هذه المقولة ليست مقولة جديدة، بل هي فكرة قديمة تبنتها جماعة من أصحاب النبي ( صلى الله عليه و آله ) قُبيل وفاته، ثم طبقوا هذه الفكرة و عملوا بها زمناً طويلاً بعد موته ( صلى الله عليه و آله )، ثم تكرر طرحها بواسطة جهات و جماعات مختلفة، بنوايا و أهداف متفاوتة.
أهل القرآن، أو القرآنيون الجُدد
تجددت الدعوة إلى الاكتفاء بالقرآن الكريم و الاستغناء عن السنة النبوية الشريفة ـ بل إنكارها و نبذها ـ في العصر الحاضر من قِبل بعض الجماعات في مصر و الهند و بعض البلاد الأخرى، فكتبوا المقالات و الكتب، و أصدروا المجلات و نشروا المنشورات، و فتحوا مواقع على شبكة الانترنيت لترويج هذه الفكرة الفاسدة.
و المُسلم المتعلم البصير لا بُدَّ و أن يشك في نوايا هذه الجماعات و أهدافها، و من حقه أن يُبدي حساسية عالية تجاه هذه التحركات.
كما و من حقه أيضاً أن يرجع إلى الماضي ليكتشف الأسباب الحقيقة الكامنة وراء نبذ السنة النبوية الشريفة و ترك العمل بها قرابة قرن بحجج واهية.
ثم له الحق في أن يتساءل عن أسباب رجوع أصحاب هذه الفكرة إلى السنة النبوية بعد أن نبذوها وراء ظهورهم، لكن بعد أن تم تدوينها من قِبل السلطة الحاكمة آنذاك حسب معايير خاصة !
هذا و أن من له أدنى معرفة بمصادر التشريع الإسلامي لا يمكنه قبول رأي هذه الجماعة بتاتاً، كما و لا يقبل منهم أي إعتذار أو تبرير، و ذلك لأن فكرتهم الفاسدة هذه تخالف القرآن و لا تتفق مع صريح آياته أبداً، بل و يتضح له أن هذه الجماعات كانت و لا تزال تريد فتح باب التلاعب بقيم القرآن و تعاليمه حسب ما تقتضيه مصالحهم، ليتسنى لهم تطبيق خططهم الخطيرة تجاه الدين الإسلامي، لكن بإسم الدعوة إلى العمل بالقرآن و الدفاع عنه، حيث أنها تُسمِّي نفسها تارة بالقرآنيين، و أخرى بأهل القرآن.
حجة القرآنيين
يقول “القرآنيون” أو “أهل القرآن” ـ حسب ما يسمون به أنفسهم ـ إنهم يتبعون القرآن وحده لأنه المصدر الوحيد للشريعة الإسلامية ـ حسب زعمهم ـ، محتجين بقول الله عَزَّ و جَلَّ: ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ 1، و أن القرآن لم يفرِّط في شيء يحتاج إليه المسلمون، و أنه نزل تبيانا لكل شيء، لأنه سنة الله الذي كان خاتم النبيين محمد ( صلى الله عليه و آله ) مأموراً بإتباعه وحده !
و من خلال هذه المغالطة يحاول هؤلاء الجماعة التشويش على أفكار شبابنا المسلم، علَّهم يجدوا من يصغي إليهم من السذج و البسطاء ممن ليست لهم المعلومات الكافية أو القدرة على التمييز.
القرآنيون الأوائل
إن الانطلاقة الأولى لفكرة الاستغناء عن السنة و الإكتفاء بالقرآن ترجع جذورها إلى عصر الرسالة، و هي من الرزايا العظيمة و الكوارث الفادحة التي قصمت ظهر المسلمين و أدّت إلى ضلال أكثرهم عن الهدى، و هذه الرزية تُعرف تاريخياً برزية يوم الخميس 2 .
فالذي نقرؤه في المصادر: أنّهم ـ القرآنيون الأوائل ـ هم الذين رفعوا شعار “حسبنا كتاب الله” في وجه النبيّ ( صلى الله عليه و آله ) و هو في مرض الموت، فمنعوه بذلك من أنْ يكتبَ ما أراد و اهتمّ به، فهم البذرة الاُولى لفرقة القرآنيّين.
و هم الذين نجدهم وراء عمليّة منع الحديث كتابةً و تدويناً، بل، و نقلا و تحديثاً، إلى نهاية القرن الأوّل الهجريّ، و فيهم من الخلفاء و الصحابة، و التابعين، رجال و نساء، فهؤلاء هم طلائع القرآنيّين.
و الغريب أنّ الباحثين في عصرنا أغفلوا ذكر هؤلاء في الحديث عن القرآنيّين، بل ذكروا تاريخ القرآنيّين، منذ القرن الثاني للهجرة، يقول السلفيُّ خادم حسين إلهي بخش ( الاُستاذ المساعد بكليّة التربية، جامعة اُمّ القرى ـ الطائف ـ، في ( رسالته ) التي نال بها درجة الماجستير؟! بدرجة ممتاز ): إنّ إنكارَ السنّة من مصدريّة التشريع في الإسلام يعود تاريخه إلى القرن الثاني الهجريّ، غير أنّ مصادر التاريخ لا تحدّثنا عن أفراد أو جماعات تنسب إلى الإسلام و دعتْ إلى نبذ السنّة بعد ذلك القرن 3 .
أول من نادى بالاستغناء عن السنة
إن أول من نادى بالاستغناء عن السنة النبوية الشريفة و نبذها و الإكتفاء بالقرآن الكريم و صرَّح بذلك هو عمر بن الخطاب، و ذلك عندما أراد النبي ( صلى الله عليه و آله ) كتابة منشور هام جداً يكون آماناً من ظلال أمته، فعارضه عمر بن الخطاب فحصلت مواجهة بمحضر النبي ( صلى الله عليه و آله ) و جمع من الصحابة و النبي مريض قبل وفاته.
يقول المحامي أحمد حسين يعقوب 4 مبيناً أبعاد هذه المواجهة الصاخبة التي حصلت إثر الامتناع عن الأخذ بالسنة النبوية المباركة: النبي على فراش المرض، و بيته المبارك يغص بأكابر الصحابة، و قد أصر النبي على تلخيص الموقف و التذكير بالخط المستقبلي لمسيرة الإسلام، فقال النبي: “قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبداً”. ما هو الخطأ بهذا العرض النبوي؟ من يرفض التأمين ضد الضلالة؟ و لماذا؟ و لمصلحة من؟
ثم إن من حق أي مسلم أن يوصي، و من حق أي مسلم أن يقول ما يشاء قبل موته، و الذين يسمعون قوله أحرار في ما بعد بإعمال هذا القول أو إبطاله، هذا إذا افترضنا أن محمدا مجرد مسلم عادي و ليس نبياً و قائدا للأمة.
فتصدى الفاروق عمر بن الخطاب و وجه كلامه للحضور و قال: “إن النبي قد غلب عليه الوجع و عندكم القرآن حسبنا كتاب الله”.
فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله كتابا لا تضلوا بعده أبداً، و منهم من يقول ما قاله عمر.
فلما أكثروا اللغو و الاختلاف عند النبي قال لهم رسول الله: “قوموا عني” 5 .
و في رواية ثانية، أن الرسول عندما قال: “ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبداً” تنازعوا و لا ينبغي عند نبي تنازع.
فقالوا: هجر رسول الله.
قال النبي: “دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه” 6 .
و في رواية ثالثة، قال النبي ( صلى الله عليه و آله ): “ائتوني بالكتف و الدواة، أو اللوح والدواة”. أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبداً.
فقالوا: إن رسول الله يهجر 7 .
و في رواية رابعة للبخاري، أن النبي قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده.
قال عمر بن الخطاب: إن النبي غلبه الوجع و عندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا و أكثروا اللغط.
قال النبي: قوموا عني و لا ينبغي عندي التنازع 8 .
رواية بلفظ خامس للبخاري، قال النبي: “ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبداً، فتنازعوا و لا ينبغي عند نبي تنازع.
فقالوا: ما شأنه أهجر؟ إستفهموه، فذهبوا يرددون عليه.
فقال: “دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه” 9 .
رواية بلفظ سادس للبخاري، قال النبي: “ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبداًً، فتنازعوا و لا ينبغي عند نبي تنازع.
فقالوا: ما له أهجر استفهموه.
فقال النبي: “ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه” 10 .
رواية بلفظ سابع للبخاري، قال النبي: “هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده”.
قال عمر: إن النبي غلبه الوجع و عندكم القرآن، فحسبنا كتاب الله.
و اختلف أهل البيت و اختصموا، فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله كتابا لن تضلوا بعده، و منهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغط و الاختلاف عند النبي قال: “قوموا عني” 11 .
و في روايةٍ أن عمر بن الخطاب قال: إن النبي يهجر … 12 .
لماذا صدوا النبي عن كتابة الكتاب؟
لا يخفى على كل من يقرأ التاريخ بأن القوم الذين صدوا النبي عن الكتابة كانوا يعلمون جيداً ما يريد النبي كتابته، فلذلك حالوا بين النبي ( صلى الله عليه و آله ) و بين ما أراد، و لعلمهم أن النبي ( صلى الله عليه و آله ) لو كتب ما أراد فلما أمكن تأويله بعد ذلك، أما القرآن الكريم فآياته قابلة للتأويل، و يمكن تفسيرها حسب آرائهم.
و مما تجدر الإشارة إليه هنا هي أن الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السَّلام ) أوصى إلى عبد الله بن العباس لما بعثه للاحتجاج على الخوارج أن يخاصمهم بالسنة و ليس بالقرآن، و ذلك لعلمه ( عليه السَّلام ) بأن السنة لا تدع لهم مجالاً للتأويل و التفسير لأنها صريحة، فقال ( عليه السَّلام ): “لَا تُخَاصِمْهُمْ بِالْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَمَّالٌ ذُو وُجُوهٍ، تَقُولُ وَ يَقُولُونَ…، وَ لَكِنْ حَاجِجْهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا عَنْهَا مَحِيصاً” 13 .
و لقد اعترف عمر بن الخطاب أنه صد النبي عن كتابة الكتاب حتى لا يجعل الأمر لعلي 14 .
مراحل منع تدوين السنة النبوية
إن منع التدوين مر بثلاث مراحل:
الأولى: فترة الشيخين.
الثانية: فترة من سار على نهجهما، كعثمان و معاوية.
الثالثة: فترة الحكم الأموي بعد معاوية و حتى عصر التدوين الحكومي.
أما المرحلة الأولى: فجاءت بعد تسليم كون طمس الفضائل دخيلا في المنع، لعجزهما الفقهي و عدم إحاطتهما بجميع أحاديث رسول الله، إذ قلنا بأن مقام الخلافة يستوجب العلم بما حكم به رسول الله، و الخليفة لم يعرف جميع الأحكام الصادرة عنه، فواجه مشكلة عظيمة، و هي مخالفة فتاواه لأقوال رسول الله، مما يسبب تخطئة الصحابة إياه حتى ربات الحجال له 15 ، و هذا هو الذي دعاه ليمنع تدوين الحديث حسب التفصيل الذي قلناه.
و أما المرحلة الثانية: فجاءت لدعم موقف الشيخين، إذ جاء عن عثمان ابن عفان و معاوية بن أبي سفيان أنهما نهيا عن التحديث عن رسول الله إلا بما عمل به على عهد الشيخين.
و أما المرحلة الثالثة: فهي مرحلة الخلفاء الذين حكموا بعد معاوية إلى عصر التدوين الحكومي، حيث إن هؤلاء استغلوا الأفكار السائدة في العهد الأول و الثاني لطمس فضائل أهل البيت، و لترسيخ ما يبغون من أهداف.
فاتضح لك أن أسباب منع تدوين الحديث، اختلفت بين فترة و أخرى: إذ كان المنع في العصر الإسلامي الأول ـ على عهد الشيخين ـ لسد العجز الفقهي عند الخليفة و تحكيم ركائز حكمهم و دفع خصمهم.
و أما في العهد الثاني فجاء لتحكيم ما سُن على عهد الشيخين و عدم الأخذ بغيرهما.
و أما في العهد الأموي فكان بشكل مفضوح، للمخالفة مع علي بن أبي طالب و أهل بيته 16 .
ثاني من نادى بالاستغناء عن السنة
و لقد أكمل أبو بكر الخطة بعد ارتحال النبي ( صلى الله عليه و آله ) فنادى بالاستغناء عن سنة النبي ( صلى الله عليه و آله ) و الاكتفاء بالقرآن بحجة الوقاية من حصول الاختلاف، فمنع الناس من تحديث الناس بأحاديث الرسول ( صلى الله عليه و آله ) قائلاً: بيننا و بينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله، و حرّموا حرامه.
فقد جاء في تذكرة الحفّاظ: أنّ الصدِّيق جمع الناس بعد وفاة نبيّهم، فقال: إنَّكم تحدّثون عن رسول الله ( ص ) أحاديث تختلفون فيها، و الناس بعدكم أشدّ اختلافاً، فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً. فمن سألكم فقولوا: بيننا و بينكم كتاب الله، فاستحلّوا حلاله، و حرّموا حرامه 17 .
و عن عائشة أنَّها قالت: جَمَع أبي الحديث عن رسول الله ( ص ) و كانت خمسمائة حديث، فبات ليلته يتقلّب كثيراً.
قالت: فغمّني، فقلت: أتتقلّب لشكوى أو لشيء بَلَغك؟
فلمّا أصبح قال: أي بُنيّة، هَلُمِّي الاَحاديث التي عندك.
فجئته بها، فدعا بنار فحرقها.
فقلت: لِمَ أحرقتها؟
قال: خشيت أن أموت و هي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنتُه و وثقتُ [ به ]، و لم يكن كما حدّثني فأكون نقلت ذلك 18 .
و استمر المنع من تدوين الحديث النبوي و التحديث به و العمل به حتى زمان عثمان بن عفان.
أهل القرآن، و أهل السنّة
و نتيجة لما جرى فقد حاول الغلاة الالتزام بالقرآن وحده، أو بالسنة وحدها، فكانت نتيجتها فرقتان من العامّة، هما: أهل القرآن، و أهل السنة.
يقول السيد محمد رضا الجلالي: أمّا أهل القرآن: فهم الذين نادوا بالقرآن وحده، والتزموا بتقديسه على حساب السنّة، فرفضوها، ولم يُعيروا لها اهتماماً، و تسمّوا “القرآنيّين” و كان شعارهم: “حسبُنا كتاب الله”.
و قد بلغت بهؤلاء كراهةُ السنّة و أصحاب الحديث، أنْ قال شعبةُ ـ و هو من الكبار ـ لأصحاب الحديث: قُوموا عنّي، مجالسةُ اليهود و النصارى أحبُّ إليَّ من مجالستكم، إنّكم لتصدّون عن ذكر الله، و عن الصلاة 19 .
و كان الفُضيلُ بن عياض: إذا رأى أصحابَ الحديث قد أقبلوا نحوه، وضعَ يده في صدره و حرّكَ يديه، و قال: “أعوذ بالله منكم” 20 .
و قال بشرُ بن الحارث: سمعتُ أبا خالد الأحمر، يقول: يأتي على الناس زمان تعطّل فيه المصاحف لا يُقرأ فيها، يطلبون الحديث و الرأي، ثمّ قال: إيّاكم و ذلك، فإنّه يصفق الوجه، و يكثر الكلام و يشغل القلب 21 .
و قال الضحّاكُ بن مزاحم: يأتي على الناس زمانٌ يعلّق فيه المصحف حتّى يعشعش عليه العنكبوتُ لا يُنتفعُ بما فيه، و يكون أعمالُ الناس بالروايات و الأحاديث 22 .
و في هذا الإطار يدخل كلّ أقوالهم و محاولاتهم للمنع عن تدوين السنّة و تثبيتها و حفظها في الكتب بحجّة الاشتغال بذلك عن القرآن تحت شعار “حسبنا كتاب الله” و انطلاقاً منه 23 .
و من هنا يتضح أن فِتنة القرآنيّين الأوائل تجددت على مرّ العصور حتى ظهرت مرة أخرى في القرن الثالث عشر في مصر، ثمّ ترعرعتْ في الهند على يد سير أحمد خان، و مولوي چراغ علي، و مولوي عبد الله بكرلوي، ثمّ أحمد النبيّ أمرتسري، و مولانا أسلم، و أخيراً تولّى رئاستها غلام أحمد پيروز، ما هي إلا إمتداد لحركة القرآنيين الأوئل الذين مرَّ ذكرهم 24 .
و بلغ الأمرُ بالقرآنيّين أن يقول أحدُهم: إنّ تقديس كتب السُنّة جزءٌ من مؤامرة أعجميّة، استهدفت النيل من الإسلام و أهله، فما أصحابُ الصحاح الستّة ! إلاّ جزءٌ من تلك المؤامرة، لذا نجدهم إيرانيّين ! جميعاً، لا وجودَ لساكن الجزيرة بينهم، و الشيء المحيّر للعقول: أنّ العربَ لم يُسهموا في هذا العمل البنّاء، بل أسندوا جمع الأحاديث و تدوينها إلى العجم 25 .
و من المعلوم خطورة ما تنتهي إليه مثل هذه المحاولة الجريئة من مخالفة للإسلام، بل و إثارة الأحقاد بين شعوبه و طوائفه، بينما النبيُّ الأكرم ( صلى الله عليه و آله وسلم ) يُعلن: “من آمنَ فهو العربيّ، و من لم يؤمنْ فهو العِلْجُ”و يقول ( صلى الله عليه و آله وسلم ): “ليست العربيّةُ لأحدكم بأب و لا بأُمٍّ، من تكلّمَ العربيةَ فهو عربيٌّ” 26 .
هل القرآن هو المصدر الوحيد للشريعة الإسلامية؟
القرآن الكريم هو الميراث الإلهي العظيم و المصدر الأول للعقيدة و الشريعة الإسلاميتين، و هو الثقل الأكبر و الدستور الإلهي الخالد الذي لا يُعْدَلُ عنه إلى غيره من المصادر مطلقاً.
لكنه ليس المصدر الوحيد رغم كونه من أهم المصادر التي تستمد الشريعة الإسلامية منها مادتها.
و أمّا المصدر الثاني فهو الحديث النبوي الشريف ـ بنص القرآن الكريم ـ، و كذلك أحاديث عترته الطاهرة ( عليهم السَّلام ) ـ بنص النبي محمد ( صلى الله عليه و آله ).
و لا ريبَ أنّ الموروث الإسلاميّ من المعارف يتكوّن من القرآن العظيم و السنّة الشريفة، معاً، لأنّ القرآن هو كلام الله، و كتابه الذي أوحاه إلى رسوله ( صلى الله عليه و آله وسلم )، أرسله هدىً للناس، و السنّة هي إرشادات الرسول ( صلى الله عليه و آله وسلم ) طوال فترة النبوّة المقدّسة، فهما يكوّنان العمود الفقريّ للإسلام، و بمعرفتهما يتمّ الدين الإسلاميّ، و هما متعاضدان:
فالكتاب يدعمُ الرسالة و يجعل من الرسول حجّةً، واجبَ الطاعة، و من كلامه وحياً حقّاً، فقال: ﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ 27.
و سنّةُ الرسول ( صلى الله عليه و آله وسلم ) تؤكّد باستمرار على الالتزام بالقرآن و اتّباعه و العمل به، و رعايته و درايته حفظاً و تعلّماً و دراسةً و نشراً و تكريماً، حتّى جعله ثاني خليفتيه من بعده، فقال: “… أنا تارك فيكم ثقلين، أوّلهما كتاب الله فيه الهدى و النور، فخذوا كتاب الله، و استمسكوا به”فحثّ على كتاب الله و رغّب فيه، ثمّ قال: “و أهل بيتي اُذكّركم الله في أهل بيتي، اُذكّركم الله في أهل بيتي، اُذكّركم الله في أهل بيتي” 28 .
