القصص الحق
إنه لا ريب في أن القصص حينما يكون حقاً ، وفي خدمة الحق ، ووسيلة لتوعية الناس ، وتعريفهم بواجباتهم ، فإنه يكون حينئذ محبوباً ومطلوباً لله تعالى ، وقد قال عز من قائل :
﴿ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ … ﴾ 1.
وحينما طلب الصحابة من النبي « صلى الله عليه وآله » أن يقص عليهم ، نزل قوله تعالى :
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ 23 .
وروي أن سعد الإسكاف قال لأبي جعفر : إني أجلس فأقص ؛ وأذكر حقكم وفضلكم!
قال : وددت أن على كل ثلاثين ذراعاً قاصاً مثلك 4 .
وكان أبان بن تغلب « قاص الشيعة » 5 .
وكان عدي بن ثابت الكوفى المتوفي سنة 116 ه . إمام مسجد الشيعة وقاصهم 6 .
هذا هو رأي الإسلام ، وصريح القرآن ، ونهج أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة وموقفهم .
ولكن الأمر بالنسبة لسياسات الآخرين وأهدافهم من هذا الأمر ، لم يكن بهذه البساطة ، بل هو يختلف تماماً مع هذا الذي ذكرناه بصورة حقيقية وأساسية ، ولتوضيح ذلك نقول :
الطريقة الذكية
سبق أن قلنا : إنه قد كان لا بد للحكم من إشغال العامة ، وملء الفراغ الروحي والنفسي الذي نشأ عن إبعاد العلماء الحقيقيين عن التعاطي مع الناس ، وتثقيفهم وتربيتهم .
وبعد أن استقر الرأي على إعطاء دور رائد لأهل الكتاب في هذا المجال ، فقد اتجه الحكام نحو استحداث طريقة جديدة ، من شأنها أن تشغل الناس ، وتملأ فراغهم ، وتوجد حالة من الطمأنينة لديهم ، مع ما تقدمه لهم من لذة موهومة ، ولكنها محببة .
مع الاطمئنان إلى أن هذه الطريقة لا تؤدي إلى إحراج الحكام في شيء ، بطرح أي من الأمور الحساسة ، التي لا يريدون التعرض لها ، أو المساس بها .
وهذه الطريقة هي السماح بالقصص لمسلمة أهل الكتاب ، من الأحبار والرهبان ، حيث ينشرون في الناس ما شاؤوا من أساطير وترهات ، ويذهبون بأوهام الناس وخيالاتهم في آفاق الخواء والهباء ، ثم يقذفون بها في أقبية الأحلام الصفيقة ، أو في أغوار النسيان العميقة والسحيقة .
وأهل الكتاب هم أجدر وأبرع من تصدى لهذا الأمر ، وأولى من حقق الغاية المنشودة ؛ لأن العرب كانوا إلى عهد قريب يحترمونهم ، ويثقون بهم وبعلمهم ، ولم يتسنَّ للإسلام ـ رغم ما قام به من جهود ـ أن ينتزع هذه النظرة التي لا تستند إلى أساس موضوعي من النفوس المريضة أو الضعيفة .
وقد قام أحبار أهل الكتاب بالمهمة التي أوكلت إليهم خير قيام ، وحققوا كل أهداف الحكم والحاكمين ، وأهدافاً أخرى كانوا هم أنفسهم يسعون إليها ، ويعملون ليل نهار في سبيل الوصول والحصول عليها .
وإذا كانوا في السابق يعملون في السر والخفاء ، فها هم اليوم يمارسون نشاطهم جهراً وبطلب من الحكم القائم بالذات .
إعطاء الشرعية
وقد مارسوا نشاطهم ودورهم هذا في ظل قرار رسمي حكومي ، يقضي باحتلال أهل الكتاب للمساجد ، وأولها مسجد الرسول الأعظم « صلى الله عليه وآله » في المدينة 7 ، ليشغلوا الناس بما يقصُّونه عليهم من حكايا بني إسرائيل ، وأي شيء آخر يروق لهم ، ويخدم الأهداف التي يعملون من أجلها وفي سبيلها .
وكان تميم الداري ، الذي هو في نظر عمر بن الخطاب خير أهل المدينة 8 قد طلب من الخليفة الثاني أن يقص ، فسمح له ، فكان يقص في مسجد رسول الله « صلى الله عليه وآله » كل جمعة ، فاستزاده يوماً آخر فزاده .
فلما تولى عثمان زاده يوماً آخر أيضاً 9 .
وكان عمر بن الخطاب يجلس إليه بنفسه ، ويستمع إلى قصصه 10 .
ويقول البعض : إن تميما إنما أخذ ذلك من اليهود والنصارى 11 مع أن تميماً كان في بادئ الأمر نصرانياً!!
وقيل : إن أول من قص هو عبيد بن عمير . وذلك على عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب 12 .
وكان معاوية إذا صلى الفجر يجلس إلى القاص ، حتى يفرغ من قصصه 13 .
كما أن عمر بن عبد العزيز كان يجلس ويستمع إلى القصاص 14 .
وكان محمد بن قيس قاصاً لعمر بن عبد العزيز بالمدينة 15 .
وكان الناس يفخرون بفقيههم وقاصهم : ابن عباس ، وعبيد بن عمير 16 .
وما دام أن القصاصين صاروا مصدر فخر للأمة ، فمن الطبيعي : أن نرى كثيرين من الأعيان والمعروفين قد تصدوا للقصص أيضاً ، فعدا عن تصدي مثل : كعب الأحبار ، الذي كان يقص في عهد معاوية بأمر منه 17 .
وكان عمر أيضاً يستدعي من كعب الموعظة 18 ، وهذا اصطلاح يقصد به القصص ، كما يظهر من كتاب : القصاص والمذكرين ، لابن الجوزي . وكان تبيع بن عامر ، وهو ابن زوجة كعب وربيبه يقص 19 .
نعم ، عدا عمن ذكرنا ، فقد كان أبو هريرة يقص ، وكذا الأسود بن سريع ، ومحمد بن كعب القرظي ، وقتادة ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وثابت البناني ، وعمر بن ذر ، وأبو وائل ، والحسن البصري ، وغيرهم 20 .
فراجع المؤلفات التي تعالج موضوع القصص ، والقصاصين ، ككتاب : القصاص والمذكرين ، وتلبيس إبليس ، وقوت القلوب ، وغير ذلك لتطلع على أسماء كثيرين ممن كانوا يمارسون القصص في الصدر الأول.
حتى النساء
وحتى النساء ، فإنهن قد مارسن مهنة القصص ، فقد روى ابن سعد : أن أم الحسن البصري كانت تقص على النساء أيضاً 21 .
اهتمام الحكام بالقصاصين
وكان الحكام يهتمون بأمر القصاصين بصورة واضحة ، وقد تجلى هذا الاهتمام في جهات عديدة :
1 ـ فقد تقدم : أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب كان يجلس إلى القصاصين ، ويستمع إليهم ، وكذلك معاوية ، وعمر بن عبد العزيز .
2 ـ وقد جعلوا للقصاصين جُعلاً (أي أجراً) على عملهم 22 .
وكان عمر بن عبد العزيز ـ حسبما يقولون ـ يعطي القاص الذي رتبه للقيام بهذه المهمة دينارين شهرياً ، فلما ولي هشام بن عبد الملك جعل له ستة دنانير 23 .
3 ـ كان منصب القصاص منصباً رسمياً يتدخل فيه الخليفة بنفسه ، نصباً وعزلاً ، كما تقدم عن عمر ، ومعاوية ، وعمر بن عبد العزيز . وسيأتي ما يدل على ذلك أيضاً عن عوف بن مالك ، وعبادة بن الصامت ، حيث قالا : لا يقص إلا أمير ، أو مأمور الخ .
ويدل عليه أيضاً كلام غضيف بن الحارث مع عبد الملك بن مروان 24 ، فراجع .
وقد ذكر المقريزي طائفة ممن تولوا منصب (قصاص) في القرون الأولى على التعاقب ، فليراجعه من أراد ذلك 25 .
أما من كان يقص بدون إذن من الحاكم ، فقد كان يعرض نفسه للمؤاخذة من قبل الحكام 26 .
ولعل القاص الذي ينصبه الحاكم هو الذي كان يقال له : « قاص الجماعة » 27 .
ويشير إلى ذلك : أن أبا الهيثم كان قاص الجماعة في عهد بني أمية ، فلما جاء بنو العباس عزلوه ، فاعترض على ذلك واستنكره 28 .
4 ـ إن الخلفاء كما أنهم كانوا يجعلون للجماعة قاصاً ، فإنهم كانوا يجعلون للجند قاصاً أيضاً ، لأجل تحريكهم ، وبعث الحماس فيهم 29 ، وتوجيههم سياسياً ، حسبما يتوافق مع أهداف الحاكم وطموحاته .
وقد صرح الحسن بن عبد الله : أن الملك هو الذي يتولى منصب قاص الجند 30 .
5 ـ لقد كان الخليفة يتدخل حتى في كيفية ونوع ومقدار العمل الذي يسمح به للقاص ، وتقدم أن عمر وعثمان قد عينا لتميم الداري الوقت والمدة والمكان .
كما أن عمر بن عبد العزيز ـ الذي تلمّذ على يدي مسلم بن جندب القاص ـ 31 قد كتب إلى صاحب الحجاز : أن مر قاصك : أن يقص على كل ثلاثة أيام مرة . أو قال : قاصكم 32 .
6 ـ لقد كان الأمراء أنفسهم يمارسون عمل القصص ، حتى قيل ـ بل لقد جعلوا ذلك رواية عن النبي « صلى الله عليه وآله » ـ كما عن عبادة بن الصامت ، وعوف بن مالك :
« لا يقص إلا أمير ، أو مأمور ، أو مختال . أو قال : أو متكلف » 33 .
القصاصون في خدمة سياسات الحكام
وغني عن القول هنا :
أن القصاصين قد قاموا بدور فاعل في تثبيت دعائم الحكومات الظالمة ، وأصبحوا أبواقاً لها للدعاية والإعلام ، يشيعون في الناس ما يريد الحكام إشاعته ، مما يخدم مصالحهم ، ويوصلهم إلى أهدافهم .
ويكفي أن نذكر هنا :
1 ـ أن معاوية حين جاء لحرب الإمام الحسن « عليه السلام » في العراق ، استصحب معه القصاص ؛ فكانوا يقصون في كل يوم ، يحضون أهل الشام عند وقت كل صلاة ؛ فقال بعض شعرائهم :
من جسر منبج أضحى غب عاشرة في نخل مسكن تتلى حوله السور 34 .
2 ـ ويقولون أيضاً : إن معاوية حينما بلغه :
أن علياً « عليه السلام » قنت فدعا على أهل حربه ، أمر القاص الذي يقص بعد الصبح وبعد المغرب : أن يدعو له ولأهل الشام 35 .
3 ـ وكان عبد الملك شكا إلى العلماء!! ما انتشر عليه من أمر رعيته ، وتخوفه من كل وجه ، فأشار عليه أبو حبيب الحمصي القاضي بأن يستنصر عليهم برفع يديه إلى الله تعالى .
فكان عبد الملك يدعو ويرفع يديه ، وكتب بذلك إلى القصاص ؛ فكانوا يرفعون أيديهم بالغداة والعشي 36 .
4 ـ وكان محمد بن واسع الأزدي من جملة القصاص والوعاظ في جيش قتيبة بن مسلم في خراسان ، وكان يقول قتيبة في حقه : إنه بالنسبة إليه أفضل من ألف سيف ورمح . فراجع 37 .
5 ـ قال عبد الملك بن مروان لغضيف بن الحارث : « إنا قد أجمعنا الناس على أمرين : قال : وما هما ؟
قال : رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة ، والقصص بعد الصبح والعصر الخ » 38 .
6 ـ كما أن القصاصين قد قاموا بدور مهم في إحداث الفتنة بين السنة والشيعة في بغداد ، في زمن عضد الدولة ، فمنعهم من القصص . وذلك في سنة 367 ه 39 .
