في اليوم السابع اشتد الحصار على سيد الشهداء و من معه و صد عنهم باب الورود و نفد ما عندهم من الماء فعاد كل واحد يعالج لهب العطش، و بطبع الحال كان العيال بين أنة و حنة و تضور و نشيج و متطلب للماء إلى متحر له بما يبل غلته و كل ذلك بعين «أبي علي» و الغيارى من آله و الاكارم من صحبه و ما عسى أن يجدوا لهم شيئا و بينهم و بين الماء رماح مشرعة و سيوف مرهفة لكن «ساقي العطاشى» لم يتطامن على تحمل تلك الحالة.
أو تشتكي العطش الفواطم عنده و بصدر صعدته الفرات المفعم
و لو استقى نهر المجرة لارتقى و طويل ذابله إليها سلم
لو سد ذو القرنين دون وروده نسفته همته بما هو أعظم
في كفه اليسرى السقاء يقله و بكفه اليمنى الحسام المخذم
مثل السحابة للفواطم صوبه فيصيب حاصبه العدو فيرجم
هنا قيض أخاه العباس لهذه المهمة في حين أن نفسه الكريمة تنازعه إليه قبل المطلب فأمره أن يستقي للحرائر و الصبية و ضم إليه عشرين راجلا مع عشرين قربة و قصدوا الفرات بالليل غير مبالين بمن و كل بحفظ الشريعة لأنهم محتفون «بأسد آل محمد» و تقدم نافع بن هلال الجملي باللواء فصاح عمرو بن الحجاج: من الرجل؟
قال: جئنا لنشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه. فقال: اشرب هنيئا و لا تحمل إلى الحسين منه. قال نافع: لا و اللّه لا أشرب منه قطرة و الحسين و من معه من آله و صحبه عطاشى.
و صاح نافع بأصحابه املأوا أسقبتكم فشد عليهم أصحاب ابن الحجاج فكان بعض القوم يملأ القرب و بعض يقاتل و حاميهم «ابن بجدتها» المتربي في حجر البسالة الحيدرية «أبو الفضل» فجاؤوا بالماء و ليس في أعدائهم من تحدثه نفسه بالدنو منهم فرقا من ذلك البطل المغوار فبلت غلة الحرائر و الصبية الطيبة من ذلك الماء.
و لكن لا يفوتنا أن تلك الكمية القليلة من الماء ما عسى أن تجدي أولئك الجمع الذي هو أكثر من مائة و خمسين، رجالا و نساء و أطفالا أو أنهم ينيفون على المائتين، و من المقطوع به أنه لم ترو أكبادهم إلا مرة واحدة فسرعان أن عاد إليهم الظمأ و إلى اللّه و رسوله المشتكى.
إذا كان ساقي الحوض في الحشر حيدر فساقي عطاشى كربلاء أبو الفضل
على أن ساقي الناس في الحشر قلبه مريع و هذا بالظمأ قلبه يغلي
وقفت على ماء الفرات و لم أزل أقول له و القول يحسنه مثلي
علامك تجري لا جريت لوارد و ادركت يوما بعض عارك بالغسل
أما نشفت أكباد آل محمد لهيبا و لا ابتلت بعل و لا نهل
من الحق أن تذوي غصونك ذبلا أسى و حياء من شفاههم الذبل
فقال استمع للقول إن كنت سامعا و كن قابلا عذري و لا تكثرن عذلي
ألا إن ذا دمعي الذي أنت ناظر غداة جعلت النوح بعدهم شغلي
برغمي أرى مائي يلذ سواهم به وهم صرعى على عطش حولي
جزى اللّه عنهم في المواساة عمهم (أبا الفضل) خيرا لو شهدت أبا الفضل
لقد كان سيفا صاغه بيمينه (علي) فلم يحتج شباه إلى الصقل
إذا عد أبناء النبي (محمد) رآه أخاهم من رآه بلا فضل
و لم أر ظام حوله الماء قبله و لم يرو منه و هو ذو مهجة تغلي
و ما خطبه إلا الوفاء و قل ما يرى هكذا خلا وفيا مع الخل
يمينا بيمناك القطيعة و التي تسمى شمالا و هي جامعة الشمل
بصبرك دون ابن النبي بكربلا على الهول أمر لا يحيط به عقلي
و وافاك لا يدري أفقدك راعه أم العرش غالته المقادير بالمثل
أخي كنت لي درعا و نصلا كلاهما فقدت فلا درعي لدي و لا نصلي.
المصدر: http://h-najaf.iq