حديث عن النيّة والإخلاص
عَنْ أبي عَبْدِ اللهِ عليه السلام في قَوْلِ اللهِ تَعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَل﴾1، قال عليه السلام: “ليس يعني أكثركم عملاً ولكن أصوبَكم عملاً. وإنّما الإصابة خشية الله والنِّيَّة الصادقة والخشية.
ثمّ قال: “الإبقاء على العمل حتّى يَخْلُصَ أشَدُّ من العمل، والعمل الخالص الّذي لا تريد أن يَحْمَدك عليه أحد إلا الله تعالى أفضل من العمل. ألا وإنّ النِّيَّةَ هي العمل، ثمّ تلا قوله عزّ وجلّ: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ يعني عَلى نِيَّته”2.
التمحيص هو هدف الحياة
إنّ ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾ في الحديث الشريف، إشارة إلى قوله تعالى: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ﴾3.
وقد تقدّم منّا معنى الاختبار والامتحان وكيفية نسبته إلى الحقّ المتعال جلّ جلاله عند شرح بعض الأحاديث، على نحو لا يستلزم الجهل على الذّات المقدّس، ومن دون حاجة إلى تكلّف وتأويل. ولا بدّ من الإشارة إليه بصورة مجملة، هي:
إنّ نفس الإنسان في بدء فطرتها وخلقتها تتمتّع بالاستعداد المحض والقابلية الصرفة، وهي خالية عن كلّ فعلية من ناحية السعادة والشقاء. وبعد حصول الحركات الطبيعية، والأفعال الاختيارية تتحوّل الاستعدادات إلى الفعلية وتنجم التشخّصات والتميّزات.
فانفراد السعيد عن الشقيّ والغثّ عن السمين، يحصل في هذه الحياة. والهدف من تكوّن الحياة هو تمحيص النفوس والتفرقة بين السعيد منها والشقيّ. وعليه تتّضح الغاية المنشودة من وراء اختبار الناس. وأمّا خلق الموت فهو أيضاً دخيل في هذا الفرز والتفريق بين السعيد والشقيّ.
إنّ الحضور نفسه في هذه النشأة الدنيوية وخلق الموت والحياة، باعثان على فرز الأعمال الحسنة عن الأعمال السيئة. أمّا سببيّة خلق الحياة في ذلك فمعلومة، لأنّها سبب النهوض والحركة والعمل. أمّا خلق الموت، فمع العلم بعدم استقرار الحياة الدنيوية، وتيقّن حصول الارتحال من هذه النشأة الفانية، تختلف الأعمال من إنسان لآخر، ويتمّ الفرز بين صالحها وطالحها.
وخلاصة الكلام إنّ المقياس في التفرقة هو الصور الأخروية الملكوتية، وهي لا تحصل إلا بواسطة الأفعال الاختيارية الدنيوية. فاتّضحت الغاية المنشودة من الامتحان والاختبار المترتّب على خلق الموت والحياة من دون بقاء جهل في ذلك.
المقياس في كمال الأعمال
إنّ هذا الحديث الشريف أناط صواب وحسن العمل بأمرين شريفين وجعل المقياس في كمال وتمامية الأعمال، هذين الأصلين:
أحدهما: الخوف والخشية من الحقّ المتعالي.
وثانيهما: النيّة الصادقة والإرادة الخالصة.
وعلينا أن نشرح الصلة القائمة بين هذين الأمرين مع كمال العمل وصوابه، فنقول:
1- الخوف من الله:
إنّ الخوف والفزع من الحقّ المتعالي يوجب خشية النفس وتقواها. والتقوى تُزكّي النفس وتُطهّرها من الدنس والقذارات. وإذا كانت صفحة النفس ناصعة، وطاهرة من حجب المعاصي وكدرها، كانت الأعمال الحسنة مؤثّرة أكثر، وإصابتها للهدف المبتغى أدقّ، وتحقُّق السّر الكبير للعبادات الذي هو ترويض الجانب المادّي للإنسان، وقهر ملكوته على مُلكه ونفوذ الإرادة الفاعلة للنفس بصورة أفضل.