وكذلك جرى في سنة 398 ه . ق .
ثم سمحوا لهم بمزاولة أعمالهم بشرط تركهم التعرض للفتن 40 .
جرأة القصاصين وسيطرتهم :
كان القصاصون جريئين على الله ورسوله ، فلم يكونوا يتورعون عن وضع الحديث ، حتى لقد قال ابن حبان :
« كانوا إذا حلوا بمساجد الجماعات ، ومحافل القبائل مع العوام والرعاع أكثر جسارة في الوضع » 41 . أي في وضع الحديث على لسان رسول الله « صلى الله عليه وآله » .
وقد حدَّث ابن عون ، فقال : « أدركت المسجد ، مسجد البصرة ، وما فيه حلقة تنسب إلى الفقه إلا حلقة واحدة تنسب إلى مسلم بن يسار ، وسائر المسجد قصاص » 42 .
ودعا عطاء بن أبي رباح بخمسة قصاص ، فقال : قصوا في المسجد الحرام .
قال : وهو جالس إلى أسطوانة .
قال : فكان خامسهم عمر بن ذر 43 وأما سيطرتهم على عقول الناس ، فذلك أوضح من الشمس ، وأبين من الأمس ، ويوضح ذلك كثير من الحالات والقضايا التي حصلت لبعض المعروفين ، الذين كانوا يرفضون طريقتهم ، وينظرون إليهم بعين الريب والشنآن .
ولكن كانت كلماتهم تجذبهم ، وأحاديثهم تسحرهم ، رغم علمهم بكونها موضوعة ومكذوبة .
ومن غريب ما يذكر هنا : أن أم الإمام أبي حنيفة لا تقبل بفتوى ولدها ، ولكنها ترضى بقول قاص يقال له : زرعة 44 .
كما أن أحد الكبار المعروفين يحتج لبعض الأمور بقول أحد القصاصين من مسلمة أهل الكتاب ، وهو تميم الداري 45 .
وحين حاول الشعبي أن ينكر على أحد القصاصين في بلاد الشام ما يأتي به من ترهات ، قامت عليه العامة تضربه ، ولم يتركه أتباع ذلك القاص ، حتى قال برأي شيخهم نجاة بنفسه 46 .
بل لقد بلغ الاحترام والتقديس لمجلس القصص والقصاصين أن تخيل البعض :
أن الكلام أثناء القصص لا يجوز ، كما لا يجوز الكلام في خطبة الجمعة ، حتى أعلمه عطاء : أن الكلام أثناء القصص لا يضر 47 .
وقال مالك : « . . وليس على الناس أن يستقبلوهم كالخطيب » 48 .
القصاصون على حقيقتهم
إنه وإن كان كثير من الأعيان والمعروفين كانوا يحضرون مجالس القصاصين ، ويستمعون إليهم 49 ، وقد استمر ذلك إلى وقت متأخر نسبياً ، إلا أن أمرهم قد افتضح ، وظهر لأكثر الناس ما كان خافياً .
وبدأ الناس يجهرون بالحقيقة ، ويصرحون بها ، ونحن نذكر هنا بعضاً من ذلك ليتضح الأمر ، ويسفر الصبح لذي عينين ، فنقول :
1 ـ قال أبو قلابة : « ما أمات العلم إلا القصاص ، يجلس الرجل إلى القاص السنة فلا يتعلم منه شيئاً » 50 .
وقريب من ذلك ما عن أيوب السختياني 51 .
2 ـ لقد ذكر أحد الصحابة لواحد من القصاصين : أن ظهور القصاص كان هو السبب في ترك الناس لسنة نبيهم ، وقطع أرحامهم 52 .
3 ـ عن أحمد بن حنبل : أكذب الناس السؤال ، والقصاص 53 .
4 ـ وقال محمد بن كثير عن القصاص : أكذب الخلق على أنبيائه 54 .
5 ـ وصرح البعض : أن السبب في انتشار الإسرائيليات في كتب التاريخ والتفسير هم القصاصون 55 .
6 ـ وقال إبراهيم الحربي : « الحمد لله الذي لم يجعلنا ممن يذهب إلى قاص ، ولا إلى بيعة ، ولا إلى كنيسة » 56 .
7 ـ وقال ابن قتيبة : « إن القصاص على قديم الزمان كانوا يميلون وجوه العامة إليهم ، ويستدرون ما عندهم بالمناكير ، والغريب ، والأكاذيب من الحديث » 57 .
8 ـ ويقول آخر : « كانوا يضعون الأحاديث في قصصهم قصداً للتكسب والارتزاق ، وتقرباً للعامة بغرائب الروايات ، ولهم في هذا غرائب وعجائب ، وصفاقة وجد لا توصف » 58 .
9 ـ وعن أيوب : ما أفسد على الناس حديثهم إلا القصاص 59 .
10 ـ ولما قص إبراهيم الحربي أخرجه أبوه 60 .
مع تفاصيل أخرى
ولا يقتصر الأمر على ما ذكر ، فإنهم يقولون عن القصاصين أيضاً :
1 ـ ما هم إلا غوغاء يستأكلون أموال الناس بالكلام 61 .
2 ـ إنهم لا يحفظون الحديث 62 .
3 ـ إنهم ينسبون ما يسمعونه من الناس إلى النبي « صلى الله عليه وآله » ، ويخلطون الأحاديث بعضها ببعض ، ويتصنعون البكاء ، والرعدة . ومنهم من يصفر وجهه ببعض الأدوية ، وبعضهم يمسك معه ما إذا شمه سال دمعه ، ويتظاهرون بالصعقة ، ويعملون على استمالة النساء ، وغير ذلك 63 .
4 ـ وقد أحدثوا وضع الأخبار 64 .
5 ـ وعامة ما يحدث به القصاص كذب 65 .
وحسبك من جرائمهم على الحق وعلى الدين :
1 ـ أن قصة الغرانيق من صنعهم 59 .
2 ـ ومنهم من روى : أن يوسف حل تكته ، فلاح له أبوه 66 .
3 ـ وأن قصة داود وأوريا من وضعهم 66 .
4 ـ وأن قراءة القرآن بالإلحان قد جاءت من قبلهم 67 .
5 ـ ووضع بعضهم في ساعة واحدة أحاديث كثيرة حول فضل صيام يوم عاشوراء ، حسب اعترافه 68 .
إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه .
موقف علي عليه السلام من القصاصين
أما بالنسبة لموقف علي « عليه السلام » المتشدد جداً من القصاصين ، الذين كان منهم شخصيات مشهورة ، وذات قيمة لدى بعض الفئات ، فلسوف يأتي الحديث عنه إن شاء الله في فصل : « لا بد من إمام » .
ونكتفي هنا بالإشارة إلى موقف السائرين على نهج أمير المؤمنين علي « عليه السلام » ، وذلك في الفقرة التالية .
السائرون على نهج علي عليه السلام
إننا إنصافاً للحقيقة وللتاريخ نسجل :
أن المواقف السلبية من القصاصين لمن عدا شيعة أهل البيت « عليهم السلام » قد جاءت متأخرة نسبياً عن موقف أتباع مدرسة أهل البيت « عليهم السلام » ، الذين كانوا يسجلون إنكارهم وإدانتهم لهذا الاتجاه في صور ومستويات مختلفة .
وقد تجد ذلك قد ورد على صورة نصائح ربما جاءت خافتة إلى حد ما ، وذلك انسجاماً مع مقتضيات الواقع الذي كان يفرض قدراً من التحاشي عن الجهر بما يخالف سياسات الحكم ، ولو بهذا المستوى الضعيف والضئيل .
ولا نريد هنا أن نسبر أغوار التاريخ لنلتقط الدلائل والشواهد الكثيرة والغزيرة من هنا وهناك ، بل نكتفي بذكر نماذج تشير إلى ذلك ، وهي التالية :
1 ـ روى مسلم بسنده عن عاصم قال : « كنا نأتي أبا عبد الرحمن السلمي ـ ونحن غلمة أيفاع ـ فكان يقول لنا : لا تجالسوا القصاص غير أبي الأحوص ، وإياكم وشقيقاً . وكان شقيق هذا يرى رأي الخوارج ، وليس بأبي وائل » 69 .
2 ـ عن عبد الله بن خباب بن الأرت قال : مر بي أبي ، وأنا عند رجل يقص ، فلم يقل لي شيئاً حتى أتيت البيت . فاتزر ، وأخذ السوط يضربني ، حتى حجره الزنو ، وهو يقول : أمع العمالقة ؟! أمع العمالقة ؟! ثلاثاً . إن هذا قرن قد طلع ، إن هذا قرن قد طلع ، يقولها ثلاثاً 70 .
3 ـ بل إن ابن مسعود الذي يقال : إنه يميل إلى علي « عليه السلام » ، رغم أننا نجد : أنه كان يتأثر خطى عمر بن الخطاب بصورة ملفتة وواضحة ، قد سجل أيضاً إدانته للقصاص من أهل الكتاب 71 ، فما ظنك بغيره من أهل العلم والمعرفة بالدين ؟!
4 ـ وتقدم قول أبي قلابة : ما أمات العلم إلا القصاص ، وإن الرجل يجلس إلى القاص السنة ، فلا يتعلم منه شيئاً .
5 ـ وتقدم أيضاً قـول أحد الصحابة : إن القصاص هم السبب فـي ترك الناس لسنة نبيهم ، وقطيعة أرحامهم . إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه 72 .
- 1. القران الكريم: سورة آل عمران (3)، الآية: 62، الصفحة: 58.
- 2. القران الكريم: سورة يوسف (12)، الآية: 3، الصفحة: 235.
- 3. وراجع : جامع البيان ج 12 ص 90 والدر المنثور ج 4 ص 3 والجامع لأحكام القرآن ج 9 ص 118 وراجع ج 15 ص 248 .
- 4. راجع : اختيار معرفة الرجال ص 214 ـ 215 وجامع الرواة ج 1 ص 353 وتنقيح المقال ج 2 ص 12 ومنتهى المقال ص 144 .
وراجع : نقد الرجال ص 148 وقاموس الرجال ج 4 ص 324 ومعجم رجال الحديث ج 8 ص 68 ـ 69 . - 5. معرفة علوم الحديث ص 136 .
- 6. تاريخ الإسلام للذهبي (حوادث سنة 100 ـ 120 هـ) ص 418 و 419 .
- 7. إنها لمفارقة عجيبة في التناقض بين سلوك النبي « صلى الله عليه وآله » وبين سلوك من يدَّعون خلافته ، فالنبي الذي سعى لطرد اليهود من الجزيرة العربية ، إذ بهم بعد وفاته « صلى الله عليه وآله » يحتلون مكانه بدعوة من الحكام الذين يحكمون باسم النبي « صلى الله عليه وآله » .
- 8. الإصابة ج 1 ص 215 .
- 9. راجع : المصنف للصنعاني ج3 ص219 وتاريخ المدينة لابن شبة ج1 ص11 و12 وراجع ص10 و15 وسير أعلام النبلاء ج2 ص446 وتهذيب تاريخ دمشق ج3 ص360 . وراجع : الخطط للمقريزي ج2 ص253 .
وحول أن عمر قد أمر تميماً الداري بأن يقص ، وأنه أول من قص راجع : الزهد والرقائق ص508 وصفة الصفوة ج1 ص737 وأسد الغابة ج1 ص215 وتهذيب الأسماء ج1 ص138 ومسند أحمد ج3 ص449 ومجمع الزوائد ج1 ص190 والإصابة ج1 ص183 و184 و186 والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج8 ص378 و379 ، وفيه : أنه تعلم ذلك من اليهود والنصارى ، وأرجع في الهامش إلى طبقات ابن سعد ج1 ص75 .
وراجع : الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير ص161 وكنز العمال ج10 ص171 و172 عن المروزي في العلم وعن أبي نعيم ، وعن العسكري في المواعظ والتراتيب الإدارية ج2 ص338 والقصاص والمذكرين ص20 و21 و29 وعن الضوء الساري للمقريزي ص129 ومختصر تاريخ دمشق ج5 ص321 . - 10. راجع : الزهد والرقائق ص508 والقصاص والمذكرين ص29 .
- 11. المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج8 ص378 و379 .
- 12. راجع : سائر المصادر المتقدمة ، وتاريخ المدينة لابن شبة ج1 ص13 وكنز العمال ج10 ص171 عن ابن سعد ، وعن العسكري في المواعظ ، والقصاص والمذكرين ص22 .
- 13. التراتيب الإدارية ج 2 ص 348 عن مروج الذهب ج 2 ص 52 .
- 14. القصاص والمذكرين ص 33 .
- 15. راجع : الجرح والتعديل ج8 ص63 والتاريخ الكبير ج1 ص212 وتاريخ ابن معين ص166 وراجع : الحوادث والبدع ص103 عن المدونة الكبرى ، كتاب الوضوء .
- 16. القصاص والمذكرين ص46 ـ 47 وراجع : المعرفة والتاريخ ج2 ص33 والطبقات الكبرى ج5 ص445 .
- 17. القصاص والمذكرين ص 25 وراجع : ربيع الأبرار ص 588 وتاريخ المدينة ج 1 ص 8 والتراتيب الإدارية ج 2 ص 336 عن أحمد ، وحسّن الهيثمي إسناده .
- 18. القصاص والمذكرين ص 30 .
- 19. تهذيب الكمال ج 4 ص 314 .
- 20. راجع : القصاص والمذكرين ص44 و45 و50 و58 و62 و32 . وراجع : المصنف للصنعاني ج3 ص220 والمعرفة والتاريخ ج1 ص391 ومسند أحمد ج3 ص451 ومتمم طبقات ابن سعد ص136 .
- 21. راجع : التراتيب الإدارية ج2 ص338 .
- 22. تاريخ المدينة لابن شبة ج 1 ص 15 و 16 والخطط والآثار للمقريزي ج 2 ص 254 .
- 23. تاريخ المدينة ج 1 ص 15 وراجع : الحوادث والبدع ص 103 .
- 24. راجع تاريخ المدينة ج 1 ص 10 ومجمع الزوائد ج 1 ص 188 .
- 25. راجع : الخطط والآثار ج 2 ص 254 .
- 26. راجع : أنساب الأشراف ج 4 قسم 1 ص 34 ـ 35 .
- 27. راجع : المصنف للصنعاني ج 3 ص 220 وتاريخ المدينة ج 1 ص 16 و 14 .
- 28. راجع المعرفة والتاريخ ج 2 ص 436 .
- 29. راجع : تمدن إسلام وعرب در قرن چهارم هجري ج 2 ص 80 و85 والجرح والتعديل ج 6 ص 163 .
- 30. راجع : الجيش والقتال في صدر الإسلام ص 135 .
- 31. راجع : التاريخ الكبير ج 3 ص 354 والمعرفة والتاريخ ج 1 ص 596 .
- 32. القصاص والمذكرين ص 28 . لعل الصحيح : أخبار القصاص والمذكرين .
- 33. راجع : قوت القلوب ج2 ص302 و303 وكنز العمال ج10 ص124 عن الطبراني والمعجم الصغير ج1 ص216 وتاريخ المدينة لابن شبة ج1 ص8 و9 والتراتيب الإدارية ج2 ص336 عن أحمد ، وأبي داود ، والطبراني في الكبير والأوسط ، والهيثمي . والقصاص والمذكرين ص25 و28 وسنن ابن ماجة ج2 ص1235 ومسند أحمد ج4 ص233 وج 6 ص29 وربيع الأبرار ج3 ص588 وسنن الدارمي ج2 ص319 ومختصر تاريخ دمشق ج7 ص240 وج 10 ص338 و339 .
وراجع : مجمع الزوائد ج1 ص190 والنهاية في اللغة ج4 ص70 ولسان العرب ج7 ص74 و75 وعن تحذير الخواص ص59 . والحوادث والبدع للطرطوشي ص101 ط تونس سنة 1959 . - 34. تاريخ بغداد ج 1 ص 208 وراجع : سير أعلام النبلاء ج 3 ص 146 وفي هامشه عن ابن عساكر .
- 35. الخطط للمقريزي ج 2 ص 253 والولاة والقضاة هامش ص 203 عن رفع الإصر ص 47 .
- 36. الخطط للمقريزي ج 2 ص 254 .
- 37. راجع : البيان والتبيين ج 3 ص 273 والعقد الفريد ج 2 ص 170 .
- 38. مسند أحمد بن حنبل ج 4 ص 105 وتحذير الخواص ص 70 .
- 39. راجع : البداية والنهاية ج11 ص289 وطبقات الحنابلة ج1 ص158 والمنتظم ج7 ص88 وسير أعلام النبلاء ج16 ص509 وتاريخ الإسلام للذهبي (حوادث سنة 350 ـ 380 هـ) ص153 .
- 40. راجع : المنتظم ج7 ص337 و338 وتاريخ الإسلام للذهبي (حوادث سنة 380ـ400 هـ ) ص337 ـ 338 وشذرات الذهب 149 و150 وبقية المصادر في كتابنا : صراع الحرية في عصر المفيد ص24 و25 الطبعة الأولى .
- 41. عن المجروحين ج 2 ص 30 ، أ .
- 42. القصاص والمذكرين ص 16 .
- 43. المصدر السابق ص 32 .
- 44. القصاص والمذكرين ص90 وتاريخ بغداد ج3 ص366 .
- 45. عيون الأخبار لابن قتيبة ج 1 ص 297 .
- 46. السنة قبل التدوين ص211 عن تمييز المرفوع عن الموضوع ص16 ب . والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع .
- 47. المصنف للصنعاني ج3 ص388 .
- 48. الحوادث والبدع ، لأبي بكر محمد بن الوليد الطرطوشي ص99 ط تونس سنة 1959 م .
- 49. راجع : القصاص والمذكرين وغيره .
- 50. ربيع الأبرار ج3 ص588 والقصاص والمذكرين ص107 وراجع ص108 وأضواء على السنة المحمدية ص124 .
- 51. السنة قبل التدوين ص213 عن الجامع لآداب الراوي وأخلاق السامع ص147 .
- 52. راجع : مختصر تاريخ دمشق ج10 ص202 ومجمع الزوائد ج1 ص189 وغير ذلك .
- 53. القصاص والمذكرين ص83 وراجع : طبقات الحنابلة ج1 ص253 وعن قوت القلوب ج2 ص308 . والحوادث والبدع ص102 .
- 54. القصاص والمذكرين ص84 وراجع : تحذير الخواص ص80 .
- 55. تاريخ المذاهب الإسلامية ج1 ص15 .
- 56. القصاص والمذكرين ص109 .
- 57. تأويل مختلف الحديث ص355 ـ 357 .
- 58. الباعث الحثيث ص85 .
- 59. a. b. القصاص والمذكرين ص85 .
- 60. القصاص والمذكرين ص107 .
- 61. ربيع الأبرار ج3 ص589 .
- 62. القصاص والمذكرين ص62 ـ 63 .
- 63. راجع : القصاص والمذكرين ص78 و79 فما بعدها إلى آخر الباب .
- 64. القصاص والمذكرين ص18 .
- 65. المصدر السابق ص19 .
- 66. a. b. المصدر السابق .
- 67. المصدر السابق ص96 و97 .
- 68. المصدر السابق ص84 .
- 69. صحيح مسلم ج1 ص15 والقصاص والمذكرين ص107 .
- 70. القصاص والمذكرين ص104 وخباب صحابي معروف ، وقد مات «رحمه الله» وعلي «عليه السلام» في صفين .
- 71. مجمع الزوائد ج1 ص189 .
- 72. الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الخامسة ، سنة 2005 م . ـ 1425 هـ . ق ، الجزء الأول : مدخل إلى دراسة السيرة ، الفصل الرابع .