و التزم المسلمون بالقرآن و السنّة، للعلم و العمل، و لم يفرّق أحدٌ من المسلمين بين هذين المصدرين، ممّن يؤمن بالإسلام ديناً جامعاً عامّاً 23 .
القرآن يحتاج إلى تبيين و شرح و تفسير
يُصرح الله عَزَّ و جَلَّ في القرآن الكريم بلزوم رجوع الناس في فهم معاني الآيات المتشابهة و التي تحتاج إلى التفسير و الشرح و البيان إلى رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) حيث هو المعلم الأول للقرآن، فيقول: ﴿ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ 29.
و يقول جَلَّ جَلالُه أيضاً: ﴿ الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ 30.
و يقول عزَّ و جل: ﴿ … وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ 31.
و يقول سبحانه و تعالى: ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا * وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ 32.
و قال جَلَّ جَلالُه: ﴿ … وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ 33.
و هذه الآيات صريحة في لزوم الرجوع إلى الرسول ( صلى الله عليه و آله ) في فهم القرآن الكريم و لمعرفة تفاصيل الشريعة الإسلامية التي ترك القرآن تبيينها للرسول ( صلى الله عليه و آله )، فكم من حكم شرعي لم يذكر القرآن تفصيله ثم بيَّنه النبي ( صلى الله عليه و آله ) للمسلمين بعد ذلك، و أبرز أمثلة ذلك فريضة الصلوات الواجبة و التي منها الصلوات اليومية، فإننا قد نعرف وجوبها عن طريق القرآن، لكن عدد ركعاتها و غيرها من التفاصيل لا نهتدي إليها إلا عن طريق النبي ( صلى الله عليه و آله ) الذي هو المعلم الأول للقرآن و الإسلام، و من بعده أهل بيته الذين أوصى ( صلى الله عليه و آله ) بإتباعهم.
هذا و يشهد التاريخ بأن عمر بن الخطاب و هو المنادي الأول ب “حسبنا كتاب الله” عجز في أيام خلافته عن فهم معنى قول الله عَزَّ و جَلَّ: ﴿ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴾ 34، فكيف له بالمتشابهات.
روى الحاكم في المستدرك: ( … عن أنس ( رضي الله عنه )، قال قرأ عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ): وَفَاكِهَةً وَأَبًّا، فقال بعضهم هكذا، و قال بعضهم هكذا …
فقال عمر: دعونا من هذا، آمنا به كل من عند ربنا. هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين و لم يخرجاه ) 35 .
و روى في نفس المجلد: ( … عن ابن شهاب أن أنس بن مالك ( رضي الله عنه ) أخبره أنه سمع عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) يقول: ﴿ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴾ 36، قال: فكل هذا قد عرفناه فما الأب؟ ثم نفض عصا كانت في يده فقال: هذا لعمر الله التكلف، اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب ! هذا حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه ) انتهى 37 .
و روى السيوطي في الدر المنثور: أن هذه القصة حدثت و كان الخليفة على المنبر، و أن رجلاً سأل الخليفة عن معنى الأب.
قال: ( و أخرج سعيد بن منصور، و ابن جرير، و ابن سعد، و عبد حميد، و ابن المنذر، و ابن مردويه، و البيهقي في شعب الإيمان، و الخطيب، و الحاكم، و صححه عن أنس أن عمر قرأ على المنبر: ﴿ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا ﴾ 38 إلى قوله “وَأَبًّا” ، قال: كل هذا قد عرفناه فما الأب؟
ثم نفض عصا كانت في يده، فقال: هذا لعمر الله هو التكلف، فما عليك أن لا ندري ما الأب. إتبعوا ما بين لكم هداه من الكتاب فاعملوا به، و ما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه 39 .
و أخرج عبد بن حميد عن عبد الرحمن بن يزيد أن رجلاً سأل عمر عن قوله “وَأَبًّا”، فلما رآهم يقولون أقبل عليهم بالدرة !
و أخرج عبد بن حميد، و ابن الأنباري في المصاحف عن أنس، قال قرأ عمر: ﴿ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴾ 34 فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأب؟ ثم قال: نهينا عن التكلف!
و أخرج ابن المنذر، عن أبي وائل أن عمر سئل عن قوله “وَأَبًّا” ما الأب؟
ثم قال: ما كلفنا هذا أو ما أمرنا بهذا! ) انتهى.
و روى في كنز العمال: عن أنس قال قرأ عمر: ﴿ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴾ 34 ، فقال: هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأب؟
ثم قال: مه نهينا عن التكلف، و في لفظ: ثم قال إن هذا لهو التكلف، يا عمر فما عليك ألا تدري ما الأب، إتبعوا ما بين لكم من هذا الكتاب و اعملوا به، و ما لم تعرفوه فكلوه إلى عالمه 40 .
قد يأخذ بعضهم على الخليفة من هذه الروايات أنه لا يعرف معنى بعض كلمات القرآن، و لكن هذا إنما يكون إشكالاً على الذين يقولون بوجوب عصمة الإمام و الخليفة و يشترطون أن يكون أعلم أهل زمانه، كما نعتقد نحن الشيعة في الأئمة من أهل بيت النبي ( صلى الله عليه و آله )، فلو أن هذه الحادثة كانت مع أحد منهم لكانت دليلاً على عدم سعة علمه باللغة العربية و أضرت بعصمته … و لكن إخواننا السنة لا يشترطون في الخليفة العصمة و لا الأعلمية على أهل زمانه، و يروون شهادات الخليفة عمر لعلي و غيره من الصحابة بأنهم أقضى منه و أعلم منه !
و لكن غرضنا من هذه النصوص أن نعرف موقف الخليفة عمر من البحث في القرآن؟ فقد وردت فيه عبارات ( هذا لعمر الله التكلف، اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب … ثم قال: نهينا عن التكلف … أن رجلاً سأل عمر عن قوله “وأبا”، فلما رآهم يقولون أقبل عليهم بالدرة ! ) فهل السؤال عن معنى كلمة قرآنية تكلفٌ منهي عنه في الشريعة؟ و هل يجوز للحاكم المسلم إذا رأى الصحابة أو العلماء يتناقشون في معنى كلمة أن يقبل عليهم ضرباً بالسوط؟!
فهذه الحادثة التي اختصرنا من مصادرها، تدل على أن الخليفة كان يفتي بحرمة البحث العلمي في القرآن، و يعاقب عليه 41 !
