نص الشبهة:
قال عثمان الخميس: (يستدلون بهذا الحديث (حديث الكساء) على أن الله تبارك وتعالى أراد أن يذهب عنهم الرجس، وما يريده الله يقع فإذا أهذب الله عنهم الرجس صاروا معصومين، فإذا صاروا معصومين فيجب أن يكونوا هم الأولى بالخلافة من غيرهم، وهذا ادعاء باطل لأمور كثيرة منها:…)(حقبة من التاريخ: 187.)
الجواب:
أقول: إن الشيعة الإمامية الإثنى عشرية يقولون إن الإرادة في قوله تعالى: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1 إرادة تكوينية، والمراد منه سبحانه وتعالى بالإرادة التكوينية لا يتخلف عن إرادته: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ 2، فهو سبحانه يخبر في هذه الآية عن طهارة أهل البيت عليهم السلام ونزاهتهم من كل الأرجاس والأدناس، وما داموا مطهرين من كل ذلك فهم معصومون بلا شك، والمعصوم هو الإمام الأولى والأحق بأن يتولى منصب خلافة النبي صلى الله عليه وآله. فاستدلال الشيعة لإثبات ذلك معتمد على ما نفيده وتعطيه الآية الكريمة وليس على حديث الكساء كما يدّعي الشيخ الخميس، نعم يستند الشيعة إلى حديث الكساء لإثبات أن المراد بأهل البيت في آية التطهير هم أصحاب الكساء الذين جللهم الرسول صلى الله عليه وآله بكسائه ثم دعا لهم بما أثبته الله لهم فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.<img alt="” src=”http://islam4u.com/sites/all/modules/wysiwyg/plugins/break/images/spacer.gif”>محتويات [إخفاء]
- بطلان استدلال الخميس بالسياق
- من اقوال علماء السنة باختصاص الآية بأصحاب الكساء
- عثمان الخميس يجتهد في مقابل النص!
- آية التطهير نزلت مستقلة
- القرآن الكريم لم يرتب حسب النزول
- قول عثمان الخميس بدعة لم يقل بها أحد من الصحابة!
- لم تدع أيٌّ من زوجات النبي ما ادّعاه لهن عثمان الخميس
- النبي يمنع أم سلمة من الدخول تحت الكساء
- عثمان الخميس يجذب الكساء من النبي
- لو قبلنا أن آية التطهير في سياق آيات نساء النبي
- تحطيب ما هو خارج عن الموضوع
- أراد عثمان الخميس أن يطببها فعماها
ومن عجائب عثمان الخميس أنه يقول إن ذلك باطل من وجوه، ثم يذكر وجوهاً سبعة ليس في واحد منها ما يبطل رأي الشيعة في اختصاص الآية الكريمة واختصاص مفهوم أهل البيت فيها بأصحاب الكساء، ولا فيها ما يبطل دلالة الآية على عصمتهم وإمامتهم عليهم السلام.
قال: (أولاً: إنّ هذه الآية وهي التي تسمى بآية التطهير، إنما نزلت في نساء النبي (ص) كما قال تبارك واعالى: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾ 3.
فالذي يراعي سياق الآيات يوقن أنها في نساء النبي (ص) خاصة، وهم يستدلون بقول الله تبارك وتعالى: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ … ﴾ 1 ولم يقل عنكن، وقال: ﴿ … وَيُطَهِّرَكُمْ … ﴾ 1، ولم يقل يطهركن، فيقولون لما جاءت هنا ميم الجماعة دل على خروج نساء النبي من التطهير ودخول علي وفاطمة والحسن والحسين بدليل الحديث، وهذا باطل لأن الآية متصلة وهي قول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1 ثم أتبعها كذلك: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ … ﴾4، فالخطاب كله في هذه الآية لنساء النبي (ص)) انتهى.
أقول: وهذا الوجه الذي ذكره كما ترى ليس فيه ما يبطل قول الشيعة بكون الإرادة في الآية تكوينية، وأنها إخبار منه سبحانه وتعالى عن طهارة أهل البيت وعصمتهم عليهم السلام، وغاية ما فيه أنه يدّعي أن الآية الكريمة خاصة بزوجات النبي صلى الله عليه وآله مستنداً في إثبات ذلك إلى سياق الآيات الكريمة، فلم يأت بدليل غيره لأثبات هذه الدعوى، ونحن نبطله بوجوه:
بطلان استدلال الخميس بالسياق
الدليل الأول: إن الروايات التي أوردنا نماذج منها كلها صريحة في الدلالة على أن الذين قصدهم الله تعالى بآية التطهير هم الذين جللهم النبي صلى الله عليه وآله تحت الكساء، يفهم ذلك كل قارىء وقد فهمه العديد من علماء أهل السنة! فلا يبقى وجه لدعوى كونها في غيرهم إلاّ المضادة للنبي صلى الله عليه وآله والاجتهاد في مقابل النص! وهذه جملة من أقوال علمائهم المؤيدة لنا:
من اقوال علماء السنة باختصاص الآية بأصحاب الكساء
قال الطحاوي في ” مشكل الآثار “5 تحت عنوان: (باب بيان مشكل ما روي عنه (ص) في المراد بقول الله: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1من هم؟ قال:
(حدثنا الربيع المرادي، حدثنا أسد بن موسى حدثنا حاتم بن إسماعيل، حدثنا بكير بن مسمار عن عامر بن سعد عن أبيه قال: لما نزلت هذه الآية دعا رسول الله (ص) علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهم هؤلاء أهلي).
ثم قال الطحاوي: (ففي هذا الحديث أن المرادين بما في هذه الآية هم رسول الله (ص) وعلي وفاطمة وحسن وحسن).
ثم قال:
(حدثنا فهد، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش، عن جعفر بن عبد الرحمن البجلي، عن حكيم بن سعد، عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في رسول الله (ص) وعلي وفاطمة وحسن وحسين ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1. ثم قال الطحاوي: (ففي هذا الحديث مثل الذي في الأول).
وقال بعد أن ذكر مجموعة من الرّوايات لحديث الكساء من طريق السيدة أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها:
(فدل ما رويناه في هذه الآثار مما كان من رسول الله (ص) إلى أم سلمة مما ذكر فيها لم يرد به أنها كانت ممن أريد به ما في الآية المتلوة في هذا الباب، وأنّ المرادين فيها رسول الله (ص) وعلي وفاطمة وحسن وحسين دون من سواهم) 6.
وقال العلامة يوسف بن موسى الحنفي (ابو المحاسن):
(روي أن رسول الله (ص) لما نزلت هذه الآية: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1 دعا علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهم هؤلاء أهلي، وروي أنه جمع (علياً) 7 وفاطمة والحسن والحسين، ثم أدخلهم تحت ثوبه ثم جأر إلى الله تعالى، رب هؤلاء أهلي، قالت أم سلمة: يا رسول الله فتدخلني معهم؟ قال: أنت من أهلي يعني من أزواجه كما في حديث الإفك: من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، لا أنها أهل الآية المتلوة في هذا الباب.
يؤيده ما روي عن أم سلمة أن هذه الآية نزلت في بيتي فقلت: يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال: أنت على خير، إنك من أزواج النبي، وفي البيت علي وفاطمة والحسن والحسين.
وما روي أيضاً عن واثلة بن الأسقع أنه قال: أتيت علياً فلم أجده، فقالت فاطمة: انطلق إلى رسول الله (ص) يريده قال: فجاء مع رسول الله (ص) فدخلا ودخلت معهما فدعا رسول الله (ص) الحسن والحسين وأقعد كل واحد منهما على فخذه وأدنى فاطمة من حجره وزوجها ثم لف عليهم ثوباً وأنا منتبذ ثم قال: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1، ثم قال: اللهم هؤلاء أهلي، اللهم هؤلاء أهلي، إنهم أهل حق، فقلت: يا رسول الله وأنا من أهلك؟ قال: وأنت من أهلي، قال واثلة: فإنها من أرجى ما نرجو، وواثلة أبعد من أم سلمة لأنه ليس من قريش، وأم سلمة موضعها من قريش موضعها، فكان قوله (ص) لواثلة: أنت من أهلي لاتباعك إياي وإيمانك بي، وأهل الأنبياء متبعوهم، يؤيده قوله تعالى لنوح: ﴿ … إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ … ﴾ 8، فكما خرج ابنه بالخلاف من أهله فكذلك يدخل المرء في أهله بالموافقة على دينه وإن لم يكن من ذوي نسبته، والكلام لخطاب أزواج النبي (ص) تمّ عند قوله: ﴿ … وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ … ﴾ 1، وقوله تعالى: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ … ﴾ 1 استئناف تشريعاً لأهل البيت وترفيعاً لمقدارهم، ألا ترى أنه جاء على خطاب المذكر فقال عنكم ولم يقل عنكن، فلا حجة لأحد في إدخال الأزواج في هذه الآية.
يدل عليه ما روي أن رسول الله (ص) كان إذا أصبح أتى باب فاطمة فقال: السلام عليكم أهل البيت ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1 )9.
وقال العلامة الشيخ حسن السقاف: (وأهل البيت هم سيدنا علي والسيدة فاطمة، وسيدنا الحسن وسيدنا الحسين، وذريتهم من بعدهم ومن تناسل منهم للحديث الصحيح الذي نص النبي صلى الله عليه وآله فيه على ذلك، ففي الحديث الصحيح: نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1 في بيت أم سلمة فدعا النبي صلى الله عليه وآله فاطمة وحسناً وحسيناً فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟ قال: أنت مكانك، وأنت إلى خير) 10.
وقال في هامش ص 657 من نفس المصدر وهو يرد على الشيخ الألباني في قوله: (وتخصيص الشيعة أهل البيت في الآية بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم دون نسائه (ص) من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصاراً لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه) فقال رداً عليه:
(وهذا من تلبيساته وتمحله في رد السنة الثابتة في تفسيره لأهل البيت، وهو بهذا أراد أن يلبس على القارىء بأن من قال أن أهل البيت هم أهل الكساء أنهم الشيعة! والحق أن من قال ذلك جميع أهل السنة والجماعة وقبلهم الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وآله، ولكن هذا هو النصب الذي يفضي بصاحبه إلى ما ترى كما شرحنا في موضعه).
أقول: إن رد السقاف لكلام الألباني قوي، فالحديث النبوي الصحيح عندهم وعندنا يحصر المقصودين بأهل البيت في الآية بعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وقد ثبت عندنا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال بعد الحسن والحسين: وتسعة من ذريو الحسين آخرهم المهدي.
أما قول السقاف: وسيدنا الحسين وذريتهم من بعدهم ومن تناسل منهم) فم تدل عليه حتى رواية واحدة، بل الدليل العقلي والنقلي على ضده، إذ كيف يكون كل من تناسل من ذرية علي وفاطمة عليهما السلام مطهراً من المعاصي، وفيهم الفسّاق والفجّار، بل فيهم الكفّار؟!.
وقال العلامة أبو بكر الحضرمي في ” رشفة الصادي من بحر فضائل النبي الهادي “11:
(والذي قال به الجماهير من العلماء وقطع به أكابر الأئمة وقامت به البراهين وتظافرت به الأدلة أن أهل البيت المرادين في الآية هم سيدنا علي وفاطمة وابناهما، وما تخصيصهم بذلك منه (ص) إلاّ عن أمر إلهي ووحي سماوي).
وقال أيضاً: (والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وبما أوردته منها يعلم قطعاً أن المراد بأهل البيت هم علي وفاطمة وابناهما رضوان الله عليهم، ولا التفات إلى ما ذكره صاحب روح البيان من أن تخصيص الخمسة المذكورين بكونهم من أهل البيت من أقوال الشيعة لأنّ ذلك محض تهوّر يقتضي بالعجب، وبما سبق من الأحاديث وما في كتب أهل السنة السنية يسفر الصبح لذي عينين) انتهى.
وقال العلامة الشوكاني في ” إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق في علم الأصول ” وهو يرد على من قال بأن الآية في نساء النبي صلى الله عليه وآله: (ويجاب عن هذا بأنه ورد بالدليل الصحيح أنها نزلت في علي وفاطمة والحسنين) 12.
وقال السمهودي في ” جواهر العقدين “13:
(وهؤلاء هم أهل الكساء فهم المراد من الآيتين – آية المباهلة وآية التطهير -).
وقال ابن عساكر في كتابه ” الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين ” بعد أن ذكر رواية عن أم سلمة قالت فيها: وأهل البيت رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين: (هذا حديث صحيح) ثم قال: (وقولها وأهل البيت هؤلاء الذين ذكرتهم إشارة إلى الذين وجدوا في البيت في تلك الحالة، وإلاّ فآل رسول الله (ص) كلهم من أهل البيت، والآية نزلت خاصة في هؤلاء المذكورين والله أعلم) 14.
وقال العلامة سيدي محمد حبسوس في ” شرح الشمائل “:
(ثم جاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معهم، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله ثم قال: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1، وفي ذلك إشارة إلى أنهم المراد بأهل البيت في الآية) 15.
وقال العلامة محمد أحمد بنيس في شرحه لهمزية البوصيري ” لوامع أنوار الكوكب الدري “: (﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1 أكثر المفسرين أنها نزلت في علي وفاطمة والحسنين رضي الله عنهم) 16.
وقال توفيق أبو علم وهو يرد على عبد العزيز البخاري في كتابه ” أهل البيت “: (أما قوله: أنّ آية التطهير المقصود بها الأزواج فقد أوضحنا بما لا مزيد عليه أن المقصود من أهل البيت هم العترة الطاهرة لا الأزواج) 17.
عثمان الخميس يجتهد في مقابل النص!
الدليل الثاني: إن قوله أن هذه الآية نزلت في زوجات النبي صلى الله عليه وآله أو أنها خاصة بهن أو أنها تشملهن هو اجتهاد في مقابل نص النبي صلى الله عليه وآله! فالروايات التي نقلناها فيما سبق والخاصة بحديث الكساء نصوص صريحة في أن الآية خاصة بأصحاب الكساء فقط ولا علاقة لزوجات النبي صلى الله عليه وآله بها.
وعثمان الخميس مطلع على هذه الأحاديث في مصادرهم خاصة أنه يدعي أنه مجتهد في الجرح والتعديل، فلم يبق وجه لقوله باختصاصها في نساء النبي صلى الله عليه وآله إلا أنه رد على النبي واجتهاد في مقابل نصه صلى الله عليه وآله، والاجتهاد في مقابل النص أقل ما يقال فيه أنه من الكبائر.
