تواجه المرأة المسلمة في الألفية الثالثة تحديات جديدة، وفرصاً جديدة، وقد نشأ ذلك بفعل التطورات المتلاحقة، والتغيرات السريعة في عالمنا المعاصر الذي أصبح يطال كل شيء تقريباً في حياتنا.
وفي عصر العولمة، وثورة المعلومات، وتعدد القنوات الفضائية أصبحت المرأة كما الرجل تواجه من التحديات وكذلك من الفرص ما لم يكن معهوداً حتى في الماضي القريب فضلاً عن الماضي البعيد.
وبناء على ذلك، فإن المرأة المسلمة مطالبة بأن ترتقي إلى مستوى التحديات الجديدة، واستثمار كل الفرص المتاحة، وفهم العصر ولغته، والتكيف مع مستلزمات الزمان والمكان؛ مع المحافظة على القيم الدينية والأخلاقية، والهوية الثقافية. ولكي ترتقي المرأة إلى ذلك المستوى، عليها أن تعد نفسها علمياً وعملياً كي تتمكن من مواكبة حركة العصر ومتطلباته.
المرأة بين التهميش والتغريب
عانت المرأة في مجتمعنا ولعقود طويلة من التهميش الاجتماعي؛ مما تسبب في انعزالها وانطوائها وابتعادها عن المسرح الاجتماعي؛ وهذا أدى بها إلى أن تكون طاقة مهملة، وعضواً مشلولاً غير قادر على الإبداع والعطاء والعمل، والاكتفاء بخدمة المنزل والأسرة؛ وهو عمل شريف، وتثاب عليه المرأة بالأجر الجزيل؛ ولكن ينبغي أن لا يقتصر دور المرأة على ذلك الدور؛ فالمرأة يجب أن تكون شريكة الرجل في تحمل المسؤولية، والمشاركة في البناء الاجتماعي، والتنمية الشاملة، وإنماء المجتمع الأهلي. وبدون مشاركة المرأة يكون البناء ناقصاً، والتنمية تعاني من ثغرات وعيوب، فالمرأة نصف المجتمع، وبدون تحملها للمسؤولية سيبقى نصف المجتمع من دون بناء أو تطور أو تقدم ملحوظ.
وتهميش المرأة ناتج من الفهم الخاطئ لتعاليم الدين، وفي أحيان أخرى ناتج من عادات وتقاليد وأعراف تكرست بمرور الزمن لتتحول إلى ثوابت اجتماعية غير قابلة للنقض والإبرام. كما أن تقاعس المرأة عن المطالبة بحقوقها، والتكاسل عن القيام بواجباتها قد أدى إلى أن تعيش المرأة في الهامش بلا دور حقيقي، وبلا عمل اجتماعي، وبلا فاعلية أو نشاط أو حركة، وهو ما كرس حالة الجهل والتخلف والفقر في الوسط النسائي.
وقد استغل المتغربون هذه الحالة ليطلقوا شعارات (تحرير المرأة) و (تحديث المرأة) وهي شعارات براقة ولكنها تحمل مضامين خطيرة تتنافى مع قيم الدين وتعاليمه. فتحرير المرأة يعني في نظر أصحابها تحريرها من تعاليم الدين وقيمه، أما الحداثة فتعني تحويل المرأة إلى أداة رقص، وخلع رداء الحياء والحشمة، والتمرد على كل الآداب والعادات والتقاليد الإسلامية.
لقد ساهمت وسائل الإعلام الحديثة وخصوصاً مع ظهور البث المباشر عبر الأقمار الصناعية، وتعدد القنوات الفضائية، وتعاظم دور شبكة الإنترنت العالمية إلى تسويق ثقافات غربية وبالذات فيما يتعلق بالمرأة، حيث تعمل هذه الوسائل الإعلامية وبكل ما أوتيت من إمكانات مادية وتقنية إلى تحويل المرأة إلى مجرد وسيلة إعلامية لترويج الأفكار الفاسدة، وتسويق البضائع والسلع! كما أن الوسائل الإعلامية -في الأغلب الأعم- تسعى جاهدة إلى تحويل تفكير المرأة من الإهتمام بالقضايا المهمة إلى القضايا الثانوية، والتركيز على الكماليات والقضايا الهامشية في شخصية المرأة كموديلات الألبسة والحقائب والأحذية، وآخر صرعات الموضة، وصيحات الحلاقة…!