فيا للعجب لمن يقول “حسبنا كتاب الله” و هو يفتقر إلى أبسط المعلومات القرآنية ! و مما يزيد من التعجب أنه يدعو إلى الاكتفاء بالقرآن و الاستغناء عن السنة النبوية الشريفة من جهة، و يمنع المسلمين من البحث العلمي في القرآن الكريم و محاولة فهم آياته و تعاليمه !
ثم إن القرآن يحتوي على آيات متشابهات و أخرى مشكلات لا سبيل لفهمها إلا عن طريق الوحي و النبوة و أهل بيته المعصومين ( عليهم السَّلام ) الذين أرشد النبي ( صلى الله عليه و آله ) المسلمين إلى أخذ تعاليم دينهم و تفاصيل الشريعة الإسلامية منهم.
هذا و لقد أمر النبي ( صلى الله عليه و آله ) في خطبته التي أوردها في يوم الغدير بتدّبر القرآن الكريم و الرجوع في تفسيره إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) فقال: “معاشر الناس تدبّروا القرآن، و افهموا آياته و انظروا إلى محكماته، و لا تتّبعوا متشابهه. فوالله لن يبيّن لكم زواجره، و لا يوضّح لكم تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده و مصعده إليّ و شائل بعضده، و معلمكم أنّ: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، و هو علي بن أبي طالب أخي و وصيّي، و موالاته من الله عَزَّ و جَلَّ أنزلها عليّ” 42 .
النبي ( صلى الله عليه و آله ) و عترته ( عليهم السَّلام ) مفسروا القرآن
إذن فلا بُدَّ للمسلمين من الرجوع إلى النبي ( صلى الله عليه و آله ) لمعرفة التفسير الصحيح للقرآن الكريم بنص القرآن، و إلى عترته الطاهرة ( عليهم السَّلام ) بعد وفاته بنص القرآن الكريم، و بصريح أحاديث النبي المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) كحديث الثقلين و الأحاديث الأخرى، و لا يمكنهم الاستغناء عن النبي ( صلى الله عليه و آله ) و عن سنته الصحيحة، و عن عترته الطاهرة ( عليهم السَّلام ) أبداً، حيث أنهم عِدل القرآن، و الثقل الأصغر.
و هنا لا يسعنا ـ رعاية للإختصار ـ إلاّ أن نقتصر على ذكر نموذج واحد مما نزل من القرآن الكريم في شأن أهل البيت ( عليهم السَّلام ) و لزوم إتباعهم، و بعد ذلك سنذكر نموذجاً واحداً من أحاديث النبي ( صلى الله عليه و آله ) بشأن أهل بيته المعصومين ( عليهم السَّلام ).
آية التطهير
تُسمى الآية ( 33 ) من سورة الأحزاب بآية التطهير و هي قول الله عز و جل: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 43.
قصة نزول آية التطهير
تؤكد مصادر الحديث و التفسير على أن هذه الآية قد نزلت في خمسة هم:
1. النبي محمد رسول الله ( صلى الله عليه و آله ).
2. الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ).
3. السيدة فاطمة الزهراء ( عليها السَّلام ).
4. الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ).
5. الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ).
ففي صحيح مسلم بالإسناد إلى صفية بنت شيبة قالت: خرج النبي ( صلى الله عليه و آله ) غداة و عليه مِرْط 44 مرحّل 45 من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 43 .46 .
و في مسند أحمد بن حنبل، عن أم سلمة أن النبي ( صلى الله عليه و آله ) كان في بيتها فأتت فاطمة ببرمة فيها خزيرة 47 فدخلت بها عليه فقال لها: إدعي زوجك و ابنيك، قالت: فجاء علي و الحسن و الحسين فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة و هو على منامة له على دكان تحته كساء خيبري ـ قالت ـ و أنا أصلي في الحجرة، فأنزل الله عَزَّ و جَلَّ هذه الآية: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 43 قالت فأخذ فضل الكساء فغشاهم به، ثم أخرج يده فألوى بها السماء ثم قال:
اللهم إن هؤلاء أهلُ بيتي و خاصتي فأًذهِب عنهم الرجسَ، و طَهِّرهم تطهيراً، اللهم هؤلاء أهل بيتي و خاصتي فأذهِب عنهم الرجسَ و طَهِّرهُم تطهيراً.
قالت: فأدخلتُ رأسي البيت فقلت: و أنا معكم يا رسول الله؟
قال: “إنك إلى خير إنك إلى خير” 48 .
و هناك أحاديث عديدة بصيغٍ مختلفة بهذا المضمون حول آية التطهير ذكرها العلماء في ما يتجاوز عن الخمسين كتابا من كتب التفسير و الحديث، نذكر منهم على حسب المثال:
1. الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة المتوفى سنة: 279 هجرية في صحيحه: 4 / 351 حديث 3205، طبعة: دار الكتاب العربي/ بيروت.
2. الحاكم الحسكاني: عبيد الله بن عبد الله بن أحمد، من أعلام القرن الخامس الهجري، في كتابه شواهد التنزيل: 2 / 13، طبعة: منشورات الأعلمي بيروت.
3. الحاكم النيسابوري: أبو عبد الله محمد بن محمد المتوفى سنة: 405 هجرية في كتابه المستدرك على الصحيحين: 3 / 146 و 147، طبعة: دار المعرفة / بيروت.
4. ابن الأثير: عز الدين بن الأثير أبي الحسن علي بن محمد الجزري المتوفى سنة: 630 هجرية في كتابه أسد الغابة: 7 / 343، طبعة دار الكتب العلمية / بيروت.
5. الواحدي: أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري المتوفى سنة: 468 هجرية في كتابه: أسباب النزول: 203، طبعة المكتبة الثقافية / بيروت.
6. العسقلاني: ابن حجر المتوفى سنة: 852 هجرية في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة: 4 /568، طبعة دار الجيل / بيروت.
نقاط ذات أهمية
و لا بُدَّ هنا من الإشارة إلى نقاط ذات أهمية هي:
1. إن الآية تدلّ على عصمة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) إذ المقصود من الرجس مطلق الذنوب و الآثام و الأدناس، كما أن المقصود من التطهير هو التنزيه من كل ألوان المعاصي و الذنوب، و التزكية من جميع أنواع الأدناس و الأقذار 49 .
2. إن إرادة التطهير في الآية تختص بأهل البيت ( عليهم السَّلام ) دون غيرهم و ذلك لأن الآية صدّرت بأداة الحصر”إنما”.
3. إن تخصيص هؤلاء الخمسة دون غيرهم بهذه المكانة العالية الرفيعة ليس عفويا، بل هو تعبير عن إعداد إلهي هادف لبيان الوجود الإمتدادي في حركة الرسالة، و هذا الوجود لا يمثله إلا أهل البيت ( عليهم السَّلام ) لإمتلاكهم جميع الخصائص و الكفاءات التي تؤهلهم لذلك.
حديث الثقلين
يُعَدُّ الحديث المشهور بالثقلين 50 من أهم الأحاديث المتواترة المروية عن النبي المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) و من أصحها سنداً.
و لقد أدلى رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) بهذا الحديث في مواطن عِدة و مناسبات شتى.
هذا و قد رَوى حديث الثقلين خمسة و ثلاثون صحابياً 51 ، و أخرجه الحُفَّاظ و المحَدِّثون في صِحاحِهم و مسانيدهم 52 .
و هو أيضا من الأحاديث المصيرية و المهمة التي دونته عشرات المصادر السُنّية من كتب الحديث و السُنَن و التفسير و التاريخ و اللغة بصورة متواترة 53 ، فضلاً عن المصادر الشيعية التي ذكرت الحديث بصورة متواترة أيضا.
سبب تسمية الحديث بالثقلين
أما سبب تسميته هذا الحديث بالثقلين فيعود إلى وجود كلمة “الثقلين” 54 فيه، و المراد من الثقلين هنا هو:
1. القرآن الكريم الذي هو الثِقْلُ الأكبر.
2. العترة النبوية الطاهرة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) الذين هم الثِقْلُ الأصغر.
نص حديث الثقلين
رَوى المحدثون هذا الحديث بصيغٍ متفاوتة من حيث اللفظ، إلا أن هذه النصوص تتحد في المعنى و المضمون، و لعل السبب في هذا الاختلاف يعود إلى أن الرسول ( صلى الله عليه و آله ) هو الذي أدلى بهذا الحديث بصيغٍ مختلفة في مواطن مختلفة و مناسبات عديدة.
و فيما يلي نشير إلى نموذجين من الصيغ المروية لهذا الحديث، و من أراد التفصيل و الاطلاع على الصيغ المختلفة لهذا الحديث فليراجع رسالة حديث الثقلين التي طبعتها دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة 55 ، أما نصّ الحديث فهو:
النموذج الأول
جاء في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أنه قال: قام رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خُماً بين مكة و المدينة، فحمد الله تعالى و أثنى عليه، و وعظ و ذكَّر، ثم قال:
“أما بعد، ألا أيها الناس، فإنّما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، و أنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى و النور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ” فحَثَّ على كتاب الله و رغَّبَ فيه، ثم قال:
“و أهل بيتي، أذكِّرَكُمُ الله في أهل بيتي، أذكِّرَكُمُ الله في أهل بيتي، أذكِّرَكُمُ الله في أهل بيتي” 56 .
النموذج الثاني
حدثنا أبو النَّضر، حدثنا محمد ـ يعني ابن طلحة ـ، عن الأعمش، عن عطيَّة العَوفي، عن أبي سعيد الخُدْري، عن النبي ( صلى الله عليه و آله )، قال: “إنّي أُوشكُ أن أُدعى فأُجيب، و إني تاركٌ فيكم الثَّقَلَين، كتابَ اللهِ عَزَّ و جَلَّ، و عِتْرَتي، كتاب الله حَبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أَهْلُ بيتي، و إن اللطيف الخبير أَخبرني أَنهما لَن يفترقا حتى يَرِدا عليّ الحوض، فَانْظُرُوني بِمَ تَخلُفُونِي فيهما” 57 .
من هم أهل البيت؟
عن عائشة قالت: خرج النبي ( صلى الله عليه و آله ) غداة وعليه مِرْط 58 مرحّل 59 من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله، ثم قال: ﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 43 60 .
و عن أم سلمة قالت: في بيتي نزلت: “إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ” فأرسل رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) إلى علي و فاطمة و الحسن و الحسين فقال: “هؤلاء أهل بيتي” 61 .
و عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي ( صلى الله عليه و آله ) قال: لما نزلت هذه الآية على النبي ( صلى الله عليه و آله ):﴿ … إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ 43 في بيت أم سلمة، فدعا فاطمة و حسناً و حسيناً، و علي خلف ظهره، فجللهم بكساء، ثم قال: “اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً”.
قالت أم سلمة: و أنا معهم يا نبي الله؟
قال: “أنت على مكانك و أنت على خير” 62 .
نعم لقد صرّح الرسول ( صلى الله عليه و آله ) بمقصوده من أهل البيت و بيّن ذلك حيث قال: “إن لكلِّ نبي أهلاً وثِقْلاً، و هؤلاء يعني علياً و فاطمة و الحسن و الحسين أهل بيتي و ثِقْلي”63 .
و قال ( صلى الله عليه و آله ): “مَن كان له من أنبياءِ ثِقْل فعَليّ و فاطمة و الحسن و الحسين أهل بيتي و ثِقْلي” 64 .
متى أدلى النبي ( صلى الله عليه و آله ) بهذا الحديث؟
أدلى الرسول ( صلى الله عليه و آله ) بهذا الحديث في موارد عديدة منها:
1. بعد انصرافه من الطائف.
2. يوم عرفة في حجة الوداع.
3. يوم غدير خم.
4. على منبره في المدينة.
5. في حجرته المباركة و هو في مرضه، و الحجرة غاصة بأهلها.
ما يستفاد من حديث الثقلين
يمكن استخلاص نقاط كثيرة من حديث الثقلين، و فيما يلي نذكر بعض تلك النقاط:
1. التلازم و الاقتران بين القرآن و العترة الطاهرة، و هم أهل البيت ( عليهم السَّلام ).
2. كما أن القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، فالعترة من أهل البيت ( عليهم السَّلام ) كذلك، فهم معصومون، و إلاّ لصدق الافتراق، و ذلك ما نفاه الرسول ( صلى الله عليه و آله ) صراحة حيث قال: “لَن يفترقا حتى يَرِدا عليّ الحوض”.
3. التمسك بالقرآن الكريم و العترة الطاهرة ( عليهم السَّلام ) معاً هو العاصم من الضلال، و الضامن لعدم الانحراف عن النهج الإلهي، و لأن المراد من التمسك بالقرآن هو الأخذ بتعاليمه، فكذلك التمسك بالعترة الطاهرة من أهل البيت هو الأخذ بتعاليمهم ( عليهم السَّلام ).
و من هذا المنطلق فقد حرص شيعة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) على تدوين الأحاديث الشريفة و تسجيلها بدقة و أمانة، منذ العهد النبوي إلى يومنا هذا رغم كل الصعاب و المخاطر و تكبدوا الكثير من أجل ذلك.
هذا و يوازي حديث المعصوم ( عليه السَّلام ) في الحجية و الأهمية، فعله و تقريره 65 .
- 1. القران الكريم : سورة العنكبوت ( 29 ) ، الآية : 51 ، الصفحة : 402 .
- 2. المنقول في صحيح البخاري أن دموع ابن عباس كانت تسيل “حتى بلَّ دمعه الحصى” حينما يذكر رزية يوم الخميس و يقول بعدها “إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله و بين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم و لغطهم” (صحيح البخاري: 4 / 121 ).
- 3. السّيد محمّد رضا الحسيني الجلالي، دفاع عن القرآن الكريم الجامع لكلمة المسلمين على كلمة التوحيد: 12.
- 4. نظرية عدالة الصحابة: 178 ـ 180.
- 5. صحيح بخاري كتاب المرضى باب قول المريض: قوموا عني: 7 / 9، و راجع صحيح مسلم في آخر كتاب الوصية: 5 / 75، و صحيح مسلم بشرح النووي: 11 / 95، و مسند الإمام أحمد: 4 / 356، حديث 2992، و شرح النهج لابن أبي الحديد: 6 / 51.
- 6. راجع صحيح بخاري: 4 / 31، و صحيح مسلم: 3 / 16، و مسند الإمام أحمد: 1 / 222، و 3 / 286.
- 7. راجع صحيح مسلم: 2 / 16، و 11 / 94 – 95 بشرح النووي، و مسند الإمام أحمد: 1 / 355، و تاريخ الطبري: 2 / 193، و الكامل لابن الأثير: 320.
- 8. راجع صحيح بخاري: 1 / 37.
- 9. راجع صحيح بخاري: 5 / 137، و تاريخ الطبري: 3 / 192 – 193.
- 10. صحيح بخاري: 2 / 132، و 4 / 65 – 66.
- 11. صحيح بخاري: 8 / 161.
- 12. راجع تذكرة الخواص للسبط الجوزي الحنفي: 62، و سر العالمين و كشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي: 21.
- 13. نهج البلاغة: 465.
- 14. راجع شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد: 3 / 114 سطر 27 طبعة أولى مصر، و أوفست بيروت، و ج 12 / 79 سطر 3 بتحقيق محمد أبو الفضل، و ج 3 / 803 دار مكتبة الحياة، و ج 3 / 167 دار الفكر.
- 15. كان الخليفة الثاني يقول عن نفسه معترفاً بجهله: “كلّ الناس أفقه منك يا عمر! حتى ربات الحجال و المخدرات في البيوت” أنظر: الدرّ المنثور للسيوطي: 2 / 133.
- 16. السيد علي الشهرستاني، منع تدوين الحديث: 46.
- 17. تذكرة الحفّاظ: 1 / 32، حجّيّة السنّة: 394.
- 18. تذكرة الحفّاظ: 1 / 5، الاعتصام بحبل الله المتين: 1 / 30، حجّيّة السنّة: 394.
- 19. الجامع لأخلاق الراوي، للخطيب: 1 / 331 حديث: 409.
- 20. نفس المصدر: 1 / 332 حديث: 411.
- 21. جامع بيان العلم، للقرطبي: 2 / 125.
- 22. نفس المصدر: 2 / 129.
- 23. a. b. دفاع عن القرآن: 9.
- 24. انظر: دفاع عن القرآن الكريم الجامع لكلمة المسلمين على كلمة التوحيد: 14.
- 25. نفس المصدر: 10، نقلاً عن، القرآنيون: 238.
- 26. نفس المصدر: 11.
- 27. القران الكريم : سورة النجم ( 53 ) ، الآية : 3 و 4 ، الصفحة : 526 .
- 28. رواه مسلم: 7 / 122، و انظر تدوين السنّة الشريفة.
- 29. القران الكريم : سورة النحل ( 16 ) ، الآية : 64 ، الصفحة : 273 .
- 30. القران الكريم : سورة إبراهيم ( 14 ) ، الآية : 1 ، الصفحة : 255 .
- 31. القران الكريم : سورة النحل ( 16 ) ، الآية : 44 ، الصفحة : 272 .
- 32. القران الكريم : سورة النساء ( 4 ) ، الآية : 82 و 83 ، الصفحة : 91 .
- 33. القران الكريم : سورة الحشر ( 59 ) ، الآية : 7 ، الصفحة : 546 .
- 34. a. b. c. القران الكريم : سورة عبس ( 80 ) ، الآية : 31 ، الصفحة : 585 .
- 35. المستدرك للحاكم: 2 / 290.
- 36. القران الكريم : سورة عبس ( 80 ) ، الآيات : 27 – 31 ، الصفحة : 585 .
- 37. نفس المصدر: 2 / 514.
- 38. القران الكريم : سورة عبس ( 80 ) ، الآية : 27 و 28 ، الصفحة : 585 .
- 39. الدر المنثور: 6 / 317.
- 40. كنز العمال: 2 / 328.
- 41. انظر، تدوين القرآن، الفصل السابع، لسماحة الشيخ علي الكوراني.
- 42. الاحتجاج: 1 / 60.
- 43. a. b. c. d. e. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 33 ، الصفحة : 422 .
- 44. المِرْط: كساء من صوف أو خزّ أو كتان يؤتزر به.
- 45. مُرَحَّل: ضرب من برود اليمن.
- 46. صحيح مسلم: 4 / 1883 حديث: 2424، طبعة بيروت.
- 47. الخَزِيرَة: حساء من لحم ودقيق.
- 48. مسند احمد بن حنبل: 6 / 292، طبعة: بيروت.
- 49. راجع تفسير الدر المنثور و تمعَّن في الأحاديث التي أوردها المؤلف الجليل عند ذكره لهذه الآية.
- 50. الثقلين: إذا قرأ بالتحريك “الثَقَلَين” الذي مفرده “ثَقَل” كان معناه متاع المسافر، و أما إذا قُرأ “الثّقْلَين” الذي مفرده “ثِقْل” كان معناه ضدّ الخِفّة، فيقال ثَقُلَ الشيء ثِقْلاً فهو ثَقِيل، و على هذا فمعنى الحديث هنا أن العمل بهما أي بالثِقْلَين ثَقِيلٌ.
- 51. تجدر الإشارة هنا إلى أن المتوقَع هو أن يكون رواة حديث الثقلين أكثر من هذا العدد بكثير كما هو واضح لمن راجع نصوص هذا الحديث الكثيرة، المختلفة من حيث اللفظ، و المتحدة من حيث المعنى، مما يدلّ على أن النبي ( صلى الله عليه و آله ) قد أدلى بهذا المضمون في مواطن كثيرة و مناسبات عدّة، و لعل السبب في انحصار عدد الرواة في هذا المقدار يرجع إلى معارضة الحكام الغاصبين لرواية هذا الحديث، و يكون نتيجةً للأعمال القمعية التي كانت تُرتكب بحق رواة فضائل أهل البيت ( عليهم السَّلام ) من قبل أولئك الغاصبين.
- 52. هذا الحديث أخرجه أكابر علماء المذاهب قديماً و حديثاً في كتبهم من الصحاح و السنن و المسانيد و التفاسير و السير و التواريخ و اللغة و غيرها، للتفصيل راجع رسالة حديث الثقلين: 5، إصدار دار التقريب بين المذاهب الإسلامية / القاهرة، طبعة، سنة: 1374 هجرية / 1955 ميلادية.
- 53. روى العلامة السيد مير حامد حسين الهندي ( قدس سره ) هذا الحديث عن جماعة تقرب من المائتين من أكابر علماء المذاهب من المائة الثانية و حتى المائة الثالثة عشرة، و عن أكثر من ثلاثين رجلاً و امرأة من الصحابة و الصحابيات، يراجع: حديث الثقلين: 9، إصدار دار التقريب بين المذاهب الإسلامية / القاهرة، طبعة، سنة: 1374 هجرية / 1955 ميلادية.
- 54. يُعرف هذا الحديث بحديث التمسُّك أيضاً.
- 55. يراجع: رسالة حديث الثقلين المطبوعة سنة: 1374 هجرية / 1955، ميلادية، القاهرة / مصر، فقد ذكرت الرسالة الحديث عن أربعين مصدرا من المصادر الموثوقة المعتبرة، هذا و أن العلامة السيد مير حامد حسين الهندي ( قدس سره ) قد جمع أسناد هذا الحديث و متونه في ستة أجزاء من أجزاء كتابه المعروف ب”عبقات الأنوار”.
- 56. صحيح مسلم: 4/1873، برقم 2408، طبعة عبد الباقي، و أيضا طبعة: دار احياء التراث العربي، و دار القلم، بيروت / لبنان.
- 57. مسند أحمد: حديث: 10707، و في هامش الكتاب الموجود على CD الحديث الشريف، الثقلين: المراد كتاب الله و أهل بيت الرسول، عترتي: أهل بيتي، و يراجع الحديث في صحيح مسلم، إذ أخرجه في: 4 / 1873، عن زيد بن أرقم.
- 58. المِرْط: كساء من صوف أو خزّ أو كتان يُؤتَزر به.
- 59. مرحل: ضرب من برود اليمن.
- 60. صحيح مسلم ( كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بيت النبي ): 4 / 1883 حديث 2424 /، طبعة بيروت.
- 61. الحاكم النيسابوري: المستدرك على الصحيحين (كتاب معرفة الصحابة ): 3/146، و قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري و لم يخرجاه / طبعة: بيروت / لبنان.
- 62. صحيح الترمذي ( كتاب تفسير القران ): 5 / 351، حديث: 3105، و أخرجه في (كتاب المناقب باب مناقب أهل البيت ): 5 /663، حديث: 3787 / طبعة: بيروت / لبنان.
- 63. مجمع البحرين: 5 / 330.
- 64. نفس المصدر: 5 / 331.
- 65. ثمّ إنّ الفقه الإمامي الشيعي الإسلامي كما يستمد مادته من ذينك المصدرين، كذلك يستمد من العقل في إطار خاص مثل باب الملازمات العقلية، كالملازمة بين وجوب الشيء و وجوب مقدمته، و حرمة الشيء و حرمة ضدّه، و حرمة الشيء و فساده، و توقف تنجز التكليف على البيان و قبح العقاب بدونه، و استلزام الاشتغال اليقيني البراءة القطعية إلى غير ذلك ممّا يبحث عنه في الملازمات العقلية.
كما أن الفقه الشيعي الإمامي يستمد مادته أيضاً من إجماع الفقهاء الكاشف عن وجود نص وارد في المسألة من قِبَل المعصوم ( عليه السَّلام ) و إن لم يصل ذلك النص إلى يد المجتهد، و لم يقف على مستند ذلك الإجماع.
هذه هي أهمّ الأُسس التي يقوم عليها صرح الفقه الإمامي الشيعي الإسلامي (أنظر: تذكرة الأعيان / 226، 227 ).
إذن فمصادر الفقه الإمامي هي:
1. القرآن الكريم: الذي لا يعدل عنه إلى غيره أبداً.
2. السنة النبوية المأثورة عن النبي ( صلى الله عليه و آله ) عن طريق أهل بيته الطاهرين بل سائر الثقاة.
أما السِّر في إلتزام الشيعة بما يرويه أهل البيت ( عليهم السَّلام ) فيكمن في أن ما يرونه إنما يصل إلى النبي ( صلى الله عليه و آله ) بسند موثوق غير قابل للنقاش، مضافاً إلى ما أوصى النبي ( صلى الله عليه و آله ) بإتباعهم.
3. الإجماع: و المراد منه إجماع المسلمين على حكم شرعي، أو إجماع الشيعة الإمامية، فيكون هذا الإجماع كاشفاً عن وجود نصٍ واصلٍ إلى يد المجمعين و إن لم يكن قد وصل إلينا، ثم إن الإجماع ليس حجة بنفسه بل إنما يكون حجة لكشفه عن وجود دليل شرعي لدى المجمعين.
4. العقل: و المراد منه الإدراكات القطعية العقلية التي لا يتردد فيها و لا يشك في صحتها، كيف و العقل هو الحجة الباطنية التي يحتجّ بها المولى سبحانه على العباد، ثم بحكم العقل الذي له صلاحية الحكم و القضاء يُستكشف حكم الشرع، للملازمة بين حكم العقل و الشرع و استحالة التفكيك بينهما، فمثلاً إذا استقلّ العقل بقبح العقاب بلا بيان فيفتي المجتهد في الموارد التي لم يرد فيها دليل شرعي على الحكم الشرعي، بالبراءة أو الحلّية.
هذه هي مصادر التشريع عند الشيعة و ليس هناك مصدر آخر تعتمد عليه (تذكرة الأعيان / 226، 227 ).
و أمّا الرجوع إلى العرف، فإنّما هو لتحديد المفاهيم و تبيين الأوضاع كالرجوع إلى قول اللغوي.
نعم، رفضت الشيعة منذ زمن مُبكِّر القياس و الاستحسان و سدّ الذرائع و ما يماثلها من الأدلة الظنية التي لم يقم دليل عندهم على حجيتها ( راجع رسائل ومقالات: 68 ـ 69 ).