كيف نستثمر شهر رمضان؟
سؤال ملح يراود كل إنسان مؤمن، إذ لا يكفي أن يعيش الإنسان في هذا الشهر، بل لابد أن يحقق الهدف منه.
إن شهر رمضان يشبه إلى حد بعيد المطر الذي يهطل على مختلف الأراضي الخصبة، منها والصبخة، فتتجاوب تلك الأراضي حسب كينونتها ونوعيتها، فمن الأراضي ما تنبت ومنها ما يزيدها المطر عقما، فاناس يستفيدون من بركات هذا الشهر فتخصب نفوسهم وتثمر قلويهم السعادة والخير، واناس يمر عليهم هذا الشهر مرور الكرام بل قد يزدادون تعسا وشقاء والعياذ بالله كما ورد في الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:”إن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر الكريم“.
ولكي تتحول نفس الإنسان إلى حدائق بهية تفوح منها عطور التقوى والإيمان والعمل الصالح، فلابد له إن يخطط لهذا الشهر، ليتحول إلى محطة وقود روحي ومنبع للسعادة الإيمانية، ولا يجهل ذلك إلا ببرمجة هذا الشهر المبارك.
وما اجمل إن يكون هذا البرنامج موضوعا من قبل إمام معصوم هو الإمام على بن أبى طالب عليه السلام.
إذ إن هناك وصية مهمة ورائعة جدا من وصاياه عليه السلام لو إن كل واحد منا اعتمدها كبرنامج في هذا الشهر الكريم، لاصبحنا مؤهلين لنيل رحمة الله واستثمار بركات هذا الشهر العظيم، ولهذه الوصية ميزتان:
ا-إن الإمام علي عليه السلام قد وجه هذه الوصية للأمة في شهر رمضان المبارك، مما يعني تناسبها وتفاعلها مع أجواء هذا الشهر العظيم.
2-والميزة الأخرى والاهم كونها آخر كلمة توجيهية للإمام على عليه السلام ومعلوم إن العظماء في حياتهم عبر وتجارب ودروس، والهادفون من العظماء لا يبخلون بتجاربهم وعبر حياتهم، وإنما يقدمونها للأجيال. وأمير المؤمنين عليه السلام من أعظم رجال التاريخ بعد رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
فإذا كان كل عظيم في التاريخ تتحدد عظمته في بعد معين، فيكون عظيما في الجانب العلمي فقط، أو العسكري أو الأدبي أو الاجتماعي، فان الإمام علي عليه السلام عظيم في كل المجالات والإبعاد، وحياته مليئة بالتجارب والعبر التي استلهمها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واكتسبها من معايشته لحركة الرسالة، ومواجهته لمعاناة الصراع..
ولعله في وصيته الأخيرة يقدم لنا خلاصة تجاربه في الحياة، وأهم ما يراه ضروريا لنا من رؤى وتوجيهات..
ونقترح بهذا الصدد إن تكون هذه الوصية هي برنامج كل إنسان مؤمن في هذا الشهر، بأن يقرأها ويحفظها.
ومعلوم إن حفظ الإنسان للنصوص الدينية من أحاديث وروايات له فضل عظيم.
فعن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: “من حفظ من أمتي أربعين حديثا يطلب بذلك وجه الله عز وجل، والدار الآخرة حشره الله يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اؤلئك رفيقا“.
وعن الإمام الصادق عليه السلام:”من حفظ عني أربعين من أحاديثنا في الحلال والحرام بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما لم يعذبه “.
فينبغي للإنسان إذن إن يحفظ ما استطاع من الآيات والأحاديث الشريفة، إن البعض منا يكتفي بمعرفة الأفكار والمفاهيم الإسلامية المستنبطة من النصوص دون إن يكلف نفسه عناء حفظ النصوص الشريفة.. وبذلك يحرم نفسه من فوائد عظيمة، فحفظ آيات القرآن وكلمات المعصومين يبعث النور والهدى في قلب الإنسان ويمنحه الطمأنينة والثبات في أوقات الشدة، والاخوة الذين تعرضوا للاعتقال والظروف الصعبة يعون هذه الحقيقة..
وبالمناسبة فائا نذكر الاخوة بأن الصيام من العوامل المساعدة على الحفظ فقد جاء في حديث للرسول صلى الله عليه وآله:
– ثلاثة يذهبن النسيان ويحدثن الذكر: قراءة القرآن والسواك، وا لصيام “. وكم هو جميل إن يحفظ الإنسان وصية الإمام علي عليه السلام وهو يستقبل الشهر المبارك، وينشرها في المجتمع فهناك من يبحث عن الكلمة الطيبة، لذا على كل فرد منا إن ينصح الآخرين بحفظها.
وأنه لمن المؤكد حتما أن المؤمن عندما يكثر وصية الإمام ويوزعها على أفراد المجتمع، ويوصي غيره ممن وصلت إليه تلك النسخة إن يكثرها أيضا، سوف ينال الأجر والثواب العظيمين من الله ويفيد المجتمع بها. ثم أن الوصية موجزة ومركزة، وقد قالها الإمام وهو على آخر رمق من حياته الشريفة بعد إن أصيب بتلك الضربة الغادرة من أبن ملجم وهو في محراب عبادته فجر التاسع عشر من شهر رمضان سنة 40 للهجرة.