وبقراءة سريعة للمجلات النسائية سوف لن تجد في أغلب هذه المجلات المتخصصة ما يحمل فكراً أو ثقافة جادة للمرأة في حين ستجد أن صفحات هذه المجلات مشحونة بثقافة الأزياء والألبسة، وآخر صناعات المكياج وأدوات الزينة، مع المزيد من الصور الفاضحة، والخالية من أي حياء أو خجل.
وهذا التغريب الذي يمارس ضد المرأة ومن أجلها أكثر سوءاً وضرراً من حالة التهميش التي كانت تعاني منها المرأة.. وهكذا فإن المرأة في مجتمعنا تعاني إما من حالة التهميش المفروضة عليها، وإما من حالة التغريب التي تُساق إليها سوقاً.
وللخروج من حالة التهميش، ومقاومة وسائل التغريب.. على المرأة المسلمة أن تثق بنفسها، وأن تقوي من إرادتها وعزيمتها، وأن تصر على التمسك بقيمها ودينها، وأن تقوم بواجباتها الشرعية والوطنية، وأن تطالب بحقوقها المشروعة.. وبذلك تستطيع المرأة أن تثبت شخصيتها وإنسانيتها ومكانتها المرموقة التي حفظها لها الإسلام الحنيف.
المرأة والفاعلية
تستطيع المرأة أن تقوم بدور فاعل وفعال في جميع مفاصل الحركة الاجتماعية.. ويمكنني أن ألخص أهم محاور الفاعلية الاجتماعية للمرأة في النقاط التالية:
1- تربية الأجيال
أهم دور يمكن للمرأة أن تتقنه هو تربية الأجيال؛ وذلك من خلال تربية الأبناء الذين هم عماد المستقبل، فالمرأة الصالحة تساهم في بناء جيل صالح، والمرأة الفاسدة مسؤولة -بصورة أو بأخرى- في تنمية جيل فاسد. ومن ثم، تبدو لنا أن مهمة التربية مهمة صعبة وخطيرة، بَيْدَ أن مستقبل الطفل يرسم عندما يكون صغيراً؛ ولذلك فإن المرأة تتحمل مسؤولية خاصة تجاه تربية أبنائها بصورة صحيحة وعملية ومنهجية.
ومن الخطأ الفاحش أن تتخلى المرأة المسلمة عن تربية أبنائها لصالح تربية الخادمة الكافرة مما يترتب عليه آثار سيئة للغاية
على مستقبل الأبناء، ومن ثم على مستقبل جيل الغد. وإذا
ما أرادت المرأة المسلمة تربية أبنائها بصورة صحيحة فعليها أن تتقن أصول التربية، وأن تتثقف بالثقافة التربوية كي تقوم بدورها خير قيام.
2- ممارسة الأعمال المناسبة
أثبتت المرأة جدارتها في ميادين العمل، والعمل في الحقـول المناسبة للمرأة كالتعليم والتمريض والحضانة.. وما أشبه، ليس أمراً مطلوباً فحسب، وإنما هو ضرورة وحاجة إنسانية واجتماعية واقتصادية.
لقد أصبحت النساء في مجتمعنا تشكل جزءاً مهماً من قوة العمل الحديثة فضلاً عن القديمة كالزراعة والخياطة والحرف المنزلية المختلفة.
والإسلام الذي يحث على العمل، ويدعو إليه، ويحض عليه، ويثيب عليه بالأجر الجزيل، يشمل الرجل والمرأة، فالإسلام لا يحرم العمل على المرأة -كما يدعي البعض- وإنما يريد من المرأة الالتزام بالحجاب والعفة والحشمة سواء في ميدان العمل أو في غيره. وقد أثبتت التجارب الميدانية في غير موقع من بلاد المسلمين أن الحجاب والاحتشام لا يمنع من العمل، ولا يعيق الأداء الوظيفي الجيد؛ بل أن المرأة المسلمة المتحجبة أثبتت قدرتها الفائقة على أداء وظيفتها بأحسن أداء، نظراً لما تتميز به من إخلاص وحماس في القيام بوظيفتها على أحسن وجه.
