نص الشبهة:
ويقولون: إنه «صلى الله عليه وآله» لما صعد الجبل{في غزوة أحد} علت عالية من قريش الجبل؛ فقاتلهم عمر، ورهط من المهاجرين، حتى أهبطوهم من الجبل، ونهض «صلى الله عليه وآله» إلى صخرة في الجبل ليعلوها؛ فلم يستطع، فجلس تحته طلحة، ونهض به حتى استوى عليها، وكان بطلحة عرج، فتكلف الإستقامة؛ لئلا يشق على النبي «صلى الله عليه وآله»؛ فذهب عرجه (الكامل لابن الاثير ج2 ص158، ووفاء الوفاء ج1 ص297، والسيرة الحلبية ج2 ص236 و 237 و 238، والترمذي وصححه، والرياض النضرة، وأحمد، وأبو حاتم، وراجع: الثقات لابن حبان ج1 ص229.).
الجواب:
ونقول: أولاً: إن النبي «صلى الله عليه وآله» ومن معه لم يبلغوا الصخرة، ولا الغار، ولا المهراس، ولا الدرجة المبنية من الشعب، وذلك لما يلي:
1 ـ لقد صرح الواقدي بأن المسلمين ـ ولا بد أن يكون المراد المقاتلين منهم ـ لم يصعدوا الجبل. وكانوا في سفحه، لم يجاوزوه إلى غيره، وكان فيه النبي «صلى الله عليه وآله» 1.
2 ـ وفي رواية لأحمد: «وجال المسلمون جولة نحو الجبل، ولم يبلغوا حيث يقول الناس: الغار، إنما كان تحت المهراس» 2.
3 ـ إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم يبلغ الدرجة المبنية من الشعب 3.
4 ـ قال ابن اسحاق: «فلما انتهى النبي «صلى الله عليه وآله» إلى فم الشعب، خرج علي بن أبي طالب (رض) حتى ملأ درقته من المهراس» 4.
وجاء بالماء، فغسل وجهه كما سيأتي.
5 ـ إن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يبرح ذلك اليوم شبراً واحداً، حتى تحاجزت الفئتان 5.
فإن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن ليفر من وجه عدوه، ويصعد إلى الجبل ويعتصم به، ويترك عدوه يصول ويجول كيفما يشاء.
وقد أنزل الله في الفارين قرآناً يتلى إلى يوم القيامة، وينعى عليهم عملهم ذاك، ويؤنبهم عليه.
كما أننا لا نصدق أن يرتكب الرسول «صلى الله عليه وآله» هذا الأمر في الوقت الذي كان يدعو فيه الفارين في أخراهم إلى العودة إلى مراكزهم. ولا يمكن أن تحدثه نفسه بالفرار من الزحف في أي من الظروف والأحوال.
6 ـ قد تقدم أن الصباح بن سيابة قد سأل الإمام الصادق «عليه السلام» عما يذكرونه من هذا، فهو يقول له «عليه السلام»: «فالغار في أحد الذي يزعمون أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» صار إليه؟
قال: والله ما برح مكانه» 6.
ثانياً: قولهم إن عمر ورهطاً من المهاجرين قد قاتلوا المشركين حتى أهبطوهم من الجبل، لا ندري أنصدقه؟!
أم نصدق قول الواقدي: «وصل رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى الشعب مع أصحابه، فلم يكن هناك قتال»؟ 7.
أم نصدق قولهم: إن سعداً وحده قد ردهم بسهم، قُتل به أربعة منهم؟ 8 عجيب!! أربعة!!.
وثالثاً: إنهم يقولون: إنه لما رأى أصحاب الصخرة النبي «صلى الله عليه وآله»، وضع أحدهم سهماً في قوسه، وأراد أن يرميه «صلى الله عليه وآله».
فقال: أنا رسول الله، ففرحوا، وفرح بهم ؛ لأنه رأى من يمتنع به، واجتمعوا حوله 9.
وفي رواية: لما نادى كعب بن مالك، يبشر الناس بحياة الرسول «صلى الله عليه وآله» نهضوا إليه (أي أصحاب الصخرة) فيهم: أبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، والحارث بن الصمة 10.
ونسجل هنا ما يلي:
1 ـ إن ذكر علي هنا غلط عفوي أو عمدي بلا ريب ؛ لأنه «عليه السلام» لم يفر مع هؤلاء إلى الجبل، ولا أصعد فيه حتى بلغ الصخرة ؛ بل كان مع النبي «صلى الله عليه وآله»، يدافع عنه، ويكافح وينافح. بإجماع المؤرخين.
2 ـ لا ندري ما معنى قولهم: إنه «صلى الله عليه وآله» فرح بهم ؛ لأنه رأى من يمتنع به؟! فهل منعوه قبل الآن؟! ولو كانوا قد منعوه، فما هو المبرر لكونهم على الصخرة فوق الجبل؟!. وهل يمتنع بهم.
وبعضهم قال لهم ـ وهم على الصخرة ـ: يا قوم، إن محمداً قد قتل، فارجعوا إلى قومكم، قبل أن يأتوا إليكم ؛ فيقتلوكم 11. وبعضهم قال غير ذلك حسبما تقدم!!.
3 ـ إنه يظهر: أن طلحة لم يكن مع النبي «صلى الله عليه وآله»، ولا عاد إليه، لا هو ولا سعد، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا الزبير، ولا الحارث بن الصمة بعد فرارهم في الجولة الأولى. وإنما عاد إليه أولئك الثلاثون فقط على الظاهر، أو معهم غيرهم ممن هو غير معروف ولا مشهور.
4 ـ إنه يظهر مما تقدم، ومن قول ذلك القائل: ارجعوا إلى قومكم الخ.. ومن قولهم: إن عمر مع رهط من المهاجرين!! قد قاتلوا الذين علوا الجبل، وغير ذلك ـ يظهر من ذلك ـ: أن أكثر الذين كانوا على الصخرة فوق الجبل كانوا من المهاجرين، وفيهم بعض الأنصار، ولم يرد ذكر لأنصاري باسمه إلا للحارث بن الصمة، كما تقدم.
5 ـ ولا نريد أن نسمح لأنفسنا بالاسترسال في هذا المجال، حتى لا تتقاذفنا الظنون حول صحة وسلامة نية ذلك الذي أراد أن يرمي النبي «صلى الله عليه وآله» بسهمه، بزعم أنه لم يكن عارفاً له.
وقد سماه الواقدي: بـ (أبي بردة بن نيار). فلعله كان عن غفلة حقيقية منه. ولعله كان من المنافقين ـ في بادئ الأمر ـ فأراد انتهاز هذه الفرصة للتخلص من النبي «صلى الله عليه وآله»، بحجة أنه لم يعرفه ؛ إذ لا ندري إن كان فيهم بعد من يملك الجرأة على رمي سهم على رجل يحتمل أنه من المشركين بعد أن جرى ما جرى!!
وقد بذل المنافقون محاولات مشابهة، فقد نفّروا برسول الله «صلى الله عليه وآله» ناقته ليلة العقبة ؛ بهدف قتله.
ولأجل هذا فنحن لا نستطيع أن نوافق عمر بن الخطاب على إخباره أبا سفيان والمشركين بحياة النبي، مع أنه «صلى الله عليه وآله» قد نهاه عن ذلك، وفي موقع حساس وخطير كهذا!! 12.
- 1. مغازي الواقدي ج2 ص278.
- 2. وفاء الوفاء ج4 ص315 وج3 ص930.
- 3. سيرة ابن هشام ج3 ص92.
- 4. سيرة ابن هشام ج3 ص90، ووفاء الوفاء ج4 ص1243.
- 5. مغازي الواقدي ج1 ص240، وشرح النهج للمعتزلي، والبحار ج20 ص96 عن إعلام الورى.
- 6. إعلام الورى ص83، والبحار ج20 ص96.
- 7. مغازي الواقدي ج1 ص281.
- 8. السيرة الحلبية ص238.
- 9. تاريخ الطبري ج2 ص201 و 202، وتاريخ الخميس ج1 ص437.
- 10. الثقات لابن حبان ج1 ص229.
- 11. البداية والنهاية ج4 ص23، وتاريخ الطبري ج2 ص201.
- 12. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه و آله)، سماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الخامسة، 2005م. ـ 1425هـ. ق، الجزء السادس.