فالخشية من الحقّ سبحانه، التي لها التأثير التام في تقوى النفوس هي من العوامل الكبيرة لإصلاح النفوس، وذات دور في إصابة الأعمال وحسنها وكمالها. لأنّ التقوى مضافاً إلى أنّها من العوامل الكبيرة في إصلاح النفس، تكون ذات قدرة فعّالة في تأثير الأعمال القلبية والظاهرية للإنسان، وتكون سبباً لقبولها أيضاً. كما يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾4.
2- النيّة الصادقة:
العامل الثاني المهمّ في إصابة الأعمال لأهدافها وكمالها، والذي يكون بمثابة القوّة الفاعلة – كما أنّ الخشية، والتقوى الحاصلة منها بمثابة شرط التأثير، وفي الواقع فهما يبعثان على تطهير للقابل، ورفع للمانع-؛ هي النيّة الصادقة والإرادة الخالصة. حيث يكون كمال العبادات ونقصها وصحّتها وفسادها كلّياً تابعاً لها.
وكلّما كانت العبادات أصفى من الشرك وشوب النيّة، كلّما كانت أكمل. وليس في العبادات شيءٌ ذو أهمية مثل النيّة وخلوصها، لأنّ نسبة النيّات إلى الأعمال كنسبة الأرواح إلى الأبدان والنفوس إلى الأجساد. ولا تُقبل عبادة البتّة عند الحقّ المتعالي من دون نيّة خالصة.
والتعريف الجامع للشرك في العبادة، الشامل لكلّ مراتبه هو: إدخال رضا غير الحقّ في العبادة. سواء كان – رضا غير الحق- رضى نفسه أو غيره. إلاّ أنّه إذا كان إدخالاً لرضا غير نفسه من الناس في العبادة، لكان شركاً ظاهرياً ورياءاً فقهياً. وإن كان رضا نفسه كان شركاً خفيّاً وباطنيّاً، والعبادة باطلة، ولا تُعدّ بشيء لدى أهل المعرفة، ولا تكون مقبولة لدى الحقّ سبحانه.
القلب السليم
ورد في الحديث الشريف المنقول عن الكافي بسنده إلى سفيان بن عيينة قال: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾. قال: القَلْبُ السَّليمُ الَّذي يَلْقَى رَبَّهُ وَلَيْسَ فِيهِ أحَدٌ سِواهُ قال: “وَكُلُّ قَلْبٍ فيهِ شِرْكٌ أوْ شَكٌّ فَهُوَ ساقِطٌ وَإِنَّما أرادَ بِالزُّهْدِ فِي الدُّنْيا لِتَفْرَغَ قُلٌوبُهُمْ لِلآخِرَةِ”5.
ومن المعلوم أنّ القلوب التي استقبلت غير الحقّ وتعرّضت لهزّات الشكّ والشرك سواء كان الشرك جليّاً أم خفيّاً فهي ساقطة في محضر القدس الربوبيّ. وإنّ من الشرك الخفيّ الاعتماد على الأسباب والركون إلى غير الحقّ.
وقد ورد عن أبي عبد الله عليه السلام: “إَنّ الشِّركَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ وَقَالَ: مِنْهُ تَحْوِيلُ الخَاتَمِ لَيَذْكُرَ الحَاجَةَ وَشِبْه هذَا”6. ودخول غير الحقّ المتعالي إلى القلب يُعدّ من الشرك الخفيّ. وإخلاص النيّة هو إخراج غير الحقّ سبحانه من مقام الذّات المقدّس – القلب -.
وكما أنّ للشرك مراتب، يكون للشكّ مراتب أيضاً، وأنّ منها الشكّ الجليّ، ومنها الشكّ الخفيّ. وتحصل هذه المراتب نتيجة ضعف اليقين والنقصان في الإيمان. إنّ مطلق الاعتماد على غير الحقّ سبحانه والالتفات إلى المخلوق يكون من جرّاء ضعف اليقين والإيمان، كما أنّ التزلزل في الأمور نتيجة لذلك أيضاً.
ومرتبة إخفاء الشكّ، حالة من التلوّن في القلب وعدم التمكين في التوحيد. فالتوحيد الحقيقيّ، هو إسقاط الإضافات، والتمكين فيه يكون بالخلاص من الشكّ. وإنّ القلب السليم، هو القلب الفارغ من مطلق الشرك والشكّ. وفي هذا الحديث الشريف القائل “وإِنَّما أرادَ بالزهد…” إشارة إلى أنّ الغاية من الزهد في الدنيا هو انصراف القلب شيئاً فشيئاً عن الدنيا وتنفّره عنها، وتوجّهه إلى المقصود الأصليّ والمطلوب الواقعيّ – الحقّ المتعالي – .
ما هو الإخلاص؟
ذكروا تعاريف مختلفة للإخلاص ونحن نذكر بعضها:
قال العارف الحكيم السالك خواجه عبد الله الأنصاري قدس سره: “الإخلاص تصفية العمل من كلّ شوب”7.
وقيل: “هو تنزيه العمل أن يكون لغير الله فيه نصيب”.
وقيل: “هو أن لا يريد عامله عليه عوضاً في الدارين”8.
ونقل عن صاحب غرائب البيان: إنّ المخلصين هم الذين يعبدون الله، ولا يرون أنفسهم ولا العالم ولا أهله في العبودية، ولا يتجاوزون حدود العبودية في مشاهدة الربوبية.
وعندما تتساقط من العبد حظوظه بدءاً من التراب وانتهاءاً بالعرش فقد سلك الدِّين، وهو طريق العبودية الخالصة من رؤية الحوادث ـ غير الله ـ نتيجة شهود الروح لجمال الربّ المتعالي. وهذا هو الدِّين الذي اصطفاه الحقّ المتعالي لنفسه، وأخلصه من غير الحقّ قائلاً: ﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾9. نُقل عن الشيخ المحقّق محي الدِّين ابن عربي أنّه قال: “﴿أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ – أي – عَنْ شَوْبِ الغَيْرِيَّةِ وَالأنانيّة”. فما دامت العبودية والغيرية والأنانية باقية والعابد والمعبود والعبادة والإخلاص والدين حاضرة، يكون – العمل- مشوباً بالغيرية والأنانية وهذا شرك لدى أرباب القلوب.
المواظبة على العمل حتى يخلص
إنّ ما ورد في الحديث الشريف: “الإِبْقَاءُ عَلَى العَمَلِ حَتَّى يَخْلُصَ، أَشَدُّ مِنَ العَمَلِ” حثّ على لزوم المحافظة والمواظبة على الأعمال، التي تصدر عن الإنسان، حين إنجازها وبعد تحقّقها، إذ قد يأتي الإنسان بالعمل من دون عيب ونقص وخالياً من الرياء والعُجب وغيره، ولكنّه بعد العمل وبواسطة ذكره للآخرين يُعاب بالرياء، كما ورد في الحديث الشريف المنقول عن الكافي: عَنْ أبي جَعْفَرٍ عليه السلام أنَّهُ قَالَ: “الإبْقاءُ عَلَى العَمَلِ أشَدُّ مِنَ العَمَلِ. قالَ: وَمَا الإبْقاءُ عَلَى العَمَلِ؟ قالَ: يَصِلُ الرَّجُلُ بِصِلَةٍ وَيُنْفِقُ نَفَقَةً لِلّهِ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ فَكُتِبَ لَهُ سِرّاً ثُمَّ يَذْكُرُها فَتُمْحى فَتُكْتَبُ لَهُ عِلانَيةً ثُمَّ يَذْكُرُها فَتُكْتَبُ لَهُ رِياءً”10.
إنّ الإنسان حتى نهاية حياته لا يأمن أبداً من شرّ الشيطان والنفس، وعليه أن لا يظنّ أنّه عندما أتى بعمل لوجه الله، من دون ملاحظة رضى المخلوق، أصبح في مأمن من شرّ النفس الخبيثة. وإنّه إذا لم يُراقب العلم ولم يواظب عليه، فمن الممكن أن تُجبره نفسه إلى إظهاره أمام الآخرين. وقد يتمّ الإظهار بالإيماء والتلويح، فمثلاً إذا أراد أن يكشف عن صلاة الليل التي أتى بها للناس، التجأ إلى أساليب اللفّ والدوران، فيتحدّث عن حسن جوّ السَّحَرِ أو رداءته وعن مناجاة الناس أو أذانهم في السحر، وضيّع عمله من جرّاء المكائد الخفيّة للنفس، وألغاه من الاعتبار.
يجب أن يكون الإنسان مثل الطبيب الرحيم، والمرافق الرؤوف يُراقب نفسه، ولا يسمح لفلتان زمامها مِنْ يده، لأنّها في لحظة من الغفلة تنفلت من يده وتقوده إلى الذلّ والهلاك. وعلى أيّ حال نستعيذ بالله من شرّ الشيطان والنفس الإمّارة: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾11.
النيّة أفضل من العمل
يقول الحديث الشريف: “النِّيَّةُ أَفْضَلُ مِنَ العَمَلِ”12. واحتمل بعض أنّ هذا المعنى مبالغة، ولكنّه ليس بشيء من المبالغة، بل مبنيّ على الحقيقة، لأنّ النيّة هي الصورة الكاملة للعمل، والفصل المحصِّل له، وصحة العمل وفساده وكماله ونقصه، مرتبطة بالنيّة.
كما أنّ عمل شخص واحد لاختلاف نيّته قد يكون تعظيماً للغير، وقد يكون توهيناً له، وقد يصير تامّاً بها، وقد يصير ناقصاً لفقدانها، وقد يكون من سنخ الملكوت الأعلى وله صورة بهيّة جميلة، وقد يكون من سنخ الملكوت السفلي وله صورة موحشة مخيفة.
إنّ ظاهر صلاة علي بن أبي طالب عليه السلام، وظاهر صلاة المنافق متضاهيان في الأجزاء والشرائط والشكل الظاهريّ، ولكن هذا يعرج بعمله إلى الله، ولصلاته صورة ملكوتية أعلى، وذاك يغور في أعماق جهنّم، ولصلاته صورة ملكوتية سفليّة.
وعند تقديم أهل بيت العصمة عليهم السلام، للفقير أقراصاً من خبز الشعير لوجه الله، تنزل من عند الله سبحانه آيات كريمة في الثناء عليهم، ويحسب الإنسان الجاهل أن تحمّل الجوع ليومين أو ثلاثة أيام ودفع الطعام إلى الفقير أمر مهمّ، رغم أنّ مثل هذه الأعمال يُمكن أن تصدر عن كل شخص، من دون صعوبة. في حين أنّ أهمية هذا العمل تكمن في القصد الخالص والنيّة الصادقة. إنّ روح العمل، القوية واللطيفة والتي تبعث من القلب السليم الصافي، هي مصدر هذه الأهمّية القصوى.
إنّه لا فرق بين المظهر الخارجي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وكافّة الناس، ولهذا عندما كان يدخل عليه صلى الله عليه وآله وسلم شخص من خارج المدينة، وكان عليه الصلاة والسلام جالساً مع مجموعة من المسلمين، يسأل الوافد أيّكم النبيّ؟ إنّ الذي يُفضّل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على غيره، هو روحه الكبيرة، القوية، اللطيفة لا جسمه المبارك وبدنه الشريف. إذن تمام حقيقة الأعمال هو صور الأعمال وناحيتها الملكوتية التي هي النيّة.
المانع من الإخلاص
لا بدّ من معرفة أنّ تخليص النيّة من جميع مراتب الشرك والرياء وغيرها ومراقبتها والمحافظة عليها من الأمور الصعبة والمهمّة جدّاً، بل إنّ بعض مراتبها لا يتيسّر إلا للخلّص من أولياء الله تعالى.
لأنّ النيّة عبارة عن الإرادة الباعثة نحو العمل، وهي تتبع الغايات الأخيرة الدافعة نحو العمل، كما أنّ هذه الغايات تتبع الملكات النفسانية التي تُشكّل باطن ذات الإنسان وشاكلته.
فمن له حبّ الجاه والرياسة، وغدا هذا الحبّ ملكة نفسانية وشاكلة روحه، كان منتهى أمله البلوغ إلى سدّة الزعامة، وكانت أفعاله الصادرة عنه تابعة لتلك الغاية، وكان دافعه ومحرّكه هو مبتغاه النفسي المذكور، وصدرت عنه أعماله للوصول إلى ذلك المطلوب.
فما دام هذا الحبّ في قلبه، لا يُمكن أن يصير عمله خالصاً. ومن صار حبّ النفس والأنانية ملكة له، وشاكلة نفسه، كانت غاية مقصده ونهاية مطلوبه الوصول إلى ما يُلائم نفسه وكان الدافع والمحرّك له في هذه الأعمال، نفس هذه الغاية، سواء كانت الأعمال للوصول إلى مطلوب دنيوي أو أخروي من قبيل الحور والقصور والجنّات ونِعَم ذلك العالَم.
بل ما دامت الأنانية، والذّاتية موجودة، كان إقدامه أو سلوكه لتحصيل المعارف ـ الربوبية ـ والكمالات الروحية، لنفسه ونفسانياته من حبّ للنفس لا من حبّ لله. ومن المعلوم أنّهما لا يجتمعان، بل إذا أحبّ الله كان، من أجل نفسه وليس من أجل الله وكانت غاية المقصود ونهاية المطلوب نفسه ونفسانيّاته.
الخطوة الأولى نحو الإخلاص
إنّ طريق تخليص الأعمال من جميع مراتب الشرك والرياء وغيرها ينحصر في إصلاح النفس وملكاتها، ويكون ذلك مَعيناً لكلّ الإصلاحات، ومصدراً لجميع المعارج والكمالات.
فإذا أخرج الإنسان حبّ الدنيا عَبْرَ الترويض العلمي أو العملي من قلبه، كانت غايته المنشودة شيئاً آخر غير الدنيا، وخلصت أعماله من الشرك الأعظم الذي هو جلب أنظار أهل الدنيا وكسب موقع لديهم، وطهرت نيّته، وتساوى عنده العمل في الجلوة أو الخلوة في السرّ أو العلن.
وإذا أخرج الإنسان من قلبه حبّ النفس بالرياضة النفسية، فبالمقدار الذي يفرغ القلب من حبّ النفس، يمتلئ حبّاً لله، وتخلص أعماله من الشرك الخفي أيضاً. وما دام حبّ النفس في القلب، وما دام الإنسان يعيش في البيت المظلم للنفس، لا يكون مسافراً إلى الله تعالى، بل يعدّ من المخلّدين في الأرض.
فإنّ الخطوة الأولى نحو الله، تتمثّل في ترك حبّ النفس، والوطء بقدمه على الأنانية والذّاتية. وهذا هو المقياس في السفر إلى الله.. قال بعض: إنّ هذا هو أحد معاني الآية الكريمة: ﴿وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمً﴾13، أي من يخرج من بيت نفسه ويُهاجر إلى الحقّ في الرحلة المعنوية ثم يُدركه الفناء التام كان أجره على الله تعالى.
* كتاب جهاد النفس في ضوء فكر الإمام الخميني، نشر دار المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة هود، الآية 7.
2- الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 16.
3- سورة تبارك، الآيتان 1 – 2.
4- سورة المائدة، الآية 27.
5- الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 16.
6- الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج 3، ص 409.
7- الشيخ الأنصاري، منازل السائرين، ص 31، قسم المعاملات، باب الإخلاص.
8- الشيخ البهائي، الأربعين، ص 159، ح 37.
9- سورة الزمر، الآية 3.
10- الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 297.
11- سورة يوسف، الآية 53.
12- العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 67، ص 238.
13- سورة النساء، الآية 100.