من تأمَّلَ قليلاً في سيرة صاحب النهضة الحسينية المباركة و درس أهداف و نتائج نهضته الميمونة لأدرك أن الحسين (عليه السَّلام) لم يمت في كربلاء يوم عاشوراء بل وُلد الإسلام في ذلك اليوم من جديد بعد أن كاد يموت و يعفى أثره.
نعم لقد احيى الامام الحسين (عليه السَّلام) الإسلام في يوم عاشوراء و حصَّنه تحصيناً منيعاً بحيث يبقى و يزدهر حتى يتصل بدولة القائم من آل محمد (عليهم السَّلام) العالمية، هذا من جانب و من جانب آخر فلقد خلد الحسين (عليه السَّلام) نفسه بحياة الإسلام، فالحسين باقٍ ما بقي الإسلام، و الإسلام باقٍ ما بقي الحسين، فالاسلام محمدي الوجود و حسيني البقاء.
و ذلك لأننا نجد أن الأهداف المعلنة من قِبل الإمام حسين (عليه السَّلام) قُبَيل نهضته قد تحققت تماماً، فالإسلام باقٍ و الأذان باقٍ و الصلاة باقٍ، و ذِكرُ النبي (صلى الله عليه و آله) و ذِكرُ أهل بيته (عليهم السَّلام) باقٍ، و في المقابل لم يبق لبني أمية أي ذكر، إلا اللعنة و التاريخ السيء المظلم.
و يشهد بذلك ما رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) أنَّهُ قَالَ: “لَمَّا قَدِمَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَ قَدْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، اسْتَقْبَلَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَ قَالَ: يَا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، مَنْ غَلَبَ؟ ـ وَ هُوَ يُغَطِّي رَأْسَهُ وَ هُوَ فِي الْمَحْمِلِ ـ .
قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: “إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ مَنْ غَلَبَ وَ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَأَذِّنْ ثُمَّ أَقِمْ” 1 .
أي أنه ما دام الأذان و الإقامة و الصلاة باقية فالإسلام باقٍ و هو الغالب.
نعم إذا أردت أن تشاهد حياة النهضة الحسينية و جريانها و شموخها ألق بنظرة إلى كربلاء خاصة في مثل هذه الأيام، محرم و صفر، و ألق بنظرة أخرى إلى مجالس الحسين (عليه السَّلام) في العالم فستعرف أن الإسلام باقٍ و الحسين باقٍ و نهضته مستمرة، و انظر أيضاً إلى ضريح الحسين (عليه السَّلام) في كربلاء و إلى الجموع المليونية ـ في كل مناسبة و غير مناسبة ـ التي تحوم حول القبر الشريف فستعرف أن عاشوراء متجددة في كل سنة بل في كل يوم.
كل يوم عاشوراء و كل ارض كربلاء
لقد أجاد من قال: “كل يوم عاشوراء و كل ارض كربلاء” فهي مقولة حكيمة ترمز إلى حياة النهضة الحسينية و جريانها، و هي مقولة معروفة لشخصية غير معروفة، و هذه المقولة رغم أنها ليست حديثاً مروياً عن المعصومين (عليهم السَّلام) ، لكنها كلمة معبرة و حكيمة و قيِّمة المقصود منها أن النهضة الحسينية المباركة و واقعة كربلا الأليمة واقعة حية و نابضة و نهضة جارية في حقيقتها و مفعولها و دروسها و تأثيراتها و ان مضى عليها زمن طويل.
لكن هناك من يخطئ فهمها مع الاسف و يتحامل عليها متصوراً أن المقصود منها هو أن كل نهضة محقة في أي نقطة من نقاط الأرض تضاهي في أهميتها النهضة الحسينية و كربلاء المقدسة ـ الكلام الذي لم يقله أحد ـ ، فيقول في مقام الرَّد: “لا يوم كيومك يا أبا عبد الله” و نحن نكرر و نقول: “لا يوم كيومك يا أبا عبد الله”، لكن أين هذا من ذاك!
1. بحار الأنوار : 45 / 177.