نص الشبهة:
يقول علماؤكم : إن للأئمة ولاية تكوينية تخضع لسيطرتها جميع ذرات الكون ، فهل كان شمر قاتل الحسين يخضع للولاية التكوينية ؟! إن قلت : نعم ، فهذا يعني : أن الحسين مات منتحراً ، لأنه لم يستخدم ولايته التكوينية . وإن قلت : لا ، لا يخضع ، كذّبت كل علمائك الذين أجمعوا على القول بالولاية التكوينية .
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
فإننا نجيب بما يلي :
أولاً : إن القول بالولاية التكوينية التي تعني : أن تكون جميع ذرات الكون خاضعة لسيطرة النبي أو الإمام ليس من العقائد التي يدور التشيع مدارها ، أو التي يفرضها الشيعة على الناس ، أو يأخذونهم بها ، بل هو قول لبعض علمائنا .
والذي يقوله الشيعة : هو أن الله تعالى يعطي الأنبياء وأوصياؤهم قدرات تتناسب مع حجم مسؤولياتهم ، فيستفيدون منها وفق ضوابط يرضاها الله تبارك وتعالى . . وفي حدود لا تؤدي إلى مصادرة الحريات التي منحها الله تعالى للناس ، ولا تؤدي إلى التصادم مع اختيارهم . .
ويمكن إعطاء المثال التقريبي لذلك : بأن الله تعالى لم يمنع بني إسرائيل من قتل الأنبياء بغير الحق ، وحين كان لا بد من التدخل ، فقد تدخل في خارج دائرة اختيار الناس ، كما بينه سبحانه وتعالى بقوله : ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴾ 1.
فإنه تعالى لم يمنع الناس من اختيار ما يشاؤون ؛ فلم يحل بينهم وبين اختيار إحراق إبراهيم بالنار ، ولا منعهم من جمع الحطب ، ولا من إحضار المنجنيق ، ولا من وضع إبراهيم فيه ، ولا حال دون إضرام النار ، ولا من إلقائه في وسطها ، بل تدخلت الإرادة الإلهية خارج دائرة اختيارهم ، فحالت بين النار وبين الإحراق ، فقال تعالى للنار : ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴾ 1.
ولو أنه حال بينهم وبين ما يريدون ، لكانت لهم الحجة على الله تعالى ، ولظنوا أنه تعالى يظلمهم بذلك .
ونفس هذا الكلام يقال بالنسبة لاختفاء النبي « صلى الله عليه وآله » في الغار ليلة الهجرة ، فإنه تعالى لم يمنع المشركين من محاصرة بيت النبي ولا منعهم من البحث عنه ، ولا من الإتيان بالقائف لتتبع خط سيره ، وإنما تدخل خارج دائرة اختيارهم ، حيث أنبت الشجر ، ونسجت العنكبوت ، وباضت الحمامة الوحشية على باب الغار .
ثانياً : إن خضوع شمر ويزيد وغيرهم للولاية التكوينية لا يعني جواز سلبهم الاختيار ، والتدخل القسري للحيلولة بينهم وبين ما يريدون ، ولذلك لم يمنع الله فرعون من محاولة قتل موسى « عليه السلام » ، بل تركه يفعل ما يشاء ، ولكنه فلق البحر لموسى ، فلما اقتحم فرعون البحر انطبق عليه ، وغرق .
كما أنه لم يمنع الذين حاولوا صلب عيسى « عليه السلام » من ممارسة ما يريدون ، بل تصرف خارج إرادتهم ، فرفع عيسى إليه ، وألقى الشبه على الذي وشى به ، عقوبة له على ما فعل .
وقد كان رسول الله « صلى الله عليه وآله » قد أكل من الشاة المسمومة التي دستها إليه المرأة الخيبرية ، وقد أثر فيه السم حتى وجد انقطاع أبهره في مرض موته بسبب سمها ـ كما رووه ـ مع أن الله تعالى قد أنطق له كتف تلك الشاة ، بعد أن أخذ بعض اللحم في فمه ، وتأثر بسمه . فلماذا لم ينطق الله تعالى ذلك الكتف قبل تلك اللحظة ؟! أليس تعالى هو المتحكم بكل ذرات الكون ، وبكل شيء في الوجود ؟!
ثالثاً : إن إعطاء القدرة للنبي وللإمام على التصرف في الأشياء لا يعني السماح له بجميع التصرفات ، فأنت لديك القدرة التي تمكنك من فعل ما تريد ، لكن لا يسمح لك بأن تستفيد منها في قتل الناس . .
والله تعالى أعطى سليمان وداود « عليهما السلام » قدرات هائلة . ولكنه لا يسمح لهما بالتصرف فيها حسب أهوائهم ، وكما يشائون ، بل ضمن ضوابط معينة لا يتجاوزونها .
ولو علم أنهم غير معصومين عن التصرف فيها بأهوائهم لم يعطهم تلك القدرات . .
ولأجل ذلك : لم يسمح لسليمان « عليه السلام » بتسليط الجن على الناس ليخيفوهم وليجبرهم بذلك على الإيمان ، مع أن الجن كانوا يأتمرون بأمره ، ويعملون له ما يشاء . .
رابعاً : ألستم تذكرون : أن عمر خاطب سارية وهو محاصر مع جيشه في بلاد بعيدة من المدينة ، وقال له : يا سارية الجبل .
فسمعه سارية ، فالتجأ إلى الجبل ، فنجا هو وجيشه ؟! فلماذا لم يستعمل عمر هذه القدرة ليمنع من قتل أبي عبيدة ؟! وليمنع أبا لؤلؤة من قتله ؟!
والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله . 2 .
- 1. a. b. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 69، الصفحة: 327.
- 2. ميزان الحق . . ( شبهات . . وردود ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1431 هـ . ـ 2010 م ، الجزء الرابع ، الأسئلة الملحقة ، السؤال رقم (196) .