مقالات

المقنِّن هو الذي يتولَّى ضمان تطبيق القانون

بسم الله الرحمن الرحيم

✍🏻 زكريا بركات

حين ازدحمت حركة السيارات، ارتأى البشر وضع قوانين عبَّروا عنها بقوانين المرور.. ولم يكتفوا بذلك، بل وضعوا لهذه القوانين قيِّمين يشرفون ويراقبون عملية تطبيق تلك القوانين.. ولم تخلُ مدينةٌ من مراكز لخدمة تلك القوانين وأناس يعملون في المراكز وفي الشوارع في سبيل مساعدة الناس ومراقبتهم في تطبيق القوانين.. وفي أي تقاطع إذا تعطَّلت الإشارة وفُقد رجل المرور؛ سرعان ما تعمُّ الفوضى، وكثيراً ما ينتهي الوضع إلى انسداد الطريق تماماً بفعل تنافس الناس وتغليب كل واحد لمصلحته الشخصية..

هكذا بدا للإنسان واضحاً (في كل مجال من مجالات الحياة) ضرورة وجود قيِّم على القانون؛ لأنَّ البشر لا يمكنهم ضبط الأمور بأنفسهم، بل سرعان ما تعمُّ الفوضى وينهار النظام بفعل تغليب كلِّ إنسان لمصلحته الشخصية، وبذلك تصل الأمور إلى طريق مسدود..

والعقل ـ بقليل من التفكُّر ـ يصل إلى النتيجة نفسها في مجال الدين.. فالدين عبارة عن مجموعة من القوانين التي شُرِّعت في سبيل تنظيم حياة البشر في مختلف المجالات، فلا بدَّ من القول بأنَّ من شرَّع القوانين الدينية (وهو الله تعالى) لا بدَّ أنَّه عيَّن القيِّمين الذين يقومون بعملية الإشراف والتنفيذ والمراقبة لتلك القوانين الدينية، وليس من المعقول أنه ترك أمر التنفيذ بيد البشر، من غير وصاية أو رقابة من جهة مخوَّلة بالإلزام والمراقبة والضبط..

ومن هنا نستطيع أن نفهم منطلق نظرية النص في مجال الحاكمية والإمامة، فإنَّ القول بضرورة الاستناد إلى النص في مجال تعيين الحاكم والإمام ينسجم مع الربط بين القانون والتطبيق بجعل كليهما مستنداً إلى المشرِّع نفسه، بمعنى أنَّ من له حقُّ التشريع والتقنين فهو أيضاً يقوم بضمان سلامة التطبيق من خلال تعيين منظومة الإدارة والتنفيذ والمراقبة والضبط والمحاسبة بكل ما تتطلَّبه من هيكلة وشروط وتعيين للأشخاص الأكفاء.. بينما القول بالشورى في هذا المجال معناه أنَّ الذي شرَّع القانون ترك بيد البشر أمر اختيار القيِّمين.. ومهما بالغ الإنسان في تصوير نضج البشرية وقدرة العقلاء على صناعة الكفاءات القيِّمة وتحديدها، فإنه لا يمكن إنكار انتهاء هذا التخويل (لو كان) إلى نشوب صراعات طائفية مقيتة في مجال تحديد القيِّمين أنفسهم، وهو ما حصل بالفعل في التاريخ البشري الديني، ولا يزال سبباً لكثير من الصراعات التي بلغت حدَّ الدموية..

ومن هنا نفهم ـ أيضاً ـ الربط بين الدين والسياسية، فالذين يدعون إلى فصل الدين عن السياسة هم ـ في الحقيقة ـ يدعون إلى جعل الدين محصوراً في حيِّز الحياة الشخصية وبصورة غير إلزامية، بينما الذين يدعون إلى الربط بين الدين والسياسة هم ـ في الحقيقة ـ دُعاة إلى جعل السياسة محكومة بأحكام الدين أولاً، وثانياً هم دُعاة إلى فرض حاكمية الدين على المجتمع في مختلف المجالات، سواء منها الشخصية أو العامَّة.

والله وليُّ التوفيق.

https://chat.whatsapp.com/FBadxXLwsrl8soEwFPWSKb

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى