مقالات

النظام الجمهوري المقدس؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

بقلم: زكريَّا بركات
٤ أكتوبر ٢٠٢٣

التقديس لنظام معين فكرة يميل إليها كثير من الناس، وهي فكرة صحيحة وجديرة بالدفاع والتضحية حين يكون النظام يشتمل على قدر كاف من القيمة التي تفوق قيمة نفس الإنسان الذي يقدِّس النظام.

فمثلاً: الدين الإسلامي هو عبارة عن نظام منسجم من الأفكار والقيم، وهو ـ حقًّا ـ بقدر كبير من القيمة والسمو بحيث يستحق أن يدافع عنه الإنسان ويُرخص من أجله روحه ودمه.

وكذلك العِرض ـ على سبيل المثال أيضاً ـ قيمة سامية جدًّا تستحق الدفاع والتضحية.

وهكذا في كل فكرة ذات قيمة عالية تستحق التقديس، والتقديس قد ينتهي إلى حد الاستعداد بالتضحية وبذل الفداء..

ونلاحظ أنَّ الأنظمة الحاكمة تحاول أن تضفي على نفسها قداسة من هذا النوع، وتدفع بالكثير من البشر إلى الاعتقاد بأنَّ النظام الحاكم يستحق التضحية وبذل الأرواح..

وكثيراً ما يكون النظام الحاكم جديراً بهذا التقديس والتضحية، وذلك حين تكون قيمته مُستمَدَّة من قيمة القيادة العليا، كأن تكون قيادة ربانية في يد نبيٍّ أو وصي نبيٍّ أو فقيه يستمد شرعيته من خطِّ الأنبياء.

وقد تكون قيمة النظام لا تنبع من قدسية ذاتية، بل لكونه الواقع الذي يحفظ مصالح العباد، ومن الممكن أن يختل نظام الحياة ويسقط الأمن ويسود الهرج والفوضى في حال سقوط النظام، أو تتعرض أرض المسلمين للاحتلال من قبل الكفار في حال سقوط النظام.. فحينئذ تكون قيمة النظام مستمدة من أمر عَرَضي غير أصيل فيه، ولكنه ـ على كل حال ـ يستحق الدفاع والتضحية وذلك حذراً من المحذور السيئ والبديل الأسوأ.

فإذا كان النظام الحاكم مجرد سُلطة أمر واقع تفتقر إلى القدسية بالمعنى الأولى، وتفتقر إلى الصلاحية بالمعنى الثاني، فلا يكون جديراً بالتقديس أو التضحية.

ومن العجيب أنَّ بعض الأبواق تحاول إيجاد قدسية لنظام بائد ودعوة العباد إلى إرجاعه والتضحية في سبيله، مع أنه أسوأ حالاً من سلطة أمر الواقع التي تفتقر إلى الشرعية والقدسية والصلاحية؛ لأنه مجرد شيء مضى وانقضى.

هذه هي الفكرة التي تضمنها شعار (بالروح، بالدم، نفديك يا يمن) ..!

لقد وُضعت كلمة (اليمن) بشكل مخادع في هذا الشعار؛ لأن اليمن بخير ولا تحتاج إلى فداء بعد توقف الحرب التي استمرت سبع سنوات، وكان أصحاب هذا الشعار غير مشاركين بالروح والدم في الدفاع عن اليمن عندما كانت تُقصف بأقوى الأسلحة، حتى المحرمة دولياً، وعندما كان اليمن معرضاً للغزو من قبل القوات الأجنبية والمليشيات الإرهابية التي تم نقلها من سوريا وغيرها.. بل كان أصحاب هذا الشعار في كثير من الأحيان متواطئين مع العدو ومؤيدين له..

بل الذي دافع عن اليمن بالروح والدم هم رجال أنصار الله والنظام الذي هم ساخطون عليه..

إنها ـ في الحقيقة ـ دعوة إلى الثورة ضدَّ السلطة الراهنة (أنصار الله = حكومة صنعاء) بادعاء أنها انقلابية وفاقدة للشرعية والصلاحية، مع خلق توهُّم لدى الجماهير أنَّ الثورة ذات شرعية لأنها ترمي إلى إعادة أمر شرعي ذي قيمة وقداسة..!

وبمراجعة ملفات النظام البائد وتاريخ نشأته، نفهم بوضوح أنه ـ أيضاً ـ انقلابي على أنقاض المملكة المتوكلية.. بل هو مخلوق مُشوَّه يتكوَّن من مجموعة من الانقلابات والاغتيالات والحروب الداخلية.. فإذا كان النظام الراهن غير شرعي كما تزعمون، فمن أين استمد النظام البائد شرعيته؟!

وبملاحظة الفرق الكبير بين الوضع في نطاق سلطة أنصار الله في الشمال، وما تبقى من أنقاض النظام البائد في الجنوب، نلاحظ أن البلاد في ظل حكومة صنعاء تنعم بقدر كبير من الأمن والاستقرار، بالإضافة إلى ملامح الازدهار في عدة مجالات، بينما البلاد في أنقاض النظام البائد (جنوب اليمن) تعاني من سيطرة المليشيات والتكفيريين والانفلات الأمني ووصاية الأجنبي ونهب ثروات البلاد.. وهذا يعني أن البديل الذي ترمي إليه الثورة على حكومة صنعاء هي دعوة إلى البديل الأسوأ الذي يعني الانفلات الأمني والاقتتال الداخلي بسيطرة المليشيات والتكفيريين.. مما يعني أن الدفاع عن النظام الراهن هو ما يُحتِّمه الواجب العقلي والديني والأخلاقي والوطني.

وفي ظل غياب السلطة المباشرة للأنبياء والأوصياء، يحتم الواجب العقلي والديني الحفاظ على منظومة الدين بالاستناد إلى ميراث الأنبياء والأوصياء المتمثل في القرآن الكريم والسنة الشريفة، وهو ما لا يمكن القيام به إلا في ظل قيادة رشيدة تحمل ثقافة القرآن والسنة، وتتصف بقدر كبير من الالتزام بتعاليمهما.. وبالمقارنة بين قيادة أنصار الله في الشمال، وبين توليفة العصابة التي يصفها اليهود والنصارى بالشرعية، نستطيع ـ بسهولة ـ أن نعرف من الذي يحمل راية القرآن والسنة، ومن هو المتصف بالصلاح والانضباط الديني..

وبالاحتكام إلى الشعب ـ أيضاً ـ تنطق مظاهرات المولد النبي الشريف في كل عام وفي مختلف المحافظات أن السيد القائد عبد الملك الحوثي يمتلك رصيداً وافراً وكافياً من التأييد الشعبي والشرعية المستمدة من الثورة الشعبية.

وبالاحتكام إلى منظومة الدين الذي يفترض أن هؤلاء الناقمين ينتمون إليها، وهي ما يعبر عنها بمذهب أهل السنة والجماعة، نجد التعاليم الدينية تحرِّم الخروج والثورة، وتوجب الطاعة.

فهذه كلها أُسُس تدلُّ على شرعية النظام الراهن في حكومة صنعاء (أنصار الله) ، وعدم شرعية المتقمصين للشرعية من الانقلابيين القدامى الذين مسحوا سجلات انقلاباتهم من ذاكرة الشعب وسموا أنفسهم جمهوريين..!

الجمهوري الحقيقي هو من خرجت جماهير الشعب بالملايين في المولد النبوي الشريف؛ لتؤيد شرعيته وتمنحه التفويض..

والحمدُ لله أوَّلاً وآخراً.

https://chat.whatsapp.com/GaqaJFFGf23GppIuC0IMcm

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى