بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم: الشيخ زكريا بركات
من البديهيات في الفكر الإسلامي: أن القرآن الكريم هو كتاب النور والهداية، فهو المعيار للتمييز بين الحق والباطل.. وهو ما أكدت عليه الأحاديث الشريفة المتواترة، ومنها الأحاديث المروية عن أئمة الهدى من أهل البيت عليهم السلام.
ففي المحاسن للبرقي 1 : 216 ، بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: “مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْحَقَّ مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ يَتَنَكَّبِ الْفِتَنَ”.
وفي الكافي للكليني 2 : 600 ، بسند موثق عن الإمام الصادق عليه السلام: “إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ فِيهِ مَنَارُ الْهُدَى، وَمَصَابِيحُ الدُّجَى”.
وفي الأمالي للصدوق (ص291) بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام أن كتاب الله : “هو حكمته ونوره”.
وفي التوحيد للصدوق (ص546) بسند صحيح عن الإمام الرضا عليه السلام: “كلام الله، لا تتجاوزوه، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلوا”.
وقد جعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) المائز بين الصحيح والكذب من الحديث، ففي الكافي للكليني 1 : 69 ، بسند معتبر عنه (صلى الله عليه وآله) : “أَيُّهَا النَّاسُ مَا جَاءَكُمْ عَنِّي يُوَافِقُ كِتَابَ اللَّهِ فَأَنَا قُلْتُهُ، وَمَا جَاءَكُمْ يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ فَلَمْ أَقُلْهُ”.
وفي الكافي للكليني 1 : 69 ، بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام: “كُلُّ حَدِيثٍ لا يُوَافِقُ كِتَابَ اللَّهِ فَهُوَ زُخْرُفٌ”.
وفي الكافي للكليني 1 : 95 ، بسند صحيح عن الإمام الرضا عليه السلام: “إِذَا كَانَتِ الرِّوَايَاتُ مُخَالِفَةً لِلْقُرْآنِ كَذَّبْتُهَا”.
وفي الكافي للكليني 3 : 422 ، بسند صحيح عن الإمام الباقر عليه السلام : “قَدْ بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) الَّذِي أُرْسِلَ بِهِ، فَالْزَمُوا وَصِيَّتَهُ وَمَا تَرَكَ فِيكُمْ مِنْ بَعْدِهِ مِنَ الثَّقَلَيْنِ؛ كِتَابِ اللَّهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، اللَّذَيْنِ لَا يَضِلُّ مَنْ تَمَسَّكَ بِهِمَا، وَلا يَهْتَدِي مَنْ تَرَكَهُمَا”.
وفي الكافي للكليني 5 : 65 ، بسند معتبر عن الإمام الصادق عليه السلام أنه عبَّر عن الأدلَّة التي تكون من القرآن الكريم بأنها: “أَحَقُّ مَا اتُّبِعَ وَعُمِلَ بِهِ”.
ومن هنا كانت (مخالفة كتاب الله) من أبرز الملامح التي تتميز بها الأهواء والبدع، كما في الكافي للكليني 1 : 54 بسند موثق عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: “إِنَّمَا بَدْءُ وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاءٌ تُتَّبَعُ وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ يُخَالَفُ فِيهَا كِتَابُ اللَّهِ”.
ولذا كان “أصدق القول” كما في الرواية الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وآله في الأمالي للصدوق (ص487) ، والتي جاء فيها: “أصدق القول وأبلغ الموعظة وأحسن القصص كتاب الله”، وما يكون أصدق القول، فهو معيار التمييز بين الصدق والكذب.
إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تبين أن كتاب الله هو المعيار والمائز بين الحق والباطل، وهو النور الذي به تنكشف ظلمات الشك والضلالة.. وهي حقيقة معدودة في البديهيات والضروريات في عقيدة المسلمين.. وإنما ذكرنا الشواهد من الأحاديث الشريفة من باب التنبيه لمن لم يطلب العلم أو لمن عاش بعيداً عن أجواء الثقافة الإسلامية، فحُرم من معرفة الواضح والبديهي.
فإذا تبين ذلك فقد حان لنا أن نقول: إن ما يكون معياراً، فإن معنى معياريته أن يُعرض عليه غيره، سواء كان حديثاً أو غير حديث، لتُعرف قيمة المعروض بذلك.. فكل حديث نجده مخالفاً لكتاب الله تعالى، فإننا بذلك نخرجه من دائرة الحجية ولا نقول إنه يجوز التمسك به.
ومن العجب أنّ بعض المسلمين لم يهجروا كتاب الله فحسب، ولم يكتفوا بترك المعيار فقط، بل تمادوا فجعلوا الأحاديث معياراً للقول بأن في كتاب الله خللاً..! وهذا ليس تركاً للمعيار فقط، بل هو قلب للحقيقة تماماً، بعرض المعيار على ما ليس معياراً.. وهكذا فعلوا..! وكانت النتيجة أن قال هذا القبيل من المسلمين إن القرآن الكريم وقع فيه تحريف..!
فإن سألتهم: كيف عرفتم أن في المعيار خللاً؟!
أجابوا: عرفنا ذلك من خلال الأحاديث المروية..!!!
فانقلبت القاعدة عندهم رأساً على عقب، فبدلاً من أن يعملوا بكلام القرآن وأهل البيت الذين قالوا: إن الحق والباطل من الأحاديث يعرفان بالعرض على كتاب الله، قالوا إن الأحاديث هي المعيار الذي به يعرف الحق من الباطل في القرآن الكريم..
ولو عرضوا الأحاديث الدالة على التحريف على كتاب الله (كما أمر أهل البيت عليهم السلام) ، لوجدوا كتاب الله ينطق: (إِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ . لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) فُصِّلت: 41 ـ 42 . ولوجدوه يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر: 9 .
فأهل البيت عليهم السلام أكدوا على مرجعية القرآن الكريم لمعرفة الحق من الباطل من الأحاديث، وكتاب الله واضح الدلالة على أنه محفوظ مصون من كل صور الباطل، بينما هناك أحاديث أو أخبار تدل على وقوع التحريف في كتاب الله، فوجب القول بأن هذه الأحاديث مكذوبة بشهادة القرآن الكريم، أو أن لها وجهاً آخر يمكن أن ينسجم مع الحفظ وعدم التحريف، ولو خفي علينا ذلك الوجه فلم نعرفه على التفصيل.
ومن العجيب أن يجزم من يَدَّعي العلم أن القرآن قد وقع فيه خللٌ بسبب مجموعة من الأحاديث، ولا يجزم بوقوع الخلل في تلك الأحاديث بسبب أنها تخالف القرآن الكريم..!
هذه لمحة أردنا من خلالها أن نتعرف على مكانة القرآن الكريم في تراث أهل البيت عليهم السلام، وأن نستفيد من ذلك أنه معيار ومائز بين الحق والباطل، وبناء عليه: لا يصح الاعتقاد بأن فيه خللاً أو تحريفاً، بل يلزم الاعتقاد بأن ما دل من الروايات على التحريف، هي الأولى بالتكذيب والتخطئة والقول بالتحريف.
والحمد لله رب العالمين.