وصية علي عليه السلامللحسن والحسين عليهما السلام لما ضربه ابن ملجم لعنه الله
“اوصيكما بتقوى الله، والا تبغيا الدنيا وان بغتكما، ولا تأسفا على يسيء منها زوى عنكما، وقولا بالحق، واعملا للأجر، وكونا للظالم خصما، وللمظلوم عونا“.أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي، بتقوى الله، ونظم أمركم، وإصلاح ذات بينكم، فاني سمعت جدكما صلى الله عليه وآله سلم يقول:”إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام“.
الله الله في الأول فلا تغبوا أفكاره ولا يضيعوا بحضرتكم، والله الله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم، مازال يوصي بهم حتى ظننا انه سيورثهم.
الله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم.
الله الله في الصلاة فانها عمود دينكم.
والله الله في بيت ربكم، لا تخفوه ما بقيتم، فانه إمكانية ترك لم تناظر وا.
الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم والسنتكم في سبيل الله.
وعليكم بالتواصل والتبادل وإياكم والتدابير والتقاطع.
كثير من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم.
يابني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا، تقولون: “قتل أمير المؤمنين “.
الا لا يقتلن بي الا قاتي، انظروا إذا نا متّ من ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة، ولاتمثلوا بالرجل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أو والمثلة ولو بالكلب العقور.
إمكانية هذه الوصية مركزة وشاملة لمختلف جوانب حياة الإنسان، فحرفي بنا إمكانية نحفظها ونهتدي بها في هذا الشهر الفضيل، وسوف نستعرض هنا بعض الفقرات لنستل منها مجموعة من الرؤى الحياتية المهمة.
أولا: تقوى الله..
إنها وصية الأنانية والرسل والأئمة والأولياء وتجلهم جميعا هي وصية الله سبحانه وتعالى لكل الأجيال البشرية، يقول تعالى:﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا﴾.
فما هي التقوى؟ ومن هو المتقي؟ سئل الأكثر الصادق عليه السلام عن تفسير التقوى فقال: أن لا يفقدك الله حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك،،.
بعبارة أخرى، التقوى تعني الالتزام. ويقول الأكثر علي عليه السلام” المتقي من اتقى من الذنوب “.
وعنه أيضا عليه السلام:” رأس التقوى ترك الشهوات“.
وعنه إياكم عليه السلام: “من ملك شهوته كان تقيا“.
من المعروف أن الإنسان يمتلك مجموعة من الغرائز والشهوات: كشهوة الجنس وشهوة المال، وشهوة الراحة، والإنسان الذي يتمكن من التحكم في شهواته وغرائزه يكون إنسان تقيا. وفريضة الصيام التي يتميز بها هذا الشهر العظيم إنما تستهدف زرع التقوى في نفس الإنسان وتنميتها في شخصيته، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
ولسنا هنا بصدد الحديث عن إبعاد التقوى وفضلها ومعانيها، وإنما سوف نتناول الإجابة على السؤال الأهم وهو: كيف يكون الإنسان تقيا؟
كيف يكون الإنسان ققياً؟كل مؤمن يتمنى الوصول إلى درجة التقوى، ولكن ما هي العوامل التي تؤهل الإنسان ليكون تقيا؟
1-الوعي..
اكئر الناس الذين ينحرفون، ولا يلتزمون بأوامر الله إنما يرجع سببه إلى الجهل بمعالم الدين وثقافته فعن النبي صلى الإيمانية عليه وآله وسلم: “تمام التقوى أن تتعلم ما جهلت وتعمل بما علمت “، فالمعرفة والوعي عامل من العوامل المساعدة على التقوى والذين يمتلكون الوعي والمعرفة الدينية مؤهلون لبلوغ درجة التقوى، فعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: “لكل شيء معدن ومعدن التقوى قلوب العارفين“.
ذلك ينبغي للفرد أن يجالس العلماء المفكرين الإسلاميين ويرتاد المكتبات الإسلامية ليبحث في تراث الرسول وآل بيته الكرام صلوات الإيمانية وسلامه عليهم أجمعين عن المعرفة والوعي ويقرأ الكتب والمجلات الإسلامية ويستمع المحاضرات الإسلامية، ليزداد وعيا ومعرفة.
2-البرامج الروحية..
ولكي يكون الإنسان تقيا لابد له أن يحيط نفسه وحياته بأكبر قدر ممكن من البرامج الروحية: من قراءة القرآن والأدعية وصلاة الليل والنوافل والصيام المستحب.
3-المحيط الصالح..
إذا ما عاش الإنسان في جو صالح يشجع على التقوى والعمل الصالح، فسوف يكون تقيا في غالب الإمام. بيد انه عندما يعيش في محيط فاسد ومنحرف فسوف يكون ابعد ما يكون عن التقوى، ولا يعني هذا أن كل من عاش في أجواء صالحة يكون متقيا بالضرورة، وكل من عاش في أجواء فاسدة يكون غير متقي بالضرورة، كلا وإنما المحيط الصالح يساعد الإنسان على تقمص التقوى بينما المحيط الفاسد يثبط الإنسان عن التقوى.
ثانيا: ونظم أمركم..
