مقالات

النظام السياسي في الإسلام…

يختلف النظام السياسي الإسلامي اختلافاً عن النظام السياسي التحرري الرأسمالي السائد في العالم ، فلكل من هذين النظامين أدواته و موازينه الخاصة به .

فالنظام السياسي الإسلامي صنع الله الخالق المقتدر على كل شيء ، و النظام السياسي الرأسمالي من صنع المخلوق ، و بعبارة أدق من صنع مجموعة فلاسفة لم يجلسوا معاً ، إنما وضع كل واحد منهم نظرية معينة في موضوع معين ، ثم قامت الطبقة البرجوازية بجمع هذه النظريات فأوجدت منها النظام السياسي السائد في العالم .
و لأن الطبقة البرجوازية هي الطبقة الحاكمة في كل أوروبا و الولايات المتحدة ، و لأن هذه الدول هي الأقوى في العالم ، أخذت دول العالم الثالث الضعيفة تقلد هذه الدول و تتبنى نظرياً نظامها السياسي ، الذي رسمنا معالمه و نظرته للإنسان و حقوقه ، و نحن لسنا ضد هذا النظام و لا معه ، و مهمتنا وضع الشواخص التي تساعد الإنسان ليحكم نفسه بنفسه و يمارس كافة حقوقه بالفعل لا بالقول ، و بالتطبيق العملي لا بالنظر والتجريد ، ليحقق سعادته المادية و الروحية معاً .

1. الفوارق بين النظام الإسلامي و الأنظمة الوضعية

من هذه الفوارق أن وجود الجمعيات أو الأحزاب السياسية ضرورة أساسية في عمل الأنظمة التحررية ، بحيث لا تستقيم الحياة السياسية إلا بوجودها . أما في النظام السياسي الإسلامي فلا ضرورة لوجودها ، بل يشكل نشازاً و عبئاً يعيق تطبيق النظام الإسلامي ، و العلة في ذلك طبيعة النظامين :
1 ـ فمصدر النظام الإسلامي هو الله سبحانه و تعالى الذي وضع قواعده رحمة بالخلق و أرسل الأنبياء ( عليهم السلام ) ليبشروا به و ختمهم بمحمد ( صلى الله عليه و آله ) ، و معه صراط الله المستقيم و شريعته الشاملة لكل شؤون الحياة ، القادرة على إصلاح البشرية كلها ، أوحاها الله إلى نبيه و أمره أن يعمل بها بعد أخذ موافقة المحكومين التعاقدية عليها ، و هي حكماً في مصلحة عباد الله الذين خلقهم و أحبهم .
أما الأنظمة الوضعية السائدة في العالم ، فإن أنصارها يفخرون بأنه مصدرها الأساسي مجموعة من الفلاسفة و المفكرين من أشهرهم : جون لوك ، و منتسكيو ، و روسو ، و فولتير ، و كانت ، و آدم سمث ، و ريكاردو ، و مالتوس ، و جان باست ساى ، و فردريك باسيا و بنتام . فقد طرح كل واحد من هؤلاء رأياً أو فكرة أو نظرية اعتبرت فيما بعد مقدسة ، و جرى تركيبها فنشأ النظام التحرري الرأسمالي الوضعي .
فجون لوك مثلاً : قال بوجود نوعين من القوانين : طبيعية و وضعية ، و أن الطبيعية كانت كافية ، لكن لأن الإنسان ينشد الكمال فوضع صيغه بين الجماعة المحكومة و الفرد الحاكم هي العقد الإجتماعي ، و منه انبثقت فكرة السلطة المقيدة أصلاً بالقوانين الطبيعية ، كقانون العدل . و يجب أنه تتوزع السلطات بين عدة أطراف منعاً للإستبداد في السلطة ، كما يجب الفصل التام بين الكنيسة و السلطة ، لأن منبع القوانين هي الأرض و ليست السماء !!
أما منتسكيو : فأكد وجود قوانين طبيعية و نواميس حتمية ، و ضرورة وجود قوانين وضعية يصل إليها الإنسان بالفكر ، كما نادى بضرورة الفصل بين السلطات .
و أما رومو ، فنادى بنظرية العقد الإجتماعي و مبدأ المساواة ، و بما أن المساواة اختلت لبغي القوي علي الضعيف ، دخلت الجماعة بعقد إجتماعي بإرادتها لتحقيق المساواة . و القانون و السلطة و الدولة ليست إلا ثمرة إرادت الأفراد و حصيلتها .
و أكد على أن الإرادة العامة أعلى سلطة في المجتمع ، فلا يجوز أن يقام عليها رقيب . و لذلك نادى بالديمقراطية المباشرة .
ثم نشأت حركة فكرية فلسفية قامت على أساس التحالف بين المفكرين و الطبقة البرجوازية ضد السلطة المطلقة للملوك ، و توغلت في أوساط الشعوب ، و نسفت الأساس الفكري الذي قام عليه الحكم المطلق المتحالف مع علماء الكنيسة .
ثم تكون هذا النظام وشق طريقه في الحياة السياسية في بريطانيا ، و الولايات المتحدة ، ثم انتشر في كل أوروبا وفي أكثرية دول العالم الثالث .
و هؤلاء الفلاسفة بشر ، يحتمل منهم الخطأ والصواب ، ولم يقل أحد إنهم أنبياء أو معصومون من الخطأ ، بل يؤكد كل الذين يتبنون النظام التحرري أنه نظام وضعي مادي بحت ، يقوم على استبعاد الجانب الروحي والأخلاقي من الإنسان و المجتمع .
2 ـ و هناك اختلاف جوهري آخر ، و هو شمول الشريعة الإسلامية و نقص القوانين الوضعية ، فالشريعة الإسلامية بمجموعها تبين كيف وجدت الحياة ، و لماذا ، و كيف تنتهي ، و كيف ينظر الإنسان الى الكون و الحياة ، فهي نظام للفرد كفرد ، و للمجتمع كمجتمع ، و للسلطة كسلطة ، و للجنس البشري كله ، تنظم حياتهم على انفراد وعلاقاتهم مع بعضهم ، ومع خالقهم ومع العالم المحيط بهم ، و ترفدهم جميعاً بدعوة متعززة بدولة ، متعززة بأهداف و مثل عليا . فللفرد هدف ، و للمجتمع هدف ، و للسلطة هدف ، و للجنس البشري هدف ، و كلها تصب في مكان واحد دلهم عليه خالقهم و واضع شريعتهم ، وحدد السبل والأساليب اللازمة للوصول إلى هذه الأهداف .
3 ـ تمتاز شريعة الإسلام بأنها عقيدة عالمية تضع الحلول المناسبة لقضايا العالم ، وأنها مسندة بالقرآن و هو كلام الله ، و بسنة الرسول ( صلى الله عليه و آله ) ، فتطبيقها مؤيد بزاجر دنيوي هو العقوبة على مخالفتها ، و زاجر ذاتي وهو شعور الإنسان برقابة الله على سلوكه .
و رغم شمول هذه الشريعة ، إلا أنها تمتاز على القوانين الوضعية بأنها لا تغرق الإنسان بمئات المصادر و المراجع و القوانين ، لأن لها مصدراً واحداً هو القرآن الكريم ، و هذا القرآن لابد له من بيان يقيني لأنه عام ، و كان الشخص المخول بالبيان هو الرسول ( صلى الله عليه و آله ) أو الإمام الشرعي الذي اختاره الله و بايعته الأمة ، و بذلك يكون للأمة مرجع واحد اختاره الله و رشحه ، و تعاقدت معه الأمة بالإجماع و بايعته » 1 .
أما الأنظمة التحررية الرأسمالية فالشريعة أو القانون النافذ فيها من صنع السلطة التشريعية التي انتخبها جزء من الجسم الإنتخابي ، و قامت بوضع كافة القوانين و الأنظمة ، و عند ما تنتهي ولاية الأشخاص الذين يشكلون السلطة التشريعية و يأتي آخرون ليحلوا محلهم يكون بإمكان الهيئة الجديدة أن تعدل أو تبدل القوانين و الأنظمة ، فكل هيئة تشريعية مخولة بوضع القانون أو تعديله أو تبديله .
4 ـ هنالك اختلاف آخر بين النظام الإسلامي و الأنظمة الرأسمالية في تعدد السلطة و وحدتها ، ففي النظام الرأسمالي تتعدد السلطة فتكون : سلطة تشريعية و سلطة تنفيذية تختارها السلطة التشريعية و تعمل برضاها و موافقتها ، و سلطة قضائية مستقلة تقوم بحل بعض المنازعات وفقاً لأحكام القانون الذي وضعته السلطة التشريعية .
أما في النظام السياسي الإسلامي ، فهناك وحدة في السلطة ، فالإمام وحده هو الذي يتولى الوظيفة التنفيذية و القضائية وحده ، و يستعين بمن يشاء لإنجاز هاتين المهمتين ، و هو الذي يحدد النص الشرعي الواجب تطبيقه على الواقعة موضوع الخلاف ، أما الشريعة فهي محسومة لأنها بكاملها من الله تعالى ، و مهمة الإمام و المجتمع تنحصر في تطبيقها بكل دقة و إخلاص .
5 ـ و هنالك اختلاف آخر بين النظامين ، و هو الفرق في مؤهلات و كفاءات من يتولى السلطة ، ففي الأنظمة التحررية الرأسمالية لا يشترط فيه شروط خاصة ، و يكفي أن يكون مجيداً للقراءة و الكتابة ، فيكون عضواً في هيئة السلطة التشريعية ، أو رئيساً لها أو وزيراً في السلطة التنفيذية . كذلك لا يشترط فيه أن يكون مقبولاً من كل الشعب أو حتى نصفه ، فلو شارك في الإنتخاب مليون من عشرة ملايين ، فلا أحد في النظام التحرري يسأل عن التسعة ملايين الذين لم يمارسوا حقهم في الانتخاب ، و لا أحد يعنيه أمرهم ! فقط يتحدث المجتمع عن الذين فازوا في الإنتخابات و يسمون أنفسهم ممثلي المجتمع مع أن الذين انتخبوهم لا يتجاوزوا عشرة بالمئة !
أما في النظام السياسي الإسلامي فيجب وجوباً على كل بالغ ذكراً كان أم أنثى أن يتعاقد شخصياً مع الإمام الذي اختاره الله ، و أن يضع يده بيد الإمام كناية عن تمام التعاقد ، و لا يجوز لأحد أن يتخلف عن بيعة الإمام ، و إذا تخلف أحد سأل الإمام عن أسباب عدم بيعتهم ، و الخلاف تحله أحكام الشريعة الإسلامية ، و من واجب جميع المسلمين أن يقبلوا حكم الشريعة ، بدلاً من الرأي .
و إذا بايع المسلمون الإمام فالعلاقة بينهم لا تنتهي ، فلا حواجز بين الإمام و بين المسلم بل بإمكان كل أحد أن يجتمع مع الإمام و يسمعه رأيه و يشكو له ، و يطلب منه تلبية حاجاته ، هكذا فعل رسول الله ، و هكذا فعل الإمام علي .
ثم إن الإمام لا يعيش حياة مرفهة و في قصر منيف ، إنما يجب عليه وجوباً أن يعيش بمستوى معيشة أقل واحد من رعيته ، و هكذا فعل رسول الله ، وأمير المؤمنين علي .

