الاغتيالات تطول في صحيفة معاوية، والذي أصبح لا يجد غير التهديد بالقتل خطاباً يوجهه إلى كبار القوم حتى من الصحابة: كتب إلى ابن عباس: “أما بعد، فقد بلغني إبطاؤك عن البيعة ليزيد ابن أمير المؤمنين، وإني لو قتلتك بعثمان لكان ذلك إليّ، لأنك ممن ألّب عليه وأجلب، وما معك من أمان فتطمئنّ به، ولا عهد فتسكن إليه، فإذا أتاك كتابي هذا، فاخرج إلى المسجد، والعنْ قتلةَ عثمان، وبايع عاملي، فقد أعذر من أنذر وأنت بنفسك أبصر، والسلام”113. وعندما أراد معاوية تولية يزيد جمع عبد الرحمن بن أبي بكر وعبد الله بن عمر والحسين بن علي (علیه السلام) وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس، وقال لهم: “فَإِنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَتَقَدَّمَ إِلَيْكُمْ، إِنَّهُ قَدْ أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ، إِنِّي كُنْتُ أَخْطُبُ فِيكُمْ فَيَقُومُ إِلَيَّ الْقَائِمُ مِنْكُمْ فَيُكَذِّبُنِي عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ فَأَحْمِلُ ذَلِكَ وَأَصْفَحُ، وَإِنِّي قَائِمٌ بِمَقَالَةٍ، فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَئِنْ رَدَّ عَلَيَّ أَحَدُكُمْ كَلِمَةً فِي مَقَامِي هَذَا لَا تَرْجِعُ إِلَيْهِ كَلِمَةٌ غَيْرُهَا حَتَّى يَسْبِقَهَا السَّيْفُ إِلَى رَأْسِهِ، فَلَا يُبْقِيَنَّ رَجُلٌ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ”. ثُمَّ دَعَا صَاحِبَ حَرَسِهِ بِحَضْرَتِهِمْ فَقَالَ: “أَقِمْ عَلَى رَأْسِ كُلِّ رَجُلٍ مِنْ هَؤُلَاءِ رَجُلَيْنِ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ سَيْفٌ، فَإِنْ ذَهَبَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَرُدُّ عَلَيَّ كَلِمَةً بِتَصْدِيقٍ أَوْ تَكْذِيبٍ فَلْيَضْرِبَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا”114.
بل إن الخليفة الأموي معاوية الثاني (معاوية بن يزيد بن معاوية) لم ينجُ من غدر بني أمية عندما رفض تولي خلافة ظالمة، فخطب بالناس قائلاً: “أيها الناس، إن جدي معاوية نازع الأمر أهله ومن هو أحق به منه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو علي بن أبي طالب، وركب بكم ما تعلمون حتى أتته منيته، فصار في قبره رهيناً بذنوبه وأسيراً بخطاياه؛ ثم قلد أبي الأمر فكان غيرَ أهلٍ لذلك، وركب هواه وأخلفه الأمل، وقصر عنه الأجل. وصار في قبره رهيناً بذنوبه، وأسيراً بجرمه” ثم بكى حتى جرت دموعه على خديه ثم قال: “إن من أعظم الأمور علينا علمَنا بسوء مصرعه وبئس منقلبه، وقد قتل عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأباح الحرم وخرب الكعبة، وما أنا بالمتقلّد ولا بالمتحمل تبعاتكم، فشأنكم أمركم؛ والله لئن كانت الدنيا خيراً فلقد نلنا منها حظاً ولئن كانت شراً فكفى ذرية أبي سفيان ما أصابوا منها، ألا فَلْيُصَلِّ بالناس حسانُ بن مالك، وشاوروا في خلافتكم رحمكم الله”. ثم دخل منزله وتغيب حتى مات بعد أيام115. ولا نستغرب أن يموت بعد أيام، عندما نقرأ غضب مروان عليه في ما نقله البلاذري “دخل مروان بْن الحكم على مُعَاوِيَة بْن يزيد فَقَالَ له: لقد أعطيت من نفسك ما يعطي الذليل المهين، ثم رفع صوته فَقَالَ: من أراد أن ينظر فِي خالفة آل حرب بْن أُمَيَّة فلينظر إلى هذا. فَقَالَ له مُعَاوِيَة: يا ابْن الزرقاء اخرج عني لا قَبِلَ اللَّهُ لك عذراً يوم تلقاه”116. ويُرَجِّحُ احتمالَ اغتياله ما نقله ابن كثير والطبري من أقوال بموته مسموماً أو مطعوناً117. ولذلك لا نستغرب ما روته أكثر كتب التاريخ عن انتقام بني أمية من مؤدِّبه عمر المقصوص. يروي العصاميُّ أن بني أُميَّة قَالُوا لمؤدبه: أَنْت عَلمته هَذَا ولقنته إِيَّاه، وصددته عَن الْخلَافَة، وزينْتَ لَهُ حب عَليّ وَأَوْلَاده (رضي الله عنهم) وَحَمَلْتَه على مَا وَسَمَنَا بِهِ من الظُّلم، وَحسنت لَهُ الْبدع حَتَّى نطق بِمَا نطق، وَقَالَ مَا قَالَ. فَقَالَ: وَالله مَا فعلته وَلكنه مجبول ومطبوع على حب عَليّ وَأَوْلَاده رضي الله عنهم فَلم يقبلُوا مِنْهُ ذَلِك وأخذوه ودفنوه حَيّاً حَتَّى مَاتَ رَحمَه الله118.
خامساً جرائم انتهاك الإنسانية
ولم يكتف الأمويون باغتيال من يعارض مشروعهم، بل كانوا ينتهكون آدميته، ويقترفون الجرائم التي تعبر عن وحشية وسادية مَرَضِيّة ورثوها عن هند أم معاوية التي استخرجت كبد حمزة رضي الله عنه ولاكَتْهُ وحاولت ابتلاعه. هذا التوحش صار طبعاً لبني أمية، بل تكاد تجد شيئاً منه في كلِّ من مال إليهم. وإليكم بعضاً مما اقترفه الأمويون من جرائم ضد الإنسانية:
_ في أسد الغابة أن محمد بن أبي بكر “لما ولي مصر، سار إليه عَمْرو بْن العاص فاقتتلوا، فانهزم مُحَمَّد ودخل خربة، فأخرج منها وقتل، وأحرق فِي جوف حمار ميت”119.
_ آمنة بنت الشريد زوجة عمرو بن الحمق، حبسها معاوية في سجن دمشق زماناً، ولما قتل زوجها أرسل إليها رأسه فألقي في حجرها120.
_ في سمط النجوم العوالي: ثم سأل معاوية عبد الرحمن بن حسان عن علي، فأثنى خيراً، ثم عن عثمان، فقال: أول من فتح باب الظلم، وأغلق باب الحق، فرده إلى زياد ليقتله شَر قِتلة، فدفنه زياد حياً121.
_ في الاستيعاب ذكر ابن عبد البر كيف كان الصحابي بسر بن أرطأة والي معاوية يقترف الجرائم في اليمن وغيرها، ومن جرائمه ذبح طفلين لعبيد الله بن عباس وهما في حضن أمهما عائشة بنت المدان، التي لم تتحمل مشهد ذبح أطفالها، فجنّت وهامت على وجهها122.
_ نقل ابن الأثير عن الحسن البصري قوله: «أربع خصال كن في معاوية، لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة. انتزاؤه على هذه الأمة بالسيف حتى أخذ الأمر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلافه بعده ابنه سكيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زياداً، وقد قال رسول الله (ص): “الولد للفراش وللعاهر الحجر”، وقتله حجراً وأصحاب حجر، فيا ويلاً له من حجر! ويا ويلاً له من حجر وأصحاب حجر»123
وما اقترفه جيش يزيد في كربلاء مما يندى له جبين الإنسانية معروف مشهور، فرمي الطفل الرضيع بسهم وهو في حضن أبيه الإمام الحسين (علیه السلام) معروف، ومعاملتهم للأسرى ولبنات الرسول وذريته عليهم الصلاة والسلام كل ذلك مشهور معروف.
_ في طبقات ابن سعد: وقد كان ابنا عبد الله بن جعفر لَجَآ إلى امرأة عبد الله بن قطبة الطائي ثم النبهاني، وكانا غلامين لم يبلغا. وقد كان عمر بن سعد أمر منادياً فنادى: من جاء برأس فله ألف درهم. فجاء ابن قطبة إلى منزله فقالت له امرأته: إن غلامين لجآ إلينا فهل لك أن تشرف بهما فتبعث بهما إلى أهلهما بالمدينة؟ قال: نعم، أرينيهما. فلما رآهما ذبحهما وجاء برؤوسهما إلى عبيد الله بن زياد، فلم يعطه شيئاً124.
_ قَالَ هِشَام: حَدَّثَنِي أَبُو الهذيل- رجل من السكون- عن هانئ بن ثبيت الحضرمي، قَالَ: خرج غلام من آل الْحُسَيْن وَهُوَ ممسك بعود من تِلكَ الأبنية، عَلَيْهِ إزار وقميص، وَهُوَ مذعور، يتلفِتُ يميناً وشِمالاً، فكأني أنظر إِلَى درتين فِي أذنيه تذبذبان كلما التفَتَ، إذ أقبل رجلٌ يركض، حَتَّى إذا دنا مِنْهُ مال عن فرسه، ثُمَّ اقتصد الغلام فقطعه بالسيف.
قَالَ هِشَام: قَالَ السكوني: هانئ بن ثبيت هُوَ صاحب الغلام، فلما عُتب عَلَيْهِ كنّى عن نفسه125.
_ بعد استشهاد الإمام الحسين (علیه السلام) جرده بحر بن كعب من ثيابه126.
_ بعد قتل الإمام أمرهم عمر ابن سعد أن يدوسوا الجسد الشريف بخيولهم حَتَّى رضُّوا ظهره وصدره127.
_ ونختم انتهاكاتهم بهذه الرواية: عن عبد الملك بن عمير قال: دخلت على عبيد الله بن زياد وإذا رأس الحسين قدامه على ترس، فوالله ما لبثت إلا قليلاً حتى دخلت على المختار فإذا برأس عبيد الله بن زياد على ترس، فوالله ما لبثت إلا قليلاً حتى دخلت على مصعب بن الزبير وإذا رأس المختار على ترس، فوالله ما لبثت إلا قليلاً حتى دخلت على عبد الملك وإذا رأس مصعب بن الزبير على ترس. قال أبو يعلى بعد روايته للخبر: “ما كان لهؤلاء عمل إلا الرؤوس”128. نعم هذا هو عصر بني أمية كما يقول أبو يعلى.. عصر قطع الرؤوس.
سادساً التلاعب والاستخفاف بالأحكام الشرعية
_ عَن سعيد بن الْمسيب قَالَ عن معاوية إنه “أَوَّل من رد قَضَاء رَسُول الله صلى الله عليه وسلم129.
_ كان عبادة بن الصامت تولى قضاء فلسطين في خلافة عمر بن الخطاب، وكان تحت ولاية معاوية، وقد حاول معاوية إرغامه على إمضاء بعض العقود الربوية، لكن عبادة أبى وقال لمعاوية: “لا أساكنك بأرض واحدة أبداً” ثم تدخّل عمر، وأبقى عبادة في القضاء، ومنع معاوية أن يتدخل130.
_ عن سليمان بن يسار أن معاوية بن أبي سفيان باع سقاية من ورق أو ذهب بأكثر من وزنها فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل. قال له معاوية: ما نرى به بأساً. فقال له أبو الدرداء: من يعذرني من معاوية؟ أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه؟ لا أساكنك بأرض أنت بها131.
_ سرقة دية أهل الكتاب: في الأوائل للمحدث أبي عروبة الحراني عَنِ الزُّهْرِيّ قَالَ: “كَانَتِ السُّنَّةُ الأُولَى أَنَّ دِيَةَ الْمُعَاهِدِ كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ فَكَانَ مُعَاوِيَةُ أَوَّل مَنْ قَصَرَهَا إِلَى نِصْفِ الدِّيَةِ وَأَخَذَ نِصْفَ الدِّيَة لنَفسِهِ”132.
_ معاوية أول من اتخذ الخصيان لخاص خدمته133.
_ أخرج النسائي عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: كنا مع ابن عباس بعرفات فقال: مالي لا أسمع الناس يُلَبُّون؟ فقلت: يخافون من معاوية. فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال: لبيك اللهم لبيك، فإنهم قد تركوا السنة من بغض علي134.
_ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ: “أَوَّل مَنْ جَلَسَ فِي الْخُطْبَةِ يَوْمَ الجُمُعة مُعَاوِيَةُ”135.
_ وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: ” أَوَّل مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ مُعَاوِيَةُ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ أَذَانٌ وَلا إِقَامَةٌ”136.
هذه الروايات وأمثالها وَصَلَتْ رغم كلِّ قمع السلطة وقمع المحدِّثين، وما وصل أكثر بكثير مما ذكرْتُ، وما لم يصلْ أكثر منهما، وهي تثبت استخفافَ معاويةَ والمدرسةِ الأموية بالدين والقضاء وحتى الصلاة والحج. بل وصل به الأمر أن صلّى بهم الجمعة يوم الأربعاء كما يذكر المسعودي في مروج الذهب: “وقد بلغ من أمرهم في طاعتهم له أنه صلّى بهم عند مسيرهم إلى صفين الجمعةَ في يوم الأربعاء، وأعاروه رؤوسهم عند القتال وحملوه بها، وركنوا إلى قول عمرو بن العاص: إن عليّاً هو الذي قتل عمّار بن ياسر حين أخرجه لنصرته، ثم ارتقى بهم الأمر في طاعته إلى أن جعلوا لَعْنَ عليٍّ سُنَّةً، يَنشأُ عليها الصغير، ويهلك عليها الكبير”137.
سابعاً الرُّشى وحبُّ الدنيا
لقد قام الحكم الأموي على ثلاثة أركان: البطش والرُّشى وتزييف الدين. وطبعاً عندما تنتشر الرشى في مجتمع إسلاميّ فهذا يعني ذهاب الدين. لأن الرشى لا تنتشر إلا في مجتمع ركن إلى الدنيا، وصار يؤثرها، فإذا تعلق الناس بالدنيا سهل على الحكام قيادهم من خلال إعطائهم من الدنيا، أو تهديدهم بتخريب مصالحهم الدنيوية.
في كربلاء يسأل الإمام الحسين (علیه السلام) رجالاً جاؤوه من الكوفة عن أحوال الناس، فكان جوابهم صورة صادقة للعصر الأموي، قَالَ لَهُ مجمع بن عَبْدِ اللَّهِ العائذي، وَهُوَ أحد النفر الأربعة الَّذِينَ جاءوه: “أما أشراف الناس فقد أُعْظِمت رشوتُهم، وملئت غرائرُهم، يستمال وُدّهم، ويستخلص بِهِ نصيحتهم، فهم أَلْبٌ واحدٌ عَلَيْك. وأما سائر الناس بعد، فإنّ أفئدتَهم تهوي إليك، وسيوفَهم غداً مشهورةٌ عَلَيْك”. قَالَ: أخبروني، فهل لكم برسولي إليكم؟ قَالُوا: من هُوَ؟ قَالَ: قيس بن مسهر الصيداوي، فَقَالُوا: “نعم، أخذه الحصين بن تميم فبعث بِهِ إِلَى ابن زياد، فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك، فصلّى عَلَيْك وعلى أبيك، ولعن ابن زياد وأباه، ودعا إِلَى نصرتك، وأخبرهم بقدومك، فأمر بِهِ ابن زياد فألقي من طمار القصر”. فترقرقت عينا حسين (علیه السلام) ولم يملك دمعه، ثم قال: «﴿ … فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ 138اللَّهُمَّ اجعل لنا ولهم الجنة نزلاً، وأجمع بيننا وبينهم فِي مستقر من رحمتك، ورغائب مذخور ثوابك»139.
ونذكر من رشى معاوية أنه بعث إلى عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بمائة ألف درهم بعد أن أبى البَيْعة ليزيد بن معاوية، فردّها عبد الرحمن وأبى أن يأخذها وقال: أبيع ديني بدنياي؟ وخرج إلى مكة حتى مات بها140. وفي طبقات ابن سعد عَنْ نَافِعٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ بِمِائَةِ أَلْفٍ. فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُبَايِعَ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: أَرَى ذَاكَ أَرَادَ. إِنَّ دِينِي عِنْدِي إِذًا لَرَخِيصٌ141.
ولعل ذاك الشقيّ سنان بن أنس الذي جاء برأس الحسين (علیه السلام) إلى عبيد الله بن زياد وقال:
أوقر ركابي فضة وذهبا *** أنا قتلت الملك المحجبا *** قتلت خير الناس أما وأبا142
لعله يجسد الحالة الحقيقية لغالب الناس.. لقد صاروا مستعدّين لارتكاب الفظائع وقتل خير الناس من أجل الذهب والفضة. بل حتى الروايات التي تذكر أن بعض الصحابة كأنس بن مالك أو أبي برزة الأسلمي أنكر على يزيد وانتهره وهو يعبث بقضيب بيده بثنايا الحسين (علیه السلام)، أقول حتى هذه الروايات لا تشفع لأنس أو لأبي برزة: فما الذي يدخلهما إلى مجلس طاغية مجرم؟ بل إنهما كانا معه وهو في غرفة عملياته ينتظر قدوم الرأس الشريف.﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴾ 143.
وقد شخّص الإمام الحسين (علیه السلام) هذا الواقع بقوله: «الناس عبيد المال، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما دَرَّتْ معايشهم، فإذا محصوا بابتلاء قل الديانون»144.
وإذا حاول معاوية أن يستر إيثاره للدنيا، أو حاول المحدِّثون والفقهاء أن يستروا ذلك، فإنّ صراحة عمرِو بن العاص تفضحهم جميعاً (وطبعاً لا تشفع لعمرٍو جرائمه)، وهو الذي قال فيه قبيصة بن جابر: “ما رأيتُ رجلاً أشبهَ سريرةً بعلانيةٍ منه”145. عمرو بن العاص هذا الذي كان شريكاً لمعاوية في كثير من جرائمه، طالب معاويةَ أيام وقعة صفين أن يكافئه. فحاول معاويةُ أن ينبّه عمراً إلى أنه قد أغرق في طلب الدنيا، فردَّ عليه عمرٌو: “يا معاويةُ، أحرقْتَ كبدي بقصصك، أترى أنّا خالفْنا علياً لفضلٍ منّا عليه!؟ لا والله، إن هي إلا الدنيا نتكالب عليها. وأيم الله لَتَقْطَعَنَّ لي قطعة من دنياك أو لأنابذنّك” قال: فأعطاه مصر، يعطي أهلها عطاءهم وما بقي فله146. ومن اعترافات عمرٍو أيضاُ ما حدث المزني أنه سمع الشافعي رحمه الله يقول: دخل ابن عباس على عمرو بن العاص وهو مريض فقال: كيف أصبحتَ؟ قال: أصبحتُ وقد أصلحتُ من دنياي قليلاً، وأفسدت من ديني كثيراً، فلو كان ما أصلحت هو ما أفسدت لفزت، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان ينجيني أن أهرب لهربت، فعظني بموعظة أنتفع بها يا بن أخي. فقال: هيهات يا أبا عبد الله147. (“هيهات يا أبا عبد الله” أي فات الأوان وما عادت تنفعك المواعظ، بل كان يجب أن تبحث قبل الآن).
ورسالة الحسين (علیه السلام) إلى معاوية148 تبرز بعض فظائع المشروع الأموي نختصر منها: «(…)ما أردت حرباً ولا خلافاً، وإني لأخشى لله في ترك ذلك، منك ومن حزبك القاسطين المحلين، حزب الظالم وأعوان الشيطان الرجيم. ألسْتَ قاتل حجر وأصحابِه العابدين المخبتين، الذين كانوا يستفظعون البدع ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر149؟ فقتلتهم ظلماً وعدواناً، من بعدما أعطيتهم المواثيق الغليظة، والعهود المؤكدة، جراءة على الله واستخفافاً بعهده، أو لست بقاتل عمرِو بن الحمق، الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة؟ فقتلته من بعدما أعطيته من العهود ما لو فهمته العصم نزلت من شعف الجبال؟ أو لست المدعي زياداً في الإسلام، فزعمت أنه ابن أبي سفيان، وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الولد للفراش وللعاهر الحجر، ثم سَلَّطْتَهُ على أهل الإسلام، يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ويصلبهم على جذوع النخل؟ سبحان الله يا معاوية! لكأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك. أو لست قاتل الحضرمي الذي كتب إليك فيه زياد أنه على دين علي كرم الله وجهه، ودين علي هو دين ابن عمه صلى الله عليه وسلم(…) وقلت فيما قلت: لا تُرْدِ هذه الأمة في فتنة، وإني لا أعلم لها فتنةً أعظم من إمارتك عليها. وقلت فيما قلت: انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد، وإني والله ما أعرف أفضل من جهادك(…) واعلم أن الله ليس بناسٍ لك قَتْلَك بالظنة، وأَخْذَك بالتهمة، وإمارتَك صبيّاً يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب، ما أراك إلا وقد أوبقْتَ نفسك، وأهلكْتَ دينك، وأضعْتَ الرعية والسلام»150.
العلامة محمد رشيد رضا بعد أن تحدّث في مجلة المنار عن أن معاوية أول من بدل سنّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مصداقاً لحديث رسول الله: «أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية»151 نقل عن أحد العلماء الألمان ما يلي: “قال أحد علماء الألمان المتعصبين لجنسيتهم إنه ينبغي لنا أن نقيم لمعاوية تمثالاً من الذهب في أعظم ساحة من عاصمتنا (برلين) وينبغي مثل ذلك لجميع شعوب أوربة، إذ لولاه لكانت هذه الشعوب كلها عربية تدين بالإسلام”152.
ثامناً تولي يزيد الخلافة
إن تولي يزيد للخلافة بعد أبيه معاوية لا يقتصر معناه على أنه نزا على السلطة واغتصبها، وأبعد عنها من هو أحقّ بها، ولا يقتصر معناه على تكريس الوراثة العصبية الجاهلية، بل إنّ من أخطر ما فيه أنه يسلم الأمة والدين لأعداء الدين، ويجعل هذا حقاً وراثياً لهم، وهذا يعني بالتالي اندراس دين محمد، وانتصار دين أمية.