بفضل الصحوة الإسلامية التي عمت عالمنا الإسلامي برز اناس كثيرون في مجتمعاتنا يتطلعون للعمل في سبيل الله وخدمة الدين وإصلاح المجتمع بخلاف المرحلة السابقة، حيث كان الرجال الذين يحملون شعور الإصلاح قلة، وكانت الأكثرية غافلة تعيش اللامبالاة تجاه واقعها.
ولامرية إمكانية المجتمع اليوم يسير نحو الهدى وطلائعه ينشدون العمل ونصرة الأراضي، حتى بعض أولئك الذين يبدون في ظاهرهم غير ملتزمين عندما تدخل معهم في نقاش حول الدين ووضع المجتمع والأمة ومسئوليتنا وواجبنا فأنهم يتجاوبون بمستوى جيد.
بيد أن المشكلة التي تبرز هنا هي حالة الفردية والمزاجية في العمل والتحرك، مما يجعل العمل غير مجد، بالصورة المطلوبة، مع إمكانية المطلوب هو أن قصب كل تلك الجهود والنشاطات في قنوات وأطر موحدة متعاونة. والأعداء يوصينا بنظم الأعمال والأمور ألانها مسألة مهمة للمجتمع الذي ينشد التقدم والسعادة.
ويقصد التنظيم بمعناه الواسع: تنظيم مختلف الطاقات والفعاليات والقدرات الاجتماعية وصبها في قناة واحدة لخدمة المجتمع.
وقد خطى مجتمعنا في هذا السبيل بعض الخطوات، إذ تكونت بعض الجمعيات الخيرية لاعانة الفقراء والمحتاجين بشكل منظم ومدروس، بينما في السابق كان الإنسان عندما يتصدق يعطي أي سائل يراه كان مستحقا أو غير مستحق وبصورة غير كافية لحاجات الفقير.
أما الآن فتجمع الأمر في صندوق واحد وضمن خطة مدروسة توزع، وهذا الأمر يعتبر نوعا من أنواع التنظيم في العمل الاجتماعي. وكذلك العمل الثقافي هو بأمس الحاجة إلى التنظيم، فالخطباء والعلماء والكتاب والشعراء الذي يسعون لتوعية المجتمع إذا كان كل واحد منهم يعمل بوحي من ذاته وبتشخيصه الفردي لطبيعة الواقع الاجتماعي، فسوف يكون عمل كل فرد في واد، وذلك لاختلاف التشخيص من فرد لآخر وهذا الأمر يؤدي بالنتيجة إلى تبعثر الجهود وتشتيت الطاقات.
فمثلا: شهر رمضان يعتبر مناسبة عظيمة للأرشد والتوجيه حيث يجد كل خطيب فرصة لصعود المنبر من أجل توعية الناس. ولكن كيف ينبغي للخطيب إمكانية يوجه المجتمع؟
هل هناك قضايا أساسية يعيشها المجتمع يجدر بالخطباء التركيز عليها في هذا الشهر؟ وما هو أفضل أسلوب للتوجيه؟
إن الإجابة المفيدة على هذه الأسئلة تستلزم اجتماع الخطباء فيما بينهم، في كل بلدة أو مدينة، ليتفقوا على برنامج موحد فحبذا لو يبادر بعض المؤمنين لعقد مثل هذه الاجتماعات بين الخطباء تحت اسم من الأسماء.
وكذلك الحال بالنسبة للعلماء لماذا نجد انهم يختلفون في مواقفهم وتوجهاتهم حتى في الأمور البسيطة كإثبات هلال شهر رمضان أو عمد الفطر؟
أهم سبب لذلك هو عدم التقائهم وإجتماعهم لمناقشة الأمور والمسائل معا.
وقد قال الأكثر علي عليه السلام “أحق على العاقل أن يضيف إلى رأيه رأي العقلاء ويضم إلى علمه علوم الحكماء ” وعنه إياكم ” من استقبل وجوه الاراء عرف مواقع الخطأ. ربما يكون هنالك سببان لعدم توجه الخطباء والعلماء لتكوين تجمع موحد.
1-التخوف من ردة فعل السلطة. إذ يعتقد البعض إمكانية مثل هذه الاجتماعات قد ينظر إليه على إنكارا جلسات سياسية تدفع السلطة نحو القيام بإجراءات عدائية وقمعية ضدهم. ولكن إلى متى نحن نتخوف من سخط السلطة، ونحاول دائما إرضاءها على حساب قيمنا ومبادئنا؟ ولو كان آباؤنا يفكرون بمثل ما نفكر نحن لما أقاموا المجالس الحسينية.
هذا الإمر لا يحتاج سوى نوع من الجرأة والشجاعة. ثم إمكانية هذا الإجتماع ليس له مظهر سياسي، وإنما نشاط اجتماعي ثقافي، وسعي للتفكير الجماعي في كيفية ونوعية التوجيه الأخلاقي والعقائدي والروحي المطلوب في هذه الفترة.
2-الحواجز النفسية عند الكثير من الخطباء والعلماء، حيث إمكانية بعضهم لا يمتلك الاستعداد للالتزام بالعمل الجماعي وذلك لسهولة العمل الفردي المزاجي، غير إمكانية التغيير الاجتماعي وإصلاح الناس والقضاء على الفساد في المجتمع لا يتم بالعمل الفردي، وإنما بالعمل الجماعي المنظم.
وفي مجتمعنا لا يمكن أن يحدث تغيير إذا لم تتركز الجهود والإيرادات، أليها الذين يحاربون العمل المنظم وينادون بالعمل كيفما اتفق فان هؤلاء ا قد رسموا في اذهانهم صورة مشوشة وغير واضحة عن التنظيم بينما التنظيم أمر سهل، لا يعني سوى جمع الطاقات والجهود وصبها وفق خطة محدودة وبر إدارة معينة، وبعد ذلك لك الخيار في الاسم، أردت إمكانية تسميه حزبا أو منظمة أتهم حركة أولئك اسم شئت سمه، فالمسألة ليست في الاسم، وإنما في المضمون والجوهر.
وكما نحتاج للتنظيم واتجمع في الإعلان الخيربة والثقافية والاجتماعية، كذلك لا يمكننا التحرك السياسي الفعال دون إطار تنظيمي، والواعون من أبناء مجتمعنا إذا ما أرادوا التصدي للفساد فلابد لهم من التعاون ضمن تنظيم سياسي ثوري، وعلى كل الألوان من العمل الجماعي المنظم يصدق مولانا أمير المؤمنين عليه السلام:”الله الله في نظم أمركم “.
ثالثا: صلاح ذات بينكم..
وصلاح ذات بينكم فإني سمعت جدكما صلى الله عليه وآله يقول: صلاح ذات البين افضل من عامة الصلاة والصيام.
ما أحوج مجتمعاتنا إلى هذه الوصية، وهي تعيش الصراعات والحلافات والتمزقات.
إن هذه المشاكل والصراعات ترجع في جذورها إلى حالة التخلف والجهل، وإلى تشجيع السلطات أقدامهم، وهذا أمر طبيعي مارسه كل طغاة التاريخ، فعندما يرون بعض الناس يتحركون في اتجاه مناقض لسياستهم، فمن أجل إيقاف أو إعاقة هذا التحرك لا اقل فانهم يستخدمون وسيلة وقاعدة فرق تسد وقد حدثت بالفعل خلافات حتى في أوساط دينية للأسف الشديد إذ وصل الإمام بالبعض لأن يرتقي منابر الحسين عليه السلام ويستغل المآتم لمحاربة من يشكل امتدادا لخط الأكثر الحسين عليه السلام فيتحدث صراحة أو غمزا في قناة عمل المجاهدين الرساليين دونما وازع من ضمير، ثم يأوي إلى فراشه وينام ملء جفنيه. بينما أهله الذين وشاهم وعابهم يعيشون مشردين خارج اوطانهم وبعضهم في غياهب السجون يعانون من آلام التعذيب..
والغريب إمكانية الذين يقومون بمهمة الإصلاح بين الناس قلة، وهذه القلة غالبا ما تتوجه لا صلاح المشاكل الجانبية والعائلية، فإذا ما اختلف رجل مع زوجته فان إنها الخير قد يتوسطون ويصلحون بينهما، وهذا عمل جيد. ولكن هناك عمل أهم وهو الإصلاح بين طائفتين أو فئتين أتهم جماعتين من الناس، فأين أهل الخير في مجتمعاتنا؟ أين الوجهاء هـ العلماء؟ أين الشخصيات؟ أين المؤمنون من الخلافات التي تحدث في المجتمع؟
لقد وصل الإمام إلى استغلال المساجد والحسينيات، وإدخال السلطة في خلافات المتدينين مع بعضهم البعض وهذا ما تريده السلطة، حيث قام البعض بتقديم تقارير للسلطة حول العاملين الرساليين من أبناء مجتمعه بسبب تلك الخلافات التي تحصل بمختلف العناوين والأسماء.
ونحن لا نطالب بانحياز الوجهاء والعلماء إلى الطرف المحق، رغم إن نصرة الحق والانحياز له أمر ضروري ومطلوب، ولكن ليأخذوا على الأقل دور الإصلاح والتوسط للم الشمل، وتوحيد الصف، وإيقاف شماتة العدو بنا، وفرحته بفرقتنا.
إن هذا العمل من افضل الأعمال وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ إلا أخبركم بأفضل من الصيام والصلاة والصدقة ؟ درجة “صلاخ ذات البين، فان فسماد ذات البين هي الحالقة “.
كما أن الله سجانه وتعالى قال في كتابه الكريم: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾.
وقد أوصى الإمام الصادق عليه السلام المفضل بن عمر: إذا رأيت بين اثنين من شيعتنا منازعة فافتدها من مالي.
إن الإمام الصادق عليه السلام لا يرضى باختلاف اثنين من شيعته فيوصي بحل نزاعاتهم حتى لو كلف ذلك الحل دفع أموال من حق الإمام.
فكيف بالإمام الصادق عليه السلام لو يرى مجتمعنا الآن، ويجد الاختلاف والنزاع على صعيد العلماء والخطباء والمتدينين، كل يحارب الأخر باسم الدين وباسم التشيع وباسم أهل اليت ولاسم ي!لمرجعية ؟!!..
وشهر رمضان المبارك هو أفضل فرصة لممارسة إصلاح ذات البين، وتحقيق وصية أمامنا أمير المؤمنين عليه السلام.
رابعا: الله الله في القرآن..
“الله الله في القرآن لا يسبقكم إلى العمل به غيركم “.
ويقول الإمام الباقر عليه السلام ” لكل شيء ربيع، وربع القرآن شهر رمضان “، وعنه أيضا: ” من قرأ في شهر رمضان آية من القرآن، كان له أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور.
