نص الشبهة:
لقد جمع الشيعة لأئمتهم بين العصمة والتقية، وهما ضدان لا يجتمعان. لأنه ما الفائدة من عصمة أئمتكم إذا كنتم لا تدرون صحة ما يقولونه ويعملونه، طالما أن تسعة أعشار دينكم التقية؟! وبما أنكم تجعلون التقية ثوابها ومرتبتها بمرتبة الصلاة، بحيث أن «تارك التقية كتارك الصلاة» («بحار الأنوار» (75 / 421)، «مستدرك الوسائل» (12 / 254).)، وأن «تسعة أعشار الدين هو التقية» («أصول الكافي» (2 / 217)، «بحار الأنوار» (75 / 423).)، فلا شك أن أئمتكم قد عملوا بكل الأعشار التسعة! وهذا يضاد عصمتهم المزعومة!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً: كما أن الله تعالى هو الذي يختار الأنبياء للنبوة لأنه تعالى أعلم بخلقه، فإنه أيضاً هو الذي يختار أوصياءهم، لأنه أيضاً الأعلم بهم، وبالخلق، وبالكاملين منهم، الذين يستحقون هذا المقام..
فإذا نص النبي على الوصي والإمام، واختاره الله تعالى، فليس لأحد أن يعترض عليه، قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ … ﴾ 1.
ثانياً: إن من يختاره الله تعالى للإمامة بعد النبوة هو الذي يتحمل مسؤولية صيانة دين الأمة، وحفظ مفاهيمها، وضبط حركتها وفق أحكام الشريعة. وهو واقف على ما لديه من إمكانات وقدرات ويعرف متى يقدم ويحجم، وكيف؟!
وإذا فرضت الظروف أمر الناس بالتقية في مورد، فإنه هو الذي سيكون مسؤولاً عن تعريفهم بما يجب عليهم من ذلك، وهو الذي يبين لهم أحكام الله، ويتولى إرشادهم إلى الحقائق التي يجب عليهم الإلتزام بها ومراعاتها بعد زوال الظرف الذي اقتضى التقية، وكيف ومتى..
فلزوم العمل بالتقية لحفظ الأنفس في وقت لا يعني ضياع الحكم الشرعي من أيدي الناس إلى الأبد..
ثالثاً: إذا كان المطلوب من الناس العمل بالحكم الشرعي الإضطراري أحياناً، كالتيمم بدلاً عن الوضوء.. أو كان المطلوب حفظ النفس بالعمل بحكم ثانوي في وقت ما، كما لو كان لا بد من مجاراة المشركين في التفوه ببعض ما يعجبهم، للتخلص من القتل، فإنه إذا تبدلت الحالة المقتضية لهذا الأمر، فلا بد من العودة إلى الحكم الشرعي الأولي.. ولا يخلُّ ذلك بعصمة النبي، لأنه الذي أمر ذلك المضطر بالعمل بالحكم الإضطراري أو الثانوي، أو لأنه رخص لمؤمن آل فرعون بأن يكتم إيمانه، أو أجاز لعمار بن ياسر أن يعمل بما يحفظ حياته.. بل يكون أمره هذا هو الواجب الذي تفرض عليه عصمته أن يعمل به، فإذا زالت الضرورة كان المطلوب منه: أن يعرِّفه بحكمه الواقعي الذي أصبح قادراً على امتثاله، والعمل به.. وهذا أيضاً منسجم مع العصمة. وليس من موجبات الإخلال بها.
رابعاً: بالنسبة للحديث الذي يقول: تسعة أعشار الدين هو التقية، نقول:
إن هذا الحديث لا اعتبار به من حيث السند، فلا معنى للإحتجاج به ففي سنده أبو عمرو الأعجمي، وهومجهول.
كما أن الحديث الآخر لا سند له، وهو إنما جاء من طريق الحسين بن حمدان الخصيبي، وهو من الغلاة الذين لا عبرة بروايتهم.. فلا معنى لقول السائل: إنكم تجعلون التقية ثوابها ومرتبتها بمرتبة الصلاة.. فإن رواية الحديث شيء، والإعتقاد بمضمونه شيء آخر..
خامساً: وإن كان للسائل أصرار على الكلام حول هذا الحديث، فإننا نقول:
إنه لم يقل: تجب التقية في تسعة أعشار الدين، ويبقى جزء واحد منه لا تقية فيه، ليقال لنا: إن أئمتكم عملوا بكل الأعشار التسعة.. بل قال الحديث: إن التقية في أهميتها، وفي عظيم فائدتها في حفظ أهل الحق، بحيث يوازي ثوابها ثواب من عمل بتسعة أعشار الدين..
ولعل سبب إطلاق هذه الأحاديث هو أن الكثيرين ربما يتحرجون من الإستفادة من التقية ظناً منهم أن ذلك استهتار بالدين، وعدم اهتمام بأحكامه، وأن الأولى هو العمل بمرّ الحق، وليحدث على الإنسان ما يحدث.
فجاءت هذه النصوص لترغبهم بالعمل بالتقية وتوجب عليهم حفظ نفوسهم بها.. ولتقول لهم: إن العمل بها لا ينقص من عظيم قدرهم، ولا يحرمهم من الثواب الجزيل، والأجر الجميل..
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. 2.
- 1. القران الكريم: سورة الأحزاب (33)، الآية: 36، الصفحة: 423.
- 2. ميزان الحق.. (شبهات.. وردود)، السيد جعفر مرتضى العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، الطبعة الأولى، 1431 هـ. ـ 2010 م.، الجزء الثاني، السؤال رقم (85).