مادامت المصلحة مشروعة والبحث عنها محموداً، سواء على الصعيد الشخصي أو على صعيد الفئات والجماعات، فإن المتدينين هم أولى الناس بالبحث عن المصلحة في حياتهم لدنياهم ولآخرتهم، مما يعني أن تسود بينهم سنة الاختلاف في هذا الأمر (المصالح) كغيره من الأمور.
فقد لا تتطابق مصالح الفئات المتدينة على أمر واحد أو نهج واحد أو آلية واحدة فينشأ التصادم في المصالح، والتضاد في طرق العمل والسعي باتجاهات متعاكسة – في بعض الأحيان – مما يسبب النفور وعدم الانسجام، وقد يؤدي إلى التصارع والتحارب.
يشير محمد فوزي في كتابه نظام الإدارة الدينية عند الشيعة الإمامية وهو يتحدث عن أسباب النزاع بين الوكلاء بدافع المصلحة بقوله «فقد يكون في منطقة وكيلان أو أكثر، يقوم كل واحد منهم بعمل، وتختلف طريقته وبالتالي مصلحة عمله عن زملائه، فهذا تكون له مصلحة في هدوء الأوضاع لكي يمارس نشاطاته الثقافية والاجتماعية الجماهيرية، بينما الآخر يساعده توتر الأوضاع على القيام بدوره في التعبئة السياسية وهكذا. فكل يعمل في جانب لا يلتقي بالجانب الذي يعمل فيه الآخر، مما ينتهي بهما إلى عدم الانسجام».
إن المصالح التي تبحث عنها الشخصيات والجماعات، ليست بالضرورة مصلحة الجاه والمكانة والمال والسمعة، بل قد تكون مصالح عامه تعني المجتمع من حولها، كأن ترى أن هذا النهج المعين هو الذي يرقى بالمجتمع نحو الحرية والكمال، وأن الخطى ضمن هذا النسق القيادي هو الضمانة الحقيقية لروح حيوية ونشطة في هذا المجتمع أو ذاك، بل قد تختلف في تحديد الهدف المصلحي المنشود فهل مصلحة المجتمع أن يسعى نحو الهدف (أ) أم (ب) ضمن ظرف ما، أو ضغط معين، أو فرصة زمنية سانحة.
هذه الاختلافات وغيرها تؤدي أحياناً إلى توجه الحراب صوب بعضها، في حرب داخلية قد تبعد المصالح وتوقع المفاسد في المجتمع، لكننا نغلف هذه الصراعات بغلاف ديني.
في مقالة للشيخ حسن الصفار في مجلة الكلمة العدد 19 يقول «في الخلاف بين علماء الدين يصبح الدين هو ميدان الصراع، وتكون القضايا الدينية هي أدوات النزاع والخلاف، حيث يسعى كل طرف للتحصن بالدين في مقابل الطرف الآخر، وتعزيز موقعه في النزاع بمبررات دينية، وقد يكون – كما هو الغالب – جوهر الصراع هو اختلاف مصلحي، لكنه ما يلبث أن يأخذ المنحى الديني، أو يكون في البداية اختلافاً محدوداً ضمن مسألة من المسائل الدينية، لكن حالة الصراع توسع حالة الخلاف بشكل مفتعل متكلف يطال أغلب المسائل والقضايا الدينية».
علينا دائماً أن نلاحظ أنفسنا، ونتأمل مصالحنا لتكون ضمن الضوابط الشرعية وهو أمر يدركه الإنسان والتجمع عند النظر والمحاسبة الداخلية للذات الشخصية أو الجماعية، إذ من الممكن أن يتحرك المؤمن والمتدين ويندفع ويصارع بدوافع مصلحية، ولذا كان من الواجب الحذر والتأمل في تلك المصالح والغايات لنكتشف هل هي سليمة أم لا؟
ينقل صاحب كتاب سيماء الصالحين أن «المرحوم السيد محمد فشاركي أحد أكبر تلامذة الميرزا الشيرازي الأول وكان بعده يعتبر من كبار الفقهاء وهو أستاذ المرحوم آية الله الشيخ عبدالكريم الحائري مؤسس الحوزة العلمية في قم وأستاذ عدد آخر من الأعاظم.
يقول المرحوم الحائري: سمعت من أستاذي آية الله فشاركي: عندما توفي الميرزا الشيرازي الأول ذهبت إلى البيت فرأيت أن في قلبي سروراً، وكلما فكرت لم أجد مبرراً لذلك فالميرزا توفي، وقد كان أستاذي، والعظمة التي كان يتمتع بها من حيث العلم والتقوى والنباهة والذكاء عجيبة وقليلة النظر».
يضيف المرحوم الفشاركي وفكرت مدة لأرى أي مكان أصابه الخراب؟ (من أين أتى) هذا السرور ما سببه؟ وأخيراً وصلت إلى هذه النتيجة: لعل سبب السرور أنني سأصبح في هذه الأيام مرجع تقليد، فنهضت وذهبت إلى الحرم وطلبت منه تعالى أن يرفع هذا الخطر عني، يبدو أني أحس بميل إلى الرئاسة.
وبقي إلى الصبح في الحرم، وعندما جاء صباحاً إلى التشييع رأوا أن عينيه محمرتان بشدة، وكان واضحاً أنه طيلة ليلته يبكي، وأخيراً حاول وحاول ولم يخضع لتحمل أعباء الرئاسة.
هناك مصالح ضاغطة يعيشها المتدينون كبقية البشر، ولكنك لا تجد صراعاً بينهم يشار له باعتباره صراعاً مصلحياً. 1
- 1. صحيفة الوسط البحرينية 28 / 6 / 2010م -العدد 2852.