النصر وأبعاده الغيبية
المكان: بئر بدر.
الزمان: 17 رمضان 2هجرية.
عدد المسلمين: 313.
عدد الكفار: 950.
خسائر الكفار: 70 قتيلا و70 أسيرا.
عدد شهداء المسلمين: 14شهيدا.
الكثرة ليست معيارا للنصر:
إن مراجعة ايات القرإن الكريم تفيد أن الله تعالى لم يعتبر الكثرة أساسا في تحقيق النصر: ﴿…وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾1.
بل قد يتحوّل الشعور بالقوة والكثرة إلى إحساس بالغرور، الأمر الذي يحول دون نزول النصر: ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾2.
دور الإيمان في تحقيق النصر:
يقول تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ﴾3 .
أما لماذا نصرهم في بدر على قلتهم، فإن ذلك راجع إلى قوة الإيمان في مقابل كثرة العدد.
وفي هذا السياق طلب الله من رسوله تحريض المؤمنين على القتال: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ﴾4 .
﴿حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾5 .
كما أمره برفض استمداد العون من المضلين: ﴿وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا﴾6.
الإعداد وتحقيق النصر:
جاء في القران الأمر بإعداد العدة للحرب والجهاد، إلا أنه لأجل الردع وإيجاد الرهبة في قلوب الأعداء، فهو يشكل عاملا أساسيا على مستوى التمهيد للنصر وإيجاد الأرضية المناسبة له: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾7 .
والنتيجة: فإن الكثرة لا تكون معيارا للنصر، بل إن الثبات وقوة الإيمان يعتبران من مقدمات النصر وأسبابه التمهيدية، والسبب المباشر للنصر والمؤثر الحقيقي فيه هو الله سبحانه.
ويتجلى نصر الله من خلال الأشكال والمظاهر المختلفة للعون الإلهي والتي يأتي على رأسها الإمداد الغيبي، فقد صرّح القران الكريم في أكثر من مناسبة بطرق الإمداد الغيبي التي يتدخل الله تعالى من خلالها لنصرة المؤمنين.
صور الامداد الغيبي:
ويمكن عرض بعض صور الامداد الالهي الغيبي ضمن العناوين التالية:
1- تقوية معنويات المؤمنين وإضعاف معنويات الكفار:
﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً﴾8.
“قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ﴾9.
عن ابن مسعود رضوان الله عليه قال: “لقد قللوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: لا بل مئة”.
2- إلقاء الرعب في قلوب الكفار:
﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾10 .
3- إنزال السكينة على قلوب المؤمنين:
﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِم﴾11.
4- اشعار المؤمنين بالأمن:
﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ﴾12.
﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُم﴾13.
5- انزال جنود الغيب:
﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ﴾14.
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ … وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ﴾15.
6- تسخير الطبيعة:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا﴾16.
يقول الإمام الخميني قدس سره في واقعة طبس: “من الذي أسقط الطائرات العامودية لكارتر، إن الرمال جنود الله إن الرياح جنود الله“.
ولنا في تجربة المقاومة الإسلامية في لبنان النموذج الرائع في الصور السابقة للإمداد الإلهي الغيبي.
مواصفات المؤهلين لنصر الله:
شدّد الإسلام على المواصفات النوعية للمجاهدين كشرط أساسي لتحقيق النصر، من دون تركيز على الجانب الكمي، ويأتي على رأس هذه المواصفات:
1- التوكل على الله تعالى:
﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾17.
2- الصبر:
﴿فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾18.
3- الطاعة للقائد:
﴿أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾19.
﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾20.
وقد استشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه في القتال يوم بدر، فقام المقداد فقال: يا رسول الله، إنها قريش وخيلاؤها، وقد امنا بك وصدقناك، وشهدنا: أن ما جئت به حق من عند الله، والله لو أمرتنا: أن نخوض جمر الغضا (نوع من الشجر صلب)، وشوك الهراس لخضناه معك، ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى: إذهب أنت وربك، فقاتلا، إنا ها هنا قاعدون، ولكنا نقول: إذهب أنت وربك، فقاتلا، إنا معكم مقاتلون. والله لنقاتلن عن يمينك وشمالك، ومن بين يديك، ولو خضت بحرا لخضناه معك، ولو ذهبت بنا برك الغماد لتبعناك. فأشرق وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ودعا له، وسر لذلك، ثم قام سعد بن معاذ فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إنا قد امنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله، فمرنا بما شئت.. والله، لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك، ولعل الله يريك ما تقر به عينك، فسربنا على بركة الله.
ألا نتعلم من المقداد رضوان الله عليه كيف نطيع القائد الإسلامي المتمثل في هذا العصر بنائب الحجة المنتظر عليه السلام الإمام الخامنئي دام ظله .
* مركز نون للتأليف والترجمة