بسم الله الرحمن الرحيم
نعماؤه تحيط بنا ولا تحصى : ﴿ … وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ 1.
﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ 2.
الحَمْدُ للهِ الَّذَي لاَ يَبْلُغُ مِدْحَتَهُ القَائِلُونَ، وَلاِ يُحْصِي نَعْمَاءَهُ العَادُّونَ، ولاَ يُؤَدِّي حَقَّهُ الُمجْتَهِدُونَ.3
الْحَمْدُ للهِ غَيْرَ مَقْنُوطٍ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَلاَ مَخْلُوٍّ مِنْ نِعْمَتِهِ. 4
نتقلب بين النعم ونحن غافلون !
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ﴾ 5.
…وَأَنْتَ فِي كَنَفِ سِتْرِهِ مُقيِمٌ، وَفِي سَعَةِ فَضْلِهِ مُتَقَلِّبٌ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ فَضْلَهُ، وَلَمْ يَهْتِكْ عَنْكَ سِتْرَهُ، بَلْ لَمْ تَخْلُ مِنْ لُطْفِهِ مَطْرِفَ عَيْنٍ فِي نِعْمَةٍ يُحْدِثُهَا لَكَ، أَوْ سَيِّئَةٍ يَسْتُرُهَا عَلَيْكَ، أَوْ بَلِيَّةٍ يَصْرِفُهَا عَنْكَ.6
…وَلَوْ فَكَّروا فِي عَظِيمِ الْقُدْرَةِ، وَجَسِيمِ النِّعْمَةِ، لَرَجَعُوا إِلَى الطَّرِيقِ، وَخَافُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ، وَلكِنَّ الْقُلُوبَ عَلِيلَةٌ، وَالْأَبْصَارَ مَدْخُولَةٌ! 7
النعم ظاهرة وباطنة
﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً … ﴾ 8.
عن علي ” إن من النِعم سعة المال ، وأفضل من سعة المال صحة البدن ، وأفضل من صحة البدن تقوى القلوب”.
وعن علي ” فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ قَدْ امْتَنَّ عَلَى جَمَاعَةِ هذِهِ الْأُمَّةِ فِيَما عَقَدَ بَيْنَهُمْ مِنْ حَبْلِ هذِهِ الْأُلْفَةِ الَّتِي يَنْتَقِلُونَ فِي ظِلِّهَا، وَيَأْوُونَ إَلَى كَنَفِهَا، بِنِعْمَةِ لاَ يَعْرِفُ أَحَدٌ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ لَهَا قِيمَةً، لِأَنَّهَا أَرْجَحُ مِنْ كُلِّ ثَمَنٍ، وَأَجَلُّ مِنْ كُلِّ خَطَرٍ..”9
النعم ليست مادية فقط
﴿ … وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ … ﴾ 10.
وعن النبي صلى الله عليه وآله : “من لم ير لله عزّ وجلّ عليه نعمة إلا في مطعم أو مشرب أو ملبس فقد قصُر عمله ودنا عذابه”
…ان النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي ( ع ) : قل : ما أول نعمة أبلاك الله عز وجل وأنعم عليك بها ؟ قال : أن خلقني جل ثناؤه ولم أك شيئا مذكورا ، قال : صدقت ” .
ومن دعوات مولانا الحسين بن علي يوم عرفة
” …وَإِنْ أَعُدَّ نِعَمَكَ وَمِنَنَكَ وَكَرَائِمَ مِنَحِكَ لَا أُحْصِيهَا .
