ولد عليه السلام بسر من رأى في ليلة النصف من شعبان سنة ۲٥٥ هجري خمس وخمسين ومئتين (۱).
اُمّه عليه السلام مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم ، واُمّها من ولد الحواريين ، تنسب إلى شمعون وصي المسيح عليه السلام ، ولما أُسرت ، سمّت نفسها نرجس ، لئلّا يعرفها الشيخ الذي وقعت إليه ، ولمّا اعتراه من النور والجلاء بسبب الحمل المنوّر سمّيت صقيلا ، [ صيقلا ـ ظ ].
وامّا كيفية الولادة فروي عن حكيمة بنت أبي جعفر الجواد عليه السلام قالت : بعث إليّ أبو محمد الحسن بن علي عليه السلام فقال : يا عمّة اجعلي افطارك الليلة عندنا فإنّها ليلة النصف من شعبان ، فإنّ اللّه تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة ، وهو حجّته في أرضه ، قالت فقلت له : ومن اُمّه ؟ قال لي : نرجس ، قلت له : واللّه جعلني اللّه فداك ما بها أثر ، فقال : هو ما أقول لك ، قالت : فجئت فلمّا سلّمت وجلست ، جاءت تنزع خفي وقالت لي : يا سيّدتي كيف أمسيت ؟ فقلت : بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي ، قالت : فانكرت قولي وقالت ما هذا يا عمّة ؟ قالت فقلت لها : يا بنيّة انّ اللّه تبارك وتعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة ، قالت : فجلست واستحت ، [ استحيت خ د ] فلمّا فرغت من صلاة العشاء الآخرة افطرتُ واخذت مضجعي ، فرقدت ، فلمّا ان كان في جوف الليل قمتُ إلى الصلاة ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث ، ثمّ جلست معقبة ، ثم اضطجعت ، ثمّ انتبهت فزعة وهي راقدة ، ثمّ قامت فصلّت ، قالت حكيمة : فدخلتني الشكوك ، فصاح بي أبو محمد عليه السلام من المجلس ، فقال : لا تعجلي يا عمّة فان الأمر قد قرب ، قالت : فقرأت الم السجدة ويس ، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة ، فوثبت إليها ، فقلتُ : اسم اللّه عليك ، ثمّ قلت لها : تحسّين شيئاً ؟ قالت : نعم يا عمّة ، فقلت لها اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك ، قالت حكيمة ، ثمّ أخذتني فترة وأخذتها فترة ، فانتبهت بحسّ سيّدي ، فكشفت الثوب عنه فإذا أنا به عليه السلام ساجداً يتلقّى الأرض بمساجده ، فضممته إليّ فإذا أنا به نظيف منظف ، فصاح بي أبو محمّد عليه السلام : هلمّي إليّ ابني يا عمّة ، فجئت به إليه ، فوضع يديه تحت إليتيه وظهره ، ووضع قدميه على صدره ، ثمّ أدلى لسانه في فيه وأمر يده على عينيه وسمعه ومفاصله ، ثمّ قال تكلّم يا بنيّ ، فقال : اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً صلّى اللّه عليه وآله وسلم رسول الله ، ثم صلّى على أمير المؤمنين عليه السلام وعلى الأئمّة إلى ان وقف على أبيه ثمّ احجم ، قال أبو محمّد عليه السلام : يا عمّة اذهبي به إلى اُمّه ليسلّم عليها وائتيني به ، فذهبت به فسلّم عليها ورددته ووضعته في المجلس ، ثمّ قال يا عمّة : إذا كان يوم السابع فأتينا ، قالت حكيمة : فلمّا أصبحت جئت لأسلم على أبي محمد عليه السلام فكشفت الستر لأفتقد سيّدي ، فلم أره ، فقلت له : جعلت فداك ما فعل سيّدي ، فقال : يا عمّة استودعناه الذي استودعته أمّ موسى عليه السلام ، قالت حكيمة : فلمّا كان في اليوم السابع جئت وسلّمت وجلست ، فقال : هلمّي إليّ ابني ، فجئت بسيّدي في الخرقة ففعل به كفعلته الأولى ثمّ أدلى لسانه في فيه كأنّه يغذّيه لبناً أو عسلاً ، ثمّ قال : تكلّم يا بنيّ ، فقال : أشهد أن لا إله إلا اللّه وثنى بالصلاة على محمّد وعلى أمير المؤمنين والأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين حتّى وقف على أبيه عليه السلام ، ثمّ تلا هذه الآية ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ).
