الكذب من أقبح الذنوب وأكثرها كرهاً عند الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو من الكبائر التي توعّد الله العقاب على من يفعله ويمارسه، وله عواقب خطيرة على حياة كُلِّ من الفرد والمجتمع، ولذا عندما نرجع إلى القرآن والنصوص الواردة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) نجد الكثير ممّا يدلّ على حرمة هذا الفعل تحريماً شديداً و قوياً.
وقد ورد في القرآن الكريم: ﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ … ﴾ 1 و ﴿ … إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ 2 و ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ … ﴾ 3، و ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ 4.
وورد في تحريم الكذب من النصوص الكثير، نختار منها ما يلي: (كبُرتْ خيانة أن تحدّث أخاك حديثاً هو لك مصدّق وأنت به كاذب)، رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، و (إياكم والكذب فإنّه مع الفجور وهما في النار)، رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) و (الكذب باب من أبواب النفاق)، رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وفي حديثٍ لافتٍ للنظر: (قيل يا رسول الله أيكون المؤمن جباناً؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) نعم، قيل له: أيكون المؤمن بخيلاً؟ قال: نعم، قيل له: أيكون المؤمن كذّاباً؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لا..)، لأنّ الكذب لا يجتمع مع الإيمان بالله ولا يصاحبه، بل يدمّر إيمان الإنسان ويخرّبه ويمحوه كما ورد في مضمون بعض النصوص.
وفي روايةٍ أخرى أنّه جاء رجلٌ إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: (أنا يا رسول الله أستسرُّ_ أفعل أربعة كبائر بالسرـ بخلال أربع “الزنا” و “شرب الخمر” و “السِّرقة” و “الكذب” فأيّهن شئت تركتها لك! فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) “دع الكذب”، فلمّا ولَّى همَّ بالزنا، فقال: “يسألني فإن جحدت نقضت ما جعلت له، وإن أقررت حُدِدْتُ” ثمّ همَّ بالسرقة، ثمّ بشرب الخمر، ففكَّر في مثل ذلك، فرجع إليه فقال: “قد أخذت عليَّ السبيل كلّه ـ أي قطعت عليَّ طريق فعل الحرام، فقد تركتهنّ أجمع)، وهذا يؤيّد ما في حديث عن الإمام الباقر (عليه السلام): (جُعِلَت الخبائث في بيت وجُعِلَ مفتاحه الكذب).
وللكذب آثار سلبية جداً على الكاذب في الدنيا وفي الآخرة معاً، وسنترك للأحاديث الشريفة أن توضح لنا مفاسد الكذب وشروره ونتائجه الضارّة:
ـ “ثمرة الكذب المهانة في الدنيا والعذاب في الآخرة”، أمير المؤمنين (عليه السلام).
ـ “إنّ الكذب يسوِّد الوجه”، رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
ـ “لا تكذب فيذهب بهاؤك”، الإمام الصادق (عليه السلام).ـ “كثرة الكذب تُفْسد الدين وتعظم الوزر”، أمير المؤمنين (عليه السلام).
ـ “عاقبة الكذب الندم”، الأمير (عليه السلام).
ـ “الكذب في العاجلة عار، وفي الآخرة نار”، الأمير (عليه السلام).
ـ “أقل الناس مرؤة من كان كاذباً”، رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ـ “الكذب يُنقصُ الرزق”، رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
_ “مَنْ عُرِفَ بالكذب قلَّت الثقة به…”، الأمير (عليه السلام).
وبعد هذه الأحاديث الشريفة التي تدلّ على هذا الكمّ الخطير والكبير من مفاسد الكذب من يجرؤ على فعله والإقدام عليه؟! ولذا ورد في القرآن الكريم قوله: ﴿ … إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ 5، وكذا ورد قوله تعالى: ﴿ … وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ … ﴾ 6.
من كلّ هذا الجو ينبغي على المؤمنين توخّي الحيطة والحذر والإنتباه من الأخبار التي تُنْقل إليهم وأن يدقّقوا في كلّ ما يصل إليهم، لأنّ مصدر بعض هذا قد يكون صادراً عن الكذّابين الذين لديهم أهداف وأغراض شخصية أو مشبوهة، بحيث يكون العمل وفق أخبارهم ضارّاً بمن لا يجوز الإضرار به شرعاً فيرتكب المؤمن من حيث يعلم أو لا يعلم الذنوب التي تُرتّب عليه تحمُّل التبعات أو النتائج التي حصلت بفعل التسرّع وعدم التأكّد من صحّة الاخبار والأحداث المنقولة.
وكذلك ينبغي التشهير والتعريض بالمعروفين بالكذب لأنّ الكذّاب فاسق، والفاسق لا غيبة له، لكي تجتنبه الناس وتتحاشى الإستماع إليه لكي لا يقعوا ضحايا كذبه ونفاقه.
نعم أجاز الإسلام الكذب في موارد محدودة بهدف الإنجاء والإصلاح كما ورد في الحديث: (الكذب مذموم إلاّ في أمرين: “دفع شرّ الظلمة” و “إصلاح ذات البين”)، هذا فيما إذا توقّفا فعلاً على الكذب، أمّا إذا حصلا من دون اللجوء إلى الكذب فيبني على حرمته أيضاً.
وهناك نوعٌ خاص من الكذب مبطلٌ للصوم فضلاً عن حرمته وهو “الكذب على الله ورسوله والأئمّة (عليهم السلام)، كما لو كذب عن لسان الله تعالى أو لسان رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الأئمة (عليهم السلام) مع أنّه يعلم بأنّ ما يقوله غير موجود أصلاً، ولذا ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إنّ الكذبة لتفطر الصائم، قلت: وأيّنا لا يكون ذلك منه؟ قال: ليس حيث ذهبت، “إنّما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى الأئمة (عليهم السلام)، وهذا النوع من الكذب يمارسه عادة علماء السوء ووعاظ السلاطين للتغطية على انحراف الحكام الظالمين ولمنع الناس من الثورة عليهم، وهذا النوع من الكذب هو أقبحه وأشدّه عقاباً عند الله عزّ وجلّ، لأنّه يفتح الباب أمام الظالمين والمنحرفين لكي يتحكّموا بالبلاد والعباد ويسيرون فيهم وفق رغباتهم وشهواتهم البعيدة عن رضا الله ومصلحة الناس والأمّة الإسلامية والبشرية كلّها.
والحمد لله ربّ العالمين7.
- 1. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 105، الصفحة: 279.
- 2. القران الكريم: سورة غافر (40)، الآية: 28، الصفحة: 470.
- 3. القران الكريم: سورة الزمر (39)، الآية: 60، الصفحة: 465.
- 4. القران الكريم: سورة النحل (16)، الآية: 116، الصفحة: 280.
- 5. القران الكريم: سورة الحجرات (49)، الآية: 6، الصفحة: 516.
- 6. القران الكريم: سورة البقرة (2)، الآية: 191، الصفحة: 30.
- 7. نقلا عن الموقع الرسمي لسماحة الشيخ محمد توفيق المقداد حفظه الله.