يزيد كان المجهر الذي أبرز حقيقة الدين الأموي: دين المجون والفواحش والجرائم واستخفاف الناس. حكى ابن القفطي أن يزيد كان له قرد يجعله بين يديه ويكنيه أبا قيس، ويقول: هذا شيخ من بني إسرائيل أصاب خطيئة فمسخ153، وكان يسقيه النبيذ ويضحك (…) ولما مات حزن عليه وأمر بدفنه بعد أن كفّنه، وأمر أهل الشام أن يُعَزُّوه فيه وأنشأ يقول:
لم يبق قرم كريم ذو محافظة *** إلا أتانا يعزي في أبي قيس
شيخ العشيرة أمضاها وأحملها *** له المساعي مع القربوس والديس154
إلى هذا المستوى وصل الاستخفاف بالناس! حاكم معتوه يرغم الناس أن يستجيبوا لنزواته الشاذة. إن أمةً يتزاحم أشرافها ووجهاؤها للتعزية بقردٍ لا يمكن أن يحرك وعيها إلا حدثٌ بمستوى كربلاء. ولذلك كان الحسين (علیه السلام) يطالبهم أن يحافظوا على إنسانيتهم وكرامتهم على الأقل، إن كان دينهم قد هان عليهم: «ويلكم! إن لَمْ يَكُنْ لكم دين، وكنتم لا تخافون يوم المعاد، فكونوا فِي أمر دُنْيَاكُمْ أحراراً»155
ليس صحيحاً أن مجون الحاكم يقتصر إثمه عليه، بل إن الأمة التي يحكمها الماجنون لا بد أن يفشوَ فيها المجون، ولو لم تكن تستبطن مجوناً لاواعياً لما رضيت بحكم الماجن. يقول المسعودي في تاريخه: “وغلب على أصحاب يزيد بن معاوية وعماله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة واستعملت الملاهي وأظهر الناس شرب الشراب”156. ولم يتوقف الفساد عند انتشار أماكن اللهو والدعارة حتى في مكة والمدينة، بل وصل إلى زنا المحارم. أخرج الواقدي من طرق: أن عبد الله بن حنظلة الغسيل157 قال: “والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء: إن رجلاً ينكح الأمهات، والبنات، والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة، وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ لأَبْلَيْتُ لِلَّهِ فِيهِ بَلاءً حَسَنًا”158. وإذا كان رأس السلطة “أمير المؤمنين” وإمام صلاتهم يرتكب زنا المحارم، ويجاهر به159، فكيف سيكون حال الأمة؟ بل حتى الفضيلة التي نسبوها إليه من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أثنى على أول جيش يغزو القسطنطينة، وكان فيه يزيد، وإذا سلمنا جدلاً بصحة الحديث، وتجاوزنا كل شبهات الوضع فيه، فإن يزيد لم يخرج مع ذلك الجيش، بل بقي بدير مران مع امرأته أم كلثوم، ولم يكتفِ بذلك، بل إنه لما علم أن الطاعون أصاب الجيش أظهر الشماتة والفرح أنه لم يكن فيهم، ومما قاله:
أَهْوِنْ عليك بما تلقى جموعُهُمُ *** بالفرقدونةِ من وَعْكٍ ومن مومِ
إذا اتكأْتُ على الأنماطِ مرتفعاً *** بدير مرّانَ عندي أمُّ كلثومِ160
من أهداف الثورة
«إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر »
كل ذلك الانحدار يجعل ثورة الإمام الحسين (علیه السلام) واقعة لا محالة، فلا يمكن للإمام أن يترك دين جدّه لعبث الأمويين، ولا يمكن له (علیه السلام) أن يترك أمة جده تلزم جماعة الزندقة، وتطيع أمراء الشيطان. ورغم قلة النقل في مصادر أهل السنة عن الإمام الحسين (علیه السلام) إلا أن ما نقل يوضح الكثير من أبعاد الثورة وأهدافها:
1_ تحديد وظيفة الإمامة في السلطة: جاء في كتابه إلى أهل الكوفة: «فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب والقائم بالقسط والدائن بدين الحق، والحابس نفسه على ذات الله والسلام»161
وظيفة الإمامة إذاً: العمل بكتاب الله وشرعه، العدل، الحفاظ على الدين الحق من التزييف، التجرد لله من كل أنانية أو مصالح ذاتية.
2_ إحياء دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي عمل الأمويون على إماتته: جاء في كتابه إلى أشراف أهل البصرة: «وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلى كِتابِ اللهِ وَسُنَّةِ نَبيِّهِ صلى الله عليه وآله؛ فَاِنَّ السُنَّةَ قَدْ أُميتَتْ، وَإِنَّ البِدْعَةَ قَدْ أُحيِيَتْ، وَإِنْ تَسْمَعُوا قَوْلي وَتُطيعُوا أَمْري أَهْدِكُمْ سَبيلَ الرَّشادِ»162.
3_ تجنيب الأمة جريمة السير مع الظالمين وإيثار الدنيا: قال (علیه السلام) في إحدى خطبه: «إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَغَيَّرَتْ وَتَنكَّرَتْ، وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا، وَاسْتُمْرِئَتْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ كَصبَابَةِ الإِنَاءِ، وَإِلاَّ خَسِيسُ عَيْشٍ كَالمَرْعَى الوَبِيْلِ، أَلاَ تَرَوْنَ الحَقَّ لاَ يُعْمَلُ بِهِ، وَالبَاطِلَ لاَ يُتنَاهَى عَنْهُ؟ لِيَرْغَبِ المُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ اللهِ، إِنِّيْ لاَ أَرَى المَوْتَ إِلاَّ سَعَادَةً، وَالحيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلاَّ برماً»163. وفي هذه الكلمات يحاول الإمام تعديل الموازين للأمة. فالدنيا لا تحلو بالغنائم والفتوحات، بل بالحق والعدل، فإذا ساد الظلم والباطل يصبح العيش خسيساً، لأن الحرَّ لا يطيق التعايش مع الظلم.
الحسين وأصحابه
بعد أن رأينا معاوية ويزيد وجماعة الحزب الأموي، وكيف يتكالبون الدنيا، نحاول الآن أن نلقي نظرة سريعة على الإمام الحسين (علیه السلام) وعلى أصحابه رضي الله عنهم:
_ عن حذيفة بن اليمان قال: بت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت عنده شخصاً فقال لي: يا حذيفة هل رأيت؟ قلت: نعم. قال: «هذا ملك لم يهبط منذ بعثت، أتاني الليلة يبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»164
ملَك لم يهبط من قبل.. إنها مهمة خاصة وخطيرة.. وإلا فما معنى الإشارة إلى أنه لم يهبط من قبل؟ مهمته أن يقول للأمة: «أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة». وهذه العظمة ليست تهدف إلى أمر الأمة بتعظيم سيدي شباب أهل الجنة فقط، بل هي أيضاً تقول للأمة: إذا كان الإسلام سبيلاً للجنة، فإن الإسلام الحق، وإن أسياد معرفته هم أسياد الجنة.
_ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «حسين مني وأنا منه، أحب الله من أحبه، الحسن والحسين سبطان من الأسباط»165
إذاً من ليس من حسين (علیه السلام) فليس من محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وحسين سبط محمد، وأسباط الأنبياء في القرآن هم أوصياؤهم وورثة أمرهم:﴿ … وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ … ﴾ 166
بل حتى أعداء الحسين كانوا يعرفون عظمته: قَالَ عَبْد اللَّهِ بن عمار(أحد جنود المجرم عمر بن سعد): “والله مَا رأيت مكسوراً قط قَدْ قُتل ولدُه وأهلُ بيته وأَصْحَابُه أربطَ جأشاً، وَلا أمضى جناناً وَلا أجرأ مقدماً مِنْهُ، وَاللَّهِ مَا رأيت قبله ولا بعده مثله، إن كانت الرجالة لتنكشف من عن يمينه وشِماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب167”
وأنى له أن يرى مثله وهو في معسكر “أوقر ركابي فضة وذهبا”. وحتى عبد الله بن عمرو بن العاص الذي كان مع أبيه في معسكر الأمويين، يعترف أنه لو يرضى الحسين عنه فإن ذلك خير له من الدنيا وما فيها168.
الحسين رغم ضعفه وقلة ناصره لم يخرج عن أخلاق الإسلام ومبادئ الإسلام: عَنْ عَلِيِّ بْنِ الطعان المحاربي “كنت مع الحر بن يَزِيدَ، فجئتُ فِي آخر من جَاءَ من أَصْحَابه، فلما رَأَى الْحُسَيْن مَا بي وبفرسي من العطش قَالَ: أنخ الراوية -والراوية عندي السقاء- ثم قال: يا ابن أخ، أنخ الجمل. فأنخته. فَقَالَ: اشرب. فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء، فَقَالَ الْحُسَيْن: اخنث السقاء -أي اعطفه- قَالَ: فجعلت لا أدري كيف أفعل! قَالَ: فقام الْحُسَيْن فخنثه، فشربت وسقيت فرسي169”. وهذا قبل أن يلتحق الحر بن يزيد رضي الله عنه بمعسكر الحسين (علیه السلام).
يقول لَهُ زهير بن القين: يا ابن رَسُول اللَّهِ، إن قتال هَؤُلاءِ أهون من قتال من يأتينا من بعدهم، فلعمري ليأتينا من بعد من ترى مَا لا قبل لنا بِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْن (علیه السلام): «مَا كنت لأبدأهم بالقتال»170.
وإذا قارنا بين المعسكرين نجد أنه حقاً قد برز الإيمان كله إلى الكفر كله:
_ معسكر الأمويين: أوقر ركابي فضة وذهبا، عمر بن سعد يرتكب أفظع جريمة في التاريخ كي لا يخسر وظيفة، الناس تتنافس على قطع الرؤوس وحملها كي تقبض ثمنها171… لَيْتَهُمْ عبدوا أصناماً وما عبدوا المال هذه العبادة!
_ معسكر بيت النبوة يقف اللعين شمر عَلَى أَصْحَاب الْحُسَيْن، ليقول: أين بنو أختنا؟ فخرج إِلَيْهِ العباس وجعفر وعثمان بنو علي، فقالوا له: مالك وما تريد؟ قَالَ: أنتم يَا بني أختي آمنون. قَالَ لَهُ الفتية: لعنك اللَّه ولعن أمانك! لَئِنْ كنت خالنا أتؤمننا وابن رَسُول اللَّهِ لا أمان لَهُ؟ أمان اللَّه خير من أمان ابن سمية.
يجمع الحسين (علیه السلام) أصحابه ليقول لهم: «أَمَّا بَعْدُ، فإني لا أعلم أَصْحَاباً أولى وَلا خيراً من أَصْحَابي، وَلا أهل بيت أبر وَلا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم اللَّه عني جميعاً خيراً، أَلا وإني أظن يومنا من هَؤُلاءِ الأعداء غداً، أَلا وإني قَدْ رأيت لكم فانطلقوا جميعاً في حل، ليس عَلَيْكُمْ مني ذمام، هَذَا الليل قَدْ غشيكم، فاتخذوه جملاً…» وينقل الإمام الطبري هنا كيف قام أصحابه ليجيبوه بكلام يدور كله حول حب الله ورسوله وأهل بيته وأنهم لا يبيعون دنياهم بأخراهم. ولعل كلام سَعِيد بن عَبْدِ اللَّهِ الحنفي يجمل كلامهم: “وَاللَّهِ لا نخليك حَتَّى يعلم اللَّه أنا حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيك، وَاللَّهِ لو علمْتُ أني أقتل ثُمَّ أحيا ثُمَّ أحرق حياً ثُمَّ أذر، يفعل ذَلِكَ بي سبعين مرة مَا فارقتك حَتَّى ألقى حِمامي دونك، فكيف لا أفعل ذَلِكَ! وإنما هي قتلة واحدة، ثُمَّ هي الكرامة الَّتِي لا انقضاء لها أبداً”172.
هذا معسكر الحسين (علیه السلام) معسكر الإيمان والصدق والشجاعة والكرامة. عن الحسن البصري قال: قتل مع الحسين بن علي ستة عشر رجلاً من أهل بيته، والله ما على ظهر الأرض يومئذ أهل بيت يشبهونهم. قال سفيان: ومن يشك في هذا؟173
شهادة الحسين في أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم
ليست شهادة الحسين (علیه السلام) أمراً عادياً كما يصورها البعض، فيقولون: نحن نحب الحسين، ونبغض قاتله، ولكن قتل غيره كثيرون كعمر بن الخطاب وعثمان وطلحة والزبير… فلماذا تريدون أن تجعلوا قتل الحسين شيئاً مختلفاً؟
نقول إن شهادة الحسين ليست كغيرها، لأنها كانت مفصلاً تاريخياً في التاريخ الإسلامي، مفصلاً بين إسلام محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين إسلام أموي سلطوي مزيف. وحتى لا نطيل البحث نقول لم تكن شهادة الحسين عادية لا عند الله ولا عند رسوله.
فلو كانت عادية عند الله لما جعل فيها تلك الخوارق والمعجزات ما لم يجعل في غيرها:
_ وعن ذويد الجعفي عن أبيه قال: لما قتل الحسين انتُهِبَتْ جزور من عسكره، فلما طُبختْ إذا هي دم فَأَكْفَؤوها174.
_ وعن أبي رجاء العطاردي قال: لا تسبّوا عليّاً ولا أحداً من أهل البيت، فإن جاراً لنا من بلهجيم قال: ألم تروا إلى هذا الفاسق الحسين بن عليّ قتله الله؟ فرماه الله بكوكبين في عينيه فطمس الله بصره175.
_ عن الزهري قال: قال لي عبد الملك: أي واحد أنت إن أعلمتني أي علامة كانت يوم قتل الحسين بن علي؟ فقال: قلت: لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلا وجد تحتها دم عبيط. فقال لي: إني وإياك في هذا الحديث لقرينان176.
_ عن أم حكيم قالت: قتل الحسين وأنا يومئذ جويرية فمكثت السماء أياماً مثل العلقة177.
_ عن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين بن علي انكسفت الشمس كسفة حتى بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي178. [أي ظنوا أن الساعة قامت]
_ روى الترمذي وقال حديث حسن صحيح عن عمارة بن عمير قال: «لما جيء برأس عبيدالله بن زياد وأصحابه نضدت في المسجد في الرحبة، فانتهيت إليهم وهم يقولون: قد جاءت قد جاءت. فإذا حية قد جاءت تخلل الرؤوس، حتى دخلت في منخري عبيدالله بن زياد. فمكثت هنيهة ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت، ثم قالوا قد جاءت قد جاءت ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثاً»179.
ولو كانت شهادة الحسين كغيرها فلماذا ينزل جبريل (علیه السلام) على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليخبره باستشهاده، وبالأرض التي يقتل فيها؟ ولماذا يلفت نظره إلى تربتها؟ ولماذا يشم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التربة الحسينية؟ ولماذا تحتفظ بها أم سلمة رضي الله عنها؟
_ عن نجيّ الحضرمي أنه سار مع علي رضي الله عنه وكان صاحب مطهرته فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفّين فنادى عليٌّ: «اصبر أبا عبد الله! اصبر أبا عبد الله بشطِّ الفرات!» قلت: وما ذاك؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وإذا عيناه تذرفان. قلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: «بل قام من عندي جبريل (علیه السلام) قبل فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات». قال: «فقال: “هل لك أن أُشِمَّكَ من تربته؟” قلت: نعم. قال: فمَدَّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عينيّ أن فاضتا»180
_ وعن أبي الطفيل قال : استأذن ملك القطر أن يسلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيت أم سلمة فقال: «لا يدخل علينا أحد». فجاء الحسين بن علي (علیه السلام) فدخل. فقالت أم سلمة: هو الحسين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعيه». فجعل يعلو رقبة النبي صلى الله عليه وسلم ويعبث به والملك ينظر، فقال الملك: أتحبه يا محمد؟ قال : «إي والله إني لأحبه». قال: «أما إن أمتك ستقتله، وإن شئتَ أَرَيْتُكَ المكان». فقال بيده فتناول كفاً من تراب، فأخذَتْ أمُّ سلمة الترابَ فصرته في خمارها، فكانوا يرون أن ذلك التراب من كربلاء181.
_ وعن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بنصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم يلتقطه أو يتتبع فيها شيئاً، فقلت: ما هذا؟ قال: «دم الحسين وأصحابه فلم أزل أتتبعه منذ اليوم»182.
وهيهات أن يضيع الدم الحسيني وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عاتقه متابعته وجمعه، سيظلُّ يتوهَّجُ نوراً وإشراقاً حتى يكتمل نوره عندما يقوم ابن الحسين ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً.
_ وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تعني في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب فقلت مالك يارسول الله؟ قال: «شهدت قتل الحسين آنفاً»183.
_ عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهم قال:أوحى الله تعالى إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم: «إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً، وإني قاتل بابن ابنتك سبعين ألفاً، وسبعين ألفاً» هذا لفظ حديث الشافعي. وفي حديث القاضي أبي بكر بن كامل: «إني قتلت على دم يحيى بن زكريا، وإني قاتل على دم ابن ابنتك»184.
قتل الله بيحيى (علیه السلام) سبعين ألفاً لأنه تصدى لتحريف الدين في زمنه، وقتل الله في الحسين (علیه السلام) أضعاف ما قتل في يحيى لأن التحريف الذي تصدى له الإمام الحسين أضعاف التحريف الذي تصدى له يحيى.
الدور الإصلاحي للثورة الحسينية
قد يقول قائل: ولكن ثورة الحسين لم تنجح، بل انتهت بقتله وبقاء كل شيء على ما كان عليه. والحقيقة غير ذلك، لأن الحسين (علیه السلام) كان يعلم من الأصل أنه مقتول، فقد قال لأخيه محمد بن الحنفية الذي كان يحاول أن يثنيه عن الذهاب إلى العراق: «شاء الله أن يراني قتيلاً، وشاء الله أن يراهنَّ سبايا». وإذا كانت هذه الرواية لم ترد في كتب السنة باللفظ فإنها وردت بالمعنى. فإذا كان جبريل قد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الحسين (علیه السلام) مقتول في كربلاء، فإن علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام هم أولى الناس بمعرفة ذلك. وقد أخرج أبو نعيم أن الحسين (علیه السلام) لما وصل كربلاء قال: «صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرض كرب وبلاء»185. إذاً لماذا يخرج الحسين إلى مصرعه؟ إنه أمر الله في أمة ركنت إلى الدنيا فما عاد يوقظُ وعْيَها وضميرها إلا حدثٌ بمستوى فاجعة كربلاء.
ليس صحيحاً أن كل شيء بقي على حاله بعد الحسين (علیه السلام)، فإذا عرفنا أن ميدان الإسلام هو الفكر قبل الأرض، نستطيع أن نفهم مدى ما أحدثته الثورة الحسينية في الخلفية اللاواعية للفكر الإسلامي. نعم إن أمير المؤمنين علياً (علیه السلام) ذكر الأمة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن لو لم يستشهد الحسين لضاع ذاك التذكير، ولاكتسب بنو أمية شرعية دينية وسياسية. لو لم يتورط الأمويون بدم الحسين، ولو تعايش الحسين معهم لكان الإسلام الأموي محا الإسلام المحمدي. وقد يقول قائل: ولكن الإسلام الأموي ما زال هو الأفعل في الأمة؟ نقول: لا تنظر إلى العدد والانتشار الظاهري، فنحن هنا نتعامل مع فكر لا مع عسكر، والفكر يقاس بقوته وقدرته على الإقناع لا بعدد حامليه. والفكر الأموي أصبح بعد الثورة الحسينية هشّاً متهافتاً، فلا تجد عالماً يدافع عن الإسلام الأموي إلا فاقداً للثقة بالنفس، يختبئ خلف الصراخ و”البروباغاندا”، أو يهرب من المواجهة عبر السخرية والاستهزاء، أو يشهر سيف التكفير أو التحذير من الاستماع لفلان أو تصنيف الناس إلى جهمية أو معتزلة أو متشيعين… كل ذلك لأنه عاجز عن البحث العلمي الموضوعي. إذاً ثورة الحسين (علیه السلام) أحدثت تصدعاً وانهياراً في المنظومة الفكرية للدين الأموي.
عندما صار الناس عبيد الدنيا وعبيد المال، وصار الدين لعقاً على ألسنتهم، ما عاد يمكن أن تنبههم إلى دناءة الدنيا إلا بنموذج واقعيّ، ولكنه سامٍ وعظيم. لقد أفاقت الأمة على رجل يقدم نفسه وأولاده صغاراً وكباراً، وأسرته وأقاربه وأصحابه، قرباناً لرضا الله، وكل ذلك يهون عليه لأنه في عين الله!! لا بد أن هناك ما يستحق ذلك ولكننا غفلنا عنه.. لقد أحيا الحسين (علیه السلام) العقيدة في نفوس الناس، بغضِّ النظر كيف استجاب لها كل واحد، ولكن أغلب الناس بعد شهادة الحسين ليسوا كما قبلها. ولو ساير الحسين دنيا الناس، وتعايش مع دنيا بني أمية لأصبحت الآخرة ورضوان الله اليوم في مفاهيم الناس مجرد حبر في كتب لا قيمة له في حياة الناس العملية.
باستشهاد الحسين صار سقوط النظام السياسي للدين الأموي مسألة وقت، فاستقت كل الثورات التي قامت ضد الدين والحكم الأموي من ثورة الحسين، سواء ورد في أدبيات هذه الثورة أو تلك ذكر للإمام أم لم يرد، وإن كان معظمها يؤكد أنه امتداد للثورة الحسينية، من ثورة التوابين وثورة المختار الثقفي إلى ثورة الإمام زيد الذي نادى بالرضا من آل محمد وصولاً إلى الثورة العباسية التي أسقطت نهائياً النظام السياسي للأمويين باسم آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واضطر الخليفة المأمون أن يتظاهر بعهد الخلافة من بعده إلى الإمام الرضا (علیه السلام) فيما قُتِلَ الرضا مسموماً، وللأسف اكتفت الدولة العباسية بإسقاط المنظومة السياسية الأموية، ولم تتبعها بإسقاط المنظومة الدينية والفكرية والثقافية لبني أمية؛ بل إن الدولة العباسية وجدت في الدين الأموي ما يدعم سلطانها وجبروتها، فعملت على تكريسه وحمايته.
ولكن رغم الطغيان الأموي والعباسي بقيت الثورة الحسينية تنبت علماء ومفكرين أحراراً كالإمام النسائي الذي فضّل أن يُقتَل شهيداً على أن يشيد بمعاوية، ويكون شاهد زور لصالح الدين الأموي. ومثله الإمام في علم الحديث أبو عبد الله النيسابوري الحاكم صاحب المستدرك على الصحيحين، الذي حوصر في بيته وكُسر منبرُه، وقبله الإمام الجليل عبد الرزاق الصنعاني صاحب المصنف، وبعدهم العلامة محمد بن عقيل العلوي الشافعي صاحب كتاب النصائح الكافية لمن يتولى معاوية، وقل مثل ذلك عن علماء المغرب الغماريين وعلى رأسهم الفقيه المحدث أبو الفيض أحمد بن صديق الغماري، ومن المعاصرين العلامة حسن بن فرحان المالكي والسيد حسن السقاف… كل هؤلاء كانوا مشاعل نور في ناحية من النواحي رغم أنهم نبتوا في بيئة مشبعة بالثقافة الأموية، وكل ذلك بفعل وبركة الثورة الحسينية.
ولعلنا في عصرنا الحديث قرأنا ونقرأ الكثير عن مفكرين وفلاسفة مسلمين وغير مسلمين، لم يخفوا تأثرهم بالثورة الحسينية، وإذا ألقينا نظرة سريعة على إنجازات الثورة الإسلامية في إيران، والتي قال قائدها الإمام الخميني قُدِّس سرُّه: «إن كلّ ما لدينا هو من عاشوراء» هذه الثورة التي قدمت أنجح مشروع إسلامي منذ أكثر من ألف سنة في تاريخ الأمة، على كافة المستويات: الفكرية والفلسفية والثقافية والعلمية والسياسية، هذه الثورة التي أحيت عندنا الثقة بقدرة الإسلام على تقديم نموذج حضاري واقعي إنساني سامٍ، والتي أعادت إلينا الثقة بإمكانية عودة الإسلام إلى الساحة العالمية كشريك في صنع الحضارة الإنسانية وفي تحقيق العدالة العالمية التي تبلغ ذروة تكاملها على يد ابن الحسين، مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ اللَّهُ لَنَا الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا، وَإِنَّ أَهْلَ بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَتَطْرِيدًا فِي الْبِلَادِ حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ قَوْمًا مِنْ هَهُنَا (وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ) فَيَسْأَلُونَ الْحَقَّ وَلَا يُعْطَوْنَهُ، ثُمَّ يَسْأَلُونَ الْحَقَّ فَلَا يُعْطَوْنَهُ ثَلَاثًا، فَيُقَاتِلُونَ فَيَظْهَرُونَ حَتَّى يَرْفَعُونَهَا إِلَى رَجُلٍ يَمْلَأُهَا قِسْطًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَأْتِهَا، وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ»186 والثورة الإسلامية من مصاديق هذا الحديث، فهي التي استمدت قوتها من مظلومية وتطريد أهل البيت عليهم السلام، فقاتلت فانتصرت، وحملت راية العدالة العالمية ونصرة المستضعفين في كل مكان، والتي ستسلمها للإمام المهدي (علیه السلام). كل ما لدى هذه الثورة من ثقافة وفكر وعلم واقتدار هو من عاشوراء الحسين.
وفي عصرنا الحاضر أيضاً يعتبر الصراع مع إسرائيل من أهم وأخطر القضايا الإسلامية، بل كاد أن يصبح عنواناً مفصليّاً بين الإسلام المحمدي والإسلام الأمريكي (الأموي). ولقد قدمت الأمة في هذا الصراع جهوداً وجنوداً وشهداء، ولكن الحقيقة أن الصراع مع العدو الصهيوني لم يصبح جاداً، ولم يحقق انتصارات حقيقية ومؤلمة للعدو إلا عندما صارت المقاومة في لبنان وفلسطين تستلهم الثورة الحسينية.
وفي اليمن نجد الشعب اليمني يقاوم بسلاحه المحدود وغير المتكافئ مع سلاح العدوان العربي والأمريكي، نجده يقاوم هذا العدوان ويستبسل وينتصر لأنه يستلهم الثورة الحسينية.
﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ 187.