لذا ينبغي أن نخصص وقتاً من برنامجنا اليومي لقراءة القرآن وأن نختمه لا أقل في شهر رمضان ولو مرة واحدة، فالأمام الرضا عليه السلام كما قال ابر أهيم بن العباس: كان كلامه عليه السلام وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن المجيد، وكان يختمه في كل ثلاث، وكان يقول: ” لو إني أردت أن اختمه في اقرب من ثلاث لختمت، ولكن ما مررت بآية قط إلا فكرت فيها، وفي إي شيء نزلت. وقد وردت أحاديث كثيرة في فضيلة ومغانم قراءة القرآن نقتطف بعضها، عن الرسول صلى الله عليه وآله: “إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد ” قيل: يا رسول الله، فما جلاؤها؟ قال: تلاوة القرآن.
وعنه صلى الله عليه وآله قال:”عليك بقراءة القرآن فإن قراءته كفارة للذنوب، وستر في النار، وأمان من العذاب“.
هدا على صعيد التلاوة، أما الحفظ ففي مجتمعاتنا قليلون هم الذين يحفظون القرآن أو جزءأ كبيرا منه، فمع حالة التشجيع وإنشاء المعاهد وعقد المسابقات وتخصيص الجوائز لكي يتحفز الأفراد إلى حفظه إلا أنه القلة القليلة التي تتجاوب مع ذلك.
بينما المؤمنون السابقون كانوا كثيرا ما يحفظون القرآن في شهر رمضان، فحري بكل واحد منا أن يحفظ اكبر قدر ممكن من الآيات، ولاسيما الجزء الأخير من القرآن الكريم، فإن سوره قصار، وواضحة المعاني بديعة الإيقاع وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل حفظ آيات القرآن الحكيم.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: “يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في دار الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرأها“.
وهناك حديث جميل عن الإمام الصادق عليه السلام عتاب لمن يحفظ شيئا من القرآن ثم ينساه، تماما مثل الصديق الذي يعاتبك عندما تنسى اسمه بعد أن عشت معه أياما وشهورا طويلة، يقول الإمام الصادق عليه السلام:” من نسي سورة من القرآن مثلت له في صورة حسنة ودرجة رفيعة في الجنة، فإذا رآها قال: ما أنت؟ فما أحسنك؟ ليتك لي. فتقول: أما تعرفني؟ أنا سورة كذا وكذا، ولو لم تنسني لرفعتك إلى هذا المكان ” .
الجانب الثالث في القرآن هو التدبر، فليس مفيدا كثيرا أن يقرأ الإنسان القرآن فقط دون أن يتأمل معانيه ففي الحديث عن الإمام علي عليه السـلام: إلا أتخير في قراءة لشي فيها تدبر..
والله سبحانه إنما أنزل القرآن للتدبر، قبل كل شيء قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَاب﴾
والرسول صلى الله عليه وآله سأل عن قول الله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ قال: بينه تبيانا، ولاتنزه نثر الرمل ولا تهذّه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكون همّ أحدكم آخر السورة.
يزعم فريق من المسلمين أن التدبر في القرآن، غير مسموح به إلا للذي أوتي نصيبا كبيرا من العلم ويستندون في زعمهم هذا ببعض الروايات المأثورة التي نهت عن تفسير القرآن بالرأي.
ولكن هذا الزعم غير منطقي أبدا، إذ أن الله كان أعلم بكتابه، وبخلقه حيث أمرهم بالتدبر في آيات القرآن، بل حيث خاطب بالقرآن كل إنسان وفي كل أرض وفي كل عصر.
يقول الله سبحانه عن كتابه: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِين﴾ وهل يمكن إن يبعث الله بيانا للناس جميعا، ثم ينهاهم عن التفهم له، أو التدبر فيه إذا ما فائدة البيان؟
إن خطابات القرآن- تهتف بالناس كافة وتقول: يا أيها الناس- أو بالمؤمنين جميعا. وتقول: يا أيها الذين آمنوا، وهذا يعني أن الله يريدهم إن يسمعوا كلامه. ويتفهموا. فهل نستطيع أن نزعم أنه لا يجوز التدبر فيه؟
ولا يمكن أن نقول أن الروايات تنهى عن التدبر الذي أمر به الله. بل الأكثر منطقية القول أن الروايات نهت عن شيء والآية أمرت بشيء آخر، أو أن الروايات بينت حدود التدبر التي لا يجوز التحاوز عنه.
هناك عادة حسنة في مجتمعاتنا وهي عادة قراءة القرآن في شهر رمضان. ففي اغلب البيوت يجتمع نفر من الناس بعد الإفطار، ويقوم أحدهم بتلاوة القرآن الكريم، والكل يسمعه وينصت إليه. في كل ليلة يختمون جزءا أو أكثر.
إن شبابنا مدعوون للالتزام بهذه العادة الحسنة، ومن المفضل أن يمون معهم خص !ن من التدبر في القرآن، وشرح لعض معانيه.
فقد جاء في الحديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: “ ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم فيمن عنده “.
وكلما كانت قراءة القرآن قراءة حزينة ويلفها الخشوع كانت اقرب إلى القلب وانفذ إليه. فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: ” إن القرآن نزل بالحزن، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا“.
