لا شك أن خلق الله للدنيا لم يكن لعباً ولا عبثاً وإنما لغاية بليغة وحكمة سديدة وهي أن تكون الحياة الدنيا مظهراً من مظاهر الجمال والجلال الإلهيين من خلال الحياة الإنسانية المؤهلة بما أعطاها الله من قابليات وقدرات معنوية ومادية للقيام بذلك الدورالاستخلافي.
ولهذاا الغرض الرفيع، تواكبت أفواج الأنبياء والمرسلين لتزرع في وعي الإنسان بشكل متواصل تلك الأهداف الإلهية حتى لا يغفلها أو ينحرف عنها، ولتكون رسالات الانبياء عليهم السلام هي النور الذي يضيء الدرب للإنسان لكي يتحسس مواطئ أقدامه عند سيره في الدنيا.
ولكن حدث منذ عهود طويلة انحراف في مسيرة البشرية عن ذلك الهدف الإلهي السامي وتبدلت إلى تطاحن وتناحر واختلاف وتقاتل، ونتج عن كل ذلك دمار كبير، وحول العصور المستمرة من حياة الإنسانية إلى جحيم وعذاب وقهر واستغلال واستعباد، مما جعل من الإنسان مخلوقاً عبثياً لاغياُ لا يعرف كيف يهتدي إلى الحق سبيلاً، وطفق يبحث في هذه الدنيا على هواه عن نعمها الزائلة وملذاتها الفانية.
لذا نرى أن المفكرين على اختلاف مشاربهم الفكرية وعقائدهم التي ذهبوا إليها متفقون على أن الانسانية لا بد أن تصل إلى اليوم الذي تعيش فيه السعادة والهناء، وهذا كاشف عن أن النفس البشرية مفطورة على حب الخير والجمال، وإلا لما توافق هؤلاء المفكرون والمصلحون الإجتماعيون على هذه الفكرة الجميلة للحياة الإنسانية من مواقع اختلافاًتهم في العقائد والنظريات.
ومن وجهة النظر الإسلامية المرتبطة بمبدأ الكون وخالقه وهو الله عزوجل نعتقد أن هذه الحياة الدنيا لا بد أن تشهد النموذج الذي كان ينبغي أن تسير عليه الحياة، وذلك لأكثر من سبب ومبرر، وهي كما يلي:
أولاً: تبيان الأغراض الأصلية لخلق الإنسان وجعله خليفة لله عبر تشكيل المجتمع النموذجي الذي سيقوده الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه بعد خروجه، ليكشف عن الإمكانات المودعة في الإنسان التي كان ينبغي أن يستغلها لتحقيق مثل ذلك المجتمع عبر العصور المختلفة بدلاً من النماذج التي تحققت.
ثانياً: من الملاحظ أن المجتمع في عصر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه هو أقرب المجتمعات إلى نهاية الحياة الإنسانية على الأرض وهو آخر مجتمعاًتها كما نفهم ذلك من مصادرنا الشرعية، ومن غير المعقول ان تنتهي الحياة الدنيا بنموذج مجتمع لا ينسجم مع التوجهات الإلهية، لأن الحياة الدنيا أريد لها أن تكون مظهراً جمالياً، فلا بد أن يكون المجتمع الأخير متماشياً مع المجتمع الأول في العبادة والتوجه إلى الله وبناء الحياة وفق الرؤيا الإلهية لها.
ثالثاً: إثبات الحجة على كل المجتمعات التي سبقت وبيان تقصيرها في حق ربها وأنفسها حتى لا تحتج تلك المجتمعات على الله يوم القيامة بالعجز عن تحقيق ذلك الهدف السامي، لأن الإنسانية كانت قادرة على الوصول إلى تلك الحياة المطلوبة إلهياً لو أنها التزمت المنهج الإلهي في تحركاتها ولم تركن إلى الحياة الدنيا بأبعادها المادية البحتة التي ابتعدت بهم عن المسار الإلهي العام.
من هنا نفهم سبب الإصرار في المصادر الحديثية عندنا على أنه لو لم يبق من عمر الدنيا إلا يوماً واحداً لطّول الله ذلك اليوم حتى يخرج المهدي عجل الله تعالى فرجه ليملأ الدنيا عدلاً وقسطاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً على يد المستكبرين والطغاة عبر التاريخ، وكانوا السبب المباشر في تدمير الحياة الإنسانية في عصورها الغابرة والراهنة، وكانوا السبب في زرع عوامل اليأس والانحراف والكفر والفساد.
لذا نرى أن من واجب المؤمنين بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه أن يعملوا على أكثر من جهة في هذا المجال، فاللازم عليهم أن يسعوا لتأمين الظروف الموضوعية لخروجه، وأن يعملوا على زرع الأمل على الوقوف في وجه ظالميهم ومستعبديهم من طواغيت الأرض.
نسأل الله عزوجل أن يجعلنا من المنتظرين لخروجه بالمعنى الذي يقرّب عصر الخروج، ويمهد الأرض لظهوره المبارك لتكتحل عيوننا بمرآه المنير المشرق ولتسعد الإنسانية في حياتها.
والحمد لله رب العالمين
فكرة المصلح في آخر الزمان تتضمن نقطتين لا بد من إثارتهما وهما:
- مقام الإنسان عند الله
- حكومة العدل الإلهي
نماذج عن النقطة الأولى
﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ 1 و ﴿ … إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ … ﴾ 2 و ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ … ﴾ 3.
نماذج عن النقطة الثانية
﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ 4 ،﴿ … أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ 5، ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ … ﴾ 6، ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾ 7، ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ … ﴾ 8.
أحاديث
- الحسين بن على عليه السلام: له غيبة يرتد فيها أقوام ويثبت على الدين فيها آخرون، فيؤذن لهم ويقال: متى هذا الوعد إن كنتم صادقين، أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله وآله الطاهرين الأخيار.
- علي بن الحسين عليه السلام: ثم تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر، إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان، لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من الأفهام والعقول لمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله. 9
- 1. القران الكريم: سورة الإسراء (17)، الآية: 70، الصفحة: 289.
- 2. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 13، الصفحة: 517.
- 3. القران الكريم: سورة الجاثية (45)، الآية: 13، الصفحة: 499.
- 4. القران الكريم: سورة الصف (61)، الآية: 9، الصفحة: 552.
- 5. القران الكريم: سورة الأنبياء (21)، الآية: 105، الصفحة: 331.
- 6. القران الكريم: سورة النور (24)، الآية: 55، الصفحة: 357.
- 7. القران الكريم: سورة القصص (28)، الآية: 5، الصفحة: 385.
- 8. القران الكريم: سورة ص (38)، الآية: 26، الصفحة: 454.
- 9. نُشرت هذه المقالة على الموقع الالكتروني الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد بتاريخ: السبت, 15 شباط/فبراير 2014.