بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم: زكريا بركات
٦ يونيو ٢٠١٦
بلغني أن أحدهم كتب مقالاً ينكر فيه أن هناك علاقة بين (القطع) وبين (البتر) ؛ وغرضه في ذلك نفي حد القطع بمعنى البتر ليد السارق والسارقة..! فكتبت نبذة مختصرة ونشرتها.. وأنشرها هنا رجاءً لتعميم الفائدة إن شاء الله تعالى..
في عجالة من الأمر أقول:
إن كان القطع لا علاقة له بالبتر في العربية؛ فكيف قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب العين إن الأقطع هو مقطوع اليد؟
وإذا كان القطع لا علاقة له بالبتر كما زعم صاحب المقال؛ فكيف قال الخليل بن أحمد في كتاب العين إن عبارة (أقطعني قُضباناً) تعني: أذن لي قطعها، ويُسمَّى القضيب الذي تبرى منه السهام: القطع؟
وإذا لم يكن للقطع علاقة بالبتر فكيف يقول العرب: (قاطع فلانٌ وفلانٌ سيفيهما) ويعنون بذلك: نظرا أيهما أقطع؟
وإذا لم يكن للقطع علاقة بالبتر فكيف يعبر عن السوط المقطوع طرفُه بـ (القطيع) ؟
إلى غير ذلك من استعمالات (القطع) وما ينتمي إليه في اللغة من اشتقاقات، والتي تدل على أن القطع من معانيه المعروفة المشهورة في اللغة: البتر..
وهذا معلوم كالبديهي لدى كل عربي وكل من ألف اللغة العربية..
فالعجب ممن يتصدى للكلام حول تفسير القرآن الكريم، ويتجاهل كل هذه المعطيات التي تبلغ بالمعلوم حدَّ البديهي..!
وحين نتابع الاستعمالات القرآنية للقطع والتقطيع نجد العديد منها بمعنى البتر..
قال الله تعالى في سورة المائدة – 33 : (إِنَّما جَزاءُ الَّذينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْديهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظيمٌ) .
فهل القطع والتقطيع هنا أيضاً لا علاقة له بالبتر كما يزعم صاحب المقال؟!
وقال الله تعالى في سورة محمد – 15 : (وَ سُقُوا ماءً حَميماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) ، فهل هذا التقطيع أيضاً لا علاقة له بالبتر؟!
وقال الله تعالى في سورة طه – 71 : (قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبيرُكُمُ الَّذي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ في جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى) . فهل هذا التقطيع أيضاً لا علاقة له بالبتر؟!!
وقال الله تعالى في سورة الحشر – 5 : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقينَ) . فماذا يعني القطع هنا؟ أليس هو البتر الذي خلافه تركها قائمةً؟
وماذا عن قوله تعالى في سورة يوسف – 31 : (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَريمٌ) ، وقوله تعالى من سورة يوسف – 50 : (ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَليمٌ) . فهل التقطيع هنا أيضاً لا علاقة له بالبتر؟؟؟
فهذي الآيات كلها استعمل فيها القطع بمعنى البتر، ولا مجال لحمله على معنى آخر.. فكيف غابت كل هذه الاستعمالات القرآنية عن ذهن من يزعم أنه يفقه في تفسير القرآن الكريم؟؟؟
ثم كيف يصح أن يفسر القطع بمعنى الحبس، والقطع في آية السرقة يهدف إلى العقاب التنكيلي، وليس إلى مجرد المنع والمحاصرة.. فالآية بتمامها: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزيزٌ حَكيمٌ) ، ومن هنا صح للفقيه أن يتمسك بالتنكيل للحكم بحضر عملية وصل اليد بعد قطعها؛ لمنافاة ذلك مع التنكيل..
والله ولي التوفيق.
والحمد لله رب العالمين.