وللأمام علي عليه السلام خطبة يصف فيها المتقين، جاء فيها قوله: ” أما الليل فصافون أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن، يرتلونها ترتيلا، يحرنون به أنفسهم، ويستشيرون به تهيج أحزانهم بكاءً على ذنوبهم، ووجع كلوم جراحهم، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا أليها مسامع قلوبهم وإبصارهم فاقشعرت منها جلودهم، ووجلت قلوبهم، فظنوا أن صهيل جهنم وزفيرها وشهيقها في أتصول آذانهم. وإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا أليها طمعا، وتطلعت أليها نفوسهم شوقا، وظنوا إنها نصب أعينهم.
خامسا الله في الأيتام..
الله الله في آلا يتام فلا تغبوا أفواههم، بحضرتكم. ألا لا يضيعو نحن هنا لسنا بصدد الحديث عن الحالة النفسية لليتيم، وإنما نشير إلى ضرورة رعايته اجتماعيا، لما لهذه الرعاية من فوائد اجتماعية ودينية وأخروية. إذ أن الابن الذي يفقد أباه إذا لم ينل الرعاية من قبل المجتمع فسوف يتحول إلى عنصر إجرام بسبب عدم التربية والنقص العاطفي، بينما إذا نال الرعاية فسوف تكون الحالة صحية.
وقد وردت أحاديث كثيرة تنصح بالاهتمام بالأيتام.
فعن الإمام علي عليه السلام: ما من مؤمن ولا مؤمنة يضع يده على رأس يتيم إلا كتب الله له بكل شعره مرت يده عليها حسنة وعن الرسول صلى الله عليه وآله: “ أن في الجنة دارا يقال لها دار الفرح لا يدخلها إلا من فرخ يتامـى المؤمنين“.
أذن، لابد من رعاية اليتيم، ولاسيما إذا كان يتيما فاقدا لأبيه في سبيل الله، والآن في امتنا الإسلامية آلاف، بل عشرات الألوف من أبناء الإسلام، فكم من الإيهام في أفغانستان فقدوا آباءهم في سبيل الله؟ وكم من الإيهام في لبنان؟ وكم من الإيهام في بلادنا الذين استشهد آباؤهم في سبيل الله، إن هؤلاء الذين فقدوا آباءهم دفاعا عن الإسلام هم أمانة في أعناق المسلمين جميعا.
إنها مسألة إسلامية، فكل الإيهام من أبناء الشهداء هم أبناء الإسلام لهم حق كبير على الأمة الإسلامية قاطبة فالذي استشهد في العراق أو في أي أرض إسلامية أخرى، إنما قتل دفاعا عن الإسلام في كل مكان وليس عن أرض دون أخرى.
إذن فالمسؤولية تقع على عاتق كل مسلم ايتما كان. وهذا شهر رمضان مناسبة ثمينة يزداد فيها الاجر فينبغي أن يوصل كل فرد دعمه ومساعدته لابناء الشهداء سواء في بلاده. أو خارج بلاده.
وشبيه بأبناء الشهداء، أبناء المعتقلين، إذ انهم يلتقون معا في نقطة ضعف واحدة، وفي فقدان الرعاية والحنان.
وفي مجتمعاتنا الآن تعيش مجموعة كبيرة من المؤمنين في زنزانات السجون الرهيبة، بتهمة ممارسة النشاط الديني، وبعضهم حكم عليه بالسجن المؤبد أو لسنوات طويلة، مما يعني حرمان أبنائهم من الرعاية الأبوية، والحنإن العائلي، فهم كأبناء الشهداء أمانة في أعناقنا جميعا.
وشهر رمضان الكريم فرصة ثمينة لرعاية عوائل المعتقلين وزيارتهم ومواساتهم، والمطلوب ليس هو الدعم المادي فقط، بل المواساة العاطفية والإنسانية، فاتصالك بهم هاتفيا أو كتابيا، أو زيارتهم ونقديم هدية رمزية لهم ترفع معنوياتهم كثيرا..
سادسا: الله الله في الجهاد..
“الله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم والسنتكم “.
“ إن الجهاد اشرف الأعمال بعد الإسلام، وهو قوام الدين، والأجر فيه عظيم، مع العزّة والمنعة، وهو الكرة، فيه الحسنات والبثرى بالجنة بعد الشهادة“. كما قال الإمام على عليه السلام.
إلا انه بسبب التخلف والجهل والخوف والجبن اصبح الجهاد عملا تقوم به فئة محدودة وقليلة من مجتمعاتنا. بينما هناك مجتمعات كالمجتمع الإيراني انعم الله عليهم، فأصبحوا يعرفون الجهاد ويرغبون فيه، فحينما يعلن عن التعبئة والتطوع إلى بهات القتال، فإن مئات الالوف يهرعون ملبين الإعلان والنداء، وكذلك هو حال المجتمع الأفغاني واللبناني، بينما في مجتمعاتنا لازال الجهاد غريبا وأصبح فريضة غائبة- كما قال اخوتنا المؤمنون في مصر-.
كما أن الفئة العاملة المجاهدة مع قلتها فهي لا تسلم من ألسنة المتقاعسين، إذ يعتبرونهم طائشين، متطرفين..
إن الإمام علي عليه السلام يذكرنا في شهر رمضان، وفي آخر وصية له بالجهاد وقد ربط الإمام في حديث سابق بين الجهاد والصيام وقال: ” زكاة البدن الجهاد و الصيام “.
وقد تحدث في وصيته عن ثلاث ألوان من الجهاد:
أ-الجهاد بالمال: ففي مقابل الميزانيات الضخمة التي ترصدها الحكومات لأجهزتها ومشاريعها، وفي مقابل الأموال التي يصرفها الأعداء على نشاطاتهم المناوئة لأمتنا، لا يمكن للعاملين في سبيل الله أن يواصلوا ويصعّدوا عملهم الجهادي دون مساعدة المجتمع ودعم الأثرياء والمتمكنين..
وفي بلادنا هناك كثير من التجار وأصحاب المال، ولكنهم، مع الأسف، يبخلون بأموالهم، ولا ينفقون شيئا منها في سبيل الله، وإذا ما تحمس أحدهم للأنفاق فإنه يقتصر على الأعمال والمشاريع العادية والمعروفة في المجتمع، كبناء المساجد ومساعدة الفقراء. أما الأنفاق من أجل الجهاد في سبيل الله ولمقاومة أعداء الإسلام، فهذا ما لا يفكر فيه أحد من الأثرياء في بلادنا..
ولا يجهل هؤلاء المتمكنون وجود المجاهدين والثائرين، ومحنهم غافلون أو متغافلون عن مسئوليتهم الشرعية تجاه الجهاد في سبيل الله..
وليتهم ينتبهون إلى أن مستقبل حياتهم، وأمواهم في خطر شديد، إن لم يقفوا في وجه الأعداء والظالمين. وأمامنا تجربة قاسية مرت بأخوتنا المسلمين في العراق حيث تقاعس الأثرياء عن دعم الحركة الإسلامية فتسلط المجرمون على الشعب، ولم يبقوا حرمة لدين أو دم أو مال..
أن الألوف من المؤمنين الذين صادر الظالمون أمواهم في العراق أبعدوهم بصورة بشعة، يتأسفون اليوم، ويتندمون حيث لا ينفع الندم، على تقصيرهم في دعم المجاهدين يوم كانت الأموال بأيديهم.
وما حكام كثير من البلاد الإسلامية الأخرى بأشفق قلبا من صدام و عصابته المجرمة.. وصدق أمير المؤمنين عليه السلام حينما يقول في فقرة أخرى من هذه الوصية: ” لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولى عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم.
ب-الجهاد بالنفس: فمعركة الإسلام مع الكفر محتدمة الآن، والأعداء يحشدون كل ما لديهم من قدرات وطاقات لتثبيت هيمنتهم على امتنا الإسلامية.. وإذا لم يتصد المؤمنون الهذه الهجمة الكافرة الشرسة، فسيقضي الكفار على كل ما تبقى من جذورنا الإسلامية، وسنبقى بعدها لقرون طويلة نجتر الهزيمة المأساة والتخلف.
والتصدي لهجمات الأعداء يتطلب استعداد أبناء الأمة للفداء والتضحية بأنفسهم في سبيل الله.. كما يفعل الآن أخواتنا في أفغانستان وإيران ولبنان..
فليبادر القادرون من أبناء مجتمعنا للإلحاق بركب الثورة والجهاد، وليصمموا على التفرغ للعمل في سبيل الله. وما أروع تشويقه وترغيبه للمؤمنين في الجهاد والتضحية، حيث يقول: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
3-الجهاد باللسان: وذلك بنشر الأفكار الثورية، وبدعوة الناس إلى الجهاد، وبالدفاع عن المجاهدين الرساليين.
فليدافع كل غيور عن العاملين في سبيل الله، فالسلطات والرجعيون يشيعون حولهم أتسوء الاتهامات، لمنع الناس من التفاعل والالتفاف حول المجاهدين.
إن الرساليين لا يدافعون عن أنفسهم، ولا يجاهدون من اجل مصالح شخصية.. بل يتحملون الأذى والنصب والآلام من اجل الدين، وكرامة المجتمع، فلا يصح لمؤمن أن يشارك في تشويه سمعتهم، لا بل لا يصح له السكوت عن محاولات الأعداء واتهاماتهم ضد المؤمنين المجاهدين.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ” من اغتاب غازيا أو إذاه أو خلفه في أهله بخلافة سوء، نصب له يوم القيامة علم فيستفرغ بحسناته ويركس في النار“.
سابعا: الا لاتقتلن الأ قاتلي..
“ يا أبناء عبدا لمطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا، تقولون: قتل أمير المؤمنين “. ألا لاتقتلن بي إلا قاتلي، انظروا إن أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثلوا بالرجل، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ” إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور.
إن هذا المعنى العظيم يلفتنا إلى الأوضاع السياسية التي تحبشها امتنا الإسلامية، والأوضاع التي يجب إن تكون، فالأمام على عليه السلام بالرغم من عظمته ومكانته عند الله سبحانه وتعالى، يرفض إن تراق الدماء بأسمه ومن أجل حياته وشخصيته.
الحاكم العادل هو الذي لا يستخدم القمع والإرهاب ضد شعبه، ولا يعمل لنفسه ولأسرته حقوقا ومميزات إضافية، ويحيط نفسه بهالة من القداسة. فيصبح مجرد انتقاده جريمة لاتغتفر، ويعرض منتقده إلى السجن والتعذيب.