يَا مَوْلَايَ أَنْتَ الَّذِي أَنْعَمْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَحْسَنْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَجْمَلْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَفْضَلْتَ ، أَنْتَ الَّذِي مَنَنْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَكْمَلْتَ ، أَنْتَ الَّذِي رَزَقْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَغْنَيْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَقْنَيْتَ ، أَنْتَ الَّذِي آوَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي كَفَيْتَ ، أَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَ ، أَنْتَ الَّذِي عَصَمْتَ ، أَنْتَ الَّذِي سَتَرْتَ ، أَنْتَ الَّذِي غَفَرْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَقَلْتَ ، أَنْتَ الَّذِي مَكَّنْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَعْزَزْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَعَنْتَ ، أَنْتَ الَّذِي عَضَدْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَيَّدْتَ ، أَنْتَ الَّذِي نَصَرْتَ ، أَنْتَ الَّذِي شَفَيْتَ ، أَنْتَ الَّذِي عَافَيْتَ ، أَنْتَ الَّذِي أَكْرَمْتَ ، تَبَارَكْتَ رَبِّي وَ تَعَالَيْتَ ، فَلَكَ الْحَمْدُ دَائِماً ، وَ لَكَ الشُّكْرُ وَاصِباً.
ثُمَّ أَنَا يَا إِلَهِي الْمُعْتَرِفُ بِذُنُوبِي فَاغْفِرْهَا لِي ، أَنَا الَّذِي أَخْطَأْتُ ، أَنَا الَّذِي أَغْفَلْتُ ، أَنَا الَّذِي جَهِلْتُ ، أَنَا الَّذِي هَمَمْتُ ، أَنَا الَّذِي سَهَوْتُ ، أَنَا الَّذِي اعْتَمَدْتُ ، أَنَا الَّذِي تَعَمَّدْتُ ، أَنَا الَّذِي وَعَدْتُ ، أَنَا الَّذِي أَخْلَفْتُ ، أَنَا الَّذِي نَكَثْتُ ، أَنَا الَّذِي أَقْرَرْتُ…
إِلَهِي أَعْتَرِفُ بِنِعْمَتِكَ عِنْدِي، وَأَبُوءُ بِذُنُوبِي فَاغْفِرْ لِي، يَا مَنْ لَا تَضُرُّهُ ذُنُوبُ عِبَادِهِ، وَهُوَ الْغَنِيُّ عَنْ طَاعَتِهِمْ، وَالْمُوَفِّقُ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ صَالِحاً بِمَعُونَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، فَلَكَ الْحَمْدُ إِلَهِي، أَمَرْتَنِي فَعَصَيْتُكَ، وَنَهَيْتَنِي فَارْتَكَبْتُ نَهْيَكَ، فَأَصْبَحْتُ لَا ذَا بَرَاءَةٍ فَأَعْتَذِرَ، وَلَا ذَا قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرَ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَسْتَقْبِلُكَ يَا مَوْلَايَ ، أَبِسَمْعِي أَمْ بِبَصَرِي أَمْ بِلِسَانِي أَمْ بِرِجْلِي ، أَلَيْسَ كُلُّهَا نِعَمَكَ عِنْدِي ، وَبِكُلِّهَا عَصَيْتُكَ، يَا مَوْلَايَ فَلَكَ الْحُجَّةُ وَالسَّبِيلُ عَلَيَّ ، يَا مَنْ سَتَرَنِي مِنَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ أَنْ يَزْجُرُونِي ، وَمِنَ الْعَشَائِرِ وَالْإِخْوَانِ أَنْ يُعَيِّرُونِي، وَمِنَ السَّلَاطِينِ أَنْ يُعَاقِبُونِي، وَلَوِ اطَّلَعُوا يَا مَوْلَايَ عَلَى مَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنِّي إِذًا مَا أَنْظَرُونِي وَلَرَفَضُونِي وَقَطَعُونِي، فَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ يَا سَيِّدِي خَاضِعاً ذَلِيلًا حَقِيراً ، لَا ذُو بَرَاءَةٍ فَأَعْتَذِرَ ، وَلَا قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرَ”.
أدب التعامل مع النعم
1. الحمد والشكر والطاعة
يا كميل إنه لا تخلو من نعمة الله عز وجل عندك وعافيتـِه ، فلا تخلُ من تحميده وتمجيده وتسبيحه وتقديسه وشكره وذكره على كل حال ، يا كميل لا تكونن من الذين قال الله عز وجل : ﴿ … نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ … ﴾ 11ونسبهم الى الفسق ﴿ … أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ 11.
