نص الشبهة:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تروي كتب التاريخ بأنه كانت هناك عدة مصاحف منتشرة بين الصحابة منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحتى الخليفتين الأول والثاني، وفي عهد الخليفة الثالث عثمان أصدر أوامره بحرق هذه المصاحف وإلزام الأمة بمصحفه هو فقط.
والسؤال الأول هو: كيف استطاع عثمان أن يلزم الأمة بمصحفه فقط، وهل فعلاً تمكن من إحراق جميع المصاحف بما في ذلك مصحف أمير المؤمنين ومصحف أبي بن كعب ومصحف ابن مسعود ومصحف عبدالله بن عباس؟
والسؤال الثاني: هل أعاد عثمان ترتيب بعض الآيات حسب ما تقتضيه السياسة في ذلك الوقت، فمثلاً هل له دور في وضع آية التطهير وسط آيات خاصة بنساء النبي في سورة الأحزاب؟
الجواب:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد جمع القرآن قبل وفاته.. وكان الكثيرون من الصحابة يكتبون ما يحصلون عليه من السور القرآنية التي كانت تنزل تدريجاً فتكونت لديهم مصاحف خاصة بهم كانوا يقرأون فيها.
وبعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، رفض أصحاب السلطة القبول بمصحف الرسول (صلى الله عليه وآله)، الذي جاءهم به أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ لأنهم خافوا مما كان النبي (صلى الله عليه وآله)، قد أثبته فيه من التفسير لآياته والتأويل لها، أو بيان شأن نزولها، أو غير ذلك..
ولم يكونوا ـ أعني الهيئة الحاكمة ـ قد جمعوا لأنفسهم مصحفاً على ما يظهر، فطلبوا من زيد بن ثابت فجمع لهم مصحفاً.
واستمر الناس يقرؤون في ما لديهم من مصاحفه بلهجاتهم، وحسب ما أثبتوه فيها، حيث لم يكن لها ترتيب واحد، من حيث تسلسل السور، مع رداءة خطوطها، وبدائية تلك الخطوط، واختلاف في تصوير الكلمات في تلك المصاحف..
وقد أدرك حذيفة بن اليمان قائد جيوش السلطة في حروبها مع أهل فارس خطورة الموقف، ورأى اختلاف اللهجات، واختلاف ترتيب المصاحف، وما إلى ذلك فشكا ذلك إلى عثمان، فشاور عثمان أهل الرأي، فكانت النتيجة هي أنه كتب نسخة واحدة من المصاحف أرسلها إلى الأقطار، لتكون هي المرجع، والمعتمد لهم في كتابة مصاحفهم، وترتيبها، ووحدة القراءة لها..
وقد صوبه أمير المؤمنين (عليه السلام)، في فعله هذا، وأخبر أنه لم يفعل ذلك إلا عن ملأ منهم. وأنه لو ولِّي لفعل مثل الذي فعل 1.
ورغم أن عثمان قد أصاب في جمعه الناس على قراءة واحدة، ولكنه أخطأ حين بادر إلى حرق المصاحف التي جمعها.. لأن إحراق المصاحف مرفوض من الناحية الشرعية..
وعلى كل حال: فإن ابن مسعود، أبى أن يسلم مصحفه إلى عثمان، وتبعه على ذلك جماعة آخرون.. وأما مصحف الإمام علي (عليه السلام)، فهو مصحف رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الذي لم يستطع الناس أن يصلوا إليه بعد أن رفضت السلطة اعتماده..
وأما ترتيب الآيات في السور فقد ذكرنا في كتابنا: «حقائق هامة حول القرآن الكريم» وفي كلامنا عن السبب في تقديم آية: ﴿ … الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ …﴾ 2.. على آية: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ … ﴾ 3.. في كتابنا: «مختصر مفيد الجزء الرابع».. أن ذلك كان من قبل الله ورسوله.. وأن أحداً لم يتصرف في الآيات بشيء.. وأما بالنسبة لآية التطهير، فإنها أيضاً لم تنقل من مكانها الأصلي.. ولو أنها نقلت لفسد المعنى.. فراجع كتابنا: «أهل البيت في آية التطهير»..
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين 4..
- 1. راجع: البرهان في علوم القرآن ج1 ص240 و235 وتفسير القرآن العظيم ج4 (الخاتمة) ص11 وغرائب القرآن، بهامش الطبري ج1 ص24 وتاريخ القرآن للزنجاني ص68. وسنن البيهقي ج2 ص42 ومناهل العرفان ج1 ص255 و275، وراجع: سعد السعود ص278 وإرشاد الساري ج7 ص448 والإتقان ج1 ص59 و60 والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج1 ص54 والفتنة الكبرى ج1 ص183 وتاريخ القرآن للأبياري ص111، وكنز العمال ج2 ص370 و373 عن الصابوني في الماءتين، وعن ابن أبي داود، وابن الأنباري، والحاكم، والبيهقي، وبحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص163. والكامل في التاريخ ج3 ص112. والتمهيد ج1 ص288 و289 والنشر في القراءات العشر ج1 ص8 و33 ومباحث في علوم القرآن ص 138 وراجع فتح الباري ج9 ص16.
- 2. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 3، الصفحة: 107.
- 3. القران الكريم: سورة المائدة (5)، الآية: 67، الصفحة: 119.
- 4. مختصر مفيد.. (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، السيد جعفر مرتضى العاملي، «المجموعة الخامسة»، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1424 ـ 2003، السؤال (250).