﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ﴾1.
الخامس والعشرون من ذي القعدة هو تاريخ دحو الأرض، وبعبارة أخرى، يوم ميلاد الأرض، إنه تاريخ نتذكر فيه نعمة الله علينا في تهيئة المسكن العام للبشرية مع كلّ لوازم الحياة فيها، وهذا ما يستوجب علينا حمد الله تعالى ثناءً وشكراً.
ولعلّ هذا التاريخ الواقع أو المقارب لأيام الحجّ له رسالة ترتبط بتاريخ الأرض، فقد ورد في قصّة دحو الأرض أن الله تعالى حينما أراد أن يدحو الأرض رفع موضع الكعبة ودحا الأرض من تحتها، وحينما نزل آدم وحواء كان نزولهما قرب ذلك الموضع، آدم إلى صخرة الصفا لأنَّ الله اصطفاه، والمرأة حواء عند صخرة المروة وهناك أرشد جبرئيل آدم إلى الموضع المبارك ليبني فيه الكعبة المشرَّفة لتكون أول بيت وضع للناس.
“إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ”2.
إنَّ بركة هذا البيت لم تقتصر عليه بل شملت كلّ المسجد الحرام، ولم تقتصر على المسجد الحرام، بل شملت كل مكّة.
ورد في الحديث: إنّ الله اختار من كلِّ شيء شيئاً اختار من الأرض مكّة واختار من مكّة المسجد الحرام واختار من المسجد الحرام الموضع الذي فيه الكعبة.
وبما أنّ البركة تعني الزيادة فقد برزت بركة مكّة في زيادة الثواب من الله تعالى، وهذا ما يظهر من خلال العناوين التالية.
1- التسبيح، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): “تسبيح بمكة يعدل خراج العراقين ينفق في سبيل الله”3.
2- السجود، فعن الإمام الصادق (عليه السلام):” الساجد بمكّة كالمتشحِّط في البلدان”.
3- ختم القرآن، فعن الإمام الصادق (عليه السلام):” من ختم القرآن بمكّة لم يمت حتّى يرى رسول الله ويرى منزلة الجنّة”.
4- النفقة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام):”الدرهم فيها بمائة ألف درهم”.
• واختار من مكّة المسجد الحرام: ومن بركات هذا المسجد، ما ورد عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليه السلام):
– عن الإمام الصادق (عليه السلام):” الصلاة في المسجد الحرام تعدل مئة ألف صلاة”
– عن أمير المؤمنين (عليه السلام):” صلاة الفريضة تعدل حجّة مقبولة”
– وعنه (عليه السلام):” النافلة في المسجد الحرام الأعظم تعدل عمرة مبرورة.
• واختار من المسجد الحرام الموضع الذي فيه الكعبة… ومن بركات الكعبة
1- توجه المسلمين إليها في صلواتهم وذبائحهم.
2- عن النبي (صلى الله عليه وآله): “النظر إلى الكعبة حيالها يهدم الخطايا هدماً”.
3- عن الإمام الباقر (عليه السلام):” فإذا طفت أسبوعاً كان لك بذلك عند الله عهد وذكر يستحي ربّك أن يعذّبك بعده”
• وبارك الكعبة بحجر أسود يمثّل ميثاق الفطرة بين الإنسان وربِّه
“وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ”4.
حجرٌ ورد أنّه كان من أحجار الجنّة، وفيه ميثاق الفطرة، من هنا ورد انه يستحب عند الحجر الأسود أن تقول: أمانتي أدّيتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة”
• وبارك الله الكعبة بركنٍ يمانيّ هو “باب من أبواب الجنّة فتحه الله لشيعة آل محمد، وما من مؤمن يدعو بدعاء عنده إلا صعد دعاؤه حتى يلصق بالعرش ما بينه وبين الله حجاب”5.
• وبارك الله موضع الكعبة بدفن أولياء وأنبياء، فبين الركن اليماني والحجر الأسود قبور سبعين نبيّاً ماتوا جوعاً، وفي حجر اسماعيل قبر هاجر وولدها النبيّ، وشبر وشبير ولدي هارون النبيّ.
• وبارك الله موضع الكعبة لينّشقّ جدارها أمام فاطمة بنت أسد حينما وقفت قرب الركن اليماني تدعو الله تعالى أن يسهِّل ولادتها، فإذا بجدار الكعبة ينشقّ لتدخل إلى جوفها لتلد فيها سيّد الوصيين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لترمز ولادتها فيها إلى أنصهاره بالتوحيد وذوبانه بالله تعالى
ولدته في حرم الاله وأمنه والبيت ِحيث فِناؤه والمسجد
بيضاء طاهرة الثياب كريمة طابت وطاب وليدها والمولد
ما لف في خرق القوابل مثله إلا ابن آمنة النبيّ محمد
سماحة الشيخ الدكتور أكرم بركات
1- سورة آل عمران، الآية 96.
2- سورة آل عمران، الآية 96.
3- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج9، ص 383.
4- سورة الأعراف، الآية 172.
5- الكليني، الكافي، ج4، ص 409.
المصدر: شبكة المعارف الإسلامية