نص الشبهة:
هل للمرأة تولي الحكم والقضاء؟ إذ سمعت من أحد الفضلاء: أن ذلك البعض يتبنى جوازه.
الجواب:
نقول: لا، ليس للمرأة أن تتولى منصب الحكم والقضاء في الإسلام.. ونقتصر في حديثنا هنا على تولي القضاء، الذي هو بعض شؤون الحاكم الإسلامي.. فإذا اتضح الحكم بالنسبة إلى هذا الأمر، اتضح الحكم في الدائرة الأوسع والأهم.
فنقول: إن من الواضح: أنه لا سلطة لأحد على أحد من حيث المبدأ.. والقضاء يختزن معنى السلطة بدرجة ما على الناس..
والذي يعطي السلطة وينشؤها, ويجعلها هو الله الخالق البارئ المالك لكل شيء، والمدبر والمتصرف في جميع مخلوقاته، والولي الحقيقي لهذا الإنسان, ومنه وعنه تنشأ سائر الولايات للإنسان وعليه..
فلا بد من الرجوع إليه سبحانه ليجد الإنسان البيان منه تعالى في أي ولاية تدّعى.
وعلينا أن نلفت النظر هنا إلى أن ذلك هو غاية التكريم لهذا الإنسان، ومنتهى العزة له، حيث لا يملك أحد أي حق للتدخل في شؤونه إلا من خلال الرخصة الإلهية، حين تمس الحاجة إلى حفظ مصالحه ورعاية شؤونه.
فأعطى الوالدين درجة من الولاية الرعائية عليه، ما دام بحاجة إلى ذلك.
لكن في دائرة الحكم الشرعي، وعلى أساس خضوعهما له، والتزامهما به..
ثم أدّبه بحسن الإنقياد والطاعة لهما في غير معصية الله سبحانه، وفرض عليه أن يكون شاكرا لهما كما يكون شاكرا له تعالى: ﴿ … أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ … ﴾ 1.
وفيما عدا ذلك، فإن الولاية تنحصر في أنبياء الله، وأوصيائهم الذين يراعون أمور هذا الإنسان وفق الهدى الإلهي، ومن موقع حب الخير والسلامة له، وعلى أساس الحكمة، وفي نطاق حفظ مصالحه، واطراد مسيرته في صراط الكمال، ونيل منازل الكرامة الإلهية.
ثم جاءت غيبة الإمام (عليه السلام)، بسبب خذلان الناس، وعدم وفائهم بتعهداتهم.. لتفرض الحاجة إلى تدبير الأمور وتسييرها من خلال نائبه العام، كما أن سنة الحياة الإجتماعية في سعتها، وفي تشعباتها قد فرضت الحاجة إلى القضاء لفصل النزاعات، وإعادة الأمور إلى نصابها، سواء في عصر النبي، أو الإمام، أو نائبه في عصر الغيبة، فجاءت البيانات الشرعية لتسمح بتصدي فئات من الناس لهذا المهم.. وذكرت لهم أوصافا، وحددت لهم نهجا وطريقة عمل ألزمتهم بها.
ولم نجد في كل تلكم البيانات ما يشير إلى المرأة في هذا المجال.. مما يعني عدم وجود مسوغ للسماح لها بالتصدي لمنصب كهذا..
فاتضح من خلال ما ذكرناه أن مقتضى الأصل هو منعها من هذا المنصب؛ ولم نجد ما يدل على رفع هذا المنع..
بل إننا نجد في النصوص ما يشير إلى أنها لا يحق لها تولي هذا المنصب، ونذكر منها ما يلي:
- ما رواه جابر عن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: «ولا تولى المرأة القضاء، ولا الإمارة» 2.
- ورواية حماد بن عمرو، وفيها: «يا علي، ليس على المرأة جمعة.. إلى أن قال: ولا تولى القضاء» 3.
- بل إن الروايات التي يقول فيها علي (عليه السلام): «يا شريح، لقد جلست مجلساً لا يجلسه إلا نبي، أو وصي نبي، أو شقي» 4. تدل على أن المرأة ليس لها هذا المنصب، الذي هو من مختصات النبي والوصي حيث لا حظ لها في منصبي النبوة والإمامة، كما هو واضح..
- وإن حرمان المرأة حتى من مقام المشورة، وهو أخف من منصب القضاء، يعطينا بالأولوية القطعية، أنها لا تعطى المقام الأعظم والأخطر من ذلك، وأعني به منصب ومقام القضاء.
- ثم هناك الروايات التي تقول فيما يرتبط بالتعامل مع المرأة: ولا تعدُ بكرامتها نفسها، ولا تطمعها في أن تشفع بغيرها. فإنها أيضاً تشير إلى ذلك، فإن إعطاء مقام القضاء يستبطن تمليكها ما جاوز نفسها، وهو مقام أعظم من مقام شفاعتها بغيرها، فمن لا يملك ما جاوز نفسه، ولا يحق أن يشفع بغيره، كيف يعطى منصب القضاء الجليل والخطير الذي تتعرض فيه لدماء الناس، واعراضهم، وأموالهم، وكراماتهم؟!
- واعطف على ما تقدم، ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة حول حظوظ النساء وعقولهن.
- هذا بالإضافة إلى ما ورد في وصية الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده الإمام الحسن (عليه السلام)، حيث ورد فيها: «ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها، فإن المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة» 5. وحتى لو كانت هذه الرواية ضعيفة السند، فإن استناد المشهور إليها جابر لهذا الضعف.
- ثم إن صحيحة أبي خديجة قد صرحت بجعل منصب القضاء للرجل، فقد جاء فيها: «أنظروا إلى رجل منكم، يعلم شيئاً من قضايانا، فإني قد جعلته قاضيا، فتحاكموا إليه» 6.
- وفي صحيحة أخرى: «اجعلوا بينكم رجلا ممن عرف حلالنا وحرامنا، فإني قد جعلته قاضياً» 7.
فإن موضوع الحكم في الروايتين هو الرجل.. فقط.. مع أن بالإمكان التعبير بطريقة تشمل المرأة، لو كان للمرأة نصيب في هذا الأمر، وذلك بأن يقول اجعلوا بينكم من عرف حلالنا.. أو يقول: انظروا إلى من يعلم منكم شيئاً من قضايانا.
ولعلك تقول: إن هذا من باب إلغاء الخصوصية، كما هو الحال في قوله: الرجل يشك بين الثلاث والأربع، حيث لا خصوصية للرجل؛ لأن المرأة أيضاً تشك..
ونقول: إن ذلك لا يصح، لأن إلغاء الخصوصية إنما هو في المورد الذي يعلم فيه بعدم دخل تلك الخصوصية في المراد بحيث يكون ذلك مرتكزاً في الأذهان، فيكون هذا العلم وذلك الإرتكاز هو القرينة التي يعتمد عليها المتكلم في بيان مراده..
ولكن المفروض فيما نحن فيه، عدم وجود علم مسبق بأن للمرأة حق القضاء، ليعتمد المتكلم على هذا العلم، ويعتبره قرينة على حجم ما يقصده من كلامه.. بل القرينة قائمة على خلاف ذلك، كما بيناه في أوائل حديثنا هذا وكما هو معروف ومتداول في عصر صدور النص.. وذلك ظاهر لا يكاد يخفى..
ونشير أخيراً إلى أنه لا يصح القول: إن قضية القضاء هي قضية علم وتقوى فإذا وجد هذان العنصران جاز توليه لأيٍّ كان، رجلاً كان أو امرأة.. فإن الأمر أعظم من ذلك، حيث إن العلم والتقوى هما بعض شروط القاضي، وبعض مواصفاته وحالاته.. ولكن الأمر لا يقتصر عليهما، فراجع تلك الشرائط..
أضف إلى ذلك.. أن هذا الكلام يدخل في دائرة الاستحسانات، التي لا تثبت حكما شرعيا ولا تنفيه، فيرجى الإلتفات إلى هذا الأمر، وعدم الإنجرار وراء أمثال هذه الترهات..
ونشير أخيراً.. إلى أنه قد ادعي الإجماع على عدم صحة تولي المرأة للقضاء، فراجع.. 8.
- 1. القران الكريم: سورة لقمان (31)، الآية: 14، الصفحة: 412.
- 2. مستند الشيعة للنراقي ج2 ص519.
- 3. الوسائل باب إن المرأة لا تولى القضاء ج18 ص6 ح1.
- 4. الكافي ج7 ص406 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص4 والمقنع ص132 وتهذيب الأحكام ج6 ص217.
- 5. نهج البلاغة باب الكتب ج3 ص 56 شرح محمد عبده مصر.
- 6. الوسائل باب صفات القاضي ج18 ص4 ح1.
- 7. الوسائل باب وجوب الرجوع في الفتوى والقضاء إلى رواة الأحاديث باب 11 ج8 ص100 ح6.
- 8. مختصر مفيد.. (أسئلة و أجوبة في الدين والعقيدة)، للسيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة الأولى» المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1423 ـ 2002، ص 81 ـ 87.