نص الشبهة:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . ورد في كامل الزيارات 87 / 17 : باب 27 و في الكافي 1 / 283 عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : « . . فقال : إن لكل واحد منا صحيفة ، فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدته ، فإذا انقضى ما فيها مما أمر به عرف أن أجله قد حضره ، وأتاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ينعى إليه نفسه وأخبره بما له عند الله . وإن الحسين صلوات الله عليه قرأ صحيفته التي أعطيها وفسر له ما يأتي وما يبقى وبقي منها أشياء لم تنقضِ ، فخرج إلى القتال ، وكانت تلك الأمور التي بقيت أن الملائكة سألت الله عز وجل في نصرته فأذن لها ، فمكثت تستعد للقتال ، وتتأهب لذلك حتى قتل ، فنزلت وقد انقطعت مدته وقتل صلوات الله عليه . فقالت الملائكة : يا رب أذنت لنا في الانحدار [وأذنت لنا في نصرته] فانحدرنا وقد قبضته . فأوحى الله تبارك وتعالى إليهم : أن الزموا قبره حتى ترونه وقد خرج فانصروه وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته ، فإنكم خصصتم بنصرته والبكاء عليه ، فبكت الملائكة حزناً وجزعاً على ما فاتهم من نصرته ، فإذا خرج صلوات الله عليه يكونون أنصاره » . هذا وقد ذكر أحدهم من على شاشة التلفزة في يوم العاشر من المحرم لهذه السنة [1424 هـ] أن هذه الرواية أسطورة من الأساطير ولكنه لم يبين وجه ذلك . أرجو أن تبينوا ما في هذه الرواية مما هو مخالف للثابت عن أهل البيت ( عليهم السلام ) ، ولكم الشكر والثناء .
الجواب:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
فإننا لا نعرف من حقيقة الملائكة ، ومدى قدراتهم ، وما لهم من حالات ، إلا ما يعرّفنا الله تعالى به عن طريق القرآن ، وبيانات الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، والأئمة الطاهرين ( عليهم السلام ) . .
والله سبحانه يقول : ﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ 1 . .
وهذا معناه : أن الملائكة تحتاج في قطعها المسافات إلى وقت وزمان . . قد يطول وقد يقصر . .
كما أن الروايات قد أشارت إلى أصناف الملائكة ، ومنازلهم ، ودرجاتهم ، وبعض خصائصهم . .
يضاف إلى ذلك : أن الملائكة لا يعلمون من الغيب ، إلا ما علمهم الله تعالى إياه ، وليس لدينا ما يدل على معرفتهم بآجال العباد . .
وعلى هذا ، فإنهم إذا علموا بما يجري على الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، من قبل أعدائه ، وأرادوا أن يبادروا إلى نصرته ، فإن عليهم أن يستأذنوا رب العزة بذلك . .
ولعل لحظة الشهادة كانت قد حضرت حين طلبوا من رب العزة أن يأذن لهم بذلك ـ ولم يعلموا ـ وجرى القضاء على سيد الشهداء ( عليه السلام ) ، قبل أن يتمكن هؤلاء المخلوقات من القيام بواجبهم . .
والخلاصة : أن هذا من الأمور الغيبية ، الممكنة عقلاً ، والتي لا تُعرف إلا بالنقل . . فإذا جاء النقل بذلك ، وكان مستجمعاً لشرائط الحجية ، أُخذ به . . وإن لم يكن كذلك ، فإن حجيته ترد ، ولكن دون أن يحق لأحد أن يتعرض لتكذيب المضمون ، ففي المورد الذي نتحدث عنه نقول : إن عدم صحة سند الحديث ، لا تعني أن مضمونه مكذوب . . بل ذلك يعني أنه لم يثبت . .
وقد ورد النهي عن تكذيب ما يرد عنهم من دون حجة ودليل ، بل يلزم رده إليهم ( عليهم السلام ) . .
فقد روي عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ، قوله : « والله ، إن أحب أصحابي إلي أورعهم وأفقههم ، وأكتمهم لحديثنا ، وإن أسوأهم عندي حالاً ، وأمقتهم إلي الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ، ويروى عنا فلم يقبله ، اشمأز منه وجحده ، وكفّر من دان به ، وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج ، وإلينا أسند ، فيكون بذلك خارجاً عن ولايتنا » 2 .
والحمد لله رب العالمين 3 .
- 1. القران الكريم: سورة المعارج (70)، الآية: 4، الصفحة: 568.
- 2. الكافي ج2 ص165 ، وسائل الشيعة باب 8 من أبواب صفات القاضي حديث 39 .
- 3. مختصر مفيد . . ( أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، « المجموعة الخامسة » ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1424 ـ 2003 ، السؤال (263) .