مقالات

بيان الملازمة في آية ولاة الأمر…

ع م أ / الهندالسؤال: بيان الملازمة في آية ولاة الأمرأكثر المخالفين لمذهب الشيعة يسألون عن الآية (59) من سورة النساء، وهي قوله تعالى: (( أَطيعوا اللّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ وَأولي الأَمر منكم ))، فيقولون: إذا كانت إطاعة (أُولي الأمر) – كما يقول الشيعة – ملازمة لطاعة الله والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم), فيلزم أن يذكر (أُولوا الأمر) أيضاً في قوله تعالى: (( فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ))، ومن عدم ذكرهم يكشف أنّ الإمامة ليست نصّاً، وأنّ إطاعة الإمام ليست كطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟الجواب:


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يجاب السؤال بما يلي:
أولاً: نفي دعوة الملازمة بين ذكر طاعة (أُولي الأمر) في بداية الآية وبين ذكرهم في الردّ إلى الله وإلى الرسول في المقطع الثاني من الآية؛ فقد وردت آيات كثيرة تضمّنت وجوب طاعة الله وطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم), وقرنت بينهما في الطاعة كما في آيات (14،80) من سورة النساء، و(20، 46) من سورة الأنفال، و(52) من سورة النور، و(71) من سورة الأحزاب، وغيرها..
فإذا وردت آيات بطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحده، كما في قوله تعالى: (( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ )) (النور:56)، فهل يحتمل إنسان عدم وجوب طاعة الله لخلو الآية المذكورة عن ذلك؟
أو الآية التي وردت في ردّ الحكم إلى الله عند الاختلاف، وهي قوله تعالى: (( وَمَا اختَلَفتُم فِيهِ مِن شَيءٍ فَحُكمُهُ إِلَى اللَّهِ )) (الشورى:10)، فهل يعني ذلك عدم وجوب الرجوع إلى الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند وقوع الاختلاف؟!
مع أنّه تعالى قرن بين ذكره جلّ وعلا، وذكر الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند التنازع، كما في قوله تعالى: (( فإن تَنَازَعتم في شَيء فردّوه إلى اللّه وَالرَّسول )) (النساء:59)، فعدم ذكر الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الآية الأولى التي أرجعت الحكم إلى الله وحده في ما اختلف فيه هل يعني ذلك عدم الرجوع إليه(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّه لم يذكر في الآية؟! وهذا ممّا لا يخفى على أحد.

ثانياً: إنّ عدم ذكر (أُولي الأمر) في قوله تعالى: (( فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ )) لا يدلّ على عدم إرادتهم، بعد أن ذكرهم تعالى في صدر الآية، وساواهم في وجوب الإطاعة لهم على حدّ إطاعته وإطاعة رسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم), واكتفى عن ذكرهم ثانياً بما ذكرهم أوّلاً.
ولذا أجاب السيّد محمد تقي الحكيم على هذا الاشكال في كلام الفخر الرازي بقوله: (( يبقى الاشكال الثالث، وهو عدم ذكره لأُولي الأمر في وجوب الردّ إليهم عند التنازع، بل اقتصر في الذكر على خصوص الله والرسول، وهذا الإشكال أمره سهل؛ لجواز الحذف اعتماداً على قرينة ذكره سابقاً، وقد سبق في صدر الآية أن ساوى بينهم وبين الله والرسول في لزوم الطاعة، ويؤيّد هذا المعنى: ما ورد في الآية الثانية: (( وَلَو رَدّوه إلى الرَّسول وَإلَى أولي الأَمر منهم لَعَلمَه الَّذينَ يَستَنبطونَه منهم )) (النساء:83) ))(1).

ثالثاً: إنّ هذه الآية المشار إليها في السؤال تدلّ على عصمة (أُولي الأمر) من حيث المقارنة في الذكر والمساواة في وحدة السياق في وجوب طاعتهم كوجوب طاعة الله وطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم), ومن البديهي أنّ من تجب طاعته من (أُولي الأمر) لا بدّ أن يكون معصوماً عن ارتكاب الزلل والخطأ وسائر ما يشينه وينقصه؛ إذ لو لم يكن كذلك وجاز عليه ارتكاب المعصية فكيف يأمر الله بطاعته وهو غير مأمون في نفسه من الذنوب, والله سبحانه ينهى عن طاعة العصاة في كثير من الآيات؟ أليس في ذلك ما فيه من التضاد والتناقض؟!
وحاشا ربّنا تعالى أن يأمرنا بطاعة من يرتكب ما نهى عنه جلّ وعلا.
قال الفخر الرازي في تفسيره: (( إنّ الله تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية – يعني (( أَطيعوا الرَّسولَ وَأولي الأَمر منكم )) – ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بدّ أن يكون معصوماً عن الخطأ؛ إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته, فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأً منهيّ عنه, فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وأنّه محال.
فثبت أنّ الله تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم, وثبت أنّ كلّ من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ, فثبت قطعاً أنّ أُولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بدّ وأن يكون معصوماً ))(2).

نقول: وإذا دلّت الآية على عصمة (أُولي الأمر), والعصمة من الأمور الخفية التي لا يمكن أن يطّلع عليها كلّ أحد, وإلاّ لزم تصديق كلّ من يدّعيها, فلا بدّ أن يكون جلّ وعلا المطّلع على السرائر هو الذي يبيّن للناس من هو ذلك المعصوم الذي تجب طاعته وولايته باطّلاع نبيّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم), والنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بدوره يكشف ذلك للناس، وهذا ما أشار إليه سبحانه بقوله: (( وَرَبّكَ يَخلق مَا يَشَاء وَيَختَار مَا كَانَ لَهم الخيَرَة )) (القصص:68).
فمن هنا كانت الآية من أدلّة إثبات النصّ على الأئمّة الهداة(عليهم السلام) كما دلّت على عصمتهم؛ فلاحظ!
ودمتم في رعاية الله

(1) الأُصول العامة للفقه المقارن: 159 (الثالثة: بيان المراد من أهل البيت الآية الثانية).
(2) تفسير الرازي 10: 144 قوله تعالى: ((أَطيعوا اللَّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ… )).
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى