“أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ“[1].
قبل بدر:مشركو قريش يحرِّضون الوثنيين على قتل النبيّ(ص)
اغتاظ كفّار قريش من وجود النبي(ص) في المدينة، فأرسلوا إلى عبدة الأوثان (ورأسهم عبدالله بن أبي سلول) يهددونهم” إنّكم آويتم صاحبنا، وإنّكم أكثر أهل المدينة عدداً، وإنّا نقسم بالله، لتقتلنه، أو لتخرجنه، أو لنستعيننَّ عليكم العرب، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم “.
إلا أنّ عبدة الأوثان خافوا من تسبيب مواجهة المسلمين إلى قتال الأبناء والإخوان, فتراجعوا وتفرَّقوا, فبلغ ذلك كفّار قريش[2].
بعدها كانت بدر.
التوقيت: السنة الثانية للهجرة 17 شهر رمضان.
خلفيّة خروج المسلمين:اعتراض قافلة قريشية بقيادة أبي سفيان لا يزيد رجالها عن 40 رجلاً.
ردّ فعل أبي سفيان: علم أبو سفيان بخطّة المسلمين, فأرسل إلى قريش مستغيثاً, وغيَّر طريقه نحو الساحل، ونجا بقافلته.
الواقع الميداني: قدمت قريش متجهزة للحرب تحت شعار: من لم يخرج نهدم ماله, فلم يتخلّف رجل إلا أخرج رجلاً مكانه.
المقارنة بين الجيشين
المسلمون | مشركو قريش | |
عدد المقاتلين | 313 | 950 |
عدد الإبل | 70 بعيراً | 700 بعير |
عدد الأفراس | 1 وقيل 2 | 400 خيلاً, وقيل 200, وقيل 100 فرس |
كمية السلاح | 8 سيوف, 6 أدرع | 600 درع |
– المشركون قد سبقوا المسلمين إلى بدر فنزلوا في الموقع العسكري المناسب بخلاف المسلمين.
رغم كل ذلك:
نتيجة المعركة= انتصار المسلمين ضمن التفصيل الآتي:
المسلمون | قريش | |
شهداء / قتلى | 9, وقيل 11, وقيل 14. | 70, وقيل 45 |
أسرى | لا شيء | 70 أسيراً |
الغنائم | 15 بعير, 10 أفراس |
تحليل للأسباب
أمّا المشركون
1- فهدفهم الدنيا فقط.
شاهد:طرح بعض كفّار قريش الرجوع إلى مكّة، فكان الجواب: “لا, واللات والعزَّى حتى نقحم عليهم بيثرب ونأخذهم أسارى ، فندخلهم مكة ، وتتسامع العرب بذلك ، ولا يكون بيننا وبين متجرنا أحد نكرهه”[3].
فالهدف دنيوي لا موضع للآخرة فيه, وهذا ما يُفقد دافع الاستعداد للموت في المعركة.
أمّا المسلمون
فهدفهم الآخرة.
شاهد: لمّا نظر النبي(ص) إلى كثرة المشركين, وقلّة المسلمين استقبل القبلة، وقال: “اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم إنْ تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض”[4].
عناصر القوّة لدى المسلمين:
1- الاستعانة بالله في المعركة وطلب العون منه
إضافة إلى دعاء النبي (ص) المتقدّم ورد عن الإمام علي ( ع ) قال :”لما كان يوم بدر قاتلت شيئاً من قتال، ثم جئت مسرعاً لأنظر إلى رسول الله ( ص ) ما فعل, فجئت، فإذا هو ساجد يقول: يا حيّ يا قيّوم ، يا حيّ يا قيّوم ، لا يزيد عليها . فرجعت إلى القتال، ثمّ جئت ، وهو ساجد يقول ذلك أيضاً، فذهبت إلى القتال . ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك ، حتى فتح الله عليه”[5].
2- المعنويات العالية
جمع النبي(ص) أصحابه وسألهم عن رأيهم في الحرب
· فقام المقداد (رض) وقال: ” يا رسول الله ، إنّها قريش وخيلاؤها ، وقد آمنّا بك وصدّقناك ، وشهدنا أنّ ما جئت به حق من عند الله ، والله لو أمرتنا أن نخوض جمر الغضا ( نوع من الشجر الصلب )، وشوك الهراس لخضناه معك ، ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى: إذهب أنت وربك، فقاتلا، إنّا ها هنا قاعدون، ولكنَّا نقول: إذهب أنت وربك، فقاتلا، إنا معكم مقاتلون . والله لنقاتلن عن يمينك وشمالك ، ومن بين يديك ، ولو خضتَ بحراً لخضناه معك ، ولو ذهبت بنا بُرَك الغماد لتبعناك”[6].
· وقام سعد بن معاذ (رض) وقال: ” بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إنّا قد آمنّا بك وصدّقناك، وشهدنا أنّ ما جئت به حقّ من عند الله، فمرنا بما شئت والله، لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك، ولعلّ الله يريك ما تقرّ به عينك، فسر بنا على بركة الله “[7].
3- حسن التخطيط
ورد أنّ النبي(ص) قال لأصحابه: ” غضّوا أبصاركم ، ولا تبدؤوهم بالقتال ، ولا يتكلمن أحد. وسكت المسلمون ، وغضّوا أبصارهم ، امتثالاً لأمر رسول الله (ص)”[8].
وفي هذه الأثناء قدم رصد المشركين فرآهم على حالتهم هذه، فرجع يقول: “ما لهم كمين، ولا مدد، ولكن نواضح يثرب حملت الموت الناقع . أما ترونهم خرساً لا يتكلمون؟ يتلمّظون تلمّظ الأفاعي، مالهم ملجأ إلا سيوفهم! وما أراهم يولّون حتى يقتلوا، ولا يقتلون حتى يقتل بعددهم”[9].
4- الصدق العملي للقيادة
وهذا ما تجلى من خلال من قدَّمهم النبي (ص) في أول المعركة أهل بيته وهم حمزة- علي- عبيدة.
5- وجود عناصر شديدة الإخلاص تريد الآخرة
شاهد (1)
بعد المواجهة الأولى حمل حمزة وعلي عبيدة بن الحارث بعد أن قُطع فخذه, وأتيا به إلى رسول الله(ص), فاستعبر وقال: “يا رسول الله، ألست شهيداً ؟! قال (ص): “بلى، أنت أوّل شهيد من أهل بيتي”[10].
قال عبيدة لرسول الله (ص): “أما لو كان عمُّك حيّاً لعلم أنّي أولى بما قال منه ، قال (ص): وأيّ أعمامي تعني ؟ قال: أبو طالب ، حيث يقول :
كذبتم، وبيتِ الله يُبْزي محمد ولمّا نطاعن دونه ونناضلْ
ونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائلْ”[11]
فقال ( ص ) : “أما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله”[12].
شاهد(2)
لمّا سمع عمير بن الحمام رسول الله(ص) يَعِدُ من يستشهد بالجنّة, وبيد عمير تمرات يأكلهن, قال : “لئن حييت حتى آكل تمراتي ، إنّها لحياة طويلة . ثم رمى التمرات من يده ، وقاتل حتى قتل”[13].
شاهد(3)
قال رجل من المشركين: “وأنا أحدِّثك ما يهزمنا : “إنّه ليس منّا رجل إلا وهو يحبّ أن يموت صاحبه قبله ، وإنّا لنأتي قوماً كلّهم يحبّ أن يموت قبل صاحبه”[14].
6- قوة الإمام علي (ع)
· قتل الإمام علي(ع) الوليد، وجاء فوجد حمزة معتنقاً، فقال (ع): يا عم، طأطئ رأسك, وكان حمزة طويلاً- فطير نصفه بالسيف, ثم قدم إلى عبيدة وأجهز على عتبة.
· قتل علي (ع) نصف المشركين واشترك في النصف الآخر.
– قال ابن اسحاق: “أكثر قتلى المشركين يوم بدر كان لعلي (ع)”[15].
– سمَّاه الكفّار يوم بدر “بالموت الأحمر”.
– في بعض الروايات أنّ جبرئيل نادى بين السماء والأرض في بدر: “لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار”[16].
النتيجة: نصر الله
“إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ“[17].
“إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ”[18].
[1]سورة الحج, الآيتان 39,40.
[2]مرتضى، جعفر، الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص)، ط4، بيروت، دار الهادي، 1995م، ج5، ص9.
[3]المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج19، ص250.
[4]نفس المصدر، ص221.
[5]مرتضى، جعفر، الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص)، ج5، ص68.
[6]نفس المصدر، ص22.
[7]نفس المصدر، ص24.
[8]مرتضى، جعفر، الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص)، ج5، ص 38.
[9]نفس المصدر.
[10]المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج19، ص225-226.
[11]المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج19، ص 255.
[12]مرتضى، جعفر، الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص)، ج5، ص 47.
[13]نفس المصدر ، ص74.
[14]نفس المصدر، ص73.
[15]نفس المصدر، ص 59.
[16]مرتضى، جعفر، الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص)، ج11، ص 35.
[17]سورة الأنفال، الآيتان 9-10.
[18]نفس المصدر، الآية 12.
المصدر:موقع سراج القائم