2. الأحزاب السياسية ليست ضرورة للنظام الإسلامي

عرفت أن الأحزاب السياسية ضرورة في الأنظمة التحررية الرأسمالية ، و بدونها لا تقوم لهذه الأنظمة قائمة ، أما النظام الإسلام السياسي فله طبيعته الخاصة به ، و آلياته و أدواته ، فما يصلح في النظام السياسي الإسلامي لا يصلح في الأنظمة التحررية الرأسمالية الوضعية ، كذلك لا تصلح آليات هذه الأنظمة و أدواتها للنظام الإسلامي و هذا نتيجة حتمية للإختلاف الجذري بينهما ، و هو أمر تحتمه طبيعة الأمور و منطقيتها فلو ركبت جناحي طائرة على سيارة مثلاً فلن تطير ، لأن الجناح ليس من طبيعتها ، بل يضرها و لا ينفعها . و النظام السياسي الإسلامي لم ينطلق من فراغ أو من نقطة الصفر التي انطلقت منها الأنظمة التحررية الرأسمالية ، بل انطلق من علم يقيني بالتجارب الإنسانية الماضية التي علمها الله عندما وضع الشريعة ، و من استكشاف يقيني للمستقبل الذي علمه الله و لحظه عند وضعه الشريعة ، و معرفة يقينية بفطرة الإنسان و ميوله و اتجاهاته و غرائزه و ما يصلحه و ما يصلحه و ما يفسده .
إن هذه الدوائر الثلاثة « العلم اليقيني بالماضي مهما كان سحيقاً ، و العلم اليقيني بالمستقبل مهما كان بعيداً ، و العلم اليقيني بالفطرة الإنسانية و ما يصلحها » كشفت سوء طالع الأحزاب و تاريخها الأسود ! ثم إنه لا عمل جذرياً للأحزاب في ظل النظام السياسي الإسلامي ، فالإمام معد و مهيأ ليسمع رأي كل جماعة أو فرد و يستجيب له إن كان صالحاً وفق الموازين الشرعية ، و أبواب التعاون و التشاور و التواصل مفتوحة أمام الجميع ، و هي فروض و واجبات شرعية مفروضة على الإمام و الفرد و المجتمع معاً ، فلا تبقى ضرورة و لا حاجة للأحزاب ، بل قد يعيق وجودها ذلك كله ! و هذا طبعاً في ظرف حكم الإمام المعصوم ، أما في حكم غيره فوجود الأحزاب خير من عدمها .

3. لماذا لم يشكل النبي حزباً ؟

لو شكل النبي ( صلى الله عليه و آله ) حزباً لما كان فيه منافق ، و لما كان فيه ضعيف الإيمان ، و لا مهزوز اليقين ، و لانحصرت عضويته بالصفوة الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ، لكن بعد الجهد و العناء سيجد النبي ( صلى الله عليه و آله ) أن أعضاء هذا الحزب أقلية في المجتمع ، و لا يشكلون فيه إلا شعرات بيضاء في جلد ثور أسود ، و بالتالي يشعر الآخرون بأنهم ليسوا من أتباعه ، فتتسع دائرة النفاق و ينقلب المجتمع الإسلامي على نفسه ، و يبدأ بالتآكل ثم ينفرط عقده و يتبعثر أفراده و ينهار ! فلو شكل النبي حزباً من الصفوة لأغلق عملياً أبواب الصلاح و التوبة ، و لما كان بإمكان الفاسد أنه يستفيد من الصالح .
لقد بين الإسلام أن الناس حزبان حزب الله و حزب الشيطان ، و حدد الصفات التي تجعل الإنسان عضواً في حزب الله و حض الناس على التحلي بها ، و حدد الصفات التي تجعل الإنسان عضواً في حزب الشيطان و حث على الخلي عنها . ثم أعطى الناس الحرية ليختاروا عضوية أي واحد من الحزبين .
كان الرسول ( صلى الله عليه و آله ) على يقين بأن بعض أصحابه منافقون ، لكنه لم يقل قط لمنافق بالذات أنت منافق ، لأنه مأمور أن يحافظ على قانون الإمتحان و الإبتلاء .
كان يعرف أن من أصحابه الذين في قلوبهم زيغ ، و الذين في قلوبهم مرض ، لكنه لم يقل لأي واحد منهم أنت في قلبك زيغ أوفي قلبك مرض ! بل كان يصف له العلاج دون أن يشعره حتى لا يخدش مشاعره ، و يتعامل معهم كأنه يطمع بشفاء الجميع و صلاحهم ، فإنما هو مكلف بالظاهر و الباطن لله تعالى .
بل إذا لم يرجع المنافق عن نفاقه ، و من في قلبه زيغ عن زيغه ، و من في قلبه مرض عن مرضه ، فعسى الله أنه يبعث من ذريتهم صالحين ، و ليس من المصلحة أن يفرزوا و يتزيلوا و يحشر المنافقون و المرضى و الزائغون في زاوية ، و بالتالي لا أحد يدري كيف يتصرف المحصور المحشور ! فهذا تعريض للمجتمع أن ينقلب فيتهدم كل ما بناه النبي ( صلى الله عليه و آله ) و يعود الكفر كما كان !
لكن النبي لفت النظر إلى فئات خطيرة تضمر الشر للمجتمع ، و تتربص الفرص للإنقضاض على الإسلام ، فوسمهم بميسم خاص و حددهم حصراً ، و حذر منهم !
1 ) فبين أن هنالك جزء من أصحابه الخلص المحسوبين عليه سيرتدون على أعقابهم بعد موته ، و سيعصونه و يخالفون أمره ، و لكنه لم يسمهم بأسمائهم إلا لعترته .
2 ) و سمى الرسول أعداء الله السابقين ، الذين تظاهروا بالإسلام يوم فتح مكة ( الطلقاء ) ليعرفهم الجميع ، فيحذروا من مكرهم و حقدهم بعد موته .
3 ) و سمى بعض أئمة الكفر الذين أظهروا الإسلام فيما بعد بالمؤلفة قلوبهم ، و حذر منهم . و هذا أقصى ما يستطيع أن يفعله ( صلى الله عليه و آله ) دون إثارة حفائظ القوم عليه ، و دون أن يغلق باب التوبة و الصلاح بوجوه المنحرفين عن الحق . و لو أخذ المسلمون تحذيرات النبي ( صلى الله عليه و آله ) على الجد والتقوى لما وقع ما وقع ، و لتغير التاريخ تماماً . فالخطر وقع على أمته من أصحابه الذين حذر منهم ، و من الطلقاء و المؤلفة قلوبهم !
و ما يعنينا هنا أنه يمكن القول إن الإسلام لم يبح تشكيل حزب في زمن النبي ( صلى الله عليه و آله ) ، و لو كانت الحزبية محبذة في‏الإسلام لكان النبي أول من شكل حزب الله من الصفوة أهل التقى ، لكن الخطر في ذلك أن آثار تشكيله ستمتد إلى المستقبل ، و سيقفل الباب على أجيال آتية صالحة بعضها في أصلاب الطالحين ، فمعاوية الثاني هو ابن شر خلق الله يزيد ، و هو حفيد معاوية الذي خرج على إمام الهدى ، و حفيد أبي سفيان إمام الكفر و قائد الأحزاب ، و بالرغم من فساد الأب و الجد و والد الجد ، كان معاوية الثاني فتىً صالحاً و رفض أنه يتولى الخلافة لأنها ليست من حقه ، إنما هي حق خالص لإمام أهل البيت ( عليهم السلام ) . و على ضوء ذلك كله لم يحبذ الإسلام تعدد الأحزاب و لا الحزب الواحد ، لأن فكرة التحزب من حيث المبدأ لا تتفق مع طبيعته و أهدافه !

4. تعدد الأحزاب في القرآن الكريم

وردت كلمة الأحزاب في القرآن الكريم عشر مرات لفئات مذمومة ، و هي :
﴿ … وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ … ﴾ 2 .
﴿ … وَمِنَ الأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ … ﴾ 3 .
﴿ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ … ﴾ 4 .
﴿ … وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ … ﴾ 5 .
﴿ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الْأَحْزَابُ ﴾ 6 .
﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ … ﴾ 7 .
﴿ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم مِّثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ ﴾ 8 .
﴿ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ … ﴾ 9 .
﴿ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا … ﴾ 5 .
﴿ جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ ﴾ 10 .
و يلاحظ أن كلمة الأحزاب في‏ هذه الآيات البينات جاءت للدلالة على مجموعات تتبنى الكفر و تنكر الحق ، و تمتهن الإختلاف و الكذب !
ولم ترد كلمة الأحزاب و لو مرة واحدة في القرآن كدليل على خير ، و هذا قمة التنفير من كلمة الأحزاب ، و من نظام تعددية الأحزاب .
ثم إن هنالك تحريماً قاطعاً و صريحاً لتفتيت وحدة الأمة و بعثرتها إلى جماعات مختلفة و أحزاب متنافرة ، بدليل قوله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ ﴾ 11 .
و قد وبخ الله سبحانه الأمم الأخرى التي فرقت جماعتها و ضربت وحدتها فصارت أحزاباً مختلفة و متنافرة ، قال تعالى : ﴿ … وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ 12 ﴿ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ 13 .
و ذكر القرآن أن خطة التحزيب و تقسيم المجتمع إلى فئات متناحرة ، من وسائل الطغاة لتفريق كلمة المجتمع ليكون الطاغية الحكم بينها و لينسى الناس مظالمهم ، و ينشغلون عنها بخلافاتهم ! قال تعالى : ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا … ﴾ 14 .
ثم ذكر أن التحزب غضبٌ من الله تعالى على المجتمع ، فإذا غضب الله على قوم جعلهم أحزاباً و أغرى بعضهم ببعض و أذاق الأحزاب بأس بعضها ! قال تعالى : ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ 15 .
و هذا قمة التنفير من التحزب على الباطل و تعدد الأحزاب .
و أخيراً ، فقد قاد الرسول الأعظم ( صلى الله عليه و آله ) الدعوة الإسلامية بنفسه ، و أقام النظام الإسلامي و ترأس الدولة بنفسه قرابة عشر سنين ، فلو كان تعدد الأحزاب مشروعاً لما سبقه إلى ذلك أحد ، و لنصح أبناء المجتمع الإسلامي بتشكيل الأحزاب المختلفة ! لكن لم يرو راو قط أن الرسول ( صلى الله عليه و آله ) خلال فترة قيادته للنظام الإسلامي أمر بإيجاد تنظيمات حزبية سياسية أو شبيه ذلك ، أو أقره ، بل كان مع توجه القرآن الكريم الذي حذر من الحزبية و من تعدد الأحزاب ، لأنها كانت نذر شؤم و طوالع خراب المجتمعات الإنسانية السابقة . و كذلك نرى أن أمير المؤمنين الإمام عليا ( عليه السلام ) أثناء رئاسته للنظام الإسلامي لم يجز الحزبية و لا تعدد الأحزاب .