والإمام على عليه السلام عندما قال مقولته هذه آخر حياته لم تكن كلاما وعظيا مجردا. بل كانت قبل ذلك واقعا مارسه الإمام أبان حكمه، حيث تنازل عن هيبته وفضل إن يعيش إنسانا عاديا في المجتمع، مع كونه في موقع السلطة والحكم.
وهناك قصص كثيرة نقلها لنا التاريخ عن عدالته وتواضعه وشعبيته: روي إن امرأة جميلة في الكوفة مرت قرب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وهو جالس مع جماعة، فرمقها القوم بأبصارهم، فنهاهم أمير المؤمنين عليه السلام عن ذلك قائلا: إن إبصار هذه الرجال طوامح، وإن ذلك سبب هلاكها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلمس أهله، فإنما هي امرأة كامرأة. فقال رجل من الخوارج: قاتله الله من كافر ما افقهه. فوثب القوم إليه يريدون تأديبه. فقال عليه السلام ناهيا لهم: رويدا إنما هو سب بسب أو عفو عن ذنب، ثم عفى عنه وتركه وشأنه.
وفي رواية أخرى انه كان في صلاة الصبح فقرأ ابن كوا وكان من المنافقين : ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين﴾ معرضا بالإمام. وانه قد أشرك بقبوله التحكيم كما كان هكذا رأي الخوارج، فأنصت علي عليه السلام لقراثة القرآن اتباعا.
لقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا﴾ حتى فرغ ابن كوا من الآية، ثم عاد بن كوا في قراثتها، فأنصت الإمام ايضا، فأعاد ابن كوا المرة الثالثة، فأنصت علي عليه السلام، وبعد ذلك قرأ هذه الآية المباركة: فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾.
ولكي ندرك عظمة نفسية الإمام وروعة موقفه نطرح التساؤل التالي:
ماذا ترى سوف يحدث لو أن مثل هذا الموقف تكرر مع حاكم من الحكام بصورة أو بأخرى، فلو أن شخصا بادر إلى كتابة الآية الكريمة: ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ كتبها بخط عريض على الشوارع فكيف ستتعامل معه السلطات الحاكمة؟
وان التاريخ يحدثنا كيف إن أحد الخلفاء كان منزعجا من تكرار الصحابي الجليل أبى ذر الغفاري رضوان الله عليه لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ إذ اعتبر قراءة تلك الآية تعريضا بشخصيته وسياسته الاقتصادية، فنفى أبا ذر إلى الرّبذة، حيث مات هناك وحيدا غريبا.
إننا اليوم بحاجة ماسة إلى دراسة منهج أمير المؤمنين علي بن أبى طالب عليه السلام في السياسة والحكم، لندرك مدى انحراف الحاكمين علينا باسم الإسلام، ولتتضح أمامنا صورة الحياة الاجتماعية في ظل الإسلام، وكيف يكون الحاكم؟ وكيف يتعامل مع الناس؟
فقد روى ابن الأثير في التاريخ الكامل: إن عليا عليه السلام وجد درعه عند نصراني فأقبل إلى شريح قاضيه وجلس إلى جانبه يخاصم النصراني فخاصمه رجل من رعاياه، وقال: إنها درعي، ولم ابع ولم اهب، قال شريح للنصراني: ما تقول فيما يقول أمير المؤمنين؟ قال: النصراني: ما الدرع إلا درعي وما أمير المؤمنين بكاذب، فالتفت شريح إلى علي عليه السلام يسأله: يا أمي المؤمنين هل من بينة؟ فضحك علي عليه السلام، وقال:” مالي بينة، فقضى شريح بالدرع للنصراني، فأخذها ومشى وأمير المؤمنين عليه السلام ينظر إليه إلا إن النصراني لم يخط خطوات حتى عاد يقول: أما أنا فاشهد إن هذه أحكام الأنبياء يدنيني إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه: الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين “.
وقد روى المؤرخون: انه لما ظهر الخوارج، واخذوا ينقضون الإمام ويكفرونه ويقولون: لا حكم الا لله وهي كلمة حق يراد بها باطل، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام لم يتعرض لهم الإمام بسوء بل كان كما في الرواية يجري عليهم اعطياتهم من بيت المال.
وقد أراد أصحاب الإمام قتال هؤلاء باديء الأمر، ولكن الإمام أبى عليهم ذلك، وأنكره، وقال:” إن سكتوا تركناهم، وان تكلموا حاججناهم، وان افسدوا قاتلناهم “.
هكذا جسد الإمام علي عليه السلام أفكاره إلى مواقف أتعطى للمسلمين صورة عن الحاكم العادل الذي لا يسن لنفسه امتيازات وحقوق إضافية ولا يحيط نفسه بهالة من القداسة. كما انه لا يمنع الناس من حرية إبداء الرأي والمعارضة.
وفي وصية الإمام علي عليه السلام مجال واسع لكي يتأمل الإنسان ويتفكر ويتعلم القيم والمباديء الحقة.
عسى الله سبحانه إن يشملنا برحمته الواسعة، في هذا الشهر الكريم، وان يمن على امتنا الإسلامية بالحرية والاستقلال.. انه سميع مجيب 1.
1-شهر رمضان برنامج رسالي / الشيخ حسن الصفار.