بين الشعاراتية والوطنية بون شاسع ومسافة بعيدة، فالشعاراتية لباس وتغنٍّ، وأبواق سيارات تملأ الشوارع.
ومع أني مع الفرحة باليوم الوطني، وبكل مظاهره المقبولة في ديننا وعُرفنا وتقاليدنا، لكن طبيعتي ترفض اختزال الوطنية في المظاهر، والفرقعات الإعلامية، والقصائد الشعرية، والتعطيل الرسمي باليوم الوطني.
الوطنية اخلاص للتراب، واحترام للقرار، وحب للمواطن، وأي خلل في واحد من هذه الثلاثة سيكون تخريباً مُدمراً للوطن بكل مكوّناته، وستصل آثاره للتراب وللقيادة السياسية وللمواطن.
الاخلاص محك يُقيم من خلاله الموظف والتاجر والمسؤول، وكل من ينعم بتراب وخيرات هذا البلد ودون فرق بين الرجل والمرأة، فالوطن يحتضنهما معاً، وهما من يبنيه وينمّيه ويطوّره.
من يفضّل الثرثرة والكلام وتقطيع الوقت اثناء وظيفته على حساب المواطنين فالوطنية بريئة منه، لأنه دمار لسمعة الوطن، وهو إلى السرقة من أمواله وخيراته أقرب.
والمسؤول الذي يجوّف القرارات ويفرغها من محتواها الحقيقي والواقعي هو عدو من أعداء الوطن، لأنه يزيد من احتقان المواطنين ويفقدهم الثقة بقرارات قادتهم ويملأ نفوسهم حنقاً كلما رأوا مصالحهم تضيع في زحمة الاهمال وعدم التطبيق الجدي للقرارات التي تخفف معاناتهم. هل يمكن ادعاء الوطنية لمن تسبّبوا في فيضانات جدة ولسنتين متعاقبتين؟
هل هم مواطنون أولئك التجار الذين لا يشبعون جشعاً وطمعاً على حساب الفقراء الذين يزدادون فقراً وحاجة وعوزاً؟
هل يُحب الوطن من يستغل منابره للتفريق بين المواطنين، وتمزيق اللحمة التي بنتها فطرتهم وحياتهم المشتركة على هذه الأرض؟ وهل يحق لأحدهم أن يقول إني وطني؟
الفساد يا وطني هو عدوك الأول، والتشدّد الفكري هو عدوك الثاني، والارهاب الذي يستمد العون والمدد من الفساد والتشدد هو عدوك الثالث، وأحادية الرأي التي تطرد كل مواطن لا ينسجم معها هي عدوك الرابع، وكفي أن تتكاثر هذه الأعداء عليك تكاثراً غير شرعي لتنجب المزيد من الأعداء الذين يهدمون ويصدعون بنيان هذا الوطن الغالي.
حماك الله يا وطني من كل مُفسـد، ومن كل متشدد، ومن الإرهاب كله، ومن الأحادية والتشدّد، وحماك الله من كل مُمزّق لمكوناتك بقول أو فعل، وحرس الله مواطنيك من كل متربّص خارج حدودك1.
- 1. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ حسن الصفار (حفظه الله) و المقال منشور في صحيفة اليوم 24 / 9 / 2011م. العدد: 13980.