5. الحزبان الواقعيان حزب الله و حزب الشيطان

لم يكن في النظام السياسي الإسلامي ، الذي أنزله الله و أقامه الرسول ( صلى الله عليه و آله ) وجود شرعي معترف به لأحزاب سياسية علنية على شاكلة الأحزاب السياسية المعروفة اليوم سواء أحملت هذه الأحزاب اسم حزب الله ، أو ما شابه معناه ، أو إسم حزب الشيطان أو ما شابهه . بل كان المجتمع الإسلامي الذي أقامه الرسول ( صلى الله عليه و آله ) يضم جميع المسلمين الذين تلفظوا بالشهادتين ، و أقاموا الصلاة ، و آتوا الزكاة ، و صاموا رمضان ، و أظهروا الطاعة لله و لرسوله . و كان فيهم ضعيف الإيمان و قويَّه ، و فيهم الصادق الذي يعمل بأعمال حزب الله ، و فيهم من يعمل بأعمال حزب الشيطان ، و لكن حسب الظاهر كلهم مسلمون يشكلون أمة مسلمة متميزة عن غيرها من الأمم و الجماعات التي كانت تقيم في الجزيرة العربية .
كان الرسول على علم يقيني بحقيقة الأوضاع في هذا المجتمع الإسلامي ، وعلى علم تام بوجود الإختلاف و التفاوت في النية و العمل و الإخلاص ، و لكنه لم يرد أن يجابه أي إنسان مباشرة بحقيقة حاله . بل كان يرشد الجميع إلى الأعمال التي تجعلهم حقاً و حقيقة من عباد الله المخلصين و من حزب الله ، و يحذر الجميع من الوقوع في الأعمال التي يقترفها أعضاء حزب الشيطان ، و كانت الحرية متاحة أمام كل مسلم ليختار العمل الذي يريد .
فالمجتمع الذي أسسه الرسول و قاده لم يكن مجتمعاً من الملائكة ، بل من البشر ، و في‏ أنفس أفراده ما في النفس البشرية من قابليات للخير و للشر ، و فيه صالحون رضي الله و رسوله عنهم ، يعملون الخير كله و يجتنبون الشر كله ، و فيه فاسدون و مردة مردوا على النفاق يظهرون الإسلام و محبة الرسول و المسلمين و يخفون الكفر و الشرك و الحقد على رسول الله و على آله و على المسلمين ، و يتآمرون في الخفاء مع أعداء الإسلام ، رافضين بذلك ولاية الرسول أو قيادته ، و رافضين دينه من حيث الأساس !!
كانت هذه الفئة تشكل مشكلة حقيقة و خطراً ماثلاً على المجتمع الإسلامي ، لأنهم حقيقة صاروا حزباً فعلياً للشيطان ، كان الرسول شخصياً يعرفهم بواسطة الوحي ، و لكنه حسب مقتضيات العدل الإلهي و مقتضيات الإبتلاء يقبل منهم ما أظهروه و يترك ما أخفوه لله ، فلم يحدد المنافقين بأسمائهم إلا نادراً ، إنما عرف للناس بصفاتهم و بيَّنَ أن ذنب المنافق أكبر من ذنب الكافر و عذابه أشد ، و أسوأ المنافقين الذين في قلوبهم مرض ، ثم الذين في قلوبهم زيغ .
و هكذا تشكلت في المجتمع الإسلامي من الناحية الواقعية و الفعلية جماعتان أو حزبان ، جماعة الله أو حزب الله ، و جماعة الشيطان أو حزب الشيطان ، و بقيت السياسة العامة بالتعامل مع الظاهر قائمة ، لكن الضرورات العملية حتمت وجود معايير أو موازين يستعين بها المؤمنون لمعرفة من مع الشيطان و من مع الله ، من الأفراد الذين يعيشون في مجتمع واحد و يصلون في مسجد واحد و يقومون بنفس الأعمال ، و قد يسكنون في بيت واحد ! فعبد الله بن أبي كان منافقاً ، و ابنه كان مؤمناً !!
كانت ظاهرة النفاق من أخطر الظواهر التي واجهها الإسلام و مع ذلك أمكن التغلب عليها بإيجاد المعايير و الموازين التي تميز أفراد جماعة الله عن أفراد جماعة الشيطان و كانت معايير بسيطة لكن فاعليتها كبيرة ، ولم تخدش كبرياء المنافقين، ولم تخل بمبدأ المساواة بين المسلمين ، ولم تخرج عن التعامل مع الظاهر ، و بنفس الوقت تساعد المؤمن على معرفة المنافق حتى يحذره .

6. من هم حزب الله تعالى

وردت كلمة حزب الله في القرآن الكريم مرتين و هما قوله تعالى : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ 16 .
و قوله تعالى : ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ 17 .
و معنى الآيتين أن من يقبل بولاية أو قيادة الله و رسوله و الذين آمنوا فهو من حزب الله ، و من يرفض ولاية أو قيادة الله و رسوله و الذين آمنوا فهو من حزب الشيطان .
فأعضاء أو جماعة حزب الله يحددون مواقفهم من كل الناس بما فيهم الآباء و الأبناء و الأخوة و العشيرة على ضوء موقف هؤلاء الناس من قبول أو عدم قبول ولاية الله و رسوله و الذين آمنوا ، فإن قبل بها الناس أحبوهم ، و إن كرهوها كرهوهم حتى لو كانوا أقاربهم . فآيتا سورة المائدة و هي آخر سورة نزلت على الرسول ( صلى الله عليه و آله ) تحدد من هم أصحاب الحق الشرعي بالقيادة أو الولاية ، و هم : 1) الله 2) رسول الله 3) الذين آمنوا . و الله تعالى معروف ، و لكنه لا ينزل إلى الأرض ليتولى الولاية أو القيادة بنفسه إنما يعهد بهذه الولاية أو القيادة إلى الرسول فمن يوال الرسول و يطيعه ، فقد والى الله و أطاعه ، و من يرفض ولاية الرسول و يعصيه ، فقد رفض ضمناً ولاية الله و عصاه .
و الرسول لن يعيش للأبد بل هو ميت لا محالة ، و بعد موته يتولى الذين آمنوا القيادة فمن يقبل بولايتهم و يطيعهم فقد قبل بولاية الله و رسوله و أطاعهما ، و بالتالي فهو من حزب الله حكماً ، و من يرفض ولايتهم و قيادتهم و يعصي أوامرهم فقد رفض ولاية الله و رسوله و قيادتهما و عصاهما ، و بالتالي فهو من حزب الشيطان .
فالآيتان حددتا القيادة أو الولاية النافذة في المجتمع ، و وصفتا الذين آمنوا بصفة فريدة و نادرة تميزهم عن غيرهم ، و هي أنهم : ﴿ … يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ 18 أي يؤتون الزكاة و هم في حالة الركوع ، و هذه حالة فريده لم تقع في التاريخ الإسلامي كله إلا مرة واحدة !!
فالقبول بولاية أو قيادة الذين آمنوا هي المعيار الأوحد و الميزان الفرد لمعرفة منتسبي حزب الله و منتسبي حزب الشيطان ، فكافة منتسبي حزب الله يوالون الذين آمنوا ، و كافة منتسبي حزب الشيطان يرفضون ولايتهم أو قيادتهم .
أما الآية الواردة في سورة المجادلة فتبرز الصفات الأساسية لمنتسبي حزب الله ، و هي أنهم يحبون من أحب أصحاب الولاية أو القيادة و يكرهون من يكرههم ، فهي تختص بسلوك أتباع هذه الولاية أو القيادة .

