الحديث عن قضايا المرأة في الفكر الإسلامي لم ينقطع أو يتوقف خلال القرن الأخير. فقد كان لهذه القضايا اهتماماً واسعاً يفوق من الناحية الكمية قضايا أخرى عديدة لا تقل أهمية وخطورة عن تلك القضايا. ويكشف هذا المستوى من الاهتمام مدى حضور قضايا المرأة في الذهنيات الإسلامية، والإلتفات إليها بصور وبواعث مختلفة. الإلتفات الذي ظل يحرض على أن تحتل هذه القضايا تلك المكانة البارزة في الأدبيات الإسلامية، بحيث لا نكاد نجد كاتباً أو مفكراً أو فقيهاً أو مصلحاً إلا واقترب من هذا الموضوع وتطرق إليه وكتب حوله.
وقد تعددت كتابات الإسلاميين حول المرأة وتنوعت إلى أكثر القضايا المرتبطة بها. وتأثرت في معظمها من حيث الباعث عليها بالعوامل الخارجية، خصوصاً من تلك المواقف والظواهر والتصورات التي تتعارض وتستفز الرؤية الإسلامية، وبالذات التي تنطلق من النسق الغربي أو تكون متأثرة به، وغالباً ما تصاحبها بعض المخاوف والمحاذير ذات الطبيعة الحساسة في الأوساط الإسلامية. وهذه المخاوف والمحاذير تركت أثرها الواضح على بنية وتكوينات الأدبيات الإسلامية في رؤيتها للمرأة، وفي طريقة صياغة الأفكار ولغة الكتابة حولها، وفي منطق البحث والنظر فيها.
والملاحظ أن هذا التطور الكمي في الأدبيات الإسلامية حول المرأة لا يعكس على الإطلاق تراكماً كيفياً يمثل تطوراً وتقدماً على مستوى الأفكار والمفاهيم، أو على مستوى طرائق البحث وأدواته المنهجية، وهكذا على مستوى الخبرات والتطبيقات والتجارب. فلو رجعنا مثلاً لكتاب (حقوق النساء في الإسلام) للشيخ محمد رشيد رضا، الصادر عام 1930م، فإن هذا الكتاب يعد أكثر تطوراً وتقدماً من عشرات الكتابات التي صدرت بعده ومازالت تصدر إلى هذا اليوم. ففي هذا الكتاب قدم رشيد رضا بعض التصورات التي كان من الممكن لها أن تساهم منذ وقت مبكر في تفكيك بعض الإشكاليات الذهنية والاجتماعية، وتدفع بتأسيسات فكرية وفقهية، وفي أكثر المجالات حساسية، وهي المجالات التي تتصل بمشاركة المرأة في الوظائف الاجتماعية، حيث تحدث عنها رشيد رضا في الصفحات الأولى من كتابه، وبعيداً عن ذهنية السجال النقدي والاحتجاجي. فتحت عنوان (مشاركة النساء للرجال في الشعائر الدينية والأعمال الاجتماعية والسياسية) وبعد أن يتحدث عن مشاركة النساء للرجال في العبادات الاجتماعية كصلاة الجماعة والجمعة والعيدين وعبادة الحج، يقول رشيد رضا “وقد شرع لهن من الأمور الاجتماعية والسياسية ما هو أكثر من ذلك” ويستشهد بالآية الكريمة ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ 1ويعلق رشيد رضا على هذه الآية بقوله “فأثبت الله للمؤمنات الولاية المطلقة مع المؤمنين فيدخل فيها ولاية الأخوة والمودة والتعاون المالي والاجتماعي، وولاية النصرة الحربية والسياسية”.
وتحت عنوان (أمر المرأة بالمعروف ونهيها عن المنكر) يقول رشيد رضا “وما في الآية من فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على النساء كالرجال، ويدخل فيه ما كان بالقول وما كان بالكتابة، ويدخل فيه الانتقاد على الحكام من الخلفاء والملوك والأمراء ومن دونهم، وكانت النساء يعلمن هذا ويعملن به”.
ولا شك أن هذه الآراء متقدمة على كثير من الأفكار والتصورات التي تطرح اليوم في بعض الأدبيات الإسلامية.
يبقى أن قضايا المرأة لا تنفصل أو تنفك عن طبيعة المشكلة الثقافية في المجتمعات العربية والإسلامية، كما أنها ترتبط وتتأثر بطبيعة ومستوى التطور الاجتماعي العام في هذه المجتمعات. فالمجتمع وأي مجتمع يفرض نظراته على المرأة، وهذه النظرة هي تعبير عن ذهنيته الثقافية ونظام تفكيره، أو أنها انعكاس للحالة العامة في المجتمع. وهذه الحالة غالباً لا تمثل حقيقة وأصالة النظرة الإسلامية2.
- 1. القران الكريم: سورة التوبة (9)، الآية: 71، الصفحة: 198.
- 2. الموقع الرسمي للأستاذ زكي الميلاد و نقلا عن صحيفة عكاظ ـ الأربعاء 5 مايو 2004م، العدد 13766.