وردت في ثورة اليمن الإسلامية الممهدة للمهدي عليه السلام أحاديث متعددة عن أهل البيت عليهم السلام ، منها بضعة أحاديث صحيحة السند ، وهي تؤكد حتمية حدوث هذه الثورة وتصفها بأنها راية هدى تمهد لظهور المهدي عليه السلام وتنصره .
بل تصفها عدة روايات بأنها أهدى الرايات في عصر الظهور على الإطلاق ، وتؤكد على وجوب نصرتها كراية المشرق الإيرانية وأكثر ، وتحدد الأحاديث وقتها بأنه مقارن لخروج السفياني في رجب ، أي قبل ظهور المهدي عليه السلام ببضعة شهور ، ويذكر بعضها أن عاصمتها صنعاء .
أما قائدها المعروف في الروايات باسم ( اليماني ) فتذكر رواية أن اسمه ( حسن أو حسين ) من ذرية زيد بن علي عليهما السلام .
وهذه نماذج من أحاديث حركة اليماني :
عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( قبل قيام القائم خمس علامات محتومات : اليماني ، والسفياني ، والصيحة ، وقتل النفس الزكية ، والخسف بالبيداء ) 1 .
وعنه عليه السلام قال : ( خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة ، في شهر واحد ، في يوم واحد ، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً ، فيكون البأس من كل وجه ، ويل لمن ناواهم . وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني ، هي راية حق لأنه يدعو إلى صاحبكم ، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس ، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى ، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار ، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) 2 .
وعن الإمام الرضا عليه السلام قال لمن زعم أنه هو المهدي : ( قبل هذا الأمر السفياني واليماني والمرواني وشعيب بن صالح ، فكيف يقول هذا هذا ) 3 .
وقال المجلسي رحمه الله : ( أي كيف يقول هذا الذي خرج أني القائم ، يعني محمد بن إبراهيم ، أو غيره ) . انتهى .
والمراد بالمرواني المذكور في الرواية قد يكون هو الأبقع ، أو يكون أصله الخراساني فوقع فيه التصحيف من النساخ .
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( خروج الثلاثة الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني يهدي إلى الحق ) 4 .
وعن هشام بن الحكم أنه لما خرج طالب الحق قيل لأبي عبد الله عليه السلام ( أي الإمام الصادق ) : ( أترجو أن يكون هذا اليماني؟ فقال : لا . اليماني يتوالى علياً ، وهذا يبرأ منه ) 5 .
وفيها أيضاً : ( اليماني والسفياني كفرسي رهان ) ، أي كفرسي السباق يسعى كل منهما أن يسبق الآخر .
وجاء في بعض الروايات عن المهدي عليه السلام أنه ( يخرج من اليمن من قرية يقال لها كرعة ) 6 .
وكرعة قرية في منطقة بني خَوْلان باليمن قرب صعدة ، وإن صحت الرواية فلابد أن يكون المقصود فيها أن اليماني يبدأ أمره من هذه القرية ، كما ورد أن مبدأ أمر المهدي عليه السلام من المشرق ، أي مبدأ حركة أنصاره ، لأن الثابت المتواتر في الأحاديث أن المهدي عليه السلام يخرج من مكة من المسجد الحرام .
وفي بشارة الإسلام ص187 : ( ثم يخرج ملك من صنعاء اسمه حسين أو حسن ، فيذهب بخروجه غمر الفتن ، يظهر مباركاً زاكياً ، فيكشف بنوره الظلماء ، ويظهر به الحق بعد الخفاء ) .
وفيما يلي عدة ملاحظات حول ثورة اليماني
منها ، ما يتعلق بدورها ، فمن الطبيعي لثورة ممهدة للمهدي عليه السلام في اليمن أن يكون لها دور هام في مساعدة حركته ومساندتها في الحجاز . وعدم ذكر هذا الدور لليمانيين في الأحاديث الشريفة لاينفيه ، بل قد يكون من أجل المحافظة عليه وعدم الاضرار به .
وسنذكر في حركة ظهوره عليه السلام أن القوة البشرية التي تقوم عليها حركته في مكة والحجاز ويتألف منها جيشه ، تتكون بشكل أساسي من أنصاره الحجازيين واليمانيين .
أما دور اليمانيين الممهدين في العراق ، فقد ذكرت بعض الروايات أن اليماني يدخل العراق على أثر غزو السفياني له ، وأنه يكون لهم دور مساعد في قتال السفياني ، لأن الأخبار تشعر بأن الطرف المواجه للسفياني هم أهل المشرق أصحاب الخراساني وشعيب .
أما في منطقة الخليج فمن الطبيعي أن يكون الدور الأساسي فيها لليمانيين مضافاً إلى الحجاز ، وإن لم تذكر ذلك الروايات .
بل لعل حكم اليمن والحجاز وبلاد الخليج يكون بعهدة قوات اليمانيين التابعة للمهدي عليه السلام .
ومنها ، في السبب في كون راية اليماني أهدى من راية الخراساني ، مع أن راية الخراساني ورايات أهل المشرق عامة موصوفة بأنها راية هدى ، وبأن قتلاهم شهداء ، ومع أن عدداً منهم يكونون من وزراء المهدي عليه السلام وخاصة أصحابه . ومنهم قائد قواتهم شعيب بن صالح الذي يجعله المهدي عليه السلام قائد جيشه العام .
ومع أن دور الإيرانيين في التمهيد للمهدي عليه السلام دور واسع وفعال ، ولهم فضل السبق والتضحيات حيث يبدأ أمر المهدي عليه السلام بحركتهم . إلى آخر ما ذكرته الأحاديث الشريفة وسنذكره في دورهم في عصر الظهور . فما هو السبب في أن ثورة اليماني ورايته أهدى من ثورة الإيرانيين ورايتهم ؟
يحتمل أن يكون السبب في ذلك أن الأسلوب الإداري الذي يستعمله اليماني في قيادته السياسية وإدارة اليمن أصح وأقرب إلى النمط الإداري الإسلامي في بساطته وحسمه . بينما لا تخلو دولة الإيرانيين من تعقيد الروتين وشوائبه ، فيرجع الفرق بين التجربتين إلى طبيعة البساطة والقبيلة في المجتمع اليماني ، وطبيعة الوراثة الحضارية والتركيب في المجتمع الإيراني .
ويحتمل أن تكون ثورة اليماني أهدى بسبب سياسته الحاسمة مع جهازه التنفيذي ، سواء في اختياره من النوعيات المخلصة المطيعة فقط ومحاسبته الدائمة والشديدة لهم ، وهي السياسة التي يأمر الإسلام ولي الأمر أن يتبعها مع عماله كما في عهد أمير المؤمنين عليه السلام إلى عامله في مصر مالك الأشتر رضي الله عنه ، وكما ورد في صفات المهدي عليه السلام أنه شديد على العمال رحيم بالمساكين .
بينما لا يتبنى الإيرانيون هذه السياسة ، ولا يعاقبون المسؤول المقصر أو الخائن لمصالح المسلمين على ملأ الناس ليكون عبرة لغيره . فهم يخافون أن يؤدي ذلك إلى تضعيف الدولة الإسلامية التي هي كيان الإسلام .
ويحتمل أن تكون راية اليماني أهدى في طرحها الإسلامي العالمي ، وعدم مراعاتها للعناوين الثانوية الكثيرة والمفاهيم والمعادلات المعاصرة القائمة ، التي تعتقد الثورة الإسلامية الإيرانية أنه يجب عليها أن تراعيها .
ولكن المرجح أن يكون السبب الأساسي في أن ثورة اليماني أهدى أنها تحضى بشرف التوجيه المباشر من الإمام المهدي عليه السلام ، وتكون جزءاً مباشراً من خطة حركته عليه السلام ، وأن اليماني يتشرف بلقائه ويأخذ توجيهه منه .
ويؤيد ذلك أن أحاديث ثورة اليمانيين تركز على مدح شخص اليماني قائد الثورة وأنه : ( يهدي إلى الحق ، ويدعو إلى صاحبكم ، ولايحل لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو إلى النار ) .
أما ثورة الإيرانيين الممهدة فالتركيز في أحاديثها على مدح جمهورها بعنوان أصحاب الرايات السود وأهل المشرق وقوم من المشرق ، أكثر من مدح قادتها كما سيأتي في أحاديثها ، ما عدا شعيب بن صالح ، الذي يفهم من أحاديثه أنه متميز عن بقية قادة الرايات السود ، ويليه في المدح السيد الخراساني ، ثم رجل قم .
ويؤيد ذلك أيضاً أن ثورة اليماني قريبة من حركة ظهوره عليه السلام بالنسبة إلى ثورة الإيرانيين الممهدين ، حتى لو فرضنا أن اليماني يخرج قبل السفياني أو أنه يماني آخر يمهد لليماني الموعود .
بينما بداية ثورة الإيرانيين على يد رجل من قم تكون مبكرة حيث يبدأ بها أمر المهدي عليه السلام ( يكون مبدؤه من المشرق ) والمدة بين بدايتها وبين الخراساني وشعيب قد تكون عشرين أو خمسين سنة ، أو ما شاء الله من الزمان .
ومثل هذه البداية المبكرة إنما تقوم على اجتهاد الفقهاء واجتهاد وكلائهم السياسيين ولا تتوفر لها ظروف النقاء والنصاعة التي تتوفر لثورة اليماني الموجهة مباشرة من الإمام المهدي عليه السلام .
ومنها ، احتمال أن يكون اليماني متعدداً ، ويكون الثاني منهما هو اليماني الموعود . فقد نصت الروايات المتقدمة على أن ظهور اليماني الموعود مقارن لظهور السفياني ، أي في سنة ظهور المهدي عليه السلام .
ولكن توجد رواية أخرى صحيحة السند عن الإمام الصادق عليه السلام تقول : ( يخرج قبل السفياني مصري ويماني ) 4 .
وعليه فيكون هذا اليماني الأول ممهداً لليماني الموعود ، كما يمهد الرجل من قم وغيره من أهل المشرق للخراساني وشعيب الموعودين .
أما وقت خروج هذا اليماني الأول ، فقد حددت الرواية الشريفة أنه قبل السفياني فقط ، وقد يكون قبله بمدة قليلة أو سنين طويلة ، والله العالم .
ومنها ، خبر ( كاسر عينه بصنعاء ) الذي رواه في البحار : 52 / 245 عن عبيد بن زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( ذكر عند أبي عبدالله عليه السلام السفياني فقال : أنى يخرج ذلك ولم يخرج كاسر عينه بصنعاء ) ، وهو من الأحاديث الملفتة الواردة في مصادر الدرجة الأولى مثل غيبة النعماني ولعله صحيح السند .
ويحتمل أن يكون هذا الرجل الذي يظهر قبل السفياني يمانياً ممهداً لليماني الموعود كما ذكرنا ، ويحتمل في تفسير ( كاسر عينه ) عدة احتمالات أرجحها أنه وصف رمزي مقصود من الإمام الصادق عليه السلام لا يتضح معناه إلا في حينه 7 .