قال علي بن محمّد عليه السلام : « إن رسول الله (ص) لما ترك التجارة إلى الشام ، وتصدق بكلّ ما رزقه الله تعالى من تلك التجارات كان يغد وكلّ يوم إلى حراء يصعده وينظر من قلله إلى آثار رحمة الله ، وإلى أنواع عجائب رحمته وبدائع حكمته ، وينظر إلى أكناف السماء (۱) وأقطار الأرض والبحار والمفاوز والفيافي ، فيعتبر بتلك الآثار ، ويتذكر بتلك الآيات ، ويعبد الله حقّ عبادته ، فلمّا استكمل أربعين سنة ونظر الله عزّوجلّ إلى قلبه فوجده أفضل القلوب وأجلها وأطوعها وأخشعها وأخضعها أذن لأبواب السماء ففتحت ومحمّد ينظر إليها ، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمّد ينظر إليهم ، وأمر بالرحمة فانزلت عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمّد وغرّته ، ونظر إلى جبرئيل الروح الأمين المطوق بالنور طاووس الملائكة هبط إليه وأخذ بضبعه (۲) وهزّه وقال : يا محمّد اقرء ، قال : وما أقرء ؟ قال يا محمّد ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ) (۳) ثمّ أوحى إليه ما أوحى إليه ربّه عزّوجلّ ثمّ صعد إلى العلوّ ونزل محمّد صلّى الله عليه وآله من الجبل (٤) وقد غشيه من تعظيم جلال الله وورد عليه من كبير (٥) شأنه ماركبه الحمى والنافض (٦) يقول وقد اشتدّ عليه ما يخافه من تكذيب قريش في خبره ونسبتهم إيّاه إلى الجنون ، وإنّه يعتريه شياطين (۷) ، وكان من أوّل أمره أعقل خلق الله (۸) ، وأكرم براياه ، وأبغض الأشياء إليه الشيطان وأفعال المجانين وأقوالهم ، فأراد الله عزّوجلّ أن يشرح صدره ، ويشجّع قلبه ، فأنطق الله الجبال والصخور والمدر ، وكلّما وصل إلى شيء منها ناداه : السلام عليك يا محمّد ، السلام عليك يا ولي الله ، السلام عليك يا رسول الله (۹) أبشر ، فإنّ الله عزّوجلّ قد فضّلك وجمّلك وزيّنك وأكرمك فوق الخلائق أجمعين من الأوّلين والآخرين ، لا يحزنك أن تقول قريش إنّك مجنون ، وعن الدين مفتون ، فإنّ الفاضل من فضّله ربّ العالمين ، والكريم من كرّمه خالق الخلق أجمعين ، فلا يضيقن صدرك من تكذيب قريش وعتاة العرب لك ، فسوف يبلغك ربّك أقصى منتهى الكرامات ، ويرفعك إلى أرفع الدرجات ، وسوف ينعم ويفرح أولياءك بوصيّك علي بن أبي طالب ، وسوف يبثّ علومك في العباد والبلاد بمفتاحك وباب مدينة حكمتك (۱۰) : علي بن أبي طالب ، وسوف يقرّ عينك ببنتك فاطمة ، وسوف يخرج منها ومن علي الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة ، وسوف ينشر في البلاد دينك وسوف يعظم اُجور المحبّين لك ولأخيك ، وسوف يضع في يدك لواء الحمد فتضعه في يد أخيك علي ، فيكون تحته كل نبي وصدّيق وشهيد ، يكون قائدهم أجمعين إلى جنّات النعيم ، فقلت في سرّي : يا ربّ من علي بن أبي طالب الذي وعدتني به ؟ ـ وذلك بعد ما ولد علي عليه السلام وهو طفل ـ ، أهو ولد عمّي. وقال بعد ذلك لما تحرّك علي وليداً (۱۱) وهو معه : أهو هذا ففي كلّ مرّة من ذلك أنزل عليه ميزان الجلال ، فجعل محمّد في كفّة منه ، ومثل له علي عليه السلام وسائر الخلق من اُمّته إلى يوم القيامة في كفة فوزن بهم فرجح ، ثمّ أخرج محمّد من الكفّة وترك علي في كفة محمّد التي كان فيها فوزن بسائر اُمّته فرجح بهم وعرفه (۱۲) رسول الله بعينه وصفته ونودي في سره : يا محمّد هذا علي بن أبي طالب صفيي الذي أؤيد به هذا الدين ، يرجح على جميع اُمّتك بعدك ، فذلك حين شرح الله صدري بأداء الرسالة ، وخفّف عنّي (۱۳) مكافحة الاُمّة ، وسهّل عليّ مبارزة العتاة الجبابرة (۱٤) من قريش (۱٥) ».
الهوامش
۱. وأقطارها خ
۲. الضبع. وسط العضد. وفى المصدر : بضبعيه. وهزه : حركه.
۳. سورة العلق : ١ ـ ٥.
٤. عن الجبل خ ل.
٥. من كبر شأنه خ ل وفى المصدر : من كبرياء شأنه.
٦. النافض : حمى الرعدة.
۷. شيطان خ ل. وفى المصدر : الشيطان.
۸. خليقة الله. خ ل.
۹. زاد في المصدر : بعد قوله : رسول الله : السلام عليك يا حبيب الله ابشر ولم يذكر قوله : السلام عليك يا محمد.
۱۰. في المصدر : مدينة علمك.
۱۱. قليلا خ ل. وهو الموجود في المصدر.
۱۲. نعرفه خ ل.
۱۳. على خ ل.
۱٤. والجبابرة خ ل.
۱٥. التفسير المنسوب إلى الامام العسكرى عليه السلام : ٦٠ و ٦١.
مقتبس من كتاب : [ بحار الأنوار ] / المجلّد : ۱۸ / الصفحة : ۲۰٥ ـ ۲۰۷