وفي زبور داود عليه السلام: أن الله يقول: يا بن آدم!.. تسألني وأمنعك؛ لعلمي بما ينفعك.. ثم تلح عليّ بالمسألة، فأعطيك ما سألت؛ فتستعين به على معصيتي.. فأهمّ بهتك سترك، فتدعوني، فأستر عليك.. فكم من جميل أصنع معك، وكم من قبيح تصنع معي!.. يوشك أن أغضب عليك غضبة لا أرضى بعدها أبداً .
2. إستحضار النعم
“سيدي أنا الصغير الذي ربيته ، وأنا الجاهل الذي علمته ، وأنا الضال الذي هديته ، وأنا الوضيع الذي رفعته ، وأنا الخائف الذي آمنته ، والجائع الذي أشبعته ، والعطشان الذي أرويته ، والعاري الذي كسوته ، والفقير الذي أغنيته . والضعيف الذي قويته ، والذليل الذي أعززته ، والسقيم الذي شفيته ، والسائل الذي أعطيته ، والمذنب الذي سترته ، والخاطئ الذي أقلته ، القليل الذي كثرته ، والمستضعف الذي نصرته…”
3. مجاورتها وإجتناب تنفيرها بالمعصية
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ 12.
عن رسول الله (ص): أحسنوا مجاورة النعم بشكرها والقيامِ بحقوقها ولا تنفروها، فانها قل ما نفرت عن قوم فعادت إليهم .
كونوا في الدنيا أضيافاَ ، واتخذوا المساجد بيوتاً، وعوِّدوا قلوبكم الرِّقة، وأكثروا من التفكر والبكاء من خشية الله ، ولا تختلفن بكم الأهواء، تبنون ما لا تسكنون ، وتجمعون ما لا تأكلون ، وتأملون ما لا تُدركون .
وقال عليه السلام: إحْذَرُوا نِفَارَ النِّعَمِ فَمَا كُلُّ شَارِدٍ بِمَرْدُودٍ13
4. عدم الإسراف
عن الكاظم (ع): “واللّه ينزل المعونة على قدر المؤونة، وينزل الصبر على قدر المصيبة، من اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة، ومَن بذر وأسرف زالت عنه النعمة”.
5 . كفران النعم مقدمة لزوالها
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ 14.
﴿ ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ 12.
وكفران نعمة المال بتبذيرها ومنعها والتفريط بها …. وكفران نعمة الصحة والفراغ بعدم الإستفادة منها وتضييع فترة الشباب والصحة والفراغ التي سرعان ما تنقضي.. وكفران نعمة الأمان … وكفران نعمة الاسلام… وكفران نعمة الذرية الصالحة بالسكوت عن لهوهم وفسادهم…
6. حفظها…بإلفات النظر إليها
﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ 15.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ﴾ 5.
- 1. القران الكريم: سورة ابراهيم (14)، الآية: 34، الصفحة: 260.
- 2. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 18، الصفحة: 269.
- 3. نهج البلاغة الخطبة رقم 1.
- 4. نهج البلاغة الخطبة رقم 45.
- 5. a. b. القران الكريم: سورة فاطر (35)، الآية: 3، الصفحة: 434.
- 6. نهج البلاغة الخطبة رقم 223.
- 7. نهج البلاغة الخطبة رقم 185.
- 8. القران الكريم: سورة لقمان (31)، الآية: 20، الصفحة: 413.
- 9. نهج البلاغة الخطبة رقم 192.
- 10. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 231، الصفحة: 37.
- 11. a. b. القران الكريم: سورة الحشر (59)، الآية: 19، الصفحة: 548.
- 12. a. b. القران الكريم: سورة الأنفال (8)، الآية: 53، الصفحة: 184.
- 13. نهج البلاغة حكمة رقم 246
- 14. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 112، الصفحة: 280.
- 15. القران الكريم: سورة الضحى (93)، الآية: 11، الصفحة: 596.