الباحث: علي عباس فاضل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد:
يجد المتتبع لسيرة السلف الصالح دروسا وعبرا، إذ يمثل جهادهم في إعلاء كلمة الحق نبراسا يهتدى به، وقد بذلوا أنفسهم في سبيل ذلك والجود بالنفس أقصى غاية الجود، فأعد الله لهم أجرا عظيما قال تعالى: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)([1])، ومن هؤلاء الأبطال الذين سطروا أروع الملاحم في الدفاع عن دين الله الصحابي هاشم بن عتبة المرقال.
نسبه وكنيته ولقبه:
و(هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ، وَأُمُّهُ ابْنَةُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ جَابِرِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ حَلِيفُهُمْ)([2])، يكنى أبا عمرو([3])، ويلقب بالمرقال([4])، لأنه كان يرقل بالراية في صفين أي: يسرع بها([5])، وقيل لإرقاله نحو الموت([6])
إسلامه:
أَسْلَمَ هَاشِمُ بْنُ عُتْبَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، (قَالَ خليفة بْن خياط: فِي تسمية من نزل الكوفة من أصحاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ، هاشم بْن عتبة بْن أبي وقاص الزهري. وقال الهيثم ابن عدي مثله. قَالَ أَبُو عمر: أسلم هاشم بن عتبة يوم الفتح، يعرف بالمرقال، وَكَانَ من الفضلاء الخيار، وَكَانَ من الأبطال البهم)([7]).
مشاركته في الجمل صفين:
شهد هاشم مَعَ أمير المؤمنين عليه السلام الجمل، وشهد صفين، وأبلى فِيهَا بلاءً حسنًا مذكورًا، وبيده كانت راية علي عَلَى الرجالة يوم صفين، ويومئذ قتل، وَهُوَ القائل يومئذ:
أَعْوَرُ([8]) يَبْغِي أَهْلَهُ مَحِلَّا …
قَدْ عَالَجَ الْحَيَاةَ حَتَّى مَلَّا…
لَا بُدَّ أَنْ يَفِلَّ أَوْ يُفَلَّا …
وقطعت رجله يومئذ، فجعل يقاتل من دنا منه، وَهُوَ بارك ويقول:
الفحل يحمي شوله معقولا…
وقاتل حَتَّى قتل، وفيه يقول أبو الطفيل عامر بن وائلة:
يَا هاشم الخير جزيت الجنة …
قاتلت فِي اللَّه عدو السنة…
أفلح بما فزت به من منه…([9]).
وقد كان شجاعا شديد البأس، فهو حامل اللواء، إذ نرى عمرو بن العاص يدعو أصحابه لقتل المرقال، فقد جعله هدفا له، إذ ( رئي عمرو بن العاص وهو على منبر من عجل يجر به جرا، يشرف على الناس ينظر إليهم، وهو يقول لابنه عبد الله بن عمرو: يا عبد الله، أقم الصف، قصّ الشارب، فإن هؤلاء أخطأوا خطيئة قد بلغت السماء، ثم قال: علي السلاح، فألقي بين يديه مثل الحرة السوداء، ثم قال: خذ يا فلان، خذ يا فلان، عليكم بالدجال هاشم بن عتبة)([10]).
وتظهر بطولاته مع عمار بن ياسر (رضوان الله عليهما) فيما نقله الأحنف بن قيس إذ قال: أتى إلي كاتب عمار بن ياسر يومئذ، وبيني وبينه رجل من بني السمين فتقدمنا معه، ودنونا من هاشم بن عتبة فقال له عمار: احمل فداك أبي وأمي، ونظر عمار إلى رقة في الميمنة، فقال هاشم: يا عمار، إنك رجل تأخذك خفة في الحرب، وإنما أزحف باللواء زحفا، وأرجو أن أنال بذلك حاجتي، وإني إن خففت لم آمن الهلكة. وقال معاوية لعمرو بن العاص: ويحك يا عمرو! أرى اللواء مع هاشم كأنه يرقل به إرقالا، وإنه إن زحف به زحفا إنه لليوم الأطم بأهل الشام. فلم يزل به عمار حتى حمل، فبصر به معاوية، فوجه نحوه حماة أصحابه، ومن يزن بالبأس والشدة إلى ناحيته، وكان ذلك الجمع إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، ومعه يومئذ سيفان قد تقلد واحدا، وهو يضرب بالآخر، فأطافت به خيل علي، فقال عمرو: ابني، ابني، فقال له معاوية: اصبر، فإنه لا بأس عليه، فقال عمرو: لو كان يزيد ابن معاوية لصبرت. فلم يزل حماة أهل الشام يدعون عنه حتى نجا هاربا على فرسه، هو ومن معه.
وقال عمار حين نظر إلى راية عمرو بن العاص: والله إن هذه لراية قاتلتها ثلاث عركات ، وما هذه بأرشدهن([11]).
وقد صلَّى أمير المؤمنين عليه السلام على عمار بن ياسر، وهاشم بن عتبة، فجعل عمارا مما يليه، وهاشما أمام ذلك، وكبر عليهما تكبيرا واحدا خمسا أو ستا أو سبعا فلمّا قَبَرهُما جعل عمّارًا أمام هاشم([12]).
عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وقال : كان صاحب رأيته ليلة الهرير([13])، وقال المرزا النوري عنه: (المِرْقال، حامل الراية العظمى بصفين، الشهيد في يوم شهادة عمّار، عظيم الشأن، جليل القدر)([14]).
وقد كان ممن أراد أمير المؤمنين عليه السلام أن يوليه مصر لما رآه فيه من الإيمان والقوة والبأس، إذ روي (عن مالك بن الجون الحضرمي أن عليا عليه السلام قال: رحم الله محمدا، كان غلاما حدثا، أما والله لقد كنت أردت أن أولي المرقال هاشم بن عتبة بن أبي وقاص مصر، والله لو أنه وليها لما خلى لعمرو بن العاص وأعوانه العرصة، ولما قتل إلا وسيفه في يده بلا ذم لمحمد بن أبي بكر فلقد أجهد نفسه وقضى ما عليه .
قال: فقيل لعلي عليه السلام: لقد جزعت على محمد بن أبي بكر جزعا شديدا يا أمير المؤمنين…! قال: وما يمنعني؟ إنه كان لي ربيبا وكان لبني أخا، وكنت له والدا أعده ولدا)([15]) .
هذه نبذة عن حياة الصحابي الجليل الشهيد في صفين وحامل لوائها، نسأل الله العلي القدير أن يجعلنا من الثابتين على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام في الدنيا، وممن تناله شفاعته يوم الورود، إنه سميع مجيب.
الهوامش:
[1] سورة النساء: 74.
[2] الطبقات الكبرى: 1/ 287، الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 4/ 1546.
[3] الثقات، ابن حبان: 2/ 290.
[4] الطبقات الكبرى: 1/ 287، الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 4/ 1546، تاريخ دمشق: 73/ 340 .
[5] ينظر: العين: 5/ 140، الصحاح: 4/ 1712،
[6] جمهرة اللغة: 2/ 790.
[7] الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 4/ 1546
[8] فقعت عينه في معركة اليرموك. ينظر: الثقات، ابن حبان: 2/ 290، الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 4/1547.
[9] ينظر: الثقات، ابن حبان: 2/ 290، الاستيعاب في معرفة الأصحاب: 4/ 1547، سير أعلام النبلاء: 3/ 486.
[10] تاريخ دمشق: 73/ 340.
[11] ينظر: المصدر نفسه: 73/ 341.
[12] ينظر: تاريخ دمشق: 73/ 340 -341، تاريخ الاسلام: 2/ 331.
[13] ينظر: رجال الطوسيّ: 61 ، رجال العلَّامة: 179.
[14] خاتمة مستدرك الوسائل: 9/ 181.
[15] الغارات: 1/ 300- 301.
المصدر: http://inahj.org