الخلاصة
الصراع بين بني أمية وآل البيت كان صراعاً بين دينين وليس بين أسرتين.
آل البيت حافظوا على دين محمد صلى الله عليه وسلم وبنو أمية حاربوا دين محمد وزيفوه من أجل مصالحهم.
الدين الأموي أصبح هشاً وضعيفاً بعد الثورة الحسينة.
بقاء التأثير الكبير للدين الأموي ليس بسبب قوته الفكرية بل بسبب القدرات المادية.
الثورة الحسينية أعطت في الماضي وتعطي في الحاضر ويستمر عطاؤها إلى يوم القيامة وما بعد القيامة.
اقتراحات على اللجنة المنظمة
العمل على تسليط الضوء على الشخصيات السنية التاريخية والمعاصرة، والتي استقت من الولاء لأهل البيت، وعملت على كشف التزييف الأموي، من خلال مؤتمرات أو محاضرات أو برامج إعلامية أو تشجيع التأليف عنها، وعن دورها في الدفاع عن الإسلام المحمدي.
تقصي المفاهيم الأموية التي تسربت إلى الإسلام، لمتابعتها وكشفها ودحضها بالمنهج العلمي، وخاصة ما تسرّب منها إلى علم الحديث وقواعده، وكتابة التاريخ.
جمع وتقصي الروايات والمفاهيم الإسلامية الصافية والصحيحة في مصادر أهل السنة والجماعة، والتي يمكن استخدامها في دحض الروايات والمفاهيم الأموية.
العمل لإكمال النقص في مناهج المحدثين، من خلال إعطاء دور أكبر للقرآن وللعقل وللظروف التاريخية والسياسية والاجتماعية في الحكم على صحة الرواية أو موثوقيتها.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين
- 1. القران الكريم: سورة الأعراف (7)، الآية: 23، الصفحة: 153.
- 2. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآيات: 27 – 29، الصفحة: 112.
- 3. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 128، الصفحة: 207.
- 4. القران الكريم: سورة ص (38)، الآية: 76، الصفحة: 457.
- 5. القران الكريم: سورة النازعات (79)، الآية: 23 و 24، الصفحة: 584.
- 6. من كلام معاوية. انظر أنساب الأشراف_ أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُري (المتوفى: 279هـ)_ تحقيق سهيل زكار ورياض الزركلي_ دار الفكر بيروت ط1(1996م) ج5 ص20.
- 7. عندما نذكر بني أمية فإنما نعني بهم الخطّ السياسي والديني المقابل لخطّ آل البيت عليهم السلام، ولا نقصد كل أفراد بني أمية فربما كان فيهم صالحون كمعاوية بن يزيد بن معاوية.
- 8. البداية والنهاية_ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير (المتوفى 774هـ)_ دار الفكر (1986م) ج8 ص221.
- 9. تاريخ الإسلام للذهبي (المتوفى 748هـ)_ دار الكتاب العربي بيروت ط1 (1987م) ج2 ص585.
- 10. المستدرك على الصحيحين_ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري (المتوفى 405هـ)_ دار الكتب العلمية بيروت ط1 حديث رقم 8475. وأخرجه نعيم بن حماد (المتوفى: 228هـ) في كتاب الفتن_ مكتبة التوحيد القاهرة ط1(1412ه) حديث رقم 314. وفي مصنف ابن أبي شيبة عَنِ الْحَسَنِ [البصري] قَالَ: “إنَّمَا جَعَلَ اللهُ هَذَا السُّلْطَانَ نَاصِراً لِعِبَادِ اللهِ وَدِينِهِ، فَكَيْفَ مَنْ رَكِبَ ظُلْمًا عَلَى عِبَادِ اللهِ وَاتَّخَذَ عِبَادَ اللهِ خَوَلاً، يَحْكُمُونَ فِي دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ مَا شَاؤُوا، وَالله إِنْ يَمْتَنِع أَحَد، وَاللهِ مَا لَقِيَتْ أُمَّةٌ بَعْدَ نَبِيِّهَا مِنَ الْفِتَنِ وَالذُّلِّ مَا لَقِيَتْ هَذِهِ بَعْدَ نَبِيِّهَا صلى الله عليه وسلم”. (مُصنف ابن أبي شيبة (المتوفى 235هـ)_ دار القبلة حديث رقم 38892).
- 11. a. b. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 33، الصفحة: 422.
- 12. المستدرك (م.س.) حديث رقم 3558 والحديث صححه الذهبي في التلخيص وقال هو على شرط مسلم. وفي رواية في سنن الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال لأم سلمة: «أنت على مكانك وأنت على خير» (سنن الترمذي وهو الجامع الصحيح للإمام الترمذي_ تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف_ دار الفكر للطباعة والنشر_ حديث رقم 3258).
- 13. القران الكريم: سورة النمل (27)، الآية: 56، الصفحة: 382.
- 14. القران الكريم: سورة الأنعام (6)، الآية: 125، الصفحة: 144.
- 15. أنساب الأشراف_ أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُري (المتوفى: 279هـ)_ تحقيق سهيل زكار ورياض الزركلي_ دار الفكر بيروت ط1(1996م) ج3 ص44.
- 16. a. b. القران الكريم: سورة يونس (10)، الآية: 100، الصفحة: 220.
- 17. تاريخ الطبري_ محمد بن جرير الطبري (المتوفى 310هـ)_ دار التراث بيروت ط2 ج5 ص457-458.
- 18. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 90، الصفحة: 123.
- 19. البداية والنهاية (م.س.) ج3 ص344.
- 20. مسند الإمام أحمد بن حنبل_ تحقيق شعيب الأرنؤوط، عادل مرشد، وآخرون_ مؤسسة الرسالة ط1 (2001م) حديث رقم 22941. قال الأرناؤوط: إسناده قوي. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: “رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح وفي كلام معاوية شيء تركته” (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد_ الهيثمي_ دار الفكر بيروت 1412هـ_ حديث رقم 8022). قلت: ولعل ما تركه الهيثمي من كلام معاوية شيء يشينه كأن يقول لمن ينكر عليه “لا بأس بها” وهذه عادته.
- 21. a. b. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 134، الصفحة: 20.
- 22. الأوائل_ أبو هلال العسكري (المتوفى نحو 395هـ)_ دار البشير طنطا ط1(1408هـ) ص188.
- 23. نيل الأوطار_ محمد بن علي الشوكاني اليمني (المتوفى 1250هـ)_ دار الحديث مصر ط1(1993م) ج7 ص208.
- 24. سير أعلام النبلاء_ شمس الدين الذهبي (المتوفى 748هـ)_ مؤسسة الرسالة ط3 ج4 ص38.
- 25. فوات الوفيات_ محمد بن شاكر الكتبي_ تحقيق إحسان عباس_ دار صادر بيروت ط1 ج4 ص432.
- 26. فوات الوفيات (م.س.)_ ج4 ص333.
- 27. الثقات_ محمد بن حبان أبو حاتم الدارمي البُستي (المتوفى: 354هـ)_ دائرة المعارف العثمانية حيدر آباد ط1(1973م) ج2 ص314.
- 28. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 95 و 96، الصفحة: 202.
- 29. صحيح مسلم_ دار إحياء التراث العربي بيروت_ تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي_ حديث رقم 78.
- 30. المستدرك (م.س.) حديث رقم 4717.
- 31. سنن الترمذي_ الإمام الترمذي_ تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف_ دار الفكر للطباعة والنشر_ حديث رقم 3801.
- 32. مسند الإمام أحمد بن حنبل_ تحقيق شعيب الأرنؤوط، عادل مرشد، وآخرون_ مؤسسة الرسالة ط1 (2001م) حديث رقم 26748. قال محققه: صحيح الإسناد. وكذا صححه الحاكم ووافقه الذهبي (المستدرك حديث رقم 4615.
- 33. المستدرك (م.س.) حديث رقم 4616.
- 34. المستدرك (م.س.) حديث رقم 1419. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم.
قلت: واضح من كلام زيد بن أرقم أنه كان يتجنب غضب بني أمية وبطشهم، فلم يجرؤ أن يقول للمغيرة مِثلُ عليّ لا يُسَبّ، ولم يجرؤْ أن يذكر فضائل عليّ المتواترة، وإنّما جعله ميتاً في الأموات، وبيّنَ الحكمَ العام بحرمة سبّ الأموات. وذلك حتى لا يُتَّهَمَ بحبِّ عليٍّ، لأن حبّه جريمة لا تغتفر عند بني أمية. - 35. المستدرك (م.س.) حديث رقم 3312 والمعجم الأوسط للطبراني_ دار الحرمين القاهرة 1415 حديث رقم 5870.
- 36. فيض القدير شرح الجامع الصغير_ عبد الرؤوف المناوي القاهري (المتوفى 1031هـ) المكتبة التجارية الكبرى مصر_ ط1 ج6 ص355.
- 37. النزاع والتخاصم بين بني أمية وبني هاشم_ تقي الدين المقريزي_ الهدف للإعلام والنشر 1999 ص31.
- 38. المشيخة البغدادية، الجزء العاشر_ أبو طاهر السلفي (المتوفى: 576هـ)_ مخطوط نُشر في برنامج جوامع الكلم المجاني التابع لموقع الشبكة الإسلامية ط1(2004) ص62.
- 39. معجم البلدان_ شهاب الدين الحموي (المتوفى 626هـ)_ دار صادر بيروت ط2(1995م) ج3 ص191.
- 40. صحيح مسلم (م.س.) حديث رقم 2408. وأخرجه أيضاً أحمد والنسائي والترمذي والطبراني وعبد بن حميد والبارودي وابن أبي شيبة وابن سعد وابن الأنباري وسعيد بن منصور والخطيب وأبو يعلى والحاكم والحكيم الترمذي، عن عدد من الصحابة منهم جابر وزيد بن أرقم وزيد بن ثابت وأبو سعيد الخدري وحذيفة بن أسيد…
- 41. سنن الترمذي (م.س. حاشية 11) حديث رقم 3876.
- 42. السنن الكبرى_ الامام النسائي_ دار الكتب العلمية بيروت_ تحقيق د.عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي حسن_ ط1 حديث رقم 8148. وأخرجه الترمذي بلفظ قريب وقد حاول الألباني تضعيفه في تخريجه أحاديث مشكاة المصابيح (مشكاة المصابيح_ التبريزي_ تحقيق محمد ناصر الدين الألباني_ المكتب الإسلامي بيروت ط3 حديث رقم 6153) ثم تراجع عن ذلك في السلسلة الصحيحة (السلسلة الصحيحة_ محمد ناصر الدين الألباني_ مكتبة المعارف الرياض حديث رقم 1761).
- 43. المستدرك (م.س.) حديث رقم 3676.
- 44. المستدرك (م.س.) حديث رقم 4715.
- 45. القران الكريم: سورة الرحمن (55)، الآية: 31، الصفحة: 532.
- 46. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور_ إبراهيم بن عمر البقاعي (المتوفى 885هـ)_ دار الكتاب الإسلامي القاهرة_ ج19 ص169.
- 47. المستدرك (م.س.) حديث رقم 8500. وأخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن وقال: صحيح الإسناد.
- 48. منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية_ ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي (المتوفى 728هـ)_ جامعة محمد بن سعود ط1(1986م) ج6 ص254.
- 49. المستدرك (م.س.) حديث رقم 4640. قال الحاكم في المستدرك: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ. ولكنّ الذهبي في تعليقه قال: هذا وإن كان رواته ثقات، فهو منكر ليس ببعيد من الوضع، وإلا لأي شيء حدَّث به عبد الرزاق سراً، ولم يجسر أن يتفوَّه به لأحمد، وابن معين، والخلق الذين رحلوا إليه؟ [مختصرُ استدرَاك الحافِظ الذّهبي على مُستدرَك أبي عبد اللهِ الحَاكم_ ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري (المتوفى 804هـ)_ دَارُ العَاصِمَة الرياض ط1 (1411هـ) ج3 ص1414]
قلت: عجيب أمر الذهبي كيف يعترف بوَثاقة الررواة ثم ينسب الحديث إلى الوضع. أما حجته الواهية أنه لم يرد عند ابن حنبل وغيره فهذا يكثر في الأحاديث، وما المانع أن يكون عبد الرزاق قد حدَّثَ به ابنَ حنبل ولم ينقله ابنُ حنبل؟ خاصّة وأنّ الحديث يُستَدَلُّ به على معاداة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لمعاوية. وابن حنبل وكثير من المحدثين عندما يتعلق الأمر بمعاوية تضطرب عندهم الأمانة العلمية، ويكتمون أو يلجؤون إلى “التفلين” أي التكنية بكلمة “فلان” تهرباً من ذكر اسمه. والذهبي المعروف بميله الأموي نجده يحاول تكذيب حديث توفرت فيه شروط الصحة التي التزمها البخاري، وشروط الصحة التي التزمها مسلم، لا لشيء إلا لأنه يبيّن منزلة عليّ في الإسلام. ولذلك نجده أيضاً في موضع آخر عندما يروي الإمام الحاكم ويصحح حديث: «علي إمام البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله» نجد الذهبي يغتاظ من الحاكم، ويدفعه غيظه –إن لم نقل غلُّه- إلى مجاوزة الأدب ليقول للحاكم: “فما أجهلك على سعة معرفتك” [مختصرُ استدرَاك الحافِظ الذّهبي على مُستدرَك أبي عبد اللهِ الحَاكم_ ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري (المتوفى 804هـ)_ دَارُ العَاصِمَة الرياض ط1 (1411هـ) ج3 ص1426] وعبارته متهافتة واضح أنها تعبر عن غيظ لا عن نقد علمي، فقوله “ما أجهلك يدل على الجهل الكبير عند الإمام الحاكم، وقوله “سعة معرفتك” يدل على عكس ذلك(!). - 50. المستدرك (م.س.) حديث رقم 4713. قال الحاكم: هذا حديث حسن من حديث أبي عبد الله أحمد بن حنبل عن تليد بن سليمان فإني لم أجد له رواية غيرها، وله شاهد عن زيد بن أرقم.
قلت وشاهده عن زيدِ بن أَرْقَمَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قالَ لعليٍّ وفاطِمَةَ والحَسَنِ والحُسَينِ: «أنا حَرْبٌ لِمَن حاربَهم، وَسِلْمٌ لِمَن سَالمَهم» [المفاتيح في شرح المصابيح_ المُظْهِري الحنفي (المتوفى 727 هـ)_ دار النوادر، وهو من إصدارات إدارة الثقافة الإسلامية – وزارة الأوقاف الكويتية ط1(2012م) حديث رقم 4817]. - 51. “وأشار إلى رجل”: من هو هذا الرجل، ولماذا أخفَوا اسمه؟ لا بد أن عمرَو بنَ الحمق أعلن اسمه، فليس عنده ما يخاف منه، ولكن المشكلة في المحدثين والرواة. والراجح أن الرجل معاوية (أو عثمان)، ولذلك سيقتله بنو أمية لو كان في جحر داخل جحر. وعمرو الفار من آية النار إلى آية الجنة قد لجأ إلى معسكر علي u متبرّئاً من معسكر معاوية. وبالفعل فقد قتله زياد واحتز رأسه وأرسله إلى معاوية، فكان أول رأس في الإسلام يرسل من بلد إلى بلد. انظر: كتاب الأوائل_ أبو عروبة الحسين بن محمد السُّلَمي الجَزَري الحرَّاني (المتوفى 318هـ)_ دار ابن حزم بيروت ط1(2003م) حديث رقم 157.
- 52. المعجم الأوسط للطبراني_ دار الحرمين القاهرة (1415هـ)_ حديث رقم 4081.
- 53. ضعفه أكثر الحفاظ، ولكن الحافظ أبو الفيض أحمد الغماري أثبت أنه حديث صحيح موافق لشرط البخاري انظر الجواب المفيد_ الحافظ أحمد بن محمد بن الصديق الغماري_ منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية ط1 2002م ص57.
قلت: إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد رفض أن يقتلوا من وصفوه برأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول، فلماذا يأمرهم بقتل معاوية؟ ألا يدل ذلك أن نفاق ابن سلول لا يشكل خطراً استراتيجياً على الإسلام خلافاً لخطر معاوية؟ ولا يقال هنا: فلماذا لم يقتله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ لأن معاوية أسلم عام الفتح، ولم يرتكب في هذه المدة القصيرة ما يستوجب القتل، وخطره يبدأ ويشتدّ عندما يصل إلى موقع السلطة، وهو لا يصل إليه إلا بارتكابه ما يستوجب قتله وأكثر، وهذا ما حصل. ولهذا أدرك الحسن البصري وأبو سعيد الخدري وغيرهما أن الأمة انتكست وما أفلحت يوم تركت معاوية حياً.. - 54. أنساب الأشراف (م.س.) حديث رقم 369.
- 55. وقعة صفين_ نصر بن مزاحم المنقري (توفي 212ه)_ تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون ط2 (1382ه) ملتزم الطبع والنشر المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع_ ص216.
- 56. المعجم الكبير_ الطبراني_ مكتبة العلوم والحكم الموصل ط2 (1983م) تحقيق حمدي بن عبدالمجيد السلفي _ حديث رقم 10970.
- 57. مسند أحمد (م.س.) حديث رقم 19780.
- 58. أنساب الأشراف (م.س.) حديث رقم 362. قال الحافظ الغماري عن أسانيد البلاذري لهذا الحديث: رواه من طرق كلها رجالها رجال البخاري ومسلم. انظر الجواب المفيد_ الحافظ أحمد بن محمد بن الصديق الغماري_ منشورات محمد علي بيضون دار الكتب العلمية ط1 2002م ص58.
- 59. مجمع الزوائد (م.س.) حديث رقم 433.
- 60. الطبقات الكبرى_ محمد بن سعد (المتوفى 230هـ)_ تحقيق محمد عبد القادر عطا_ دار الكتب العلمية بيروت ط1 (1990م)_ ج3 ص380.
- 61. المستدرك (م.س.) حديث رقم 778. قال الحاكم ووافقه الذهبي: صحيح على شرط البخاري. وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي حديث رقم 808. (أبي بن كعب الأرجح أنه مات في خلافة عمر وقيل مات في خلافة عثمان).
- 62. صحيح البخاري_ محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي_ دار طوق النجاة ط1(1422هـ) حديث رقم 120.
- 63. فتح الباري شرح صحيح البخاري_ الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني_ دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت ط2 ج1 ص385.
- 64. حسّنه الشوكاني وردّ على الذهبي وغيره ممن ضعّفه، ونقل تصحيحه عن يحيى بن معين وتحسينه عن ابن حجر العسقلاني انظر: الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة_ محمد بن علي بن محمد الشوكاني (المتوفى 1250هـ)_ دار الكتب العلمية بيروت حديث رقم 52
وحسنه العلائي: النقد الصحيح لما اعترض من أحاديث المصابيح_ صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي الدمشقي العلائي (المتوفى 761هـ)_ تحقيق عبد الرحمن محمد أحمد القشقري ط1(1985) حديث رقم 18.
وقال الحاكم في المستدرك هذا حديث صحيح الإسناد: المستدرك (م.س.) حديث رقم 4638. - 65. المستدرك (م.س.) حديث رقم 4629.
- 66. سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي_ عبد الملك بن حسين بن عبد الملك العصامي المكي (المتوفى 1111هـ)_ دار الكتب العلمية بيروت ط1 ج3 ص237.
- 67. سنن ابن ماجة_ الحافظ ابي عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجه_ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع حديث رقم 140. وقال الهيثمي في الزوائد: رجال إسناده ثقات.
- 68. قال الهيثمي: رواه الطبراني وهو مرسل ورجاله ثقات. مجمع الزوائد (م.س.) حديث رقم 15401.
- 69. تاريخ دمشق لابن عساكر (المتوفى 571هـ) تحقيق عمرو بن غرامة العمروي_ دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع (1995م) ج23 ص472.
- 70. الاستيعاب في معرفة الأصحاب_ ابن عبد البر القرطبي_ دار الجيل ط1 (1412هـ)_ تحقيق علي محمد البجاوي_ ج2 ص37.
- 71. فوات الوفيات_ محمد بن شاكر الكتبي_ تحقيق إحسان عباس_ دار صادر بيروت ط1 ج4 ص331.
- 72. شذرات الذهب في أخبار من ذهب_ عبد الحي بن أحمد، ابن العماد العَكري الحنبلي_ دار ابن كثير دمشق بيروت ط1(1986م) ج1 ص278
- 73. روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني_ شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (المتوفى 1270هـ)_ دار الكتب العلمية بيروت ط1(1415هـ) ج13 ص228.
- 74. القران الكريم: سورة المنافقون (63)، الآية: 4، الصفحة: 554.
- 75. ونذكر هنا قول أمير المؤمنين علي u: «واللهّ لَوَدَّ معاوية أنه ما بقي من بني هاشم نافخُ ضِرْمَةٍ إلا طعن في بطنه إطفاء لنور اللّه )ويأبى اللّه إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون(» (مروج الذهب_ العلامة المؤرخ علي بن الحسين أبو الحسن المسعودي (المتوفى 346هـ)_ ج2 ص51).
- 76. [البداية والنهاية_ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير (المتوفى 774هـ)_ دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان (2003م) ج11 ص569].
- 77. الأوائل_ سليمان بن أحمد الطبراني أبو القاسم_ مؤسسة الرسالة, دار الفرقان بيروت ط1 حديث رقم 38.
- 78. المعجم الكبير لسليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني_ مكتبة العلوم والحكم الموصل ط2 (1983م) تحقيق حمدي بن عبدالمجيد السلفي _ حديث رقم 2882. وأخرجه أبو نعيم الأصبهاني في معرفة الصحابة (معرفة الصحابة_ دار الوطن للنشر الرياض ط1 حديث رقم 1801).
- 79. من قواصم ابن العربي التي تقصم دين من رضيها قوله في كتابه العواصم من القواصم: [وما خرج إليه أحد إلا بتأويل، ولا قاتلوه إلا بما سمعوا من جده المهيمن على الرسل، المخبر بفساد الحال، المحذر عن الدخول في الفتن… ولولا معرفة أشياخ الصحابة وأعيان الأمة بأنه أمر صرفه الله عن اهل البيت، وحال من الفتنة لا ينبغي لأحد أن يدخلها، ما أسلموه أبداً. وهذا أحمد بن حنبل على تقشفه وعظيم منزلته في الدين وورعه قد أدخل عن يزيد بن معاوية في كتاب الزهد أنه كان يقول في خطبته: “إذا مرض أحدكم مرضاً فأشفى ثم تماثل فلينظر إلى أفضل عمل عنده فليلزمه ولينظر إلى أسوأ عمل عنده فليدعه”. وهذا يدل على عظيم منزلته عنده حتى يدخله في جملة الزهاد من الصحابة والتابعين الذين يقتدى بقولهم ويرعوى من وعظهم ونعم ما ادخله الا في جملة الصحابة قبل ان يخرج الى ذكر التابعين]. انظر العواصم من القواصم_ أبو بكر بن العربي (المتوفى 543هـ)_ دار الجيل بيروت ط2(1987م) ص244-246
قلت: كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً. أولاً إن محاولة ابن العربي وأضرابه اعتبار الحسين u مخطئاً هو رأي الكرامية وليس رأي أهل السنة والجماعة. يقول الشوكاني: “وَلَقَدْ أَفْرَطَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَالْكَرَّامِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ فِي الْجُمُودِ عَلَى أَحَادِيثِ الْبَابِ حَتَّى حَكَمُوا بِأَنَّ الْحُسَيْنَ السِّبْطَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – وَأَرْضَاهُ بَاغٍ عَلَى الْخِمِّيرِ السِّكِّيرِ الْهَاتِكِ لِحُرُمِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ، فَيَالَلَّهِ الْعَجَبُ مِنْ مَقَالَاتٍ تَقْشَعِرُّ مِنْهَا الْجُلُودُ وَيَتَصَدَّعُ مِنْ سَمَاعِهَا كُلُّ جُلْمُودٍ”. انظر نيل الأوطار للشوكاني (م.س.) ج7 ص208. قال ابن العماد: “والعلماء مجمعون على تصويب قتال عليّ لمخالفيه لأنه الإمام الحق، ونقل الاتفاق أيضاً على تحسين خروج الحسين على يزيد، وخروج ابن الزّبير وأهل الحرمين على بني أمية، وخروج ابن الأشعث ومن معه من كبار التابعين وخيار المسلمين على الحجّاج”. انظر شذرات الذهب في أخبار من ذهب_ عبد الحي بن أحمد، ابن العماد العَكري الحنبلي_ دار ابن كثير دمشق بيروت ط1(1986م) ج1 ص275-276. - 80. سنن النسائي الكبرى (م.س.) ج4 ص434.
- 81. صحيح مسلم (م.س.) حديث رقم 2294.
- 82. السراج المنير في ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير_الحافظ جلال الدين السيوطي، العلامة محمد ناصر الدين الألباني_ دار الصديق ط3(2009م) حديث رقم 7897. قال الألباني صحيح.
- 83. صحيح مسلم (م.س.) حديث رقم 2304. وصحيح البخاري (م.س.) حديث رقم 7049.
- 84. الدحداح: القصير. وابن زياد اللعين ابن اللعين يسخر بهذه الكلمة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وهذه الكلمة يقولها واحد من قيادات الصف الأول في بني أمية، فهي تكشف أن بني أمية لا ينتسبون إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم (محمديكم) فهم يرونه في المشروع المضاد لمشروعهم، ولا ينفع أحمق بني أمية ما قاله بعدها لتدارك الأمر، فما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه.
- 85. سنن أبي داود_ أبو داود السِّجِسْتاني (المتوفى 275هـ)_ المكتبة العصرية، صيدا، بيروت. قال الألباني صحيح.
- 86. فتح الباري (م.س.) ج6 ص312 وقال ابن حجر: هو في “البعث” للبيهقي من طريقه بسند صحيح.
- 87. الاستيعاب (م.س.) ج1 ص332.
- 88. إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة_ شهاب الدين البوصيري الكناني الشافعي (المتوفى 840هـ)_ دار الوطن للنشر الرياض ط1(1999م) حديث رقم 5529. قال البوصيري هذا إسناد رواته ثقات.
قلت: وقد ورد في رواية أخرى في بغية الطلب [بغية الطلب في تاريخ حلب_ عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي، كمال الدين ابن العديم (المتوفى 660هـ)_ تحقيق د.سهيل زكار_ دار الفكر ج4 ص1711]: ” قال عروة: رحم الله عائشة فكيف لو أدركت زماننا هذا؟! قال الزهري: رحم الله عروة فكيف لو أدرك زماننا هذا؟! فقال الزبيدي: يرحم الله الزهري فكيف لو أدرك زماننا هذا؟! قال لنا عثمان: رحم الله ابن مهاجر كيف لو أدرك زماننا هذا؟! قال يعقوب بن ثوابة: رحم الله ابن عوف، كيف لو أدرك زماننا هذا؟! قال الشيخ أبو سعد: قال أبو القاسم الحسين ابن علي وأنا أقول: رحم الله ابن ثوابة كيف لو أدرك زماننا هذا؟! قال أبو سعد وأنا أقول رحم الله أبا القاسم بن أبي أسامة، كيف لو أدرك زماننا هذا؟! قال أبو بكر طاهر بن الحسين: وأنا أقول: رحم الله عمي أبا سعد كيف لو أدرك زماننا هذا؟! قال أبو علي: وأنا أقول: رحم الله طاهرا كيف لو أدرك زماننا هذا؟! قال فخر خوارزم: رحم الله شيخنا أبا علي فكيف لو أدرك زماننا هذا؟! قال أبو المؤيد: رحم الله شيخنا فخر خوارزم فكيف لو أدرك زماننا هذا؟! قال أبو القاسم: رحم الله أبا الفضل فكيف لو أدرك زماننا هذا؟! قلت: رحم الله أبا القاسم فكيف لو أدرك زماننا هذا؟!”
هذا النص يكشف كيف أنّ الانحدار والانحطاط كان مطرداً من جيل إلى جيل بفعل الدين الأموي. - 89. صحيح البخاري (م.س.) حديث رقم 530.
- 90. صحيح البخاري (م.س.) حديث رقم 786.
- 91. مسند أحمد (م.س.) حديث رقم 19860. قال محققه إسناده صحيح على شرط الشيخين.
- 92. تاريخ دمشق (م.س.) ج59 ص203.
- 93. مرآة الزمان في تواريخ الأعيان_ سبط ابن الجوزي (المتوفى 654هـ)_ دار الرسالة العالمية دمشق ط1(2013م) ج7 ص358. وأخرجه أيضاً ابن قتيبة في الإمامة والسياسة.
- 94. مدخل لدراسة العقيدة الإسلامية_ د.عثمان جمعة ضميرية_ مكتبة السوادي للتوزيع ط2(1996م) ص53. وأخرجه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة.
قلت: وهذه الكلمة البسيطة من الحسن البصري “كذب أعداء الله” والصحيحة شرعاً وعقلاً وفطرةً كانت كافية للطعن فيه واتهامه في عقيدته. قال د.عثمان ضميرية: “فطُعن على الحسن بهذا ومثله”. وهذا يرينا قوة التضليل الأموي وتأثيره في الأجيال المتعاقبة.. - 95. مروج الذهب (م.س.) ج2 ص62.
- 96. الكتاب المقدس_ العهد الجديد_ رسالة بولس إلى أهل رومية_ إصحاح13.
- 97. مبادئ القانون الدستوري_ د.كمال الغالي.
وفي العصر الحديث استخدم غليوم الثاني إمبراطور ألمانيا “نظرية الحق الإلهيّ” حينما قال في عام 1910م إن الله هو الذي ولاه الملك، وكذلك فعل هتلر ديكتاتور ألمانيا في 28 نيسان 1939م حين وجّه الشكر إلى العناية الإلهيّة التي اختارته زعيماً لألمانيا، كما أمر ديكتاتور أسبانيا فرانكو في عام 1947 بصكِّ عملة تحمل عبارة “فرانكو القائد بعناية الله”، وليس بعيداً عندما استخدم طاغية الولايات المتحدة جورج بوش الابن سلطةَ الربّ تحت عنوان محور الخير ومحور الشرّ والحرب الصليبيّة المقدّسة [انظر كتابنا “أركان الإسلام بين الكهانة والديانة” (2012م) ص104-105]. - 98. صحيح مسلم (م.س.) حديث رقم 1847.
- 99. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 44، الصفحة: 115.
- 100. سنن أبي داود (م.س.) حديث رقم 4344. وهو أيضاً في سنن ابن ماجه وسنن الترمذي بأسانيد صحيحة.
- 101. فتح الباري (م.س.) ج13 ص432.
- 102. a. b. القران الكريم: سورة الزخرف (43)، الآية: 54، الصفحة: 493.
- 103. المنتخب من علل الخلال (ومعه تتمة)_ ابن قدامة المقدسي (المتوفى 620هـ)_ دار الراية للنشر والتوزيع. وانظر أيضاً كتاب “معاوية فرعون هذه الأمة” للعلامة حسن بن فرحان المالكي حيث حقّقَ أسانيد الحديث مثبتاً صحته سنداً ومتناً، ومفنّداً أقوال العلماء فيه.
- 104. تاريخ الإسلام للذهبي (م.س.) ج6 ص247.
- 105. تاريخ الطبري (م.س.) ج5 ص435.
- 106. تاريخ الطبري (م.س.) ج4 ص254.
- 107. الطبقات الكبرى لابن سعد (م.س.) ج3 ص463.
- 108. انظر جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير (المتوفى 606هـ)تحقيق عبد القادر الأرنؤوط – التتمة تحقيق بشير عيون_ مكتبة الحلواني – مطبعة الملاح – مكتبة دار البيان_ ط1 ج12 ص437.
- 109. العبر في خبر من غبر للذهبي (المتوفى 748هـ)_ تحقيق محمد السعيد بن بسيوني زغلول_ دار الكتب العلمية بيروت_ ج1 ص15
- 110. مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (م.س.) ج6 ص190.
- 111. الاستيعاب لابن عبد البر (م.س.) ج1 ص389.
- 112. الاستيعاب لابن عبد البر (م.س.) ج2 ص830.
- 113. الإمامة والسياسة_ ابن قتيبة الدينوري_ مطبعة النيل مصر 1904م_ ص284-285.
- 114. الكامل في التاريخ_ ابن الأثير (المتوفى 630هـ)_ دار الكتاب العربي بيروت ط1 ج3 ص103.
- 115. النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة_ يوسف بن تغري بردي بن عبد الله الظاهري الحنفي (المتوفى 874هـ)_ وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دار الكتب مصر_ ج1 ص164.
- 116. أنساب الأشراف (م.س.) ج5 ص 358.
- 117. البداية والنهاية (م.س.) ج11 ص664.
- 118. سمط النجوم العوالي (م.س.) ج3 ص213.
- 119. أسد الغابة في معرفة الصحابة_ ابن الأثير (المتوفى 630هـ) دار الكتب العلمية ط1 (1994م). قال الهيثمي في مجمع الزوائد(م.س. حديث رقم 14568): رواه الطبراني ورجاله ثقات.
- 120. أسد الغابة في معرفة الصحابة (م.س.) رواية رقم 1276.
- 121. سمط النجوم العوالي (م.س.) ج 3 ص120.
- 122. الاستيعاب لابن عبد البر (م.س.) راجع ج1 ص157-166 لترى ما اقترف من جرائم وكيف بيعت المسلمات في السوق على عظم ساقها.قلت: وَقد حاول معاوية التبرؤ من جرائم بسر بعد ذلك، ولكن بسراً كذبه وفضحه. يروي البلاذري في أنساب الأشراف (م.س. ج2 ص459) عن عَبَّاسِ بْنِ هِشَامٍ عَن أَبِيهِ: أن عبيد اللَّه بْن العباس لما صار إِلَى مُعَاوِيَةَ، وفارق الحسن بْن علي، رأى بسرًا، فَقَالَ لَهُ: “أنت أمرت هَذَا اللعين بقتل ولدي؟” فَقَالَ: “والله مَا فعلت ولقد كرهت ذَلِكَ”. فغضب بسر لقولهما وألقى سيفه إِلَى مُعَاوِيَةَ وَقَالَ لَهُ: “خذه عني.. ولكن أمرتني أن أخبط بِهِ النَّاس فانتهيت إِلَى أمرك، ثُمَّ أنت تقول لهذا مَا تقول وَهُوَ بالأمس عدوك، وأنا نصيحك دونه وظهيرك عَلَيْهِ!؟” فَقَالَ: “خذ سيفك فإنك ضعيف الرأي حين تلقي سيفاً بين يدي رجل من بني هاشم وقد قتلت ابنيه!” فأخذ سيفه. وَقَالَ عبيد اللَّه: “ما كنتُ لأقتل بسراً بأحد ابنيّ، هُوَ أَلْأَمُ وأوضعُ وأحقر من ذَلِكَ، والله مَا أرى أني أدركُ ثأرَهما إلا بيزيد وعبد الله بني مُعَاوِيَة”. فضحك مُعَاوِيَة [طبيعي أن يضحك معاوية لأنه يعلم أن من ترك الإمام الحسن u وتبع معاويةَ قاتلَ ابنيه لن يكون تهديده سوى جعجعة بلا طحن] وَقَالَ: “مَا ذنب يزيد وعبد الله فو الله مَا أمرت وَلا علمت وَلا هويت”… ثُمَّ إن بسرًا بعد ذَلِكَ وسوس، وَكَانَ يهذي بالسيف، فجعل لَهُ سيف من خشب أَوْ من عيدان، وكانت الوسادة تدنى إِلَيْهِ فيضربها حَتَّى يغشى عَلَيْهِ وربما أدني إِلَيْهِ زق فيضربه، فلم يزل كذلك حَتَّى مات فِي خلافة عبد الملك ابن مروان، ولم يزل مُعَاوِيَة يصل عبيد اللَّه بالمال العظيم بعد المال حَتَّى سل مَا فِي قلبه. انتهى من أنساب الأشراف.
- 123. الكامل في التاريخ (م.س.) ج3 ص82.
- 124. الجزء المتمم لطبقات ابن سعد [الطبقة الخامسة في من قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهم أحداث الأسنان]_ ابن سعد_ مكتبة الصديق الطائف ط1(1993م) ج1 ص478.
- 125. تاريخ الطبري (م.س.) ج5 ص449.
- 126. تاريخ الطبري (م.س.) ج5 ص451.
- 127. تاريخ الطبري (م.س.) ج5 ص 455. وعمر بن سعد حين يأمر عسكره أن يدوسوا بخيولهم جسد الإمام الحسين(علیه السلام)، فذلك لأن عمر عبد ذليل لبني أمية يخاف أن يخسر وظيفته. في تاريخ الطبري(م.س. ج5 ص415): كتب عبيد الله ابن زياد إِلَى عُمَر بن سَعْد: أَمَّا بَعْدُ، فإني لم أبعثك إِلَى حُسَيْن لتكف عنه وَلا لتطاوله، وَلا لتمنيه السلامة والبقاء، وَلا لتقعد لَهُ عندي شافعاً. انظر، فإن نزل حُسَيْن وأَصْحَابه عَلَى الحكم واستسلموا، فابعث بهم إلي سلماً، وإن أبوا فازحف إِلَيْهِم حَتَّى تقتلهم وتُمَثِّل بهم، فإنهم لذلك مستحقون، فإن قتل حُسَيْن فأوطئ الخيل صدره وظهره، فإنه عاق مشاق، قاطع ظلوم، وليس دهري فِي هَذَا أن يضر بعد الموت شَيْئًا، ولكن علي قول لو قَدْ قتلته فعلت هَذَا بِهِ إن أنت مضيت لأمرنا فِيهِ جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا، وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر، فإنا قَدْ أمرناه بأمرنا، والسلام.
- 128. مجمع الزوائد ومنبع (م.س.) حديث رقم 15153. قال الهيثمي رجاله ثقات.
- 129. كتاب الأوائل لأبي عروبة (م.س.) حديث رقم 153.
- 130. الاستيعاب لابن عبد البر (م.س.) ج2 ص808. والفوائد (فوائد تمام)_ أبو القاسم تمام بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن الجنيد (المتوفى 414هـ)_ مكتبة الرشد وشركة الرياض السعودية ط3 (1997م)_ تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي_ حديث رقم 770.
- 131. موطأ الإمام مالك_ دار القلم دمشق_ ط1 (1991 م) حديث رقم 816. وصححه العلامة أحمد محمد شاكر في تعليقه على “الرسالة” للإمام الشافعي، وكذا الألباني في “صحيح سنن النسائي” رقم 4236.
- 132. كتاب الأوائل لأبي عروبة (م.س.) حديث رقم 129.
- 133. الأوائل لأبي هلال العسكري (م.س.) ص247.
- 134. سنن النسائي الكبرى (م.س.) ج10 ص424. وقال الحاكم في مستدركه على الصحيحين: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (رقم الحديث في المستدرك 1706) وصححه الألباني في صحيح وضعيف النسائي حديث رقم 3006.
- 135. كتاب الأوائل لأبي عروبة (م.س.) حديث رقم 141.
- 136. كتاب الأوائل لأبي عروبة (م.س.) حديث رقم 145.
- 137. مروج الذهب و معادن الجوهر_ المسعودي_ دار الطباعه العامرة مصر (1283ه)_ ج1 ص362.
- 138. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 23، الصفحة: 421.
- 139. تاريخ الطبري (م.س.) ج5 ص405.
- 140. المستدرك على الصحيحين (م.س.) حديث رقم 6015.
- 141. الطبقات الكبرى لابن سعد (م.س.) ج4 ص138.
- 142. مجمع الزوائد (م.س.) حديث رقم 15144. قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
- 143. القران الكريم: سورة الأعلى (87)، الآية: 16 و 17، الصفحة: 592.
- 144. ربيع الأبرار ونصوص الأخيار_ جار الله الزمخشري (توفي 583هـ)_ مؤسسة الأعلمي بيروت ط1(1412هـ) ج2 ص300. وهو في بغية الطلب في تاريخ حلب للمحدث والمؤرخ الحنفي كمال الدين الحلبي.
- 145. فيض القدير (م.س.) ج7 ص18.
- 146. النجوم الزاهرة (م.س.) ج1 ص63. وهو عند الذهبي في سير أعلام النبلاء_ مؤسسة الرسالة ط3 ج3 ص72. ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق ج46 ص166.
- 147. النجوم الزاهرة (م.س.) ج1 ص116.
- 148. هي رسالة جوابية رد فيها الحسين u على رسالة تهديدية من معاوية يقول فيها: “أما بعد، فقد انتهت إلي منك أمور، لم أكن أظنك بها رغبة عنها، وإن أحق الناس بالوفاء لمن أعطى بيعة من كان مثلك، في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها، فلا تنازع إلى قطيعتك، واتق الله ولا تردن هذه الأمة في فتنة، وانظر لنفسك ودينك وأمة محمد، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون”.
- 149. إشارة إلى قوله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ﴾
- 150. الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري (م.س.) ص284-285.
- 151. صحيح الجامع الصغير وزياداته للألباني (المتوفى 1420هـ)_ المكتب الإسلامي حديث رقم 2582. وانظر المداوي لعلل الجامع الصغير وشرحي المناوي لأبي الفيض الغُمَارِي الحسني الأزهري (المتوفى 1380 هـ) دار الكتبي القاهرة_ ط1 ج3 ص147 وفيه: قال الشارح: زاد الروياني وابن عساكر في روايتهما: “يقال له: يزيد”.قلت[القول لأبي الفيض]: هذه الزيادة باطلة افتعلها المجرمون ليدفعوا بها عن حمى معاوية حتى لا يحوم الظن حوله. والحديث مطلق بدون تلك الزيادة الباطلة، كذلك أخرجه الأقدمون.
- 152. مجلة المنار لصاحبها محمد رشيد رضا (أنشئت سنة 1315هـ)_ المجلد 30 مقال “ثورة فلسطين أسبابها نتائجها” ص450.
- 153. يسخر من القرآن.
- 154. فوات الوفيات (م.س.)_ ج4 ص330.
- 155. تاريخ الطبري (م.س.) ج5 ص450.
- 156. مروج الذهب (م.س.) ج2 ص74.
- 157. عبد الله بن حنظلة صحابي، أبوه الصحابي الذي استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغسلته الملائكة، فسمّي حنظلة الغسيل. وعبد الله استشهد في مجزرة الحرّة على يد جيش يزيد.
- 158. طبقات ابن سعد (م.س.) ج5 ص49. وتاريخ الخلفاء_ جلال الدين السيوطي (المتوفى 911هـ)_ مكتبة نزار مصطفى الباز ط1 (2004م) ص158.
- 159. لا بد أن يزيد كان مجاهراً بزنا المحارم أو معروفاً به، وإلا كيف عرف الناس أنه يمارسه؟ ولا يقال هنا ربما كان عبد الله بن حنظلة مفترياً لعدة أسباب: أولاً لأنه صحابي وهم يرون عدالة جميع الصحابة. ثانياً إن عبد الله كان يدرك أو على الأقل يرجح أنه مقتول، وهذا يجعله أبعد عن الافتراء. ثالثاً إن تهمة كهذه لا يمكن أن تطلق جزافاً إذ لا يمكن أن تقبل بسهولة، وستنقلب على مطلقها، ولو لم تكن صحيحة ومعروفة عند الناس لما تجرّأ عبد الله على إطلاقها.
- 160. تاريخ دمشق لابن عساكر (م.س.) ج65 ص406.
- 161. تاريخ الطبري (م.س.) ج5 ص353.
- 162. تاريخ الطبري (م.س.) ج5 ص357.
- 163. تاريخ الإسلام للذهبي (م.س.) ج6 ص492.
- 164. مجمع الزوائد (م.س.) حديث رقم 15086.
- 165. مجمع الزوائد (م.س.) حديث رقم 15075. قال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده حسن.
- 166. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 136، الصفحة: 21.
- 167. تاريخ الطبري (م.س.) ج5 ص452.
- 168. جاء في مجمع الزوائد(م.س.حديث رقم10915): عن رجاء بن ربيعة قال: كنت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مر الحسين بن علي فسلم، فرد عليه القوم السلام، وسكت عبد الله بن عمرو. ثم رفع ابن عمرو صوته بعدما سكت القوم فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ثم أقبل على القوم فقال: ألا أخبركم بأحب أهل الأرض إلى أهل السماء؟ قالوا: بلى. قال: هو هذا المقفي، والله ما كلمته كلمة ولا كلمني كلمة منذ ليالي صفين، ووالله لأن يرضى عني أحب إلي من أن يكون لي مثل أحد.
- 169. تاريخ الطبري (م.س.) ج5 ص401.
- 170. تاريخ الطبري (م.س.) ج5 ص409.
- 171. يروي الطبري في تاريخه (م.س. ج5 ص444) أن عابس بن أبي شبيب رضي الله عنه جاء الإمام الحسين u فقال: يَا أَبَا عَبْد اللَّهِ، أما وَاللَّهِ مَا أمسى عَلَى ظهر الأرض قريب وَلا بعيد أعز علي وَلا أحب إلي مِنْكَ، ولو قدرت عَلَى أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعز علي من نفسي ودمي لفعلته، السلام عَلَيْك يَا أَبَا عَبْد اللَّهِ، أشهد اللَّه أني عَلَى هديك وهدي أبيك، ثُمَّ مشى بالسيف مصلتا نحوهم وبه ضربة عَلَى جبينه. فصرخ أحد جنود يزيد: أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا الأسد الأسود، هَذَا ابن أبي شبيب، لا يخرجن إِلَيْهِ أحد مِنْكُمْ. فأخذ ينادي: أَلا رجل لرجل! فَقَالَ عُمَر بن سَعْد: أرضخوه بالحجارة. قَالَ: فرمي بالحجارة من كل جانب. فلما رَأَى ذَلِكَ ألقى درعه ومغفره، ثم شد على الناس، فوالله لرأيته يكرد أكثر من مائتين مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ تعطفوا عَلَيْهِ من كل جانب، فقتل، قَالَ: فرأيت رأسه فِي أيدي رجال ذوي عدة، هَذَا يقول: أنا قتلته، وهذا يقول: أنا قتلته، فأتوا عُمَر بن سَعْدٍ فَقَالَ: لا تختصموا، هَذَا لم يقتله سنان واحد، ففرق بينهم بهذا القول.
- 172. تاريخ الطبري (م.س.) ج5 ص419.
- 173. مجمع الزوائد (م.س.) حديث رقم 15172.
- 174. مجمع الزوائد (م.س.) حديث رقم 15154. قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
- 175. مجمع الزوائد (م.س.) حديث رقم 15157. قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
- 176. مجمع الزوائد (م.س.) حديث رقم 15159. قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات.
قلت: ولعل في أنهم وجدوا دماً حسينياً في بيت المقدس ربطاً بين الثورة الحسينية وبين بيت المقدس الذي سيصبح في ما بعد رمزاً وعنواناً للإسلام وللجهاد الإسلامي. وهو ما تحقق في عصرنا بعد احتلال الصهاينة لبيت المقدس، ولا غرابة أن نجد الجهاد ضد الصهيونية لم يصبح رادعاً لغطرسة العدو، إلا بعد أن أصبحت المقاومة تستلهم الدم الحسيني. لم أجد معنى ليجدوا دماً حسينياً في بيت المقدس غير هذا. - 177. مجمع الزوائد (م.س.) حديث رقم 15161. قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله إلى أم حكيم رجال الصحيح.
- 178. مجمع الزوائد (م.س.) حديث رقم 15163. قال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده حسن.
- 179. سنن الترمذي (م.س.) حديث رقم 3869.
- 180. مجمع الزوائد (م.س.) حديث رقم 15112. قال الهيثمي: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ورجاله ثقات.
- 181. مجمع الزوائد (م.س.) حديث رقم 15121. قال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده حسن.
- 182. مجمع الزوائد (م.س.) حديث رقم 15141. وصححه الألباني في تحقيقه مشكاة المصابيح [مشكاة المصابيح (م.س.) حديث رقم 6181]. قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح.
- 183. سنن الترمذي (م.س.) حديث رقم 3860. ورواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين والبخاري في التاريخ.
- 184. المستدرك على الصحيحين (م.س.) حديث رقم 4822. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وصححه الذهبي في التلخيص.
- 185. معرفة الصحابة لأبي نعيم (م.س.) حديث رقم 1783.
- 186. مسند البزار المنشور باسم البحر الزخار_ أبو بكر أحمد بن عمرو المعروف بالبزار (المتوفى 292هـ) مكتبة العلوم والحكم المدينة المنورة ط1(2009م) حديث رقم 1556.
- 187. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآيات: 32 – 34، الصفحة: 192.