ورد في دعاء الإمام السجاد في شهر رمضان: .. أسألك أن تنصر وصي محمد، وخليفة محمد، والقائم بالقسط من أوصياء محمد صلواتك عليه وعليهم…» 1.
إننا في شهر الله الذي تتجلى فيه النفحات الرحمانية بأبهى صورها، تنصب على عباد الله تعالى الذين يجأرون بالدعاء ويسألونه المغفرة والعفو وفكاك الرقاب من النار، لا تجد منهم إلا الإقبال على طاعة المعبود والأنس بمناجاته في محراب العبادة، نعم فهذه الفرصة السانحة التي وهبهم إياها الرب الجليل لتهذيب النفوس وصقلها بالفضائل وتطهيرها من شوائب الرذائل، فالمرحومون في هذا الشهر من شمروا سواعد العمل المخلص واستغلوا أوقاتهم في كل ما يقرب من مولاهم، فبوصلة قلوبهم لا تحيد عن رضاه ويتجنبون كل ما يجرح صيامهم ويخالف توبتهم النصوح.
فحقيقة الصوم في هذا الشهر الفضيل ليس بإمساك عن الطعام والشراب مع انفلات بقية الجوارح من عقال التقوى والخوف من الله تعالى، وإلا كان نصيب العبد من صومه الجوع والعطش، بل هو صوم الجوارح عن مقارفة المعاصي، وحينها يتنسم المؤمن ما تتنزل به الملائكة من أمر الله تعالى ومواهبه السنية، وأهمهما طريق الرضا الإلهي وهو إدخال السرور على قلب صاحب العصر والزمان بما يراه من شيعته من جد ومثابرة في ميدان العمل الصالح وتجنب ما يسخط الباري عز وجل، فرابطة الولاء الحقيقي للإمام المعصوم الذي هو مظهر العبودية المطلقة وقبلة الاقتداء بسيرته العطرة، تجعل من الورع والخشية من الله التي تنضح من جبين أولياء الله وأصفيائه جهة تطهيرية يهذب بها الصائم نفسه ويتقرب بها إلى الله تعالى، فمتى ما أحسن التوجه العبادي فقد أحسن تحقيق مفهوم انتظار فرج آل محمد، فأنصاره رهبان الليل الذين يأنسون بمناجاة ربهم وملازمة محراب العبادة، وبرنامج الصوم المفضي إلى اكتساب التقوى يحقق تلك النزاهة والإيمان والاستقامة المتصف به أنصار الإمام الحجة.
إعداد النفسية الإيمانية التي تحظى برضا الإمام المهدي يعد شهر رمضان الفضيل من أهم روافده، فتلك الحصانة والقوة النفسية لرفض مقارفة المعاصي والآثام، تنمى من خلال التربية على الإمساك والامتناع عن المفطرات لمدة شهر كامل، ينطلق بعدها في بقية الشهور متسلحا بنور الخوف من الله تعالى، واستشعار حضور الإمام في قلبه وكيانه يزيده عزما وإرادة أن لا يحيد عن نهج التقى والاستقامة.
والدعاء للإمام المهدي في شهر رمضان بالخصوص يرتبط بتلك الحالة الروحية التي تستجلي وتظهر بأروع صورها، والمؤمن يعيش بين حلل الإيمان ومضامين العبادة الواعية وروح الإخلاص ومراقبة نفسه وتصرفاته، وقد انطلق في عملية الإصلاح والتهذيب بادئا بنفسه؛ ليكون عنصرا فاعلا وناشطا في النهضة الإصلاحية الكبرى التي يقودها المخلص العظيم ويقضي على مظاهر الانحلال والفساد والظلم على مستوى المعمورة2.