وفي رواية اُخرى فلمّا كان بعد أربعين يوماً دخلت على أبي محمّد عليه السلام فإذا مولانا الصاحب يمشي في الدار ، فلم أر وجهاً أحسن من وجهه ولا لغة أفصح من لغته ، فقال أبو محمد عليه السلام : هذا المولود الكريم على اللّه عزّ وجلّ ، فقلت : سيّدي أرى من أمره ما أرى وله أربعون يوماً ، فتبسّم وقال : يا عمّتي أما علمت إنّا معاشر الأئمة ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في السنة ، فقمت فقبلت رأسه وانصرفت ، ثمّ عدت وتفقدته فلم أره ، فقلت لأبي محمد عليه السلام ما فعل مولانا ؟ فقال : يا عمّة استودعناه الذي استودعت اُمّ موسى.
وروي عن محمّد بن عثمان العمري (۲) قدس اللّه روحه قال : لما ولد الخلف المهدي صلوات اللّه عليه سطع نور من فوق رأسه إلى عنان السماء ، ثمّ سقط ساجداً لربّه تعالى ذكره ، ثمّ رفع رأسه وهو يقول : أشهد أن لا إله إلا هو ، والملائكة اولو العلم ، قائماً بالقسط ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، ان الدِّين عند اللّه الإِسلام.
قال : وكان مولده ليلة الجمعة ، وقال : ولد عليه السلام مختوناً ، وسمعت حكيمة تقول : لم تر بأمّه دماً في نفاسها ، وهذا سبيل أمّهات الأئمّة عليهم السلام.
وروي عن جارية لأبي محمّد عليه السلام قالت : لما ولد السيّد رأيت له نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ افق (۳) السماء ، ورأيت طيوراً بيضاء تهبط من السماء ، وتمسح اجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ، ثمّ تطير ، فأخبرنا أبا محمد عليه السلام بذلك ، فضحك ثمّ قال : تلك ملائكة السماء نزلت لتتبرّك به ، وهي أنصاره إذا خرج.
وروي عن أبي جعفر العمري رضي الله عنه قال لمّا ولد السيّد قال أبو محمّد عليه السلام : ابعثوا إليَّ أبا عمرو ، فبعث إليه ، فقال اشتر عشرة آلاف رطل خبزاً وعشرة آلاف رطل لحماً ، وفرقها حسبة على بني هاشم ، وعقّ عنه بكذا وكذا شاة.
وعن نسيم الخادم قال : دخلت على صاحب الزمان عليه السلام بعد مولده بليلة (٤) فعطست عنده ، فقال لي : يرحمك اللّه ، قال نسيم : ففرحت بذلك ، فقال لي : الا اُبشّرك في العطاس ؟ فقلت : بلى ، قال : هو أمان من الموت ثلاثة أيّام.
وروي انّه ورد من أبي محمّد عليه السلام على أحمد (٥) بن إسحاق كتاب ، وإذا فيه مكتوب بخطّ يده الذي كان يرد به التوقيعات عليه ، ولد المولود فليكن عندك مستوراً ، وعن جميع الناس مكتوماً ، فانّا لم نظهر عليه إلّا الأقرب لقرابته ، والمولى لولايته ، أحببنا إعلامك ليسرّك الله به كما سرّنا ، والسلام.
فروي : انّه كان بقم منجّم يهودي موصوف بالحذق بالحساب ، فأحضره أحمد بن اسحاق وقال له : قد ولد مولود في وقت كذا وكذا ، فخذ الطالع واعمل له ميلاداً ، قال : فأخذ الطالع ونظر فيه وعمل عملاً له ، وقال لأحمد بن إسحاق : لست أرى النجوم تدلّني ـ فيما يوجبه الحساب ـ انّ هذا المولود لك ، ولا يكون مثل هذا المولود إلّا نبيّاً أو وصيَّ نبي ، وانّ النظر ليدلّ على انّه يملك الدنيا شرقاً وغرباً وبرّاً وبحراً وسهلاً وجبلاً حتّى لا يبقى على وجه الأرض أحد إلّا دان بدينه ، وقال بولايته.
وروي عن طريف أبي نصر الخادم قال : دخلت على صاحب الزمان عليه السلام ـ وهو في المهد ـ فقال لي : عليّ بالصندل الأحمر ، فأتيته به ، فقال : أتعرفني ؟ قلت : نعم أنت سيّدي وابن سيّدي ، فقال : ليس عن هذا سألتك فقلت فسر لي (٦) ، فقال : أنا خاتم الأوصياء ، وبي يرفع البلاء عن أهلي وشيعتي.
وفي إثبات الوصيّة ، وروي عن أبي محمد عليه السلام انّه قال : لمّا ولد الصاحب عليه السلام بعث الله عزّ وجلّ ملكين فحملاه إلى سرادق العرش حتّى وقف بين يدي الله ، فقال له مرحباً بك ، وبك أعطي وبك اعفو وبك اُعذّب ، ثمّ روى مسنداً عن نسيم ومارية قالتا : لما خرج صاحب الزمان عليه السلام من بطن اُمّه ، سقط جاثياً على ركبتيه (۷) ، رافعاً سبابته نحو السماء ، ثمّ عطس ، فقال : الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وآله ، عبد داخر لله (۸) غير مستنكف ولا مستكبر ، ثم قال : زعمت الظلمة انّ حجة الله داحضة (۹) ولو اذن لنا في الكلام زال الشك.
الهوامش
۱. وقيل في ۱۳ شعبان ، وقيل في ۱٤ منه ، والأصحّ ما ذكره المصنّف وبه جزم الطبرسي والكليني وغيرهما من من الأعاظم.
۲. أبو جعفر العمري بفتح العين هو محمّد بن عثمان بن سعيد الأسدي وكيل مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه وأبو عمرو كنية والده سلام الله عليهما ويقال له أبو عمرو والسمان والزيات الأسدي من أصحاب أبي جعفر محمّد بن علي الثاني عليه السلام خدمه وله إحدى عشرة سنة وله إليه عهد معروف وهو وكيل أبي محمّد عليه السلام وهو أجلّ وأشهر من أن يذكر. روى الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبي علي أحمد بن إسحاق بن سعد عن أبي محمّد الحسن بن علي عليه السلام انّه قال : العمري وابنه ثقتان فما ادّيا إليك فعني يؤدّيان وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فانّهما الثقتان المأمومان وكانت توقيعات صاحب الأمر صلوات الله عليه تخرج على يدي عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر رضي الله عنهما إلى شيعته وخواصّ أبيه أبي محمّد عليه السلام ـ منه ـ.
۳. الافق : الناحية. ما ظهر من نواحي الفلك ماساً الأرض.
٤. بعشر ليال في رواية اُخرى ـ منه ـ.
٥. أحمد بن إسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري القمي ثقة جليل روى عن الجواد و الهادي عليهما السلام وكان خاصّة أبي محمّد عليه السلام وهو شيخ القمِّيين رأى صاحب الزمان صلوات اللّه عليه وعن ربيعة الشيعة أنّه من الوكلاء وانّه من السفراء والأبواب المعروفين الذين لا تختلف الشيعة القائلون بإمامة الحسن بن علي عليه السلام فيهم وروى الصدوق انّه توفّي بخلوان في منصرفه من عند أبي محمد عليه السلام وانّه كان أخبره بقرب وفاته ويأتي ما يدلّ على جلالته منه ، عفى عنه.
٦. استدعاء بصيغة الأمر من التفسير.
۷. أيّ جلس على ركبتيه فهو الجاثي.
۸. أي ذليل حقير.
۹. داحضة ـ بالدال ـ أي باطلة زائلة.
مقتبس من كتاب الأنوار البهيّة في تواريخ الحجج الإلهيّة