دعى الحسين (عليه السلام) براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته: يا أهل العراق، وجلهم يسمعون فقال: ايها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم علي، وحتى أعذر اليكم، فان أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد، وان لم تعطوني النصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم ” ثم لا يكن امركم عليكم غمة ثم اقضوا إلى ولا تنظرون ان ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ” ثم حمد الله واثنى عليه وذكر الله تعالى بما هو أهله وصلى عليه النبى (صلى الله عليه واله) وعلى ملائكته وانبيائه، فلم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه، ثم قال: اما بعد فأنسبوني فانظروا من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يصلح لكم قتلى وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين المصدق لرسول الله (صلى الله عليه واله) بما جاء به من عند ربه؟ أو ليس حمزة سيد الشهداء عمى؟ أو ليس جعفر الطيار في الجنة بجنا حين عمى؟ أو لم يبلغكم ما قال رسول الله (صلى الله عليه واله) لى ولأخي: هذان سيد اشباب أهل الجنة؟ فان صدقتموني بما أقول وهو الحق؟ والله ما تعمدت كذبا منذ علمت ان الله يمقت عليه أهله، وان كذبتموني فان فيكم من ان سئلتموه عن ذلك أخبر كم، سلوا جابر بن عبدالله الانصارى،
وأبا سعيد الخدري، وسهل بن سعد الساعدي، وزيد بن أرقم، وانس بن مالك، يخبروكم انهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله (صلى الله عليه واله) لى ولأخي،
أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمى!!.
فقال له شمر بن ذي الجوشن: هو يعبد الله على حرف ان كان يدرى ما يقول، فقال له حبيب بن مظاهر: والله انى لأراك تعبد الله على سبعين حرفا وأنا أشهد انك صادق، ما تدرى ما يقول، قد طبع الله على قلبك.
ثم قال لهم الحسين (عليه السلام): فان كنتم في شك من هذا أفتشكون انى ابن بنت نبيكم؟ فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيرى فيكم ولا في غيركم، ويحكم أتطلبونى بقتيل منكم قتلته؟ أو مال لكم استهلكته؟ أو بقصاص جراحة؟ فاخذوا لا يكلمونه فنادى: ياشبث بن ربعى، وياحجار بن أبجر، ويا قيس بن الاشعث، ويا يزيد بن الحارث، ألم تكتبوا إلى: ان قد أينعت الثمار واخضر الجنات، وانما تقدم على جند لك مجند…
فقال له قيس بن الاشعث: ما ندرى ما تقول ولكن انزل على حكم بنى عمك، فانهم لم يروك إلا ما تحب.
فقال له الحسين (عليه السلام): لا والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد، ثم نادى: يا عباد الله ” انى عذت بربى وربكم ان ترجمون، اعوذ بربى وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ” ثم انه اناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها، فاقبلوا يزحفون نحوه.
المصدر: