نص الشبهة:
لو قيل لك: بأن رجلاً قيادياً مؤمناً صالحاً تقياً يتولى أناساً بعضهم مؤمن وبعضهم منافق، وأنه لفضل الله عليه يعرف أهل النفاق بلحن قولهم، ومع هذا قام هذا الرجل بتجنب أهل الصلاح ، ثم اختار أهل النفاق وأعطاهم المناصب القيادية، وسودهم على الناس في حياته، بل تقرب إليهم وصاهر بعضهم ومات وهو راض عنهم. فما أنت قائل في هذا الرجل؟! هذا ما يعتقده الشيعة في رسول الله (صلى الله عليه وآله)!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً: إن الشيعة لا يعتقدون في رسول الله «صلى الله عليه وآله» أنه تجنب أهل الصلاح، وقدم عليهم أهل النفاق، وليس هذا من عقائدهم التي يأخذون الناس بها. فإن كان هناك من هو غير متوازن في فكره، فلا ينبغي أن يحسب على الشيعة، كما أن غير المتوازن لا ينبغي أن يحسب على أهل السنة، فليس لنا ان نقول: إن أهل السنة قد هجوا الزهراء «عليها السلام» وعيَّروها بالطحن، لأن ابن سكرة قد هجاها وعيَّرها، وأن أبا الغادية قاتل عمار مجتهداً، لأن بعض علماء السنة قد قال ذلك.. ولا أن ننسب إليهم أنهم يعتبرون ابن ملجم مجتهداً، وتقياً، لأن عمران بن حطان الذي يروي له البخاري قد وصفه بذلك.
ثانياً: إن نبينا الأكرم لا يعامل أصحابه على أساس الغيوب التي أعلمه الله تعالى بها، بل يعاملهم على حسب ظواهر حالهم.. فإذا كان ظاهرهم الإسلام عاملهم به، وطبق عليهم أحكامه، فيبيح للناس أكل ذبائحهم، ويورثهم، ويرث منهم، ويزوجهم، ويتزوج منهم.
ثالثاً: لنفترض: أن إنساناً قد عامل شخصاً على أساس إسلامه، وإيمانه الظاهر، وعلى ظاهر عدالته، فإن ذلك لا يعني أنه سيكون ضامناً بقاء هذه العدالة في حياته وبعد وفاته، فلعل الدنيا تحلو في عينه بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله».. ولعل.. ولعل..
رابعاً: تقول الآية:﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ … ﴾ 1.
فقد يقال: إن الإشكال يحل بأنه تعالى ذكر لنبيه «صلى الله عليه وآله» في آية أخرى طريقة معرفتهم، فقال:﴿ … وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ … ﴾ 2.
ونجيب:
بأن هذه الآية ليس لها مدخلية بهذا الإشكال، لما يلي:
ألف: من الذي قال: إن هذه الآية تشمل جميع المنافقين؟!
ب: لو شملتهم، فلعل معرفته بهم ستكون في آخر حياته، لا سيما وأن سورة التوبة كانت من أواخر السور نزولاً..
ومعرفته بهم في هذا الوقت قد لا تكون كافية في تلافي بعض المشكلات.. وحل بعض المعضلات.
ج: بل إن معرفتهم في لحن القول لا تسوغ له ترتيب الآثار عملياً على معرفته هذه.. بل يبقى محكوماً بالتكليف المبني على الظواهر الموجبة للبناء على إسلامهم وفقاً لما يدعونه ويظهرونه..
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. 3.
- 1. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 101، الصفحة: 203.
- 2. القران الكريم: سورة محمد (47)، الآية: 30، الصفحة: 510.
- 3. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، الجزء الثالث، 1431 هـ. ـ 2010 م، السؤال رقم (114).