بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم: زكريَّا بركات
تمهيد:
القطبُ الراونديُّ (ت 573 هـ) من مشاهير علماء الإماميَّة في القرن السادس الهجري، وهو أبو الحسن أو أبو الحسين، سعيد بن عبد الله بن حسين بن هبة الله بن حسن الراوندي، المتوفى سنة: 573 هـ ، وقبره معروف مشهور في صحن حرم السيِّدة فاطمة المعصومة (ع) في مدينة قم المقدَّسة.
والقطب الراونديُّ (رض) من مشاهير علماء الإماميِّة، وأمناء فقهائهم، وثقات محدِّثيهم. وله كتاب مشهور مطبوع باسم: الخرائج والجرائح، تطرَّق إلى ذكر معجزات النَّبيِّ والآل صلوات الله عليهم.
1 ـ نقل القاضي الزيديِّ الحافظ شرف الدين المهلَّا من كتاب القطب الراوندي:
القاضي المهلَّا (ت1111 هـ) من مشاهير أعلام الزيدية، وكتابه “مطمح الآمال” من المصادر المعتمدة عند الزيديَّة، وهو كتاب نفيس، اشتمل على فوائد مهمَّة لا يستغني عنها الباحثون.
قال القاضي المهلَّا في مطمح الآمال (ص148) :
“وروى في كتاب الجوانح والجوامح لأبي سعيد هبة الله بن الحسن النهاوندي عن أبي بصير، قال…”.
ثمَّ ذكر الخبر المشتمل على إخبار الإمام الباقر (ع) على المغيَّبات فيما يرتبط بدولة بني العبَّاس.
ولم يتفطَّن المحقِّق “عبد الله الحوثي” إلى الخطأ في النسخة، ولا عرف الكتاب والمصنِّف الذي ينقل عنه القاضي المهلَّا..!
ثمَّ قال القاضي المهلَّا في (ص149) من المصدر نفسه:
“وفي الكتاب المذكور عن أبي بصير، قلتُ للباقر:…”.
وذكر تمام الرواية التي فيها تصريح الإمام الباقر (ع) أنه وارث جميع علوم الأنبياء، ووارث جميع علوم رسول الله (ص) ، وأنه (ع) من أهل بيت يقدرون ـ بإذن الله تعالى ـ على إحياء الموتى، وشفاء المرضى، وإخبار الناس بما في بيوتهم. وفي الخبر ذكر ردِّ البصر على أبي بصير بمسح الإمام الباقر (ع) يده على وجهه، ثمَّ مسحه (ع) يده ثانياً على وجه أبي بصير فعاد مكفوفاً كما كان.
أقول: الخبران موجودان بنفس المضمون والترتيب في كتاب الخرائج والجرائح للقطب الراونديِّ (رض) 1 : 273 ـ 274 ، ط: مؤسسة الإمام المهدي ـ قم 1409 هـ .
2 ـ تعليقات الباحث على الموضوع:
أوَّلاً: إنَّ هذا الخطأ في التَّحقيق والتصحيح مشهودٌ في الكثير من كتُب التراث الزيديِّ، وهو عائد إلى ضعف علماء الزيديَّة ومحقِّقيهم في مجال التراجم وعلم الرِّجال، ولذلك نجد كتب أئمَّة الزيديَّة مشحونةً بالأخطاء في الأسماء، مملوءةً بالتخليط في الأسانيد. وقد تخلَّص بعض محقِّقي الزيديَّة من هذه الإشكاليَّة، كالمحقِّقَين عبد الكريم جدبان ومحمد يحيى سالم عزَّان، وذلك بالانفتاح على كتب التراجم وعلم الرجال عند الإماميَّة، بينما بقي الكثير من محقِّقي الزيدية أسرى هذا القصور والخلل بسبب انغلاقهم غير المبرَّر.
ثانياً: إنَّ نقل القاضي المهلَّا لهذا النصِّ من كتاب إماميٍّ، شاهدٌ على أنَّ علماء الإماميَّة معتمدون ثقات عند أئمَّة الزيديَّة وعلمائهم، وقد عبَّر القاضي المهلَّا في المصدر نفسه (ص) بـ “من علماء الأمَّة المحمَّدية” عن محمد بن إبراهيم النعماني مؤلف كتاب الغيبة، وهو اثناعشري، وكتابه يشتمل على النصِّ على الاثني عشر (ع) .. وقد لقيَ إمامُ الزيديَّة الناصر الأطروش (ت 304 هـ) فقيهَ الشيعة ومرجعهم ورئيس قُم في زمانه: أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، وروى عنه بلا واسطة حديثاً في كتابه البساط (ص75 بتحقيق جدبان) ، كما روى إمام الزيديَّة يحيى بن الحسين الهاروني (ت 424 هـ) في أماليه (تيسير المطالب) مجموعةً من الأحاديث عن الكثير من علماء الشيعة.. فما يظهر من بعض علماء الزيديَّة أو باحثيهم من التعصُّب ضدَّ الإماميَّة واتهامهم، من التعصُّب الطائفي غير المحمود، وهو ممَّا لا ينبغي لأهل العلم والإنصاف، هدانا الله تعالى وإيَّاهم إلى لمِّ الشَّمل ورأب الصدع.
ثالثاً: إنَّ ما رواه القاضي المهلَّا من المعجزات عن الإمام الباقر (ع) ، ممَّا ينبغي إشاعته في عملية التثقيف للزيديَّة، فإنَّ هذا النوع من الثقافة كاد يتلاشى بفعل نشاط الوهابيَّة في اليمن، ممَّا أدَّى إلى نشوء جيل من الزيديَّة يستنكر كثيراً من كرامات أهل البيت (ع) ، ويظنُّ أنَّ هذا النوع من الأخبار ممَّا تختص به الإماميَّة.
والله وليُّ التوفيق، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
تمَّ الفراغ منه صباحَ الجمُعة 15 ربيع الأوَّل 1443 هـ
الموافق 22 أكتوبر 2021