مقالات

العقل…

العقل نور روحاني أودعه الله عَزَّ و جَلَّ في الإنسان ، و هو آلة التفكير و القوةٌ المدركةٌ و المُميِّزة التي أنعم الله بها على الإنسان .
قال الله جَلَّ جَلالُه : ﴿ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ﴾ 1 .
هذا و قد مدح الله عَزَّ و جَلَّ العقلاء في آياتٍ كثيرة في القرآن الكريم ، كما و ذمَّ الذين لا يتفكرون و لا يعقلون ، فقال عَزَّ مِنْ قائل : ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ 2 .
و نعمة العقل هي من أعظم النعم التي أنعمها الله عَزَّ و جَلَّ على الإنسان ، فقد رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السَّلام ) أنه قال : ” لَا غِنَى كَالْعَقْلِ وَ لَا فَقْرَ كَالْجَهْلِ … ” 3 .
و العقل ضِدُّ الجنون ، و يراد به وعي الإنسان و إدراكه ، و التمييز بين الضَّار و النافع ، و كون الإنسان مدركاً لما يجري حوله ، و أن تكون أفعاله و أقواله نابعة عن إرادته .
و العقل أحب خلق الله إليه جَلَّ جَلالُه ، فقد رُوِيَ عن الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السَّلام ) أنه قَالَ : ” لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ اسْتَنْطَقَهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَقْبِلْ ، فَأَقْبَلَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَدْبِرْ ، فَأَدْبَرَ ، ثُمَّ قَالَ : وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ ، وَ لَا أَكْمَلْتُكَ إِلَّا فِيمَنْ أُحِبُّ ، أَمَا إِنِّي إِيَّاكَ آمُرُ ، وَ إِيَّاكَ أَنْهَى ، وَ إِيَّاكَ أُعَاقِبُ ، وَ إِيَّاكَ أُثِيبُ .
و العقل هو الحجة الباطنة التي يحتجُّ الله جَلَّ جَلالُه بها على عباده ، فقد رُوِيَ عن الإمام موسى بن جعفر ( عليه السَّلام ) أنه قال لهِشام : ” يَا هِشَامُ : إِنَّ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حُجَّتَيْنِ ، حُجَّةً ظَاهِرَةً ، وَ حُجَّةً بَاطِنَةً ، فَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَ الْأَنْبِيَاءُ وَ الْأَئِمَّةُ ( عليهم السلام ) ، وَ أَمَّا الْبَاطِنَةُ فَالْعُقُولُ ” 4 .
و العقل هو المعيار الذي يُحدَّد الثواب على أساسه ، فبقَدَر ما أوتي الإنسان من العقل و بحسب درجة عقله يكون الثواب ، فكلَّما كَمُلَ العقل إزداد الثواب و الأجر ، فقد رُوِيَ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) أنه قال : ” … إِنَّ الثَّوَابَ عَلَى قَدْرِ الْعَقْلِ … ” 5 .
وَ روى الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) عن رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) أنه قال : ” إِذَا بَلَغَكُمْ عَنْ رَجُلٍ حُسْنُ حَالٍ فَانْظُرُوا فِي حُسْنِ عَقْلِهِ ، فَإِنَّمَا يُجَازَى بِعَقْلِهِ ” 5 .
وَ رُوِيَ عن الرسول المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) أنه قال : ” مَا قَسَمَ اللَّهُ لِلْعِبَادِ شَيْئاً أَفْضَلَ مِنَ الْعَقْلِ ، فَنَوْمُ الْعَاقِلِ أَفْضَلُ مِنْ سَهَرِ الْجَاهِلِ ، وَ إِقَامَةُ الْعَاقِلِ أَفْضَلُ مِنْ شُخُوصِ الْجَاهِلِ ، وَ لَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً وَ لَا رَسُولًا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ الْعَقْلَ ، وَ يَكُونَ عَقْلُهُ أَفْضَلَ مِنْ جَمِيعِ عُقُولِ أُمَّتِهِ ، وَ مَا يُضْمِرُ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه وآله ) فِي نَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنِ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِينَ ، وَ مَا أَدَّى الْعَبْدُ فَرَائِضَ اللَّهِ حَتَّى عَقَلَ عَنْهُ ، وَ لَا بَلَغَ جَمِيعُ الْعَابِدِينَ فِي فَضْلِ عِبَادَتِهِمْ مَا بَلَغَ الْعَاقِلُ ، وَ الْعُقَلَاءُ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ مَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ” 5 .

  • 1. القران الكريم : سورة الزمر ( 39 ) ، الآية : 17 و 18 ، الصفحة : 460 .
  • 2. القران الكريم : سورة الأنفال ( 8 ) ، الآية : 22 ، الصفحة : 179 .
  • 3. نهج البلاغة : 478 ، طبعة صبحي الصالح .
  • 4. الكافي : 1 / 16 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
  • 5. a. b. c. الكافي : 1 / 12 .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى