صباح الاثنين الساعة العاشرة انبثت عبر الأثير رسائل الحزن والأسى بوفاة الفقيد العلامة الشيخ محمد علي العمري (المدينة المنورة) عن عمر ناهز الـ 100 عام قضاها في خير البلاد ومنفعة العباد.
قد لا يختلف الشيخ العمري عن الكثير من أبناء صنفه من طلبة العلم، الذين تلقوا علومهم ومعارفهم في هذه المدينة أو تلك على يد جهابذة العلم والمعرفة، فالكثير من رجال العلم يشاركونه هذه الميزة، وإذا كانت هذه ميزة له في شبابه حيث الوصول لتلك الأماكن وأولئك العلماء والصبر والتجلد للتتلمذ على أيديهم فيه الكثير من العناء والتحمل، فإننا نتحدث الآن عن زمن تيسرت وسهلت فيه الكثير من الأمور.
مع كل ذلك فقد كان للشيخ ما ميزه وتفرد به عن الكثير ممن يقطعون هذا الشوط العلمي المبارك والمهم، وسأشير هنا إلى بعض من ذلك نظرا لضيق مساحة المقال.
أولا: لقد أتيح للشيخ أن يمارس حياته العملية في محيط واسع، محيط أوسع من محيطه الفكري، فكان إلى جانب تصوره ونظرته للأمور هناك تصورات أخرى لها مريدوها وأتباعها وأنصارها.
وكانت الحدّة تعني تصادماً فيه الضياع والانفلات والعواقب الخطيرة، هذا ما أدركه الشيخ منذ عاد يمارس دوره كموجه لأهله ومجتمعه لذلك تراه في مواقفه ومنعطفات مجتمعه مليئا بالاعتدال والايجابية.
ثانيا: ساعده الفراغ المتاح في مجتمعه ليشمر عن ساعديه ويتحمل الثقل الذي يهرب منه الكثيرون، وهو أن يكون في واجهة المشهد الاجتماعي، ليكون محلاً تصله قضايا مجتمعه، فيساهم بصلاحه وعلمه بإصلاح ما أمكنه، ومعالجة ما هو قابل للمعالجة من مشاكل وأزمات تحصل بين أبناء المجتمع، فكان ملاذاً للجميع ومحلا لقضايا الناس وخلافاتهم.
كما استطاع أن يساهم بمكانته وموقعيته في إيصال حاجات ومتطلبات هذا الجسد (مجتمعه) بجهة القرار في منطقته (المدينة المنورة)، لتنال بعض تلك القضايا حظها من الوضع على سكة الحلحلة والحل.
ثالثا: مكلف أن يكون الإنسان في الواجهة، وربما كلفته (الشيخ) مكانته تلك الكثير من الأثمان وعلى صعد مختلفة، لا يناسب المقام ذكرها والمرور بها، لكنها في المقابل أنضجت جانب الحكمة والروية في شخصية الشيخ (رحمه الله).
يلحظ ذلك في العديد من مواقفه التي لا تستوقفها لحظات الانفعال والتوتر، بل تحسب بلغة الأرقام والحس والوعي ساعات الغد، وما سيكون عليه المشهد بعد حين، فتسدده الحكمة ويهيمن عليه الصبر، ويكشف له الأمل أن الغد يحمل في طياته الخير، وأن ساعات العناء في أي أمر وقضية لن تستمر.
العزاء كل العزاء لأولاده وبناته وأهله وذويه وأقاربه وأبناء مجتمعه ولكل محبيه، والأمل معقود في أبناء صنفه ومجتمعه وابنه الشيخ كاظم ليواصلوا جميعا درب هذا الأب من منطلق الحاجة لمثل ذلك الدور والفهم العميق للفائدة المرجوة منه1.
- 1. الشيخ محمد الصفار * صحيفة اليوم 29 / 1 / 2011م – 2:19 ص