نص الشبهة:
قوله : « لقد كان الإمام علي يؤمن بنظام الشورى . وان حق الشورى بالدرجة الأولى هو من اختصاص المهاجرين والأنصار ، ولذلك فقد رفض ـ بعد مقتل عثمان ـ الاستجابة للثوار الذين دعوه إلى تولي السلطة وقال لهم : ” ليس هذا إليكم . . هذا للمهاجرين و الأنصار من امره اولئك كان أميرا . وعندما جاءه المهاجرون والأنصار فقالوا : امدد يدك نبايعك . دفعهم ، فعاودوه ، ودفعهم ثم عاودوه فقال : “دعوني والتمسوا غيري واعلموا اني ان اجبتكم ركبت بكم ما اعلم . . وان تركتموني فأنا كأحدكم ، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم وأنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا ” . ومشى إلى طلحة والزبير فعرضها عليهما فقال : من شاء منكما بايعته ، فقالا : لا . . الناس بك أرضى ، وأخيرا قال لهم : ” فان أبيتم فان بيعتي لا تكون سرا ، ولا تكون إلا عن رضا المسلمين ولكن اخرج إلى المسجد فمن شاء ان يبايعني فليبايعني ” . ولو كانت نظرية النص والتعيين ثابتة ومعروفة لدى المسلمين ، لم يكن يجوز للإمام أن يدفع الثوار وينتظر كلمة المهاجرين و الأنصار ، كما لم يكن يجوز له ان يقول : ” أنا لكم وزيرا خير لكم مني أميرا” ، ولم يكن يجوز له ان يعرض الخلافة على طلحة والزبير ، ولم يكن بحاجة لينتظر بيعة المسلمين » . ص 14 ـ 15 .
الجواب:
دور النص تثبيت الحق الشرعي ودور البيعة توفير القدرة السياسية
الرد على الشبهة
أقول :
1 . ( الأستاذ احمد الكاتب ) كغيره من منكري النص لم يميز بين ( البيعة ) التي هي عقد بين المنصوص عليه وثلة خَيِّرة من الأمة كافية لان ينهض بها امر الحكم والجهاد وبين ( الشورى ) وهي ان يأخذ الحاكم برأي أكثرية الأمة في مجالات التنفيذ وما لا نص فيه ، وكلاهما كان النبي قد فعله ، ومن بعده علي ( عليه السلام ) . ثم ان البيعة والشورى لا تتعارض مع النص ، نعم الشورى في تعيين الحاكم في قبال المنصوص عليه بشخصه لم يكن علي ( عليه السلام ) يؤمن بها لانها خلاف الواقع إذ نص النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليه شخصياً بأمر الله تعالى .
2 . لم يقبل علي ( عليه السلام ) من الثوار البيعة في أول الأمر لان هؤلاء الثوار تصوروا ان البيعة على الحكم في مرحلتها الأولى تقع كيفما اتفقت ، ونبههم علي ( عليه السلام ) بسلوكه ازاءهم ان الأمر ليس كذلك فان البيعة على الحكم أو الجهاد في مرحلتها الأولى تتقوَّم بأهل السابقة في الايمان والجهاد وهم في ذلك الوقت المهاجرون والانصار كما ان البيعة على الحكم لا تكون خُفْيَةً وانما تكون في المسجد وعلى ملأ من الناس ورضا منهم نعم البيعة على جهاد الظالمين تكون في بدء أمرها سرية كما حصل بين النبي ( صلى الله عليه وآله ) والانصار في العقبة الثانية .
3 . ان نص النبي ( صلى الله عليه وآله ) على علي ( عليه السلام ) يوجب البيعة لعلي وحرمة التخلف عنه ، فإذا أقدم أهل السابقة والجهاد على بيعة علي ( عليه السلام ) وأخذها علي ( عليه السلام ) منهم صارت هذه البيعة المنعقدة موضوعا لوجوب آخر وحرمة أخرى على بقية المسلمين وهو وجوب اتباع سبيل المؤمنين والدخول فيما دخلوا فيه وحرمة الرد عليهم اضافة إلى حرمة نكث البيعة من كل المبايعين ، ويترتب عليه أيضا وجوب مقاتلة الرادين والناكثين كما قاتل علي ( عليه السلام ) أهل الجمل لنكثهم البيعة وأهل صفين لردهم البيعة .
وفي ضوء ذلك يتضح لماذا احتج علي بالبيعة على طلحة والزبير ، لقد ( عليه السلام ) طالبهما بالوفاء بالبيعة التي ان كانت واجبة عليهما واقدما عليها باختيارهما .
ويتضح من ذلك أيضا ان الذي طلبه ( عليه السلام ) من معاوية ، هو ان يدخل فيما دخل فيه المسلمون ولم يكن قد طلب منه البيعة لإقامة الحكم قال ( عليه السلام ) في كتابه اليه « فادخل فيما دخل فيه المسلمون ثم حاكم القوم اليَّ احملك واياهم على كتاب الله » « ان بيعتي بالمدينة لزمتك وانت بالشام » 1 .
4 . ان وجود النص على علي ( عليه السلام ) والاحد عشر من ذريته من فاطمة ليس معناه يجب عليهم ان يقبلوا البيعة على الحكم أو البيعة على الجهاد كيفما اتفقت ومن دون تقدير من طرفهم لتكامل شروط النهوض وقبول بيعة المبايعين . وقد كان في تقدير علي ( عليه السلام ) ان قبوله للبيعة بعد قتل عثمان وفي ظروف مثل تلك الظروف يحتاج إلى إحكام الشروط ، اما قوله ( عليه السلام ) « لا تفعلوا فاني اكون وزيرا خير من ان اكون اميراً » فهو موضوع ومدسوس في كلامه من قبل الرواة إذ لم يكن وزيراً لأي واحد من الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه ، نعم كان وزيراً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ووزارته لرسول الله ( صلى الله عليه وآله )كانت تشبه وزارة هارون لموسى وقد نصَّ النبي ( صلى الله عليه وآله ) على هذا الشبه في قوله لعلي ( عليه السلام )« أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدى » 2 ونص القرآن على ان هارون كان وزيراً لموسى وشريكا له في أمر الرسالة ، وبسبب ختم النبوة بمحمد ( صلى الله عليه وآله )نص النبي ( صلى الله عليه وآله ) ان عليا وزير وليس بنبي .
5 . أما كونه ( عليه السلام ) مشى إلى طلحة والزبير وعرض عليهما البيعة قائلا : من شاء منكما بايعته . . . فهي رواية غير صحيحة . ومعارضة بقوله ( عليه السلام ) « متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت اقرن إلى هذه النظائر » ويريد بالنظائر عثمان وسعد وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف ، انه ( عليه السلام ) يتبرم من قرنه بهم فكيف يتوقع منه ان يعرض البيعة على أحدهم 3 .
- 1. نهج البلاغة الكتاب السادس من باب المختار من كتب مولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
- 2. صحيح البخاري 2 / 200 باب مناقب علي بن أبي طالب ، وصحيح مسلم 7 / 120 باب فضائل علي وكذلك رواه الترمذي والطيالسي وابن ماجة ومسند احمد بن حنبل وغيرها .
- 3. شبهات و ردود : الحلقة الثالثة : الرد على الشبهات التي أثارها كتاب أحمد الكاتب حول إمامة أهل البيت : الفصل الأول : المورد الخامس عشر .