3- نشر الوعي الثقافي
للثقافة الواعية دور فاعل في تنمية المجتمع وتقدمه وتطوره؛ إذ لا يمكن تصور تقدم أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية بدون أن ينتشر الوعي الثقافي في فضائه الواسع. كما لا يمكن أن يتقدم أي فرد من دون امتلاك مقدار معقول من الثقافة الثاقبة.
وقد شهد مجتمعنا في الآونة الأخيرة قفزات ثقافية مهمة؛ ولكن يمكن تسجيل أن نسبة الطفرة الثقافية عند النساء لا تزال منخفضة مقارنة بالمستوى الذي وصل إليه الرجال. وعليه، فإن المرأة في مجتمعنا تتحمل مسؤولية عظيمة وكبيرة في تعميم الثقافة.. ويمكن للمرأة المثقفة المساهمة بدور فعال ومؤثر في تفعيل الحركة الثقافية، وذلك من خلال ما يلي:
- تأليف الكتب في مختلف حقول العلم والمعرفة، بما ينمي حركة التأليف والكتابة والنشر في أوساط المجتمع.
- ممارسة الخطابة لمخاطبة النساء على اختلاف مستوياتهن وتوجهاتهن، فالخطابة لها دور فاعل في تنمية الحركة الثقافية عند مختلف الشرائح الاجتماعية.
- عمل منتديات ثقافية خاصة بالنساء تناقش فيها مختلف الأفكار والطروحات الجديدة، بما يُسهم في رفع المستوى الثقافي في الوسط النسائي.
- العمل على إبراز رموز ثقافية نسائية بحيث تكون قادرة على استقطاب الفتيات المتعلمات، وبحيث تتحول هذه الرموز الثقافية إلى مراكز إشعاع ثقافية مؤثرة على الرجال والنساء على حد سواء.
- وضع خطة لتنمية المهارات الأدبية، وتشجيع المواهب العلمية، وتفجير الطاقات الثقافية الموجودة لدى الفتيات المتعلمات كي يتمكنَّ من الإبداع والابتكار والعطاء في مختلف حقول العلم والثقافة والمعرفة الإنسانية.
4- العمل التطوعي
يعد العمل التطوعي من الأعمال المهمة في إرساء قواعد التكافل والتعاون الاجتماعي، كما أنه علامة تدل على مستوى تقدم الوعي الاجتماعي. ويمكن للمرأة أن تؤدي دوراً فعالاً في الأعمال التطوعية والخيرية على اختلافها. كما أن الانخراط في العمل التطوعي له فوائد جمة على الشخصية الإنسانية -رجلاً كان أو امرأة- حيث يزيد من رصيد التجارب عند الإنسان، كما يُسهم في تنمية المهارات، وصقل السلوكيات، وتوكيد الذات، ونيل احترام المجتمع.
وأظن أن المرأة في مجتمعنا لا تزال لم تأخذ موقعها المناسب في المجال الإنساني؛ حيث بإمكان المرأة أن تقوم بالكثير من الأعمال التطوعية مما سيكون له أكبر الأثر في دفع عجلة المجتمع نحو التقدم، والنهوض به باتجاه تحقيق واقع أفضل.
وما لا شك فيه، أن الأعمال التطوعية من الأدوار المهمة التي يمكن للمرأة في مجتمعنا المشاركة الفعالة فيها. وأعتقد أن تطور وعي المرأة لهذه المسؤولية الدينية والاجتماعية سوف يعزز من اندفاع المرأة نحو القيام بواجباته 1.
- 1. سماحة الشيخ عبدالله اليوسف حفظه الله – 12 / 11 / 2010م – 7:57 م.