7. معنى كلمة « الولي » الواردة في الآية

في اللغة معاني كثيرة لكلمة « الولي » ، و من هذه المعاني الأمير الأعلى ، أو القائد ، أو المرجع ، و هذا هو المعنى المقصود في الآية « إنما وليُّكم » و لا يستقيم معها غيره ، و استعمل الله كلمة ولي لتدل على أن الله و الرسول و الذين آمنوا هم القادة و هم الأمراء و هم المراجع ، و أنهم أولى بكل إنسان من نفسه ، فلا يكفي التسليم بقيادتهم و إمارتهم و مرجعيتهم ، بل لا بد من التسليم بأنهم أولى بكل إنسان من نفسه ، لذلك استعمل الله كلمة ولي بدلاً من كلمة الأمير أو القائد أو المرجع ، و جعل ولاية الرسول و الذين آمنوا على نسق ولاية الله تعالى . يدلنا على ذلك قوله تعالى : ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ … ﴾ 19 و قول الرسول للناس في غدير خم : « ألست أولى بكل مؤمن نفسه » « ألست وليكم » ؟
و حتى لا يكون في صدر أهل السنة حرج من ذلك ، فهذا هو تفسير أبي بكر لمعنى الولي : قال أبو بكر عندما استخلف عمر « إني ما ولَّيت ذا قرابة » 20 . و هو يقصد بذلك منصب الإمارة الكبرى أو الخلافة ، و قال للعباس « إن الله قد بعث محمداً نبياً و للمؤمنين ولياً » 21 . و يقصد بالولي القائد الأعلى أو الأمير .
و لما أدركت عمر المنيّة أخذ يصيح و يقول لو أدركت فلاناً لوليته ، و لو أدركت علاناً لوليته ، و لو أدركت زيداً لوليته ، و يقصد بذلك أن يوليه القيادة أو منصب الخلافة . و ما يعنينا هنا أنه من يتخذ الله و رسوله و الذين آمنوا ولياً أو قائداً له ، فهو من حزب الله ، و من يرفض ولايتهم أو قيادتهم له ، فهو من حزب الشيطان .

8. معنى كلمة « الذين آمنوا » الواردة في هذه الآية

من المهم تحديد المعنى اليقيني لكلمة « الذين آمنوا » لذلك لابد من تحديد أسباب نزول الآية ، و استحضار بيان الرسول لها :
1ـ أسباب نزول الآية : أهل بيت النبوة مجمعون على أن آية الولاية نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، و إجماع أهل البيت حجة شرعية قاطعة على كافة المسلمين ، لأن أهل البيت أعدال الكتاب فهم أحد الثقلين ، و لأن الله أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً . و يضاف إليه أنه ما يشبه الإجماع بين مفسري أهل السنة بأن هذه الآية قد نزلت فعلاً في أمير المؤمنين علي ، و على سبيل المثال راجع » 22 .
فالثعلبي الذي قال عنه ابن خلكان إنه أوحد زمانه قال إن سبب نزول آية الولاية أن علياً بن أبي طالب تصدق بخاتمه و هو راكع ، كما هو مفصل في تفسيره . و هنالك دعا محمد ( صلى الله عليه و آله ) ربه بالدعاء الذي دعا فيه موسي ربه . . إلى أن قال : « واجعل لي وزيراً من أهلي، علياً أشدد به ظهري » . قال أبوذر الغفاري : « والله ما أتم رسول الله دعاءه حتى نزل عليه جبريل و معه آية الولاية » .
و قد عبر عنه بالجمع ولم يقل « و الّذي آمن » تعظيماً لشأنه و إشارة إلى من بعده ، كالجمع في آية المباهلة ، فقد أطلق الله لفظ الأبناء على الحسن و الحسين ، و لفظ الأنفس عليه و على علي ، و لفظ النساء على فاطمة وحدها .
و علي ليس هو الولي الوحيد للمؤمنين بعد النبي ، بل هنالك أحد عشر إماماً كلهم من صلبه و كلهم من ذرية النبي و أهل بيت النبوة ، و كل واحد منهم أولى بكل مؤمن و مؤمنة من نفسه ، في زمانه .
هذا بيان الرسول الأعظم للآية ، فالإمام علي هو رأس الذين آمنوا ، و المقصود الأول منهم ، فمن يعتبر الإمام علي هو الولي من بعد النبي و يقبل بولايته و يطيعه فقد قبل حكماً بولاية الله و بولاية رسوله ، و هو بالتالي من حزب الله ، و من يرفض ولاية الإمام علي و لا يطيعه فقد رفض حكماً ولاية الله و رسوله و عصاهما ، و هو بالتالي من حزب الشيطان . و نفس القاعدة تنطبق على الذين قبلوا أو رفضوا ولاية أي إمام من أئمة أهل البيت الذين اختارهم الله و أعلنهم رسوله ( صلى الله عليه و آله ) . قال الإمام العاملي : « إنما أتى بعبارة الجمع دون عبارة المفرد بقياً منه تعالى على كثير من الناس ، فإن شانئي علي و أعداء بني هاشم و سائر المنافقين و أهل الحسد و التنافس لا يطيقون أن يسمعوها بصيغة المفرد ، إذ لا يبقى لهم حينئذ مطمع في تمويه ، و لا ملتمس في التضليل فيكون منهم بسبب يأسهم حينئذ ما يخشى عواقبه على الإسلام ، فجاءت الآية بصيغة الجمع مع كونها للمفرد اتقاء من معرتهم ، ثم كانت النصوص بعدها تترى بعبارات مختلفة و مقامات متعددة ، و بث فيهم أمر الولاية تدريجاً تدريجاً حتى أكمل الله الدين و أتم النعمة ، جرياً منه ( صلى الله عليه و آله ) على عادة الحكماء في تبليغ الناس ما يشق عليهم . و لو كانت الآية بالعبارة المختصة بالمفرد لجعلوا أصابعهم في آذانهم و استغشوا ثيابهم و أصروا و استكبروا استكباراً ، و هذه الحكمة مطردة في كل ما جاء في القرآن الحكيم من آيات فضل أمير المؤمنين و أهل بيته الطاهرين ، كما لا يخفى » 23 .

9. السنة تثبت أن الإمام علي هو المقصود بآية الولاية

قال الرسول ( صلى الله عليه و آله ) للإمام علي أمام الصحابة « أنت وليي في الدنيا و في الآخرة » 24 .
و قال الرسول لأصحابه : « إن علياً مني و أنا منه و هو ولي كل مؤمن بعدي » 25 .
و قال الرسول لرجل اشتكى علياً أمام الصحابة : « لا تقع فيه فإنه مني و أنا منه و هو وليكم بعدي » 26 . و قال لرجل ادعى أن الإمام علي أخذ جارية من الغنائم : « أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية و أنه وليكم بعدي » 27 . و قال لعلي أمام الصحابة : « أنت ولي كل مؤمن بعدي » 28 . و قال لعلي أمام الصحابة : « يا علي سألت الله فيك خمساً ، فأعطاني أربعة : … و أعطاني أنك ولي المؤمنين من بعدي » 29 . و قال لأحد أصحابه : « لا تقل هذا لعلي فإنه وليكم بعدي » و قال في رواية : « فهو أولى الناس بكم بعدي » 30 . و قال لأصحابه يوماً « علي مني و أنا من علي و لا يؤدي عني إلا أنا أو علي » 31 .
و قال لأصحابه « من أطاعني فقد أطاع الله ، و من عصاني فقد عصا الله ، و من أطاع علياً فقد أطاعني ، و من عصا علياً فقد عصاني » 32 . و قال لعلي أمام أصحابه : « يا علي من فارقني فقد فارق الله و من فارقك فقد فارقني » .
و في غدير خم سأل رسول الله المجتمعين : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ فقال المسلمون بلى ، عندئذٍ قال الرسول : « من كنت وليه فهذا علي وليه » 33 .
و في نفس الجمع قال : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهم وال من والاه و عاد من عاداه » 34 .
و هذه النصوص النبوية القاطعة التي سقناها قدمت الإمام علي كولي وحيد للأمة من بعد النبي ، فإذا أضفنا إليها تقديم النبي له كخليفة له ، و كوصي ، و كإمام ، و كأمير للمؤمنين ، و كسيد للعرب ، و سيد للمسلمين ، لا يبقى لدى أي عاقل شك بأن كلمة الولي الواردة في آية الولاية تعني قطعاً الإمارة و القيادة ، و أن كلمة « الذين آمنوا » الواردة في هذه الآية تعني قطعاً الإمام علياً ( عليه السلام ) . فمن يحب الرسول ويطيعه ويقبله قائداً أو أميراً أو ولياً فهو من حزب الله ، ومن يحب الإمام علي و يطيعه و يقبل به قائداً أو أميراً أو ولياً فهو أيضاً من حزب الله ، و من يرفض ولاية الرسول و طاعته أو يرفض ولاية الإمام علي و طاعته ، فكأنما رفض ولاية الله و طاعته ، و بالتالي فهو ليس من حزب الله ، و بالتحديد هو من حزب الشيطان .
فالمعيار الأوحد للتمييز بين أعضاء حزب الله و أعضاء حزب الشيطان هو حب الرسول و الإمام علي و طاعتهما ، و القبول بقيادتهما أو أمارتها أو ولايتهما للأمة .

10. شيوع هذا المعيار الأوحد في المجتمع الإسلامي

إذا كان المنافقون يرفضون في قرارة أنفسهم ولاية محمد نفسه ( صلى الله عليه و آله ) ، فكيف يقبلون بولاية الإمام علي ( عليه السلام ) ، بل كان المنافقون يكرهون علياً أكثر من كراهيتهم للنبي ، لأن علياً كان يد النبي التي يبطش بها ، فالنبي هو الآمر و علي‏ المنفذ ، و يرى المنافقون أن الإمام علي هو الماكنة الكبرى التي صنعت انتصارات النبي في كل المعارك ، و أنه الأقرب للنبي و الأحب إليه ، لذلك كرهه المنافقون و حقدوا عليه و امتلأت قلوبهم ببغضه حتى قبل أن تعلن ولايته رسمياً ، و لما أعلن النبي ولايته ازدادوا له بغضاً و حقداً ، و كرهوا ولايته ، و أخذوا يبحثون عن الحلفاء و يسعون في نقض ولايته . لذلك كان المنافقون يعرفون في بغضهم لعلي حتى قبل إعلان ولايته .
و قد أرشد الرسول المؤمنين إلى طريق سهلة لمعرفة المنافقين و أعضاء حزب الشيطان حتى يصار إلى الحذر منهم ، فبيّن للمسلمين بأن الله تعالى أوحى إليه « بأن أي منافق لا يحب علياً ، و أن المؤمن لا يبغض علياً » 35 !
فصار هذا هو المعيار الموضوعي لمعرفة المنافقين و أعضاء حزب الشيطان في المجتمع ، و هو معيار وضعه الله تعالى و أعلنه رسوله ، و أحيط الجميع به علماً ، فإذا رأى الناس شخصاً يكره علياً و يبغضه علموا أنه منافق من حزب الشيطان ، و إن كان يحب علياً عرفوا أنه مؤمن من حزب الله . و بهذا المعيار الدقيق أمكن معرفة المنافق و المؤمن و معرفة أتباع حزب الله ، و صار هذا المعيار حقيقة من الحقائق في المجتمع ، فقد أعلن الإمام علي مرات متعددة قائلاً : « إنه لعهد النبي الأمي إليّ ، أنه لا يحبني إلا مؤمن ، و لا يبغضني إلا منافق » 36 . و قال أبوسعيد الخدري : « كنا نعرف المنافقين نحن معاشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب » 37 . و قال أبو ذر الغفاري : « ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله و رسوله و التخلف عن الصلوات ، و البغض لعلي بن أبي طالب » 38 . و قال ابن مسعود : تلى بن عباس قوله تعالى : ﴿ … يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ … ﴾ 39 هو علي بن أبي طالب ، وقال كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله ببغضهم علي بن أبي طالب 40 . و قال جابر بن عبد الله الأنصاري : « ما كنا نعرف المنافقين إلا ببغض علي بن أبي طالب » 41 .
و قال الله تعالى : « ولتعرفنهم في لحن القول ، و لحن القول بغض علي ! » قاله السيوطي في الدر المنثور في تفسير قوله تعالى : ﴿ … وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ … ﴾ 42 و قال : أخرجه ابن مردويه و ابن عساكر عن أبي سعيد الخدري !
و ما يعنينا هو التأكيد على أن حب الإمام علي و القبول بولايته هو المعيار الشرعي لمعرفة المؤمنين الصادقين ، أعضاء حزب الله . و أن كرهه و رفض ولايته هو الذي يميز المنافقين و الذين في قلوبهم زيغ و مرض ، و هم أعضاء حزب الشيطان . فالمنافقون قاطبة كان يكرهونه و يكرهون ولايته ، و لذلك تحينوا الفرصة لنقضها من أساسها ، و لما لاحت الفرصة سعوا بنقضها بكل ما أوتوا من قوة . فوقف المنافقون في المدينة مع بطون قريش الكارهة للإمام علي و لولايته وقفة رجل واحد ، و كانت وقفتهم نقطة تحول في تاريخ الأمة ، بل و في تاريخ ظاهرة النفاق كلها ، إذ من تاريخ تلك الوقفة اختفت كلمة النفاق نهائياً لأن المنافقين أصبحوا في السلطة !
ولم يروا راو قط أن أحداً من المنافقين قد عارض أبا بكر ، أو عمر ، أو عثمان ، أو معاوية ، أو أحداً من ملوك بني أمية ! بل على العكس كانوا يؤيدونهم قلباً و قالباً و يقبلون بولايتهم دون أي اعتراض ، مع أن معارضة المنافقين لولاية النبي واحتجاجاتهم على حكمه لم تتوقف طوال حياته !!
و لما آلت الخلافة إلى الإمام علي بالطريقة التي اخترعتها بطون قريش ، و ولت بموجبها الخلافة لأبي بكر و عمر و عثمان ، جن جنون المنافقين فوقفوا وقفة رجل واحد ضد الإمام علي ! فبطون قريش على استعداد لأن يتحالفوا مع اليهود و مع الشيطان نفسه في سبيل نقض ولاية الإمام علي أو أي شخص من أهل بيت النبوة !! و هكذا تشكل واقعياً حزب يضم المنافقين و أعداء الله و رسوله السابقين « بطون قريش » و الجامع المشترك الوحيد بينهم رفضهم التام لولاية أو قيادة الإمام علي‏ الذي اختاره الله لخلافة نبيه ، و أعلنه رسول الله على المسلمين بكل وسائل الإعلان المعروفة آنذاك ولياً و أميراً و قائداً و مرجعاً و إماماً و سيداً للمسلمين و سيداً للعرب ، و الذي بايعوه فرداً فرداً في غدير خم كإمام و ولي لهم بحضور رسول الله ، و كان أول المبايعين قادة هذا الحزب أبو بكر و عمر و عثمان و أبو عبيده و غيرهم !
ولم يقتصر الأمر على رفضهم لولاية الإمام علي ، بل رفضوا ولاية أي رجل من أهل بيت النبوة ! و برر عمر بن الخطاب ذلك بقوله : بأن الهاشميين قد أخذوا النبوة ، و ليس من العدل أن يأخذوا الخلافة أيضاً و يحرموا بقية البطون من هذين الشرفين ! و العدل برأي عمر و حزبه : أن يختص الهاشميون بالنبوة لا يشاركهم فيها أحد من البطون القرشية ، و تختص البطون بالخلافة تتداولها فيما بينها لا يشاركهم فيها أحد من بني هاشم !! 43 . و قبض هذا الحزب على مقاليد الأمور ، حتى والرسول على فراش الموت واستولى على منصب الخلافة بالقوة و التغلب و القهر ، و حلوا عروة الحكم الإسلامي و تمسكوا بالقشرة الخارجية للإسلام ، لأنها لازمة لبقاء الملك و توسعه ، و بقصد أو بدون قصد تكوَّن واقعياً حزب الشيطان ، وفق الموازين و المعايير الإسلامية .