آية التطهير نزلت مستقلة
الدليل الثالث: دلت الأحاديث الصحيحة على أنه آية: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1 قد نزلت مستقلة في بيت أم سلمة، ولا يوجد دليل واحد يثبت أنها نزلت ضمن الآيات التي خاطب فيها الله تعالى زوجات النبي صلى الله عليه وآله!
فكيف يكون السياق دليلاً لإثبات دعوى نزولها في زوجات النبي صلى الله عليه وآله أو شمولها لهن! فإنه إنما يصح التمسك بوحدة السياق إذا ثبت نزول هذه الآيات دفعة واحدة وفي مناسبة واحدة، أما إذا وجد نص على خلاف ذلك كما في موضوعنا، أو وجدت قرينة، فلا يصح الاستدلال بالسياق!
وقد رأيت أن أحاديث الكساء المتقدمة كلها نصوص صريحة في نزول آية التطهير مستقلة لوحدها! ففي بعضها تقول أم سلمة: نزلت هذه الآية في بيتي، وهذا يفيد أمرين: نزولها مستقلة لوحدها، وكونها آية كاملة!
وبعد هذه الشهادات الصريحة باستقلالها في النزول وباختصاصها بعلي وفاطمة والحسنين عليهم السلام كيف يجوز لعاقل أن يقول إنها مختصة بنساء النبي صلى الله عليه وآله أو أنها تشملهن مع أهل البيت عليهم السلام؟!.
القرآن الكريم لم يرتب حسب النزول
الدليل الرابع: إن المسلمين متفقون على أن القرآن الكريم لم يجمع حسب النزول، فلم يتم نظم آياته كلها على أساس التسلسل الزمني، فكم من آية مدنية وقعت في آيات مكية وبالعكس، وذلك حسب اجتهاد الذين جمعوه، وهذا مسلم لا يحتاج منا إلى إثبات، فيبطل بذلك أيضاً ما ادّعاه عثمان الخميس من دليل السياق.
قول عثمان الخميس بدعة لم يقل بها أحد من الصحابة!
الدليل الخامس: إن عثمان الخميس أخذ قوله بأن آية التطهير نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وآله أخذه من النواصب المدلسين! فلم تصح رواية عن أحد من الصحابة أبداً أن آية التطهير خاصة بزوجات النبي صلى الله عليه وآله أو أنها تشملهن! نعم عثرت على روايتين نسبوا فيهما كذباً إلى ابن عبّاس أنّه قال إنها نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وآله:
الأولى: رواها الواحدي في أسباب النزول قال:
(أخبرنا ابو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج، قال: أخبرنا محمد بن يعقوب قال: أخبرنا الحسن بن علي بن عفان قال: أخبرنا أبو يحيى الحماني، عن صالح بن موسى القرشي، عن خصيف عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أنزلت هذه الآية في نساء النبي (ص): ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ …﴾ 1)18.
والرواية الأخرى ذكرها ابن كثير في تفسيره قال:
(عن ابن أبي حاتم قال: حدثنا علي بن حرب الموصلي، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1، قال: نزلت في نساء النبي (ص) خاصة) 19.
ولكنهما روايتان ضعيفتان لا اعتبار بهما لضعف سندهما عند الجميع، ولمخالفتهما ما عرفت من النصوص الصحيحة الصريحة التي ذكرنا جملة منها فيما سبق، ومنها عن ابن عباس نفسه! والتي تنص على أن آية التطهير خاصة بأصحاب الكساء فقط عليهم السلام.
فرواية الواحدي في سندها أكثر من راو ضعيف، مع أن إثبات ضعف راو واحد منهم يكفي لابطال الاستدلال بها.
ففي سندها (أبو يحيى الحماني) وهو (عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني) وقد رمي بالإرجاء والخطأ20، وقال النسائي: (ليس بالقوي) 21، وقال ابن سعد وأحمد: (كان ضعيفاً) 22، وقال العجلي: (كوفي ضعيف الحديث) 22.
وفي سندها (صالح بن موسى الرشي) وهو (الطلحي)، قال فيه ابن معين: (ليس بشيء) 23، وقال الأصفهاني: (يروي المناكير عن عبد الملك بن عمير وغيره متروك)24، وقال البخاري في ضعفائه: (منكر الحديث) 25.
وقال النسائي: (متروك الحديث) 26، وقال الذهبي: (واهٍ) 27، وقال العسقلاني: (متروك) 28.
وفي سندها (خصيف) وخصيف هذا الذي يروي عن سعيد بن جبير هو (خصيف بن عبد الرحمن الجزري) مولى عثمان بن عفان وقيل معاوية بن أبي سفيان، قال عنه أحمد بن حنبل: (ليس بحجة ولا قوي في الحديث) وقال أيضاً: (ضعيف الحديث) 29، وقال أبو حاتم: (صالح يخلط وتكلم في سوء حفظه) 29، وقال العسقلاني: (صدوق سيء الحفظ خلط بآخره ورمي بالإرجاء) 30، وقال الذهبي: (صدوق سيء الحفظ ضعفه أحمد) 31.
وأما رواية ابن كثير فساقطة سنداً أيضاً:
ففي سندها (الحسين بن واقد) وقد وصفه الداقطني وأبو يعلى الخليلي بالتدليس32، وقال عنه ابن حبّان: (كان على قضاء مرو، وكان من خيار الناس وربما أخطأ في الروايات) 33، وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: (ما أنكر حديث الحسين بن واقد عن أبي المنيب) وقال العقيلي: (أنكر أحمد بن حنبل حديثه) وقال الأثرم: (قال أحمد: في أحاديثه زيادة ما أدري أي شيء هي؟! ونفض يده) 33.
وفيها (عكرمة البربري) مولى عبد الله بن عباس، وهو ممن اشتهر كذبه على مولاه ابن عباس! فهذا سعيد بن المسيب يقول لغلامه (برد): (يا برد إياك وأن تكذب عليّ كما يكذب عكرمة على ابن عباس) 34، وقد قيّده علي بن عبد الله بن عباس على باب الكنيف! ولما قيل له عن سبب ذلك، قال: (إنه يكذب على أبي) وقد كذبه سعيد بن جبير وابن سيرين، وذكروا أنه من الخوارج35، ورأي الخوارج معروف في أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام.
لم تدع أيٌّ من زوجات النبي ما ادّعاه لهن عثمان الخميس
الدليل السادس: أثبت عثمان الخميس أنه ملكيٌّ أكثر من الملك نفسه! حيث لم تدع أي واحدة من زوجات النبي صلى الله عليه وآله اختصاص الآية الكريمة بهن ولا حتى شمولها لهن، ولا أثر ذلك عن أيٍّ منهن! مع أن المعلوم للجميع أن عائشة كانت حريصة على بيان ما يمكن أن يكون فضيلة لها! بل نلاحظ أنها والسيدة أم سلمة روتا اختصاص الآية بأصحاب الكساء عليهم السلام.
يقول ابن الجوزي: (والثاني: أنه خاص في رسول الله (ص) وفاطمة وعلي والحسن والحسين، قاله أبو سعيد الخدري، وروي عن أنس وعائشة وأم سلمة نحو ذلك) 36.
ولهذا ينبغي أن نقدم العزاء للشيخ عثمان الخميس لأن عائشة بنفسها روت اختصاص الآية بعلي وفاطمة والحسنين عليهم السلام، فهدمت ما أراد أن يثبته لها!.
النبي يمنع أم سلمة من الدخول تحت الكساء
الدليل السابع: أن بعض روايات حديث الكساء التي رواها أحمد وغيره صرحت بأن النبي صلى الله عليه وآله منع أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها من الدخول تحت الكساء عندما أرادت ذلك، فلو كانت الآية تعنيهن أو تشملهن لما كان لهذا المنع وجه، أو لقال لها عبارة أخرى غير قوله: (إنك إلى خير)! فعلم من فعل النبي صلى الله عليه وآله وقوله أنهن غير مقصودات بالآية ولا بمفهوم أهل البيت فيها.
عثمان الخميس يجذب الكساء من النبي
روى أحمد في مسنده37: (عن أم سلمة أن رسول الله (ص) قال لفاطمة ائتيني بزوجك وابنيك، فجاءت بهم فألقى عليهم كساءً فدكياً، قال ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهم هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنك حميد مجيد، قالت أم سلمة فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي! وقال: إنك على خير). انتهى.
ورواه أبو يعلى في مينده38، والطبراني في المعجم الكبير39، وغيرهم.
وعلى هذا لا يصح دعوى الخميس بأن الآية في نساء النبي صلى الله عليه وآله أو أنها تشملهن إلاّ بأن يجذب الكساء من يد النبي صلى الله عليه وآله ويدخل معهم عائشة وإن تلطف يدخل أم سلمة ونساء النبي صلى الله عليه وآله!!.
لو قبلنا أن آية التطهير في سياق آيات نساء النبي
الدليل الثامن: (إن الكلام البليغ قد يدخله الإستطراد والإعتراض، وتتخلله جملة أجنبية كقوله تعالى في حكاية خطاب العزيز لزوجته إذ يقول لها: ﴿ … إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ … ﴾ 40 فقوله: ﴿ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا … ﴾ 41 مستطرد بين خطابيه معها كما ترى، ومثله قوله تعالى:﴿ … إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ﴾ 42فقوله: ﴿ … وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ 43 مستطرد من جهة الله تعالى بين كلام بلقيس، ونحوه قوله عز من قائل: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴾ 44 تقديره فلا أقسم بمواقع النجوم إنه لقرآن كريم، وما بينهما استطراد على استطراد، وهذا كثير في الكتاب والسنة وكلام العرب البلغاء.
وآية التطهير من هذا القبيل جاءت مستطردة بين آيات النسياء فتبيّن بسبب استطرادها أن خطاب الله لهن بتلك الأوامر والنواهي والنصائح والآداب لم يكن إلاّ لعناية الله تعالى بأهل البيت ” أعني الخمسة ” لئلا ينالهم من جهتهن لوم، أو ينسب إليهم ولو بواسطتهن هنات، أو يكون عليهم للمنافقين ولو بسببهن سبيل، ولولا هذا الاستطراد ما حصلت هذه النكة الشريفة التي عظمت بها بلاغة الذكر الحكيم، وكمل إعجازه الباهر كما لا يخفى) 45.
قال عثمان الخميس: (ذكر ميم الجمع بدل نون النسوة، لأن النساء دخل معهن النبي (ص) وهو رأس أهل بيته (ص) كما قال الله تبارك وتعالى عن زوجة إبراهيم: ﴿ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾ 46 وكانت معه زوجته، وقال تعالى عن موسى: ﴿ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ … ﴾ 47 وكانت معه زوجته، فالرجل من أهل البيت فقول الله: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ … ﴾ 1 قال عنكم لدخول النبي (ص) مع نسائه في هذه الآية، لا أن علياً وفاطمة والحسن والحسين دخلوا ضمن هذه الآية، وإنما كان علي والحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم من أهل بيت النبي (ص) بدليل حديث الكساء لا بدليل الآية، فحديث الكساء هو الذي يدل على أنّ علياً وفاطمة والحسن والحسين من آل بيت النبي (ص)، وذلك لما غطاهم بالكساء قرأ: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ … ﴾ 1 فأدخلهم في أهل بيته) 48.
أقول: وفي هذا الوجه أيضاً لم يأت بدليل ولا ردّ ينقض فيه قول الشيعة بأن الإرادة في آية التطهير إرادة تكوينية، وأنها إخبار عن عصمة المخاطبين بها، وإنما أتى فيه بمحاولة أخرى من محاولاته اليائسة لإثبات اختصاص الآية الكريمة بنساء النبي صلى الله عليه وآله، وادّعى دعوى باطلة وهي أن آية التطهير لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بأصحاب الكساء، وأنهم إنما دخلوا في مفهوم أهل البيت من خلال حديث الكساء!! وما عشت أراك الدهر عجبا!
وردّنا عليه:
أولاً: قد أثبتنا بطلان زعمه أن آية التطهير نزلت في زوجات النبي صلى الله عليه وآله وأنها خاصة بهنّ أو أنها تشملهن بالروايات الصريحة في تخصيص الآية الكريمة بأصحاب الكساء عليهم السلام، وذكرنا تأييداً وتأكيداً لذلك أقولاً لبعض علماء أهل السنة الذين فهموا من الأحاديث الشريفة اختصاصها بهم عليهم السلام، وأبطلنا عمدة ما استدل به وهو السياق.
ثانياً: واجه صاحبنا إشكالاً قوياً وهو: أنه إذا كانت آية التطهير خاصة بزوجات النبي صلى الله عليه وآله وأنها نزلت فيهن والخطاب موجه إليهن فلماذا قال الله سبحانه وتعالى: (عنكم، ويطهركم) ولم يقل (عنكن، ويطهركن)؟!
وتخلص عثمان الخميس منه بالقول إن النبي صلى الله عليه وآله داخل في هذا الخطاب لكونه رأس أهل بيته، ولذلك جاء الضمير مذكراً!.
وجوابنا له: أنه إذا أدخل النبي صلى الله عليه وآله في الذين أذهب الله عنهم الرجس يلزم على مبناه أن يكون النبي صلى الله عليه وآله من أهل الرجس والعياذ بالله! لأنّ الإرادة تشريعية، ومعنى الآية عنده أن الله تعالى يريد بتوجيهكم أن يذهب عنكم الرجس الموجود فيكم! فالآية حسب فهمه تدل على أن المخاطبين بها متلبسون بالرجس والله تعالى أراد رفعه عنهم. ثم يقول عثمان الخميس أن النبي من المخاطبين ولذلك قال تعالى (عنكم) و (يطهركم) ولم يقل: (عنكن) و (يطهركن)!.
أما نحن فلا يرد علينا هذا الإشكال لأن الإرادة عندنا في الآية تكوينية، إذ لو كانت تشريعية لما كان فيها مدح لأهل البيت عليهم السلام، لأنّه سبحانه وتعالى أراد بإرادته التشريعية لكل فرد تطهير نفسه من الأرجاس بامتثاله التكاليف الشرعية المتوجة إليه، وليس ذلك خاصاً بأهل البيت المخاطبين في الآية عليهم السلام، وعليه يكون قوله تعالى: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1 إخباراً عن إذهاب الرجس من أساسه عن أهل البيت عليهم السلام، فتكون الآية إخباراً عن عصمتهم لأنها تثبت عدم تلبسهم بالرجس، وتكون زوجات النبي صلى الله عليه وآله خارجات قطعاً من الآية الكريمة، وذلك لإجماع الأمة بأنهن غير معصومات! ولأن بعضهن تلبس بالشرك قبل إسلامهن، والشرك أحد مصاديق الرجس، بل قد ثبت عند الجميع ارتكاب بعضهن للمخالفات الشرعية واعتراف بعضهن بذلك!.
تحطيب ما هو خارج عن الموضوع
ثالثاً: استشهد عثمان الخميس لإثبات اختصاص الآية بزوجات النبي صلى الله عليه وآله بآية لا علاقة لها في الموضوع من قريب ولا بعيد! وهي قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ … ﴾ 47 ليثبت أن الله سبحانه وتعالى قال عن زوجة موسى بأنها (أهله) وعليه فزوجات النبي صلى الله عليه وآله من أهله أيضاً!! وهذا خلط كبير سببه قلة الفهم أو التزوير، فلا أحد ينكر أن لفظة (أهل) قد تستخدم مع القرينة ويراد بها الزوجة كما في الآية التي ذكرها، فالمراد فيها هنا زوجة موسى لوجود قرينة أنها كانت معه في سفره، وكما في قول النبي صلى الله عليه وآله لزوجته أم سلمة كما في بعض روايات حديث الكساء: (إنك من أهلي).
ولكن الكلام ليس في لفظة الأهل، بل في مفهوم (أهل البيت) في آية التطهير، وهل هو مختص بهن أو يشملهن أو أنه يراد به فقط أصحاب الكساء الذين حددهم النبي صلى الله عليه وآله؟ والأدلة تامة على أنهم أولئك الذين جللهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالكساء عليهم السلام.
أراد عثمان الخميس أن يطببها فعماها
رابعاً: ادعى عثمان الخميس أن علياً وفاطمة والحسن والحسين إنما دخلوا في أهل البيت بدعاء النبي صلى الله عليه وآله عندما جللهم بالكساء، لا أن آية التطهير نزلت فيهم! وردنا عليه:
(أ): إن النبي صلى الله عليه وآله لما أن جمعهم تحت الكساء تلا عليهم هذه الآية كما في العديد من نصوص حديث الكساء، ومنها رواية عائشة والتي أخرجها مسلم بن الحجاج في صحيحه وغيره، ففيه قالت عائسة: (خرج النبي (ص) غداة وعليه مرط من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فأدخله، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1)49.
وكما في رواية ابن عباس التي أخرجها النسائي في خصائص الإمام علي عليه السلام والسنن الكبرى، وأحمد في مسنده وفضائل الصحابة، والحاكم في المستدرك، وهي رواية طويلة نقلتها فيما سبق حيث قال: (وأخذ رسول الله (ص) ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين فقال: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1…)50.
فهذا نبي الله صلى الله عليه وآله يجمعهم تحت الكساء ثم يخاطبهم بهذه الآية الكريمة كما خاطبهم الله عزّ وجل من قبل بها، وهو دليل على أنها نزلت فيهم ومختصة بهم، وأن اسم أهل البيت كان لهم قبل نزولها أو أن الله تعالى سماهم به، فلو لم تكن مختصة بهم لما خاطبهم النبي صلى الله عليه وآله بها.
(ب): أخرج الهيثمي في مجمع الزوائد فقال: (إن الحسن بن علي حين قتل علي استخلف، فبينا هو يصلي بالناس إذ وثب إليه رجل فطعنه بخنجر في وركه فتمرض منها أشهر، ثم قام فخطب على المنبر فقال: يا أهل العراق اتقوا الله فينا، فإنا أمراؤكم وضيفانكم، ونحن أهل البيت الذي قال الله عزّ وجل: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1 فما زال يومئذ يتكلم حتى ما ترى في المسجد إلاّ باكياً) قال الهيثمي: (رواه الطبراني ورجاله ثقات) 51.
قهذا أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام يستشهد بهذه الآية الكريمة ويذكر أنهم المعنيون بها.
(ج) لقد ورد في الأثر أن النبي صلى الله عليه وآله وعلى مدى ستة أشهر أو تسعة كان يأتي كل صباح ويقف عند باب بيت علي وفاطمة عليهما السلام وينادي: الصلاة يا أهل البيت، ثم يتلو الآية الكريمة مخاطباً إياهم بها: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1! وهذا دليل أيضاً على أنهم المعنيون والمخاطبون بهذه الآية المباركة.
ففي المستدرك على الصحيحين قال الحاكم النيسابوري: (حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الحفيد، حدثنا الحسين بن الفضل البجلي، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرني حميد وعلي بن زيد عن أنس بن مالك (رض) أن رسول الله (ص) كان يمر بباب فاطمة رضي الله عنها ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 1) ثم قال الحاكم: (هذا حديث على شرط مسلم ولم يخرجاه) 52.
وأخرجه الترمذي في جامعه الصحيح53 وأحمد بن حنبل في مسنده54 وعبد حميد في مسنده55 وأبو داود الطيالسي في مسنده56 والطبراني في المعجم الكبير57 وابن أبي شيبة في مصنفه58 وأخرجه من طريق أبي الحمراء عبد حميد في مسنده59 والطبراني في المعجم الكبير60 وأخرجه من طريق أبي سعيد الخدري الطبراني في المعجم الأوسط61. 62
- 1. a. b. c. d. e. f. g. h. i. j. k. l. m. n. o. p. q. r. s. t. u. v. w. x. y. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 33، الصفحة: 422.
- 2. القران الكريم: سورة يس (36)، الآية: 82، الصفحة: 445.
- 3. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآيات: 32 – 34، الصفحة: 422.
- 4. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 34، الصفحة: 422.
- 5. تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل الآثار 8/470 – 471.
- 6. تحفة الأخيار بترتيب شرح مشكل ألاثار 8/476.
- 7. لم يذكر علياً عليه السلام ضمن من جمعهم النبي صلى الله عليه وآله تحت الكساء والظاهر أنه اشتباه منه أو من الناسخ.
- 8. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 46، الصفحة: 227.
- 9. معتصر المختصر 2/266- 267.
- 10. صحيح شرح العقيدة الطحاوية: 655.
- 11. رشفة الصادي 13- 14 الباب الأول.
- 12. إرشاد الفحول 83 البحث الثامن من المقصد الثالث.
- 13. جواهر العقدين 204 الباب الأول.
- 14. الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين 106.
- 15. شرح الشمائل 1/107.
- 16. لوامع أنوار الكوكب الدري 2/86.
- 17. أهل البيت 35.
- 18. أسباب النزول للواحدي 203.
- 19. تفسير ابن كثير 4/515.
- 20. الكاشف 1/617، تقريب التهذيب 2/334، تهذيب الكمال 6/109.
- 21. الكاشف 1/617، تهذيب التهذيب 6/109، تهذيب الكمال 15/454.
- 22. a. b. تهذيب التهذيب 6/109.
- 23. الجرح والتعديل 4/415.
- 24. ضعفاء الأصفهاني 1/93.
- 25. ضعفاء البخاري 1/59.
- 26. الضعفاء للنسائي 1/57.
- 27. الكاشف 1/449.
- 28. تقريب التهذيب 1/347.
- 29. a. b. تهذيب الكمال 2/385.
- 30. تقريب التهذيب 1/220.
- 31. الكاشف 1/236.
- 32. طبقات المدلسين 1/20، أسماء المدلسين 1/70.
- 33. a. b. تهذيب التهذيب 2/321.
- 34. تهذيب التهذيب 7/238، تهذيب الكمال 7/213.
- 35. تهذيب التهذيب 7/238، تهذيب الكمال 7/213 – 214.
- 36. زاد المسير في علم التفسير 6/381 – 382.
- 37. مسند أحمد 6/323.
- 38. مسند أبي يعلى 21/344و 456.
- 39. المعجم الكبير 3/53، 32/336.
- 40. القران الكريم: سورة يوسف (12)، الآية: 28 و 29، الصفحة: 238.
- 41. القران الكريم: سورة يوسف (12)، الآية: 29، الصفحة: 238.
- 42. القران الكريم: سورة النمل (27)، الآية: 34 و 35، الصفحة: 379.
- 43. القران الكريم: سورة النمل (27)، الآية: 34، الصفحة: 379.
- 44. القران الكريم: سورة الواقعة (56)، الآيات: 75 – 77، الصفحة: 536.
- 45. الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء 25- 26.
- 46. القران الكريم: سورة هود (11)، الآية: 73، الصفحة: 230.
- 47. a. b. القران الكريم: سورة القصص (28)، الآية: 29، الصفحة: 389.
- 48. حقبة من التاريخ: 188 – 189.
- 49. صحيح مسلم 4/1883.
- 50. خصائص الإمام علي 44 برقم: 33، السنن الكبرى 5/112 برقم: 8409، مسند أحمد 1/330 برقم: 3062، فضائل الصحابة 2/682 برقم: 1168.
- 51. مجمع الزوائد 9/172.
- 52. المستدرك على الصحيحين 3/172 برقم: 4748.
- 53. الجامع الصحيح (سنن الترمذي) 5/352 برقم: 3206.
- 54. مسند أحمد 3/259 برقم: 13754 و 3/285 برقم: 14072.
- 55. مسند عبد بن حميد 1/367 برقم: 1223.
- 56. مسند أبي داود 1/274 برقم: 205.
- 57. المعجم الكبير 3/56 و 22/402.
- 58. مصنف ابن أبي شيبة 6/388 برقم: 32272.
- 59. مسند عبد بن حميد 1/173 برقم: 475.
- 60. المعجم الكبير 3/56 و 22/200.
- 61. المعجم الأوسط 8/111 برقم: 8127.
- 62. نقلا عن كتاب الرد النفيس على أباطيل عثمان الخميس، تأليف الشيخ حسن عبد الله العجمي حفظه الله.