نص الشبهة:
علماً أنّه يُقال: إنّ الرسول صلى الله عليه وآله لم يصرّح بأنّ عليّاً عليه السلام خليفة له ـ بمعنى الحكومة ـ إلّا في حديث الدار، مع أنّ الرسول صلى الله عليه وآله لم يكن حينئذٍ يملك بيده أيّ منصب ومقام؟! فلابدّ أن يكون المراد من قوله صلى الله عليه وآله يومذاك: «هو وصيّي ووزيري …» هو مقام المرشد والمشرف الروحي على الاُمة، لا غير.
الجواب:
وأمّا الأمر الثاني في السؤال الأوّل: هل ورد النصّ على إمامته عليه السلام.
يحتوي على نقطتين:
النقطة الاُولى: أنّ النبي لم يصرّح لعلي بالخلافة إلّا في قصّة الدار.
النقطة الثانية: إنّ تصريح الرسول في قصّة الدار لا تدلّ على الحكم والولاية عليه، لأنّ الرسول يومذاك لم يملك شيئاً من ذلك حتّى يمكنه إعطاؤه لأحد، فإذن لابدّ أن يعطي لعلي ما يملكه من الإرشاد والدعوة لا غير.
والنتيجة أنّه لم يثبت نصٌّ يدلّ على خلافة عليّ عليه السلام للرسول صلى الله عليه وآله .
والجواب :
أمّا النقطة الاُولى: فبما أنّ الإمامة منصب إلهي تختصّ بمن عيّنه اللَّه تعالى لذلك، ووضع له المقوّمات والمؤهّلات، فلابدّ من النظر في من توجد؟ حتّى يكون هو المعيّن. والنصّ واحد من الطرق التي يتعرّف بها على الإمام فهناك الدليل العقلي المدرك للمؤهّلات والذي يحسّ بوجوده في الذين يستأهلون. والتعيين الإلهي من خلال القرآن. ووجود الإمام وإبرازه لقابلياته. وتكون إرشادات الرسول صلى الله عليه وآله واحداً من الطرق إلى ذلك.
وقد أقامت الإمامية الأدلّة من كلّ نوع على ذلك بما ملأت كتب الإمامة الكثيرة. مع وجود إرشادات الرسول صلى الله عليه وآله على كثرتها ووجود النصوص الصريحة الواضحة على الإمامة والخلافة لعلي وأهل البيت من أوضحها: «حديث الثقلين» المحتوي على لفظ «أنّي مخلّف» والذي يحتوي على تأكيدات عديدة تحدّد المراد منه بخصوص الخلافة والحكم، ووجوب الإتّباع والتولّي والإطاعة. ومع هذا نقول: إنّ إرشادات النبيّ صلى الله عليه وآله لم تنحصر في ما هو «نصّ صريح» على مراده، بل إنّ أكثر ما ورد إنّما هو بالكناية والإشارة، على عادة محاورات العرب وقطابهم، والذي كانوا يستفيدون منه للدلالة على المرادات بشكل أوسع وأفضل حتّى قالوا «الكنايةُ أبلغ من التصريح» تلك المقولة التي كانت إحدى أوجه إعجاز القرآن عندهم ، وقد ورد في الحديث الشريف أنّ القرآن اُنزل بـ «إيّاك أعني واسمعي يا جارة» ممّا يدلّ على أنّ استعمال اُسلوب الكناية والإرشاد الدلالي بذلك هو أشيع وأقوى تأثيراً.
فلماذا يحاول أن يخصّص أمر الإمامة، بالنصّ الصريح مع أنّ الدلالات على إختصاص علي عليه السلام بالإمامة ـ بغير التصريح، بل بالإشارة ـ كثيرة جدّاً وواضحة. والعلماء يعتمدون الأقلّ من ذلك بكثير في الوضوح، في مقام الفتوى والأحكام الشرعية التي ينسبونها إلى اللَّه ورسوله، فإعتمادها في غير ذلك وارد.
وأمّا النقطة الثانية، ففي حديث الدار:
فأوّلاً: فرض أنّ الرسول صلى الله عليه وآله لم يملك يومذاك منصباً ولا حكماً، هذا فرض غير صحيح، لأنّ حديث الدار إنّما كان بعد البعثة بالنبوّة، وهو المنصب الأعظم الذي اُعطي له، وفيه كلّ ما يلزم له من الولاية الإلهية وما يتبعها، ولم يكن مجرّد مرشد ديني وهو نبي اللَّه ورسوله؟ وأساساً إنّ الرسالة، وكذلك الإمامة، لا يمكن تفريغها من الحكم والولاية والسلطة، كما لم يتصوّر ذلك أي أحد من أصحاب الديانات السماوية، وحتّى الكفّار والحكّام المعاصرين للرسل إنّما كانوا يعرفون ملازمة دعوى النبوّة لدعوى السلطة، فكانوا يجدون الأنبياء والرسل مزاحمين لحكمهم ومزعزعين لسلطانهم وهكذا يجد الحكّام اليوم تحرّك العلماء، حركات خطيرة على الحكم والسلطة ، ولذلك يواجهونهم بأشدّ ما بإمكانهم من عمليات القمع والإبادة والقتل.
وثانياً: إنّ حديث الدار يحتوي على تنصيب الإمام عليّ عليه السلام للخلافة والوزارة من بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وهذا يعني أنّ عليّاًعليه السلام سيقوم بما سيكون للنبي من يوم الدار إلى حين الوفاة، ومن المعلوم ـ الذي لا ينكر ـ أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قد حكم وكانت له السلطة الفعلية وكان صاحب الدولة والحاكم الأوّل فيها، فتكون جميع هذه الإمكانات لعليّ عليه السلام من بعده ، فلا يمكن أن يقال: إنّ الذي أعطاه لعلي من بعده هو مجرّد أمر الإرشاد.
هذا مع ما سبق من أنّ منصب الإرشاد الديني في المصطلح الإسلامي، يلازم منصب الحكم والولاية والسلطة، ولا يجوز التفريق بينهما 1.
- 1. هذه الإجابة هذه الإجابة نشرت على الموقع الاكتروني الرسمي لسماحة السيد محمد رضا الحسيني الجلالي و تحت عنوان : “الأجوبة السديدة عن أسئلة السيدة الرشيدة”.