11 . صفات حزب الشيطان

يدعي حزب الشيطان أنه يقبل ولاية الله و ولاية الرسول و يقبل قيادتهما ، و لكنه لا يقبل بولاية « الذين آمنوا » و الإمام علي بالتحديد و لا بولاية أهل بيت النبوة عامة ، لأنه يكرههم و يحقد عليهم ، و لا يقبل عملياً بأنهم أعدال الكتاب ، و على حد تعبير عمر بن الخطاب ، لأنه لا يجوز أن يجمع الهاشميون النبوة و الملك معاً فيؤدي برأيه إلى الإجحاف ! قال عمر بن الخطاب و هو على فراش الموت : لو كان أبو عبيدة حياً لوليته و استخلفته ، و لو كان خالد بن الوليد حياً لوليته و استخلفته ، و لو كان معاذ بن جبل حياً لوليته و استخلفته ، و معاذ هذا من الأنصار ، و لو كان سالم مولي أبي حذيفة حياً لوليته و استخلفته ، و سالم هذا فارسي مولى بني أمية !
يتمنى عمر كل هذه التمنيات و أمامه عليٌّ الذي اختاره الله و رسوله للولاية و الخلافة و بايعه عمر نفسه في غدير خم ! لكن لأنه من أهل بيت النبوة تجاهلته قيادة بطون قريش ، و رمت بالترتيبات الإلهية و بالإعلانات النبوية عرض الحائط ، و غصبت الإمام و الولي الشرعي حقه ، و استولت على منصب الخلافة بالقوة و الغلبة .
و ما يعنينا في هذا المقام هو التأكيد على أن حزب الشيطان أو جماعته من المنافقين و الذين في قلوبهم مرض ، أو زيغ ، و البطون الحاسدة ، يرفضون رفضاً قاطعاً ولاية « الذين آمنوا » الذين هم بالتحديد « الإمام علي خاصة ، و أئمة أهل بيت النبوة عامة » !! و من أجل ذلك هم مستعدون أن يقبلوا أية ولاية أو قيادة أو أمارة حتى و لو كانت من الذين لعنهم الله و رسوله كمروان بن الحكم و معاوية و يزيد و بقية طاقم الملعونين !
و قد كشف القرآن الكريم أهداف هذا الحزب ، و وصف المنتسبين إليه وصفاً دقيقاً في الآية 19و ما قبلها من سورة المجادلة .
1 . فالصفة البارزة لحزب أو جماعة الشيطان أنهم تولوا ، أو اتخذوا قيادة أو أمارة لهم من الذين غضب الله عليهم ، و رفضوا ولاية أو قيادة الله و رسوله و الذين آمنوا ، و بذلك رفضوا ولاية الله و رفضوا ولاية الرسول عندما تجاهلوا إعلاناته المتكررة عن هذه الأوامر الإلهية ، و رفضوا ولاية أمير المؤمنين علي الذي اختاره الله و أعلنه رسوله ولياً و أمير المؤمنين ، و بايعوه على ذلك بالفعل بحضور الرسول في غدير خم !
ثم تمادوا فحرموا ولاية أو قيادة أو أمارة أي رجل من أهل بيت النبوة الذين جعلهم الله أحد ثقلي الإسلام و أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً ! فالأمارة أو القيادة أو الولاية جائزة لكل البشر ، إلا لآل محمد !
2 . و الصفة الثانية من صفات جماعة أو حزب الشيطان ، أنهم ﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ … ﴾ 44 فهم يقسمون أغلظ الإيمان و يبالغون في الإعتذار بأنهم ما رفضوا ولاية الإمام علي أو قيادته أو أمارته ، و ما حرموا على أي إمام من أهل البيت أن يكون ولياً أو قائداً أو أميراً للأمة ، إلا لمصلحة المسلمين ! و ما قدموا المفضول على الأفضل إلا لحكمة علموها من دون الناس ! و ما فعلوا ذلك كله إلا لتحقيق العدل و منعاً للإجحاف ! إذ ليس من العدل أن يكون النبي من بني هاشم و الخلافة فيهم !!! و العدل يتحقق عندما تكون النبوة لبني هاشم و تكون الخلافة خالصة لبطون قريش !!!
هذه هي الأسباب الحقيقية التي رفعت تحالف قادة بطون قريش مع المنافقين و المرتزقة لرفض الترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي ، و نقض بيعتهم لأمير المؤمنين في غدير خم ، كأنهم أعلم بمصلحة المسلمين من الله و رسوله !!!
و كأنهم أكثر حكمة منهما ! أو أبعد نظراً !!
و هكذا صدوا بأفعالهم عن سبيل الله ! و سبيل الله هي ترتيباته وإعلانات الرسول لها و هي أيضاً ولاية الرسول و ولاية علي و أئمة أهل بيت النبوة عامة .
3 . الصفة الثالثة من صفات جماعة أو حزب الشيطان أنهم ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ … ﴾ 45 أي نتيجة قبولهم بولاية الذين غضب الله عليهم ، و رفضهم ولاية الله و رسوله و الإمام علي ، فنتيجة أنهم قست قلوبهم و تحكم بها الشيطان تجاهلوا الترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي ( صلى الله عليه و آله ) ، و بما كسبت أيديهم أنساهم الشيطان ذكر الله ، و ذكر الله هو كتابه و سنة نبيه ، فهانت عليهم معصية الله وهانت عليهم معصية رسوله ( صلى الله عليه و آله ) !! و لذلك رفضوا ولاية من أمرهم الله بموالاتهم وأخذوا يتعللون بالأعذار و الأكاذيب ، و لكثرة ترديدهم لهذه الأكاذيب و الأعذار ، تصوروا أنهم على الحق و أن أولياء الله على الباطل ، فأخذوا يرفعون شعارات الحق ، ليلبسوا به الباطل فتختلط الأوراق ويقع الخلاف ! و لأن السلطة بأيديهم أصبحوا الحَكَم ، و عندما ينقلب المجرم إلى حَكَم يحكم على الضحية بما يريد تحت شعار أنه خليفة رسول الله و صاحب الحق بممارسة كل سلطانه ، مع أن هذه السلطات أعطيت للرسول لأنه معصوم ، بينما الخليفة الغاصب لا يدعي أنه معصوم ، فوقوعه بالزلل محتوم ، وتبديله نعمة الله كفراً محتوم ، و قيادته الأمة إلى الدمار قدر لا مفر منه .
12. متى يتواجد الحزبان كحالتين واقعتين ؟
يتواجد حزب الله وحزب الشيطان كحالتين واقعيتين ، عندما يكون النظام الإسلامي مطبقاً أو سائداً ، و السبب هو التفاوت العقائدي في إيمان أفراد المجتمع و اختلاف نظرتهم إلى القيادة التي اختارها الله و رشحها ، و تعاقدت مع أفراد المجتمع و بايعوها حسب الظاهر رغبة أو رهبة . فتعاملت معهم القيادة و المجتمعات الأخرى على أساس أنهم جميعاً المسلمون و أنهم حزب الله أو جماعته .
و عندما آلت الأمور في النظام الإسلامي إلى قيادات غير شرعية خاصة في العهد الأموي تكرست ثقافة الإنحراف الأموية ، و بقي التفاوت العقائدي قائماً بين أفراد المجتمع ، و أبقته القيادات غير الشرعية لمصلحتها و تضييع فرص التساوي العقائدي .
كذلك يتواجد حزب الله و حزب الشيطان حتى بعد زوال النظام الإسلامي أو عدم وجوده ، و لا تخلو الأرض من هذين الحزبين أو هاتين الجماعتين ، لأن وجود حزب الله أو جماعته يرمز إلى وجود الحق و الخير ، و وجود حزب الشيطان أو جماعته يرمز إلى وجود الباطل و الشر ، و طالما بقيت الحياة الدنيا و استمرت عملية الإبتلاء فسيبقى للخير أهله و أنصاره و هم جماعة الله أو حزبه ، و يبقى للشر أهله و أنصاره وهم جماعة الشيطان أو أحزابه .
و كذلك يبقي معيار التفريق بين الجماعتين أو الحزبين قائماً إلى يوم القيامة 46 .

  • 1. راجع كتابنا مرتكزات الفكر السياسي في الإسلام و الرأسمالية و الشيوعية : 185 ـ 187 .
  • 2. القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآية : 17 ، الصفحة : 223 .
  • 3. القران الكريم : سورة الرعد ( 13 ) ، الآية : 36 ، الصفحة : 254 .
  • 4. القران الكريم : سورة مريم ( 19 ) ، الآية : 37 ، الصفحة : 307 .
  • 5. a. b. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 20 ، الصفحة : 420 .
  • 6. القران الكريم : سورة صاد ( 38 ) ، الآية : 13 ، الصفحة : 453 .
  • 7. القران الكريم : سورة غافر ( 40 ) ، الآية : 5 ، الصفحة : 467 .
  • 8. القران الكريم : سورة غافر ( 40 ) ، الآية : 30 ، الصفحة : 470 .
  • 9. القران الكريم : سورة الزخرف ( 43 ) ، الآية : 65 ، الصفحة : 494 .
  • 10. القران الكريم : سورة صاد ( 38 ) ، الآية : 11 ، الصفحة : 453 .
  • 11. القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 159 ، الصفحة : 150 .
  • 12. القران الكريم : سورة الروم ( 30 ) ، الآية : 31 ، الصفحة : 407 .
  • 13. القران الكريم : سورة الروم ( 30 ) ، الآية : 32 ، الصفحة : 407 .
  • 14. القران الكريم : سورة القصص ( 28 ) ، الآية : 4 ، الصفحة : 385 .
  • 15. القران الكريم : سورة الأنعام ( 6 ) ، الآية : 65 ، الصفحة : 135 .
  • 16. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 55 و 56 ، الصفحة : 117 .
  • 17. القران الكريم : سورة المجادلة ( 58 ) ، الآية : 22 ، الصفحة : 545 .
  • 18. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 55 ، الصفحة : 117 .
  • 19. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 418 .
  • 20. راجع الامامة و السياسة لابن قتيبة : 1 / 19 و ما فوقه .
  • 21. نفس المصدر : 15 .
  • 22. راجع صحيح النسائي ، و تفسير سورة المائدة من كتاب الجمع بين الصحاح الستة ، و راجع تفسير هذه الآية في كتاب أسباب النزول للواحدي و قد أخرجه الخطيب في المنطق ، و راجع مسند بين مردويه و أبي الشيخ و الحديث ، رقم 5991 ، من أحاديث كنز العمال : 6 / 391 ، و راجع مسند الإمام احمد : 5 / 538 من الهامش و الحديث 6137 : 6 / 405 من كنز العمال و هنالك إجماع بين المفسرين و نقل إجماعهم غير واحد كالإمام القوشجي في مبحث الإمام و التجريد ، و راجع غاية المرام تجد 24 حديثاً عن طريق أهل السنة تثبت أنه هذه الآية نزلت في الإمام علي . و راجع تفسير الإمام أبي اسحاق أحمد بن محمد بن ابراهيم النيسابوري الثعلبي الذي وصفه ابن خلكان « بأنه أوحد زمانه » .
  • 23. المراجعات للإمام شرف الدين العاملي : 193 ـ 195 .
  • 24. راجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام و قد سقنا قرابة ثلاثين مرجعاً لهذا الحديث من عيون المعتمدة عند أهل السنة : 316 و من هذه المراجع صحيح بخاري : 2 / 58 غزوة تبوك و صحيح مسلم : 2 / 23 و 1 / 28 و 109 و مسندالإمام احمد : 1 / 172 ، 175 ، 177 ، 179 ، 182 ، و صحيح الترمذي كما يدل الحديث ، 2504 من الكنز ، و كنز العمال : 6 / 152 الحديث 2504 . . . الخ .
  • 25. أخرجه النسائي في خصائصه ، و احمد بن حنبل في مسنده : 4 / 428 و الحاكم في مستدركه ، و أخرجه ابن أبي شيبه و ابن جرير و ذكره المتقي الهندي : 6 / 400 من الكنز ، و شرح النهج : 2 / 450 .
  • 26. راجع مسند الإمام احمد : 2 / 256 و 347 و المستدرك 3 / 110 و مسند الإمام احمد : 2 / 438 .
  • 27. الصواعق لابن حجر : 103 ، و كنز العمال : 6 / 298 و المراجعات : 185 .
  • 28. راجع تلخيص المستدرك للذهبي : 3 / 124 ، و الخصائص العلوية للنسائي : 6 ، و مسند الإمام احمد : 331 .
  • 29. كنز العمال : 6 / 397 ، الحديث 6048 .
  • 30. كنز العمال : 6 / 155 ، الحديث 2575 .
  • 31. اخرجه ابن ماجه في سننه : 1 / 92 و الترمذي و النسائي في صحيحيهما و هو الحديث 2531 من الكنز : 6 / 164 ، و اخرجه ابن حنبل في مسنده : 1 / 151 و 2 / 164 .
  • 32. أخرجه الحاكم في مستدركه : 3 / 121 .
  • 33. كنز العمال : 6 / 397 و 187 من المراجعات .
  • 34. اخرجه الحاكم في المستدرك : 3 / 533 و مسند الإمام احمد / 372 و / 4 من الخصائص العلوية للنسائي . . . راجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام : 318 كتابنا نظرية عدالة الصحابة . . .
  • 35. راجع صحيح الترمذي : 2 / 299 ، و مسند احمد : 6 / 292 و كتابنا الهاشميون في الشريعة و التاريخ : 225 ـ 226 .
  • 36. راجع على سبيل المثال لا الحصر صحيح الترمذي : 2 / 20 و صحيح النسائي : 2 / 27 و خصائص النسائي : 27 ، و صحيح ابن ماجه / 12 و مسند احمد : 2 / 84 و 95 و 128 .
  • 37. راجع صحيح الترمذي / 299 و مسند احمد : 6 / 292 .
  • 38. المستدرك علي الصحيحين للحاكم : 3 / 129 و كنز العمال : 6 / 39 ، و الرياض النضرة للطبري : 2 / 214 .
  • 39. القران الكريم : سورة الفتح ( 48 ) ، الآية : 29 ، الصفحة : 515 .
  • 40. تاريخ بغداد : 3 / 153 .
  • 41. الاستيعاب لابن عبد البر : 4 / 464 ، و مجمع الزوائد : 9 / 123 و قال رواه الطبراني في الأوسط ، و رواه البزاز .
  • 42. القران الكريم : سورة محمد ( 47 ) ، الآية : 30 ، الصفحة : 510 .
  • 43. الكامل في التاريخ لابن الاثير : 3 / 24 ، آخر سيرة عمر من حوادث سنة 33 و شرح النهج لابن أبي الحديد : 2 / 105 و 107 و تاريخ الطبري : 4 / 289 و123 ، و مروج الذهب للمسعودي : 1 / 153 ، و كتابنا المواجهة مع رسول اللَّه و آله : 125 .
  • 44. القران الكريم : سورة المجادلة ( 58 ) ، الآية : 16 ، الصفحة : 544 .
  • 45. القران الكريم : سورة المجادلة ( 58 ) ، الآية : 19 ، الصفحة : 544 .
  • 46. كتاب حقوق الإنسان عند أهل بيت النبوة و الفكر المعاصر : الفصل الخامس .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى